حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
هل اخفق خطاب الاصلاح والتجديد في المجال الاسلامي؟
ارتبط خطاب الإصلاح والتجديد في المجال الإسلامي في العصر الحديث بالدولة العثمانية، التي أصابها الضعف والترهل والجمود، ولم يكن بمقدورها التناغم والتفاعل مع هذا الخطاب، والاستجابة لشروطه ومقتضياته. فقد وجد حكام وسلاطين الدولة العثمانية في نصائح السيد جمال الدين الأفغاني مصدر إزعاج لهم، وهو يدعوهم إلى تبني الشورى الدستورية في إدارة نظام الحكم والدولة، وتلبية مطالب الرعية، والتقرب منهم، ولهذا كان الأفغاني يتعرض للنفي دائماً. وهذا يعني أن الشروط الموضوعية لم تكن مهيأة ومساعدة لتقدم ونجاح خطاب الإصلاح والتجديد.
وأمام الضعف والتراجع الذي كانت عليه الدولة العثمانية، كانت أوروبا تزحف بقوة نحو العالم الإسلامي، وتتحول إلى قوة صاعدة على مستوى العالم بعد الكشوفات الجغرافية، وسيطرتها على الممرات المائية، الذي جعلها تتحكم في التجارة العالمية.
ومنذ أن سيطرت أوروبا على العالم الإسلامي، قامت بتفكيكه وتجزئته، وعملت على إفقار اقتصادياته، وسلب ثرواته، وتحطيم البنى التحتية الأساسية له.
هذه الوضعيات لم تهيئ فرص التقدم والنجاح لخطاب الإصلاح والتجديد، الذي تعرض للتراجع مع قيام الدولة العربية الحديثة، التي قطعت صلتها المرجعية بالثقافة الإسلامية، وتبنت في المقابل الخيارات الفكرية المرتبطة بالمرجعيات الأوروبية، تحت ذريعة بناء الدولة العصرية الحديثة، واللحاق بالركب الحضاري لأوروبا.
ولهذا أصبح الإحساس بالهوية قوياً في الفكر الإسلامي المعاصر، بخلاف ما كان عليه الفكر الإسلامي الحديث في عصر الإصلاح الإسلامي، المفارقة التي فسرت بالقطيعة، وهي كذلك بالفعل.
وقد تأثر خطاب الإصلاح والتجديد الإسلامي، بثلاثة عوامل أساسية متصلة ومتشابكة ساهمت في عدم تقدمه، وانحسار جماهيريته، هذه العوامل هي:
أولاً: العامل الفكري، فمنذ بداية القرن العشرين وحتى نهايته لم يحصل في العالم العربي تطوراً فكرياً واسعاً وكبيراً، وممتداً على مستوى الشرائح الاجتماعية المتعددة، يرفع من المستويات الثقافية عند الناس، ويعزز فيهم حب العلم والمعرفة، ويربطهم بقيم العقلانية، والبحث عن فرص التقدم، والتطلع إلى المستقبل بأمل وتفاؤل. ولم تنجح في هذه المهمة حتى أنظمة ومؤسسات التعليم والتعليم العالي على مستوى الدولة، وهي المؤسسات التي يفترض منها غرس البذور الفكرية، وحرث العقول، وتنمية حب العلم في الإنسان منذ الصغر، وتوصيله إلى المستوى الذي يقدم فيه إبداعاً إنسانياً في مرحلة الدكتوراه.
هذا الضعف في التطور الفكري يشكل عاملاً مهماً يحجب شرائح كبيرة من عموم الناس في التفاعل والاندماج مع خطاب الإصلاح والتجديد الإسلامي، فالأمية ما زالت متفشية بصورة مذهلة في مجتمعات العالم العربي، ولهذا تصبح النخبة في العالم العربي والإسلامي هي الأقرب إلى خطاب الإصلاح والتجديد الإسلامي.
ثانياً: العامل السياسي، في هذا المجال أيضاً لم يشهد العالم العربي تطوراً سياسياً واسعاً وكبيراً في ميادين الديموقراطية والإصلاح الدستوري، وعلى مستوى المشاركة السياسية للأمة، وترسيخ نهج الحكم الرشيد، وبناء دولة القانون التي تحمي الحريات، وتصون حقوق الإنسان. فالضعف وعدم التطور في هذه الميادين والمجالات، يقلل من إمكانية تقدم وصعود خطاب الإصلاح والتجديد الإسلامي، ويتيح في المقابل تقدم وصعود الاتجاهات المتطرفة والمتشددة، مستفيدة من حالات الاحتقان والتأزم السياسي.
ثالثاً: العامل الاقتصادي، فوجود البطالة والفقر والشعور بالفروقات الاجتماعية، وعدم الإحساس بالحياة الكريمة، وصعوبة البحث عن طلب الرزق، وما يصاحب هذه الوضعيات من الشعور باليأس والإحباط يقرب الشرائح الكبيرة من الناس إلى خطاب التطرف والتشدد، ويكرس في المقابل قدراً من القطيعة والانفصال عن خطاب الإصلاح والتجديد الإسلامي1.
- 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الأربعاء / 22 نوفمبر 2006م، العدد 14697.