حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
فكرة المواطنة في المجال الفكري السعودي
طبيعة المجتمع السعودي وبنيته وتركيبته البشرية والاجتماعية المتعددة والمتنوعة، تلح بشدة إلى طرح فكرة المواطنة، وإثارة الحديث والنقاش حول هذه الفكرة وبلا توقف، فكل الشروط والأرضيات والسياقات المحفزة لانبعاث هذه الفكرة موجودة، وهي قريبة من الأذهان، بل ونلمسها بطريقة حسية، مع ذلك ظلت هذه الفكرة ولفترة طويلة من الزمن، بعيدة عن المجال التداولي الفكري.
وهذه من المفارقات التي تلفت الانتباه إلى إحدى صور الانقطاع أو التباعد ما بين المجال الموضوعي من جهة، والمجال الفكري من جهة أخرى، فالمجال الموضوعي يلح بشدة إلى طرح فكرة المواطنة، في حين أن المجال الفكري لم يكن يقترب كثيرا من هذه الفكرة إلى فترة من الزمن، الأمر الذي يعني أن المجال الفكري في هذا الجانب، لم يكن يواكب المجال الموضوعي ويتناغم مع شروطه، ويتفاعل مع مقتضياته.
والضعف في هذه الجانب أو النقص لا يرجع بطبيعة الحال إلى المجال الموضوعي المنكشف بطبعه وطبيعته والدال على فكرة المواطنة، وإنما يرجع إلى المجال الفكري الذي لم يكن يقظا بالقدر الكافي لهذه الفكرة، ولم يتنبه إليها منذ وقت مبكر، وتأخر في التعاطي معها، والنهوض بها، والبناء والتراكم عليها.
وكان المفترض في مجالنا الفكري أننا قد خطونا خطوات كبيرة وبعيدة في تطوير المعرفة بفكرة المواطنة، وأنجزنا حولها إرثا فكريا متتابعا ومتراكما، ولأصبح لدينا اليوم حس خاص مرهف ويقظ تجاه هذه الفكرة، وهذا ما لم يحدث بهذه الصورة الطموحة، وبهذه الدرجة العالية من الوعي والإدراك.
ويكفي للدلالة على ذلك، أننا لا نجد حتى هذه اللحظة كتابا مؤلفا يمكن أن نعطيه صفة الكتاب المرجعي لفكرة المواطنة، الكتاب الذي رجع إليه الجميع على مستوى الفعل فاكتسب صفة الكتاب المرجعي، أو الكتاب الذي اكتسب شهرة على مستوى النظر وبات بالإمكان أن يرجع إليه الجميع، وذلك لجديته وتميزه وشموليته، ولكونه يحمل سمات ومواصفات الكتاب المرجعي.
ونحن بحاجة إلى هذا الكتاب المرجعي، وستظل الحاجة إليه قائمة، وعلينا أن نذكر به وبهذه الحاجة وبلا توقف حتى يتم إنجازه، وقبل هذا الإنجاز سنعتبر أن هناك منطقة فراغ في مجالنا الفكري الوطني، تحسسنا بالتقصير، وتوجب علينا العمل على تدارك ما نسميه بمنطقة الفراغ.
والحاجة إلى هذا الكتاب المرجعي لسد منطقة الفراغ من جهة، وليكون علامة تدل على تقدمنا في هذا الشأن من جهة أخرى، ومن جهة ثالثة ليكون كتابا ملهما ومصدر إلهام لنا تجاه هذه الفكرة، وليكون من جهة رابعة بمثابة مصباح مضيء ومشع يضع فكرة المواطنة تحت النور وفي دائرة التذكر دائما، وبعيدا عن العتمة والنسيان.
وإذا نزلنا درجة عن أفق الكتاب المرجعي، فإننا لا نجد أيضا حتى هذه اللحظة كتابا مؤلفا يمكن أن نعطيه صفة الكتاب الرائد حول هذه الفكرة، كما لم يظهر عندنا أسماء عرفوا بريادتهم وعنايتهم الفائقة بفكرة المواطنة، بشكل يتحقق معهم الاقتران دائما على طريقة العلاقة بين الدال والمدلول في اللغة، فمتى ما ذكر الاسم ذكرت معه فكرة المواطنة، ومتى ما ذكرت المواطنة ذكر معها الاسم، وذلك من شدة العناية والتعلق والاهتمام، ومن شدة التخلق بهذه الفكرة على مستوى النظر من جهة، وعلى مستوى العمل من جهة أخرى.
هذا التأكيد بهذه الصورة المشددة، نابع من كون أن فكرة المواطنة في المجتمع السعودي لها مداخل متعددة، وتتحدد بثلاثة مداخل أساسية هي المدخل القبلي، والمدخل المناطقي، والمدخل المذهبي.
وهذه المداخل قد تجتمع أو تفترق، وقد تتغير أو تختلف من مجتمع لآخر، ففي بعض المجتمعات العربية يبرز مثلا المدخل العرقي واللغوي كما هو الحال في العراق وسوريا مع وجود الأكراد، وكما هو الحال في الأردن مع وجود الشركس، وهكذا الحال في الجزائر والمغرب مع وجود البربر والأمازيغ.
وفي بعض المجتمعات العربية الأخرى يبرز المدخل الديني، كما هو الحال في مصر ولبنان وسوريا والعراق مع وجود المسيحيين بطوائفهم المختلفة، وكما هو الحال في اليمن والمغرب مع وجود اليهود، وهكذا في العراق مع وجود أقليات من أصحاب ديانات أخرى مثل الصائبة والايزيديين.
وفكرة المواطنة في كل مجتمع أنها تلامس المداخل التي تتصل بها، ففي مجتمعنا السعودي تلامس المواطنة المداخل الثلاثة المذكورة، المدخل القبلي بحكم وجود القبيلة الممتدة والمؤثرة في داخل بنية المجتمع السعودي، والمدخل المناطقي بحكم الجغرافيا الطبيعية والبشرية الواسعة والكبيرة، والمدخل المذهبي بحكم وجود أصحاب المذاهب الإسلامية المتعددة.
والحكمة من فكرة المواطنة، أنها تكوّن شعورا جمعيا موحدا عند جميع الأفراد داخل الوطن الواحد على تعدد قبائلهم ومناطقهم ومذاهبهم، شعورا يتخذ من الوطن إطارا وأساسا جامعا لهم، وبشكل يصبح الانتماء إلى الوطن هو الانتماء الرئيسي الذي يتقدم ويتغلب على جميع الانتماء الفرعية الأخرى1.
- 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة اليوم، الأحد 31 مايو 2015م، العدد 15325.