الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

اسهم لعثمان بن عفان في غنائم بدر

نص الشبهة: 

ويقولون: إن الرسول «صلى الله عليه وآله» قد أسهم لعثمان بن عفان في غنائم بدر، لأن الرسول «صلى الله عليه وآله» قد أمره بالتخلف ليُمرِّضَ زوجته رقية بنت رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فضرب له «صلى الله عليه وآله» بسهمه وأجره، وعدوه من جملة البدريين (راجع: السيرة الحلبية ج2 ص146 و147 و185 وأي كتاب تاريخي آخر..)

Answer: 

ويقولون: إن الرسول «صلى الله عليه وآله» قد أسهم لعثمان بن عفان في غنائم بدر، لأن الرسول «صلى الله عليه وآله» قد أمره بالتخلف ليُمرِّضَ زوجته رقية بنت رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فضرب له «صلى الله عليه وآله» بسهمه وأجره، وعدوه من جملة البدريين 1.
ونحن لا نصدق ذلك لما يلي:
1 ـ ما تقدم من مناشدة علي «عليه السلام» لأصحاب الشورى، وفيهم عثمان.
2 ـ إن ثمة رواية أخرى تقول: إنه تخلف عن بدر، لأنه كان مريضاً بالجدري 2، فأي الروايتين نصدق؟!
3 ـ لماذا يضرب له بسهمه، دون سائر من تخلف لعذر، وكيف لم يعترض المسلمون المتخلفون على هذا الأمر، ويطالبونه بحقوقهم؛ وكيف رضي المسلمون المحاربون بذلك أيضاً؟ وهل كل من تخلف على مريض يحق له أن يأخذ من الغنائم التي تحصل في الحرب التي لم يحضرها؟
4 ـ إن بعض نصوص رواية عثمان تذكر: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد خلف أسامة بن زيد مع عثمان لأجل رقية. وأنه ـ يعني أسامة ـ قد كان له دور من نوع ما حينما جاء الخبر بانتصار المسلمين في بدر، مع أن أسامة لم يكن له من العمر حينئذٍ أكثر من عشر سنين!!. ولم يضرب له النبي «صلى الله عليه وآله» بسهمه كعثمان!.
5 ـ إننا نجد: أن عبد الرحمن بن عوف يعيرِّ عثمان بتخلفه عن بدر، فقد لقي الوليد بن عقبة؛ فقال له الوليد: ما لي أراك قد جفوت أمير المؤمنين عثمان؟
فقال له عبد الرحمن: أبلغه: أني لم أفر يوم عينين ـ قال عاصم: يقول: يوم أحد ـ ولم أتخلف يوم بدر. ولم أترك سنة عمر.
فخبر الوليد عثمان.
فيقولون: إنه اعتذر عن تخلفه يوم بدر بتمريضه رقية 3.
وبمثل ذلك اعتذر ابن عمر ـ كما يقولون ـ لرجل كان يعترض على عثمان بمثل ذلك 4.
ولكن ما ذكر من الاعتذار لا يجدي؛ إذ كيف خفي هذا العذر على صحابي كبير، كعبد الرحمن بن عوف، ثم على ذلك الرجل الطاعن على عثمان؟!.
وإذ كان قد ضرب له بسهمه وأجره؛ فهذه فضيلة كبرى، لا يمكن أن تخفى على ابن عوف الذي كان حاضراً في بدر وأحد، لا سيما وأن النبي «صلى الله عليه وآله» كان يوم المؤاخاة قد آخى بين عبد الرحمن وعثمان، فكيف يعيره عبد الرحمن بما هو فضيلة له، وهو الذي زف له الخلافة، وآثره بها على سيد وخير الأمة بعد نبيها علي أمير المؤمنين «عليه السلام»؟!.
أم أنهم قد افتروا عليه في ذلك، وطعنوا عليه بما كان الأجدر بهم أن يمتدحوه عليه؟!.
6 ـ وحينما أشخص عثمان ابن مسعود من الكوفة، وقدم المدينة، وعثمان يخطب على منبر رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فلما رآه عثمان قال: ألا إنه قد قدمت عليكم دويبة سوء، من يمشي على طعامه، يقيء، ويسلح.
فقال ابن مسعود: لست كذلك، ولكن صاحب رسول الله «صلى الله عليه وآله» يوم بدر، ويوم بيعة الرضوان 5 فهو يعرض بعثمان الذي تغيب عن هذين الموطنين معاً.
7 ـ وكذلك فقد دخل على سالم بن عبد الله رجل، فطعن على عثمان بمثل ما تقدم من عبد الرحمن بن عوف، ومن ذلك الرجل مع ابن عمر 6.
فكيف خفيت هذه الفضيلة المزعومة لعثمان على هؤلاء جميعاً يا ترى؟!
8 ـ وأخيراً، فإننا نستبعد أن يكون «صلى الله عليه وآله» قد خلفه على ابنته ليمرضها؛ فإن الظاهر: أن عثمان لم يكن مهتما كثيراً لحال رقية، ولا لمرضها ـ وهو الذي قارف 7 ليلة وفاتها ـ ومنعه رسول الله «صلى الله عليه وآله» من النزول في قبرها كما سيأتي في بحث وفاة رقية إن شاء الله تعالى.
ونرجح: أنه قد تخلف عن بدر في جملة من كرهوا الخروج مع النبي «صلى الله عليه وآله». كما تقدم في أول الحديث عن بدر.

