الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الحسين شهيد يوم الولادة

الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) هو الإمام الثالث من سلسلة الأنوار الإلهية، وهو أحد سبطي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وريحانتيه من هذه الدنيا، وهو أحد سيدي شباب أهل الجنة، كما قال عنه جده الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم).
أبوه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأمه الزهراء سيدة نساء العالمين (عليها السلام) وأخوه الإمام الحسن (عليه السلام)، وأولاده هم الأئمة التسعة المعصومون آخرهم المهدي "عج".

وُلِدَ يوم الثالث من شهر شعبان من السنة الثالثة للهجرة في المدينة المنورة، وعاش مع جده سبع سنين ومع أبيه ثلاثاً وثلاثين سنة ومع أخيه الإمام الحسن (عليه السلام) ثلاثاً وأربعين سنة، ثمّ بقي وحده من أصحاب الكساء الخمسة وهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) والحسن (عليه السلام)، بالإضافة إليه، إلى أن سقط شهيداً على أرض الكرب والبلاء في العاشر من المحرم من سنة إحدى وستين للهجرة النبوية الشريفة مع الثلّة المؤمنة الصافية من أهل بيته وأصحابه.
والنقطة الجديرة بأن نتوقّف عندها في هذه المقالة هي: (أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) كان له يوم ولادة مميز) بمعنى أنّ أيّ إنسانٍ عندما يرزقه الله بولد يفرح وينشرح وتمتلىء نفسه بالبهجة والفرحة، أمّا ولادة الإمام الحسين (عليه السلام) فقد تميّزت بأنّها كانت عبارة عن فرح بقدوم المولود الجديد إلى الدنيا، وعبارة عن حزن ودموع بسبب الإخبار من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن شهادته في يوم الولادة المبارك، فهو الشهيد منذ أن أطلّ على هذه الدنيا الفانية، وإن عاش حتى لاقى مصيره الذي كتبه الله له في كربلاء.
ولذا ورد أنّ الزهراء عندما أولدت الإمام الحسين (عليه السلام) جاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بيت الزهراء (عليها السلام) وكانت عندها "أسماء" فقال لها "هاتي إبني" فأعطته إياه، وهو ملفوف بخرقة بيضاء فاستبشر به وأذَّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ثمّ وضعه في حجره وبكى، فقلت: فداك أبي وأمي يا رسول الله ممَّ بكاؤك؟ قال: "أبكي لما يصيبه بعدي وستقتله الفئة الباغية لا أنالهم الله شفاعتي" ومضى يقول لعلي (عليه السلام): "هل سميته يا أبا الحسن؟ فقال: ما كنت لأسبقك في اسمه، وكنت أحبّ أن أسميه حرباً، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): "سمِّه حسيناً"، وفي اليوم السابع عقَّ عنه كبشاً وتصدّق بوزن شعره فضة كما فعل مع أخيه الحسن (عليه السلام) من قبل.
وقد ورد أيضاً أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما مرّ بكربلاء مكث فيها وقتاً طويلاً وبكى هناك حزناً على ما يجري على ولده الحسين (عليه السلام) في تلك البقعة من الأرض، وكذلك أمه الزهراء (عليها السلام) كانت على علمٍ بما سوف يجري عليه من القتل وكذلك أخوه الإمام الحسن (عليه السلام) وأخته الحوراء زينب (عليها السلام).
وقد جاء ذلك كلّه في رواية هي التالية: (إنّ جبرائيل نزل على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وما وُلِدَ الحسين بعدُ فقال له: "يولد لك غلام تقتله أمتك من بعدك فقال: يا جبرائيل لا حاجة لي فيه فخاطبه ثلاثاً ثمّ دعا علياً (عليه السلام) فقال له: إنّ جبرائيل يخبرني عن الله عزّ وجلّ أنّه يولد لك غلام تقتله أمتك من بعدك فقال: لا حاجة لي فيه يا رسول الله فخاطب علياً (عليه السلام) ثلاثاً، ثمّ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّه يكون فيه وفي ولده الإمامة والوراثة والخزانة). فأرسل إلى فاطمة (عليها السلام) أنّ الله يبشرك بغلام تقتله أمتي من بعدي فقالت فاطمة "ليس لي حاجة فيه يا أبَهْ" فخاطبها ثلاثاً ثمّ أرسل إليها: (لا بدّ أن يكون فيه الإمامة والوراثة والخزانة) فقالت له "رضيت عن الله عزّ وجلّ").
ومن كان على علمٍ بمقتله أيضاً منذ ولادته "أم سلمة" وروي أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أعطاها حفنة من تراب كربلاء وقال لها بأنّه عند قتل الحسين (عليه السلام) ستفور دماً وكان الأمر كذلك، لأنّ أم سلمة مدَّ الله في عمرها حتى رأت ذلك بعينها، وكانت أول من علم باستشهاد الحسين (عليه السلام) من أهل الحجاز لأنّها كانت تتعهد تلك التربة وتحافظ عليها كما أوصاها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منذ أن خرج الحسين (عليه السلام) من المدينة متوجّهاً إلى مكة ثمّ إلى الكوفة كما كان المخطّط الأساس لمسيره.
ولا شكّ في أنّ التأكيد على أنّ الحسين (عليه السلام) سيكون شهيد الأمة منذ يوم ولادته، كان دليلاً على أنّ تلك الشهادة العظيمة سيكون لها دورٌ عظيم في إحياء دين الإسلام وشريعة خاتم النبيين وسيد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهكذا حصل فعلاً، فعاش الحسين (عليه السلام) في الدنيا شهيداً، وخرج منها شهيداً، وسيقف أمام الله يوم القيامة شهيداً مضرّجاً بدمائه الزكية التي لم ولن تبرد حرارتها أبداً كما قال جده الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّ لقتل الحسين حرارةً في قلوب المؤمنين لن تبرد أبداً).
وسيبقى الإمام الحسين (عليه السلام) شهيد الإسلام والأمة إلى أن يظهر الإمام المهدي "عج" ليملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملأها الظالمون جوراً وظلماً، وساعتئذٍ تتحقّق شعارات "الإصلاح" التي رفعها الإمام الحسين (عليه السلام) ودفع حياته ثمناً لها وسقط شهيداً في سبيل الله عزّ وجلّ.
فالسلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين. والحمد لله ربّ العالمين1.

  • 1. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد حفظه الله.