الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

النميمة

عن الإمام الباقر «عليه السلام» قال: (محرّمة الجنة على القتاتين المشائين بالنميمة)1.
إنّ من مسؤوليات أفراد المجتمع المسلم أن ينطلقوا من منطلق إصلاح ذات البين ورفع سوء التفاهم وتهيئة الأرضية المناسبة لإيجاد جوّ من حسن الظنّ بين الأطراف المتخاصمة والمتنازعة، وأن يعملوا على تهدئة التوتر الناشئ من حالات الشجار والتنازع، قال الحقّ سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ 2، وقال سبحانه وتعالى أيضاً: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ 3.
وقال النبي «صلى الله عليه وآله» لأبي أيوب الأنصاري: (يا أبا أيّوب، ألا أدلّك على صدقة ترضي اللّه ورسوله بموضعها؟ فقال: بلى، قال: تصلح بين النّاس إذا تفاسدوا، وتقرّب بينهم إذا تباعدوا)4.
وعن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: (صدقة يحبّها الله: إصلاح بين النّاس إذا تفاسدوا وتقارب بينهم إذا تباعدوا)5.
بل إنّ الشريعة الإسلامية جوّزت الكذب في مورد الإصلاح مع عدم إمكان التورية، بذلك أفتى الفقهاء، وعن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: (المصلح ليس بكاذب)6.
إلاّ أنّه ومع الأسف الشديد فإنّ البعض ولأسباب ودوافع مختلفة يتحركون على خلاف ذلك وفي العكس من هذا الاتجاه، وكأنّهم يريدون صبّ الزيت على النّار ويرغبون في اتساع دائرة الخلاف والشجار والتنازع، ومن المعلوم أنّ هؤلاء الأفراد، سيشتركون في إثم جميع المفاسد المترتبة على هذا التنازع والشجار، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ ... وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا 7.
فهؤلاء هم الذين يوصلون كلام هذا الطرف إلى الطرف الآخر وبالعكس بهدف الوقيعة بينهما، وهذا هو معنى النميمة، فهي: أن يسعى أحدٌ في نقل كلام شخص - سواء بالتكلّم أو الكتابة أو الإشارة أو بغير ذلك - على شخص إلى ذلك الشخص المقول فيه ذلك الكلام، وغالباً ما يكون بقصد الإيقاع بينهما، فتعدّ النميمة من أكبر عوامل التفرقة، وأهمّ أسباب الفتنة، فهي تقضي على الوئام والمحبة بين أفراد المجتمع، وتفضي إلى نشر الضغائن والأحقاد والكراهية بينهم8، وتارة تؤدي إلى تلاشي الأسر وتمزيقها، بل وتكون أحياناً سبباً إلى سفك الدماء المحرّمة، ولذلك ورد الذّم الشديد في الشريعة الإسلامية للنميمة والنمام، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: ﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ 9، وقال سبحانه وتعالى أيضاً: ﴿ ... وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ 10، فالهمزة هو النّمام، واللّمزة هو من يغتاب الآخرين ممن لا تجوز غيبتهم.
وعن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: (ألا أنبئكم بشراركم؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال: المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون للبراء المعايب)1.
وعن الصادق «عليه السلام» قال: (وإنّ من أكبر السحر النميمة، يفرق بها بين المتحابين، ويجلب العداوة على المتصافين، ويسفك بها الدماء، ويهدم بها الدّور، ويكشف الستور، والنمام أشر من وطئ على الأرض بقدم)11.
وقال النبي «صلى الله عليه وآله» لأبي ذرّ الغفاري: (يا أبا ذر صاحب النميمة لا يستريح من عذاب الله عزّ وجل في الآخرة)12.
وعنه «صلى الله عليه وآله» أنّه قال: (لا يدخل الجنّة نمام)13.
وقال «صلى الله عليه وآله»: (أربعة يؤذون أهل النار على ما بهم من الأذى، يسقون من الحميم والجحيم، ينادون بالويل والثبور، يقول أهل النار بعضهم لبعض: ما بال هؤلاء الأربعة قد آذونا على ما بنا من الأذى، فرجل معلق عليه تابوت من جمر، ورجل يجر أمعاؤه، ورجل يسيل فوه قيحاً ودماً، ورجل يأكل لحمه، فيقال لصاحب التابوت: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول: إنّ الأبعد مات وفي عنقه أموال الناس، لم يجد لها أداء ولا وفاء، ثم يقال للذي يجر أمعاؤه: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول: إنّ الأبعد كان لا يبالي أين أصاب البول من جسده، ثم يقال للذي يسيل فوه قيحاً ودماً: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول: إنّ الأبعد كان يحاكي، ينظر إلى كل كلمة خبيثة فيسندها فيحاكي بها، ثم يقال للذي يأكل لحمه: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول: إنّ الأبعد كان يأكل لحوم الناس بالغيبة ويمشي بالنميمة)14.
وعن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: (أربعة لا يدخلون الجنّة: الكاهن، والمنافق، ومدمن الخمر، والقتات، وهو النّمام)15.
وتعدّ النميمة من موجبات عذاب القبر، بهذا صرّحت الروايات الشريفة، فعن النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» قال: (من مشى بنمية بين اثنين سلّط الله عليه ناراً تحرقه في قبره إلى يوم القيامة)16.
وينقل أن النبي «صلى الله عليه وآله» مرّ على قبرين فقال: (أمّا أنّهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أمّا أحدهما فكان يمشى بالنميمة، وأمّا الآخر فكان لا يستتر من بوله.
قال الرّواي: فدعا بعسيب رطب فشفه باثنين ثم غرس على هذا واحداً وعلى هذا واحداً، ثم قال لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا)17.
وعن الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» قال: (عذاب القبر يكون من النميمة، والبول، وعزب الرّجل عن أهله)18.
فكلُّ ما أوردناه من آيات وروايات يدلُّ على أنّ النميمة من المعاصي الكبيرة، والذنوب العظيمة والخطيرة جدّاً، وأنّ خطر النميمة على النّمام عظيم، لا سيما في عالم البرزخ والآخرة، إلاّ أن يتوب من ذنبه، ويصلح قدر الإمكان ما أفسده بنميمته، فعسى أن يتوب الله عليه وأن يشمله برحمته.