الغارات على الفضائل

ثم إن ثمة رواية تقول:
إن أبا أمامة بن ثعلبة كان قد أجمع الخروج إلى بدر، وكانت أمه مريضة، فأمره النبي «صلى الله عليه وآله» بالمقام على أمه، وضرب له بأجره وسهمه، فرجع «صلى الله عليه وآله» من بدر، وقد توفيت، فصلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» على قبرها 8.
فنلاحظ أنه لا فرق بين هذه الرواية، وبين ما روي بالنسبة لعثمان. فأي الروايتين قد حرفت وغيرت لصالح الرواية الأخرى، وأبدلت الشخصيات فيها لصالح الآخرين؟!
وإننا بعد أن قدمنا ما في رواية عثمان من الإشكال؛ وبعد أن كان ثمة جهاز يهتم بوضع الفضائل لشيخ بني أمية، حتى ليكتب معاوية إلى الآفاق في ذلك، فإننا نرجح أن رواية أبي أمامة هي التي أغار محترفو التحريف والتزوير عليها، ليعوضوا عثمان عما فاته من شرف حضور حرب بدر، وليذهبوا بالسمعة السيئة التي أثارها موقفه من رقية، التي ماتت من جراء ما صنعه بها. ثم قارف ليلة وفاتها، ولم يرع لها، ولا لمن رباها ولا لولي نعمتها حرمة، ولا إلاً ولا ذمة.
ولكن يبقى إشكال إعطاء النبي «صلى الله عليه وآله» سهماً من الغنائم لغير علي «عليه السلام» كما في حديث المناشدة السابق.
إلا أن يقال: إن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أعطاه من الخمس الذي كان رده «صلى الله عليه وآله» عليهم، كما قدمنا.
أو أنه «عليه السلام» قد ناشد الحاضرين ومنهم عثمان بذلك، فكلامه صحيح بالنسبة إليهم، أما غيرهم، كجعفر رحمه الله، فليس في كلامه «عليه السلام» ما يثبت ذلك أو ينفيه عنه، كما تقدم 9.

  • 1. راجع: السيرة الحلبية ج2 ص146 و147 و185 وأي كتاب تاريخي آخر.
  • 2. السيرة الحلبية ج2 ص185 و146.
  • 3. مسند أحمد ج1 ص68 وراجع ص75، والأوائل1 ص305 و306، ومحاضرات الأدباء للراغب المجلد الثاني ص184، والدر المنثور ج2 ص89 عن أحمد، وابن المنذر، والبداية والنهاية ج7 ص207، وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص21 و22، ومغازي الواقدي ج1 ص278، والغدير ج9 ص327، وج10 ص72 عن أحمد وابن كثير وعن الرياض النضرة ج2 ص97.
  • 4. مستدرك الحاكم ج3 ص98، والجامع الصحيح للترمذي ج5 ص629، ومسند أحمد ج2 ص101، والبداية والنهاية ج7 ص207 عن البخاري والغدير ج10 ص71 عن الحاكم وص70 عن أحمد، وعن صحيح البخاري ج6 ص122.
  • 5. أنساب الأشراف ج5 ص36 والغدير ج9 ص3 عنه وص4 عن الواقدي.
  • 6. الغدير ج10 ص70 عن الرياض النضرة ج2 ص94.
  • 7. قارفَ: قاربَ، وقارفَ الذنب: قاربه.
  • 8. السيرة الحلبية ج2 ص147، وراجع: الإصابة ج4 ص9 عن أبي أحمد الحاكم، والإستيعاب بهامش الإصابة ج4 ص4، وأسد الغابة ج5 ص139.
  • 9. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الخامسة، 2005 م. ـ 1425 هـ. ق، الجزء السادس.