الإسلام ليس منهج اعتقاد وايمان وشعور في القلب فحسب ، بل هو منهج حياة إنسانية واقعية ، يتحول فيها الاعتقاد والايمان إلىٰ ممارسة سلوكية في جميع جوانب الحياة لتقوم العلاقات علىٰ التراحم والتكافل والتناصح ، فتكون الأمانة والسماحة والمودة والاحسان والعدل والنخوة هي القاعدة الأساسية التي تنبثق منها العلاقات الاجتماعية .
أكدّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته عليهمالسلام علىٰ التآزر والتعاون والتواصل والتحابب ليكون الود والوئام والسلام هو الحاكم في العلاقات الاجتماعية بين الفرد والمجتمع وبين الأفراد أنفسهم ، فلا يطغىٰ حق الفرد علىٰ حق المجتمع ، ولا حق المجتمع علىٰ حق الفرد ...
من الذين اعتنوا عناية فائقة بمسألة العلاقة بين الدين والمدنية في مطلع القرن العشرين وخلال العقود الأولى منه، يبرز اسم المفكر المصري محمد فريد وجدي الذي دافع عن هذه المسألة بوضوح كبير في كتابه (المدنية والإسلام)، وكان يرى أن الدين يمثل ذروة المدنية، والتأكيد على أن الإسلام هو روح المدنية، والتبشير بأن مآلات المدنية الاقتراب من الدين.
مازال الحديث يتزايد عند المثقفين والنخب الفكرية والسياسية في العالم العربي حول المجتمع المدني. الذي يتراكم الحديث حوله بصورة تفاضلية، وبالشكل الذي يمكن أن يؤرخ لهذا المفهوم كحدث فكري في الخطاب الثقافي العربي المعاصر. وهذا المفهوم كغيره من المفاهيم السائدة و الشائعة، الذي لم يتحرر من إشكالية التوظيفات السياسية والأيديولوجية، حيث زج به بطريقة عجولة ومتسارعة في المعترك السياسي قبل أن تتبلور التنظيرات المعرفية حوله.
الحرية المدنية ناتجة عن كون الإنسان شخصية قانونية و مستقلة بطبيعته، و عن كونه كياناً قائماً بذاته، له وجوده الخاص و حياته الخاصة به. و سنعالج هذين الحقين تمهيداً لبحث حق الإنسان بالحرية المدنية، فمن المسلمات في الإسلام و في الشرائع الإلهية عامة، أن الإنسان له شخصيته القانونية و ذمته المالية المستقلة عن غيرها من الذمم.