من بواعث النميمة

وأمّا بواعث ودوافع النميمة فعديدة، ومنها التودد والتزلف للمحكي له بنم الأحاديث إليه، ومنها هتك المحكيّ عنه والوقيعة فيه بهدف إلحاق الأذيّة به، وأذيّة المؤمن مما ورد التحذير منها والنهي عنها، فهي ذنب عظيم وإثم كبير، ففي الرّواية عن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: قال الله عزّ وجل: (ليأذن بحرب مني من آذى عبدي المؤمن، وليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن، ولو لم يكن من خلقي في الأرض فيما بين المشرق والمغرب إلاّ مؤمن واحد مع إمام عادل لاستغنيت بعبادتهما عن جميع ما خلقت في أرضي ولقامت سبع سماوات وأرضين بهما، ولجعلت لهما من إيمانهما أنساً لا يحتاجان إلى أنس سواهما)19.

وعن النبي «صلى الله عليه وآله» عن الله تعالى أنّه قال: (من أهان لي وليّاً فقد أرصد لمحاربتي)20.
وقال «صلى الله عليه وآله»: (من آذى مؤمناً فقد آذني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فهو ملعونٌ في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان)21.

كيف نتعامل مع النّمام؟

إنّ النمام يعد من أخطر المفسدين وأشدّهم إساءةً وشرّاً للناس، فيجب الحذر منه وإفشال خططه ومساعيه في الإفساد بين النّاس، وتعكير صفو المودة والمحبة بينهم، وذلك باتباع الإرشادات والنصائح التالية:
أولاً: أن لا يصدّق النّمام لأنّه فاسقٌ لتلبسه بذنب النميمة وغيرها من الذنوب التي تكون النميمة سبباً في ارتكابها والتلبس بها، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ 22.
ثانياً: أن ينهى النمام عن النميمة ويقبّح له فعله؛ لأنّ ذلك واجبٌ من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثالثاً: أن لا يظنّ المؤمن سوءاً بأخيه المؤمن بمجرّد النّم عليه، لأنّ سبحانه وتعالى يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ... 23.
رابعاً: أن لا تبعث النميمة المؤمن على التجسس للتحقق من حقيقة ما نقله له النمام لقوله تعالى: ﴿ ... وَلَا تَجَسَّسُوا ... 23.
خامساً: إذا تيقن المؤمن من صدق ما نقله له النّمام، فعليه أن لا يقابل الإساءة بالإساءة، وإنّما عليه أن يعفو ويصفح ويسامح فإنّ العفو عن المسيء والصفح عنه من الأخلاق الفاضلة الحميدة، وقد امتدح الله المتخصّلين بهذه الخصلة فقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ 24.
وروي أنّ أمير المؤمنين «عليه السلام» أتاه رجل يسعى إليه برجل، فقال له الإمام «عليه السلام»: (يا هذا إن كنت صادقاً مقتناك، وإن كنت كاذباً عاقبناك، وإن أحسنت القيلة أقلناك، قال: بل تقيلني يا أمير المؤمنين)25 26.