ما رأيكم في قول الصدوق في أماليه إن إحياء ليلة القدر بطلب العلم هو الأفضل؟ مع أنه لم يذكر روايةً تدل على ذلك؟ ولم ينقل عن غيره من العلماء حتى من المحدثين؟
كما أن هناك في عالم الطبيعة ثلاثة أشهر هي فصل الربيع، كذلك أيضاً بالنسبة لعالم الأرواح؛ فإن ربيعها هذه الأشهر المباركة الثلاثة: رجب شهر الله -عز وجل-، وشعبان شهر نبيه (ص)، وشهر رمضان شهر أمته.. فرب العالمين جعل لنا شهرين للتهيئة، لعقد الصفقة الكبرى في ليلة القدر.
كما أنّ الله قدّر أن تنكسر رجل زيد عندما يرمي بنفسه من شرفة المنزل إلى الأرض، كذلك قدّر أن يرتفع الغمّ عن زيد إذا دعا ربّه برفع الغمّ، بحيث لو لم يدعه قد لا يرفع الله الغمّ عنه، فالدعاء هو جزء من القانون السببي في حصول ما قضى به الله أو قدّر.
يصف اللَّه تعالى ليلة القدر بأنها ﴿ ... خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾1 وأنها ليلة التقدير ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾2 حيث تتقرر الأحداث والأقدار والقضايا المصيرية، التي ترتبط بالإنسان والحياة، في هذه الليلة، من قبل اللَّه تعالى.
توقف المفسّرون التابعون لمذهب أهل البيت عليهم السلام طويلاً عند كلمة (تنـزّل) التي هي في الأصل (تتنـزّل) . فهي كلمة تدلّ على الاستمرار ، لأن صيغة المستقبل والمضارع لا تدلّ على المستقبل فحسب ، وإنّما تدلّ على حالة الاستمرار والتداوم والتواصل .
يبدو أن أهم ما في هذه الليلة المباركة تقدير شؤون الخلائق ، وقد استنبط اللفظ منه ، فهي ليلة الأقدار المقدرة . وقال بعضهم : بل لأنها ليلة جليلة القدر ، قد أنزل الله فيها كتاباً قديراً ، ولأن الذي يحييها يكون عند الله ذا قدر عظيم .
تبلغ دقائق ولحظات ونفحات ليلة القدر المباركة قمّة العظمة والجلال، ونحن قد تعوّدنا الحديث عنها بما يربطنا بحظيرة القدس المباركة من خلال حمده وتسبيحه والشكر له والثناء عليه وتهليله وتكبيره جل وعلا، ومن ثمّ الخضوع والتبتّل والخشوع والتوسّل والطلب ممّا نطمع في عطائه ورحمته ورزقه وممّا لا ينتهي من النعم والخيرات.
في حديث مروي عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حدّد فيه هدف خلقة الإنسان ضمن كلمات مختصرة هي غاية في العبقرية والبلاغة ، إذ يقول صلوات الله عليه :
ملفٌ يجمع في طياته ما يقارب ال(32) موضوعاً متنوعاً و مفهرساً نُشر في موقع مركز الإشعاع الإسلامي ضمن دائرة المعارف الاسلامية بخصوص ليالي القدر المباركة و أعمال هذه الليالي و الأدعية و الصلوات المأثورة و الخاصة بهذه الليالي، كما و يحتوي الملف على نصوص و ملفات صوتية من اعداد "مركز الاشعاع الاسلامي للبحوث والدراسات الاسلامية"، و يشتمل هذا الملف على النصوص الدينية المرتبطة بالموضوع و أيضا على أبحاث و دراسات و إجابات معمقة و الرد على الشبهات المطروحة بأقلام هادفة و أمينة لعلماء و كُتاب عدة بغية التسهيل على المراجعين و الباحثين الكرام.
ان العمر كله محدود ، والمناسبات فيه محدودة أيضاً ، وحري بنا أن نستفيد منها بصورة نتمكن بها مقاومة الوساوس الشيطانية التي تؤثر علينا وتبعدنا عنها ، كمناسباتٍ وفرصٍ ، ما هي في الحقيقة إلا نفحات رحمانية ، من الضروري جداً أن نتعرض لها . ليلة القدر ، وما أدراك ما ليلة القدر! إنها ليلة عظيمة جداً ، لاتصالها المباشر بمصير كل إنسان على وجه الأرض . فقد يدخل الإنسان هذه الليلة وقد كتب شقياً ؛ أي إنه مثبَّتٌ إسمه في ديوان الله سبحانه وتعالى في قائمة الأشقياء والمحرومين من ثواب الله ورحمته . ولكن بعض الناس يدخلون هذه الليلة ويخرجون منها وهم سعداء مكتوب اسمهم في أسماء أهل الجنة والرضوان والطاعة ، وفي قائمة المرحومين برحمة الله .
لا شك في أن ليلة القدر هي ليلة نزول القرآن و هي في شهر رمضان بدليل أن القرآن نزل في شهر رمضان المبارك و تحديداً في ليلة القدر لقول الله عزوجل: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ...}. و يقول جَلَّ جَلاله في سورة القدر: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}. و يقول سبحانه و تعالى: في سورة الدخان: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}. و بالجمع بين هذه الايات يتضح أن القرآن الكريم قد نزل بالتأكيد في شهر رمضان و في ليلة القدر، فليلة القدر هي ليلة نزول القرآن و هي في شهر رمضان.
يستفاد من الروايات المنقولة عن الأئمة الاطهار عليهم السلام أن هناك صلة و تشابه بين ليلة القدر و ليلة النصف من شعبان من ناحية الآثار و التحولات، حيث أن فيهما تقسم الأرزاق و تكتب الآجال و ... و يوجد تصريحات من الائمة الاطهار عليهم السلام بأن الله جعل ليلة النصف من شعبان لأهل البيت عليهم السلام بإزاء ما جعل في ليلة القدر للنبي الاعظم صلى الله عليه و آله ... و قد يستفاد من هذا : أن من لا يتمكن من إدراك مطلوبه في ليلة القدر ، فإن في ليلة النصف من شعبان عوضاً . . أو أن التقدير في ليلة النصف من شعبان في لوح المحو والإثبات ، ثم يكون الحتم في ليلة القدر . .
عن الإمام محمد الباقر عليه السلام ، عن آبائه : أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى أن يغفل عن ليلة إحدى وعشرين ، وليلة ثلاث وعشرين ، أو ينام أحد تلك الليلة 1 . قال الإمام محمد الباقر عليه السلام : من أحيى ليلة القدر غفرت له ذنوبه ، ولو كانت ذنوبه عدد نجوم السماء ، ومثاقيل الجبال ، ومكائيل البحار 2 . قال الإمام محمد الباقر عليه السلام : من وافق ليلة القدر فقامها غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر 3 .
قلت : ليس التقدير ممّا يختلف وإنّما يختلف العلم به ، فالّذي يعلم تقدير الأمور ومجاريها أَزلاً وفي اللوح المحفوظ هو اللّه وحده لا شريك له ، وأمّا الذي يتنزّل به ويُطلع أولياءه عليه فهو في ليلةٍ مباركةٍ هي ليلة القدر من شهر رمضان من كلّ عام .