حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
دور المستحبات والمكروهات
المستحب كما ورد في تعريفه أنه الأمر المرغوب فيه شرعاً لوجود مصلحة في فعله لكن من دون الإلزام به، ويثاب لو قام به ولا يعاقب لو تركه، والمكروه هو الأمر المرغوب عنه شرعاً لوجود مفسدة فيه لكنّه دون الإلزام بتركه، ويثاب على عدم القيام به ولا يعاقب لو فعله.
وهذا يعني أن نظام المستحب والمكروه يفترق عن نظام الواجب والحرام القائم على الإلزام بفعل الواجب والإلزام بترك الحرام أيضاً، ونستفيد من كِلا النظامين أن الله سبحانه ألزم المؤمنين بنظام الواجب والحرام لأنه يتعلق بالقضايا الأساسية التي تحفظ المسيرة الإنسانية ضمن الخط الإلهي المستقيم، وجعل نظام المستحب والمكروه بغير إلزام لأنه يتعلق بالقضايا غير الأساسية، وهذا واضح لمن يرجع إلى مفردات كُل من النظامين فالصلاة مثلاً واجبة لأنها عمود الدين وتنهى عن الفحشاء والمنكر بينما صلاة الليل التي هي إحدى مصاديق الصلاة جعلها الله مستحبة، والزنا حرام لما فيه من المفاسد الإجتماعية المتعددة وكذلك تحريم الربا، بينما نرى أن الشارع المقدس كرِه للمؤمن أن يتزوج من الفتاة ذات الجمال لانّها تربّت في بيئة غير مستقيمة التصرفات، ومن هنا نستوعب فكرة كثرة مفردات المستحب والمكروه على مفردات نظام الواجب والحرام.
ولا شك أن هذه الكثرة في هذا المجال ليست عبثية بل لفوائد متعددة لحياة الفرد المؤمن والجماعة المؤمنة، ولا بأس بالإشارة الى بعض هذه الفوائد وفق ما يسع الحديث عنها.
أولاً: إعطاء التكليف الإلهي بشقيه "الإلزامي وغير الإلزامي" مساحة أكبر من حياة المسلم حتى يبقى مع الله في كل آناء الليل وأطراف النهار.
ثانياً: إن نظام الواجب والحرام القائم على الإلزام قد يكون ثقيلاً على المكلّف الملتزم، بينما نظام المستحب والمكروه لأنه يقوم على قاعدة عدم الإلزام قد يندفع الإنسان المؤمن الى الإلتزام بكثير منه أو قليل لأنه يشعر بذلك أنه يعطي من نفسه بدون ضغط أو إجبار وخوف من العقاب.
ثالثاً: زيادة رصيد المؤمنين في جانب الخير والثواب ولتقوية معنوياتهم الروحية في حياتهم الدنيا، لأن الضعف الإنساني قد يؤدي إلى الوقوع في إرتكاب بعض ما حرمه الله أو ترك ما أوجبه الله أيضاً، فيأتي هذا النظام غير الإلزامي ليشكل رافداً من روافد شحن المؤمن بالقوة والطاقة الإيمانية.
رابعاً: تعويد المسلم على فعل الطاعة اللازمة وترك الحرام اللازم بشوق وشغف، ونظام المستحب والمكروه يمكن أن يؤدي في أحيان كثيرة الى ذلك عندما يعتاد الإنسان عليه، فلو إفترضنا ان مؤمناً إلتزم القيام بصلاة الليل المستحبة، فهل يعقل بعد ذلك أن يرتكب المعصية بترك الصلاة الواجبة، وإذا اعتاد ترك النظر إلى ما لا يحل له، فهل يعقل بعد ذلك أن يرتكب المعصية كفعل الزنا المحرم، وإذا إعتاد الإبتعاد عن المال المشكوك الحلية مثلاً، فهل يُقدِم بعد ذلك على أكل مال الناس بالحرام والخداع وغير ذلك؟ ولهذا ورد في بعض أحاديثنا أن المستحبات سياج الواجبات والمكروهات سياج المحرمات، بمعنى أن من اعتاد على فعل المستحب وترك المكروه ستحصل لديه المناعة وحالة التقوى التي تمنعه من ترك الواجب أو فعل الحرام.
والعلاقة إذا أردنا تشبيهها بين النظامين فنقول: (إن نظام الواجب والحرام هو كالبيت المبني على أسس قوية ومتينة، بينما نظام المستحب والمكروه هو الإضافات التي تعطي للبيت صورة جمالية أروع وأحسن وأجمل مما لو بقي مجرداً عن تلك الإضافات).
ولهذا نجد في الكثير من الأحاديث الدالة على مفردات من نظام المستحب والمكروه تشير الى أجر وثواب كبيرين عند فعل المستحب أو ترك المكروه، وهذا الكم من الثواب هو للترغيب من جهة، ولتعويد المسلم على إلتزام هذا النظام من جهة أخرى.
من هنا ينبغي على المؤمنين عدم التهاون في نظام المستحب والمكروه نظراً لتلك الفوائد الكثيرة والتي لا غنى للمؤمن عنها لأنها باب يصل من خلاله - إذا قام به بصدق وإخلاص – مع نظام الإلزام إلى المستويات العالية في المعنويات والحالات الروحية والإيمانية التي تنعكس إيجاباً على علاقته بالله أولاً وبالناس ثانياً1.
- 1. نقلا عن موقع سبل السلام لسماحة الشيخ محمد التوفيق المقداد (حفظه الله).