حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
التأثير المزدوج بين المسلمين في مجتمعاتهم غير الإسلامية، والمحيط الإسلامي
كما أن واقع العالم الإسلامي يؤثر على واقع المسلمين في مجتمعاتهم غير الإسلامية، فإن واقع هؤلاء المسلمين في مجتمعاتهم غير الإسلامية يؤثر أيضاً، ضعفاً وقوة، تراجعاً وتقدماً، تخلفاً وتمدناً على العالم الإسلامي. فكلما تحسنت أوضاع هؤلاء، وتقدموا في المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية والحضارية، فإن هذا التقدم يضيف إلى رصيد العالم الإسلامي قوة وقدراً من الهيبة. وكلما ساءت أوضاع هؤلاء وتراجعوا في تلك المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية والحضارية، فإن هذا التراجع يضيف إلى العالم الإسلامي ضعفاً، وينتقص من هيبته ومكانته في العالم.
هذه الصورة المزدوجة في تبادل التأثير، تلفت النظر إلى فكرة التقدم، والحاجة إلى التمدن، كسبيل لتغيير الأوضاع التي نحن عليها، وللارتقاء بالعلاقات بين العالم الإسلامي وبين المسلمين في مجتمعاتهم غير المسلمة، وحتى يكون للمسلمين هيبة ومكانة في هذا العالم.
وتقربنا هذه الفكرة إلى طبيعة المشكلة الحضارية في العالم الإسلامي، فجميع المعضلات والأزمات والتحديات التي نتحدث عنها، ناشئة ومتأثرة في كون أن العالم الإسلامي ما زال غير متمدن، هذا هو أصل الداء، وعلة العلل، وحسب عبارة مالك بن نبي (إن مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارته)، ويصور لنا هذا المنطق أن المشكلة هي في أنفسنا، وليس عند غيرنا ﴿ ... قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ... ﴾ 1، ويصدق علينا قوله تعالى:﴿ ... إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ... ﴾ 2
إلى جانب تلك الصورتين، هناك صورة ثالثة لا ينبغي أن تغفل في هذا السياق من الحديث، وتتحدد هذه الصورة في تأثير واقع الأقليات غير المسلمة في المجتمعات الإسلامية، على واقع الأقليات المسلمة في المجتمعات غير المسلمة. فتحسين أوضاع الأقليات غير المسلمة في المجتمعات الإسلامية، يفترض أن يشجع على إمكانية تحسين واقع الأقليات المسلمة في تلك المجتمعات، ويشكل حافزاً قوياً في المطالبة بتحسين واقع هؤلاء والارتقاء به.
لهذا كان يفترض أن تحسن أوضاع الأقلية الصينية الكبيرة في ماليزيا، وبهذا المستوى الذي وصلت إليه هناك، أن يساهم في تشجيع الحكومة الصينية على الالتفات إلى أوضاع المسلمين الصينيين الذين يشكلون ثاني أكبر الأقليات، ويمثلون نسبة 10% من مجموع السكان، وتحسين هذه الأوضاع والارتقاء بها، وهذا ما لم يحدث بالمستوى الذي يقارن بأوضاع الصينيين في ماليزيا.
وهذه المفارقة ينبغي أن يلتفت إليها وباهتمام، المسلمون الصينيون، ويركزون عليها، وهم يطالبون بتحسين أوضاعهم، والارتقاء بها بما يعادل مستوى غيرهم من المواطنين الصينيين.
ومن وجه آخر يصلح أن يكون هذا المثال، نموذجاً في إمكانية مساهمة الأقليات غير المسلمة في بناء التقدم الحضاري للمجتمعات الإسلامية، مثل ما ساهمت الأقلية الصينية في بناء التقدم الحضاري لماليزيا، حيث كان لها دور حيوي ومهم في هذا المجال، ويذكره لها الماليزيون قبل غيرهم.
وذلك بعد أن تبنت ماليزيا سياسة اقتصادية جديدة منذ عام 1970م، ركزت فيها على اقتران التنمية بالمساواة، لإتاحة فرص النمو والتقدم والمشاركة لمختلف مكونات التعدد الديني والعرقي في ماليزيا، وتمثل ماليزيا اليوم نموذجاً ناجحاً لتعايش الأقليات الدينية والعرقية.
ونفس هذا الدور الذي قامت به الأقلية الصينية في ماليزيا، يمكن أن تقوم به الأقليات الأخرى غير المسلمة في المجتمعات الإسلامية، متى ما ضمنت هذه الأقليات حقوقها، وشعرت بالمساواة في التعامل معها، وأدمجت في مشاريع التقدم والتنمية، وبتعبير آخر متى ما تحقق عندها التوازن بين جدلية الهوية والانتماء، الهوية التي تعيد لها التوازن النفسي والفكري، والانتماء الذي يبعث فيها روح المشاركة والإحساس بالواجب. بهذا المنظور ينبغي النظر لجدلية العلاقة بين الهوية والانتماء3.
- 1. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 165، الصفحة: 71.
- 2. القران الكريم: سورة الرعد (13)، الآية: 11، الصفحة: 250.
- 3. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ، العدد 14732.