حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
ممَّا استدلَّ به على حرمة الإضرار
المسألة:
في مقام الاستدلال على حرمة الإضرار بالنفس مطلقاً، استدلَّ البعضُ بصحيحة الوليد بن صبيح قال: حممتُ بالمدينة يومًا في شهر رمضان فبعث إليَّ أبو عبد الله (ع) بقصعةٍ فيها خلٌّ وزيت وقال: "أفطِرْ وصلِّ وأنت قاعد" 1.
فقال: يُمكن الاستدلال بالرواية على حرمة الإضرار بالنفس مطلقاً، لأنَّه إذا حرم الواجب لكونِه مُضرًّا فمن باب أولى يحرمُ غير الواجب، إلا أنَّه لمَّا كانت الرواية واقعةً في سياق توهُّم الحظر لذلك لا يكون الأمر الوارد ظاهرًا في أكثر من الإباحة. فماذا تقولون؟
الجواب:
نعم لا يصحُّ الاستدلال بالرواية على حرمة الإضرار بالنفس، وذلك لأنَّ الأمر بالإفطار واقعٌ في سياق توهُّم الحظر، فلا يكون ظاهرًا في الإيجاب. ومع التسليم جدلًا بظهور الأمر بالإفطار في الوجوب فإنَّه لا يتعيَّن من ذلك استظهار أنَّ ملاك الإيجاب للإفطار هو حرمة الاضرار بالنفس فإنَّ ذلك وإنْ كان مُحتملاً إلا أنَّ ثمة احتمالاً آخر من إيجاب الإفطار وهو الحرمة التشريعيَّة للصوم في فرض اقتضائه للإضرار بمعنى أنَّ الصوم بقصد الأمر في ظرف الإضرار تشريعٌ عملي وهو محرَّم لذلك جاء الأمر بالإفطار.
وبتعبير آخر: إنَّ حرمة الإمساك عن الطعام في فرض الإضرار هي أصلُ الدعوى والاستدلالُ عليها بالأمر بالإفطار لا يتمُّ، لأنَّ الأمر بالإفطار كما يُحتمل نشوؤه عن حرمة الإمساك الضرري كذلك يُحتمل أنْ يكون ناشئًا عن حرمة الإمساك بقصد الصوم العبادي والحال أنَّ الصوم ليس مطلوبًا في هذا الفرض فيكون النهي المستفاد من الأمر بالإفطار نهياً عن الصوم بقصد الأمر وليس نهياً عن الإمساك الضرري والذي هو محل البحث.
على أنَّ ثمة احتمالاً ثالثًا من الأمر بالإفطار بعد التسليم بظهوره في الإيجاب وهو أنَّ الشارع إنَّما حرَّم الصَّوم المُوجب للضرر حتى لا يتوهَّم الناس استنادَ الإضرار للشارع.
فالتحريمُ إنَّما هو بملاك تنزيه الشارع عن شبهة إيقاعه للناس في الضرر، وهذا لا يدلُّ على حرمة الأفعال الضرريَّة التي لا يُوجب ارتكابُها توهُّم الاستناد للشارع كما لو سافر المكلَّف سفرًا ضرريًّا للنُزهة. أو تناولَ المُضرَّ من الطعام فإنَّ مثل هذا الفعل لا يترتَّب على ارتكابِه توهُّمُ استنادِ الإضرار للشارع.
وعليه فالروايةُ لو سلَّمنا بدلالة الأمر فيها على حرمة الإضرار فإنَّ أقصى ما تدلُّ عليه هو حرمة كلِّ فعلٍ ضرري يترتَّب على عدم تحريمه توهُّم استناد الإضرار للشارع فتكونُ الروايةُ غير ظاهرةٍ في حرمة مُطلق الإضرار بالنفس وتتمحَّض دلالتها في خصوص حرمة مثل الصوم الضرري والوضوء الضرري والحجِّ الضرري.
وهناك احتمالٌ رابع بعد التسليم بظهور الأمر في وجوب الإفطار وهو أنَّ الأمر بالإفطار وحرمة الصوم إنَّما نشأ عن أنَّ الحمَّى التي أصابتْ الوليد بن صبيح مقتضيةٌ لموتِه في ظرف صومِه فيكون الصوم إيقاعًا للنفس في التهلكة أو يكونُ الصوم مقتضيًا للجناية على النفس، ولا ريب في حرمة ذلك، وليس في الرواية إطلاق يقتضي استظهار أنَّ حرمة الصوم كان لمجرَّد ترتُّب الضرر حتى لو لم يكن بالغًا حدَّ التهلكة أو بالغًا مرتبة الجناية على النفس.
وعليه يكون مفادُ الرواية أخصَّ من المدَّعى فإنَّ المدَّعى هو حرمة مُطلق الإضرار بالنفس وإنْ لم يبلغ حدَّ الجناية عليها بل كان في مراتبه الدانية وهذا المدَّعى لا تصلحُ الرواية لإثباته.
والحمد لله رب العالمين. 2