حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
خطاب النهايات في تصورات الغربيين
يبدو أن المفكرين الغربيين وجدوا جاذبية خاصة في مقولة النهايات، التي تحولت عندهم إلى مقولة مفضلة، التفضيل الذي كشف عنه الاستعمال الواسع لهذه المقولة، وتواترها المتصل في كتاباتهم ومؤلفاتهم، على تعدد واختلاف موضوعاتها ومجالاتها، وهم المعروف عنهم، أو عند شريحة كبيرة منهم، الخشية والحذر من الوقوع في التكرار والاجترار، أو الظهور بمظهر التقليد والتبعية للآخرين، وهكذا الخوف والاحتراز من النقد وسطوته الشديدة عندهم.
وتعد هذه المقولة بهذا القدر من التواتر، من المقولات الحديثة، والتي تنتمي بشكل أساسي إلى العقود الأخيرة من القرن العشرين، وعرفت بها الثقافة الأوروبية، ومازالت تعرف بها أكثر من غيرها من الثقافات الإنسانية الأخرى، وكأن هذه المقولة هي أقرب إلى روح الثقافة الأوروبية وطبيعة تطورها التاريخي، ولها علاقة بأنماط التحولات الشاملة والعميقة التي شهدتها وتشهدها الحضارة الغربية، وبحركة وتراكم العلوم والمعارف على تعدد وتنوع مجالاتها وميادينها الإنسانية والطبيعية هناك.
ولا أعلم فيما إذا كانت هذه المقولة، قد درست عند الغربيين بوصفها فكرة ناضجة في داخل الفكر الغربي أو التاريخ الغربي الحديث، وما إذا أنجزت حولها كتابات ومؤلفات، إلا أنها تصلح بالتأكيد لأن تكون موضوعاً للدراسة والبحث، ولعله موضوع شيق على ما أظن، تكون شبيهة بالدراسة التي أنجزها الباحث الأمريكي آرثر هيرمان حول (فكرة الاضمحلال في التاريخ الغربي) الصادرة عام 1997م، والتي تتبع فيها فكرة الاضمحلال عند الغربيين في كتاباتهم ومؤلفاتهم، وحسب ميولهم واتجاهاتهم، وعلى أساس أزمنتهم وأمكنتهم، وجاءت في سياق ما عرف بعلم الأفكار الذي يتتبع تاريخ فكرة معينة، ويكشف عن أطوارها وتحولاتها، وعلاقتها بالأبعاد والسياقات الأخرى المتصلة بها.
وسوف تظهر مثل هذه الدراسات عاجلاً أم آجلاً، مع نمو هذه الفكرة وتراكمها واتساعها، ولكونها فكرة لافتة بطبعها، وتشد الانتباه إليها.
ومن أكثر المقولات حديثاً التي شدت الانتباه إلى فكرة النهايات، هي مقولة نهاية التاريخ التي تحدث عنها الكاتب الأمريكي الياباني الأصل فرنسيس فوكوياما، في مقالة نشرها بهذا العنوان بمجلة (ناشيونال انترست) صيف 1989م، والتي سرعان ما احتلت العناوين الرئيسية في مجلات (التايم) و(النيوزويك) وغيرها، وتحولت في فترة قياسية حسب قول الكاتب الأمريكي ألن ريان، إلى رعشة في كل العالم، وحركت من الجدل والسجال في الغرب والعالم، بما يفوق المقولات الأخرى.
وعند الغربيين لا تستعمل مقولة النهايات بنسق موحد من جهة الفهم والمعنى، فهناك تعدد واختلاف من هذه الجهة، فقد تعني هذه المقولة عند البعض، بمعنى الوصول إلى حالة من العجز والتوقف والانسداد النهائي، وإلى هذا المعنى ذهب صاحب كتاب: (نهاية العلم.. مواجهة حدود المعرفة في غسق العصر العلمي)، الكاتب الأمريكي المحرر في المجلة المتخصصة بالعلوم الأمريكية جون هورجن، الذي اعتبر أن العلم وصل إلى ثلاث انسدادات وصلت به إلى نهايته، وهذه الإنسدادات في نظره هي:
أولاً: أنه لم يعد هناك اكتشافات كبرى تحدث على صعيد العلم.
ثانياً: إن العلم المعاصر تحول إلى عمليات رياضية معقدة لا يفهمها، ولا يهتم بها معظم البشر على الإطلاق.
ثالثاً: إن بعض ما يبحث عنه أهل العلم اليوم، أو يزعمون ذلك لن يصلوا إليه أبداً1.
- 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الخميس 26 رجب 1428هـ / 9 أغسطس 2007م، العدد 14957.