حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
الفكر الإسلامي والموقف العلمي تجاه العولمة
لعل الفكر الإسلامي المعاصر بحاجة ماسة اليوم لأن يراجع موقفه من العولمة، ويجدد ويطور ويوازن في هذا الموقف، الذي تشكل في أول الأمر بفعل تأثير صدمة العولمة، الصدمة التي شعر بها الجميع، وإن تفاوتت وتباينت ردات الفعل نحوها بين الثقافات والمجتمعات الإنسانية.
وبتأثير هذه الصدمة اتخذ الفكر الإسلامي موقفاً من العولمة، غلب عليه حالة الإرباك والانفعال، أمام ظاهرة فاجأت الجميع في شدة وقوة مفاعيلها وتأثيراتها، حيث قلبت بصورة جذرية منظورات الرؤية إلى العالم.
وعند تحليل هذا الموقف نكتشف بسهولة أن له طبيعة نفسية، أكثر من كونه معبراً عن موقف له طبيعة علمية. في حين كان من الأصوب أمام هذه الظاهرة المكثفة والمركبة تغليب وتحكيم الموقف العلمي والتحليل العلمي، وليس الموقف النفسي والتحليل النفسي، وهذا الذي ينبغي أن يتغير اليوم في موقف الفكر الإسلامي المعاصر.
وإذا كان الموقف النفسي يستجيب لحاجة الفكر الإسلامي لموقف التحصن والممانعة، فإن الموقف العلمي يستجيب لحاجة تكوين الفهم والمعرفة بالعولمة. ومن غير الممكن أساساً خلق موقف التحصن والممانعة بالاستناد على الموقف النفسي فحسب، وبعيداً عن الموقف العلمي.
هذا الاختلال في التوازن بين الموقف النفسي والموقف العلمي، أحدث خللاً في رؤية الفكر الإسلامي المعاصر للعولمة.
ويلاحظ أيضا أن الفكر الإسلامي المعاصر في وجهته العامة، مازال محكوماً برؤيته الأولية تجاه العولمة، وهي الرؤية التي يغلب عليها موقف الرفض والشك والتعامل السلبي. وهذه كانت القراءة الأولى للعولمة، لكنها القراءة التي مازالت مستمرة، وهي قراءة في الأصل كانت ناقصة وغير ناضجة، وتعبر عن مرحلة ما قبل اكتمال الرؤية ونضجها. وكان يفترض أن يعاد النظر لاحقا في مثل هذه القراءة، وتوجيه النقد لها، والبحث عن قراءة ثانية تكون أكثر نضجاً وموضوعية وتوازنا من القراءة الأولى، وهذا الذي لم يحدث!
فقد اعتاد الفكر العربي والإسلامي خلال القرن الأخير، في احتكاكه بالمفاهيم والأفكار والمقولات الوافدة عليه من خارج منظومته ومرجعيته الفكرية والتاريخية، أن يبدأ قراءته الأولى بالتوجس والخوف والتشكيك والرفض إلى زمن، وينتهي في زمن آخر إلى رؤية أخرى، وفهم مختلف يكون على قدر من التوازن والثقة والثبات.
فالأدبيات العربية والإسلامية قابلت العولمة بخوف وهجوم شديدين، بوصفها إرادة للهيمنة وإقصاء وتدمير، وأنها تمثل مرحلة استلاب وطمس وتنميط.. إلى غير ذلك من أوصاف وتسميات تصلح أن يجعل منها قاموساً يطلق عليه قاموس العولمة.
هذه المنهجية بالتأكيد لا تقدم فهماً ومعرفة وإدراكاً للعولمة، ولا تبني قدرة على المواجهة والتحدي، أو التحصن والممانعة. كما أن هذه المنهجية لا تقدم حلاً ولا تعالج مشكلة ولا تنتج بديلاً. فمشكلة العولمة ليست في الهجوم عليها، فهذا من أسهل الأمور وأبسطها، بل مشكلة العولمة وأي ظاهرة جديدة، هو كيف نفهمها ونكوّن معرفة بها، قبل الفهم وتكوين المعرفة لا جدوى من أي خوف أو هجوم.
والخوف من العولمة له كل ما يبرره، لكن ما هي حدود هذا الخوف؟ أو كيف ندرك ماهية هذا الخوف؟ ونفصل ما هو وهم مصطنع، وما هو خوف مبرر ومشروع؟ وهل سنظل خائفين باستمرار؟
هذه الرؤية الأولية الخائفة والناقصة للعولمة، بحاجة لأن يتجاوزها الفكر الإسلامي المعاصر، سعياً نحو بناء رؤية علمية محكومة بإرادة المعرفة1.
- 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الأربعاء / 7 يونيو 2006م، العدد 14529.