حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
ماذا نريد من التنمية الثقافية؟
إذا كنا نتطلع إلى مستقبل جديد لمجتمعنا، فإن هذا التطلع لن يكون بعيداً عن الثقافة، ودورها الحيوي في التنمية الثقافية والاجتماعية والتطور الشامل. فالثقافة لها فاعلية لا يمكن قياس درجتها وحجمها ومساحتها وزمنها، بل ولا تعادلها أية قوة أخرى. والحضارات إنما تنهض بالثقافة ولا تنهض بغيرها، كما نهضت الحضارة الإسلامية بقانون (اقرأ). وإذا كان لكل أمة شخصيتها الخاصة، فإن الثقافة هي التي تنسج هذه الشخصية وتبلور ملامحها الأساسية.
والثقافة بمعناها الشامل ترتبط بشكل وثيق بهوية وتاريخ وتراث وتقاليد وآداب أية مجتمع من المجتمعات البشرية، كما برهنت على ذلك دراسات علم الاجتماع والأنثربولوجيا، وليس هناك تطور بلا ثقافة، ولا تنمية بلا ثقافة.
وقد اعتبر ماريو ثراجوتا، المدير العام السابق لمنظمة اليونسكو، في كتابه (نظرة في مستقبل البشرية) إن المشاكل التي تعترض طريق البشرية هي في حقيقة أمرها ثقافية في المقام الأول، وحلها لن يتيسر إلا بتشجيع الثقافة. والدارسون لقضايا التنمية والتخلف وجدوا أن الثقافة عنصر أساسي في مختلف مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والسياسية. لهذا فأن المستقبل الذي نتطلع إليه في تحسين أحوالنا، وتطوير أوضاعنا، وتجديد حياتنا، من شروطه الحيوية هو الثقافة..
والسؤال ماذا نريد من التنمية الثقافية، ونحن في العقد العربي للتنمية الثقافية؟
أولاً: إن أي تطور ننتظره لمجتمعنا لن يكون بعيداً عن مشاركة الثقافة، وإن شرط هذا التطور أن نسبقه بتطور ثقافي يرفع مستوى الناس إلى الاستعداد لخلق تطور جديد. وهذا يعني أن من أهم معوقات التطور الاجتماعي في مجتمعنا هو محدودية الثقافة إذا لم يكن غيابها.
ثانياً: إننا على الصعيد المحلي نعايش ومنذ فترة غير قصيرة تحولات اجتماعية واقتصادية وديموغرافية غير متوازنة، ولا ترافقها عملية ثقافية لضبط هذه التحولات وموازنتها بالشكل الذي يقلل من مضاعفاتها السلبية. وما هو جدير بالانتباه أن مجتمعنا اليوم قد بات خصباً لتحولات ومفاجئات في اتجاهات مختلفة متوقعة وغير متوقعة، ولا نعرف نتائجها ومضاعفاتها، والثقافة هي من أهم وسائل الرشد الاجتماعي، والتوجيه التربوي، والضبط السلوكي.
ثالثاً: إن البناء والتقدم الاجتماعي هو نتيجة طبيعية ومنطقية لتراكم ثقافي ومعرفي، ومن دون هذا التراكم فليس هناك بناء للإنسان والمجتمع. والمشكلة أن الإنسان عندنا قد يميل إلى المظهر ويغفل الجوهر، ولا يعيش الثقافة في حياته، ولا يكاد يقترب منها إلا بصعوبة وهذا يصدق على مختلف أشكال وأنماط الثقافة. وما زالت الثقافة تعيش على هامش الحياة وتأتي في المرتبة الثانوية حيث يتقدم المال على كل شيء، فهو محور التسابق ومعيار التفاضل. وما نحتاجه هو مزيد من الثقافة لخلق تراكم ثقافي لسد حاجتنا من الثقافة، ولأنها القاعدة الأساسية للنهوض الاجتماعي.
رابعاً: إن حصوننا باتت مهددة من الداخل مع الثورة الكاسحة للعولمة وتكنولوجيا الاتصالات الفضائية والأرضية التي وصلت إلى كل بيت، وقد أصبح في متناول كل فرد في أي مكان من العالم أن يعيش مع كل الأحداث والتطورات والأنساق والأنماط الفكرية والسلوكية المتعددة والمتناقضة والغريبة. والسؤال كيف نحمي قيمنا ونحافظ على هويتنا وتراثنا ونحصن أهم خلية في المجتمع وهي الأسرة. من جهة أخرى كيف نوظف ثورة الاتصالات هذه إيجابياً في تحصيل المعلومات المتدفقة بسرعة مذهلة، وما يعرف بانفجار المعرفة، وتراكم العلوم الضخم في مجالات الطب والحاسوب ومختلف العلوم الطبيعية والتطبيقية، لنعالج ما نحن فيه من نقص وفقر في المعلومات والعلوم، والتنمية الثقافية يفترض منها أن تساعدنا في تحصين واقعنا من الاختراق الثقافي والاجتماعي، وفي خلق الوعي باتجاه كسب المعارف.
خامساً: إن تطور مستوى التعليم العام من مراحله الأولى إلى أعلى مراحله العليا، وبما يشمل الفئات الاجتماعية كافة، إن هذا التطور يتوقف بدرجة كبيرة على تنمية المجتمع ثقافياً، بحيث يدرك الفرد قيمة العلم والتعليم في حاضره ومستقبله، وعلى قاعدة أن يتحول العلم والتعليم إلى وسيلة حيوية فعالة في بناء الشخصية الناجحة، والكفاءة العالية، والخبرة الرفيعة، وتوظيف هذا العلم في بناء المجتمع وتطويره1.
- 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الأربعاء / 7 سبتمبر 2005م، العدد 14256.