الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

حجّية فاطمة الزهراء على الأنبياء المرسلين

ويدلّ عليه من الكتاب بوجهين:

الأول: كونها مطهّرة تمسُ الحقيقة العلوية الملكوتية للقرآن الكريم في اللوح المحفوظ كما تقدمت الاشارة إلى السور القرآنية الدالة على ذلك،وكما سيأتي في مقامات أخرى لاحقة والذي يُحيط بعلم الكتاب المهيمن على بقية الكتب السماوية السابقة يفضل على أصحاب تلك الكتب، حيث وصفت توراة موسى بأن فيه تبيان من كل شيء لا تبيان لكل شيء، فضلاً عن بقية الكتب.

الثاني: قوله تعالى ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ 1

وقوله تعالى: ﴿ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ ﴾ 2.

فظاهر هاتين الآيتين والتي استعرضت كذلك في سور أخرى، من أنّ هذه الأسماء كانت موجودة حيّة شاعرة عاقلة، لأن الضمير واسم الإشارة المستخدم في الآيات المزبورة عائدة إلى العاقل الحي الشاعر، ومقتضى حصول آدم على شرف الخلافة الالهية واسجاد الملائكة كلهم أجمعون خاضعين طائعين له كان بسبب تشريفه بالعلم بتلك الموجودات الحيّة الشاعرة، مما يفضي بشرافة مقام تلك الموجودات الحيّة الشاعرة العاقلة على مقام آدم فضلاً عن جميع الملائكة، ومما يقضي أن خلفاء اللّه من الانبياء وجميع المرسلين أوصيائهم الذين يندرجون تعاقباً في قوله تعالى ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ... 3 انّما يشرفون ويؤهلون بمقام الخلافة الإلهية في الأرض، انّما هو بتوسط تشريفهم بالعلم بتلك الوجودات الحيّة الشاعرة العاقلة، والتي أشار اليها تعالى في سورة ص بالعالين لأنّه تعالى حصر ما سوى آدم في قوله ﴿ ... أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ 2كونه دون آدم فيكون عدم سجود ابليس استكباراً، أو هو من العالين الذين لا يخضعون لآدم ولا لطاعته بل يفوقونه، وليس أولئك إلا الموجودات الحيّة الشاعرة العاقلة الذين ببركتهم شرّف آدم بذلك المقام،فكيف يكونون دونه خاضعين وطائعين له؟

ومقتضى وصف اللّه تعالى لعلم آدم بتلك الموجودات بأنه غيب السماوات والأرض ولأجل ذلك لم تحط الملائكة علماً بتلك الموجودات لأنها بالنسبة إلى السماوات والأرض غيب أي ليست مشهودة فيها، ومقتضى كل ذلك كون تلك الموجودات الشاعرة الحيّة العاقلة هي من الأنوار المخلوقة قبل السماوات والارض قبل الملائكة وقبل آدم، وهو قوله(صلى الله عليه وآله): "أول ما خلق اللّه نور نبيك يا جابر" وان تلك الأنوار الحيّة الشاعرة العاقلة ليست هي نور آدم ولا نور الأنبياء والمرسلين، وإلا لكان آدم عالماً بذاته ولما احتاج أن يعلم بموجودات غير ذاته، وكذلك لما احتاج بقية الأنبياء والمرسلين في استخلافهم عن اللّه في الأرض إلى تعلّم تلك الأسماء مع أن الآيات قاضية بأن مقام الخلافة الإلهية عن اللّه انّما يستأهلها افراد البشر من الأنبياء والمرسلين والذي كان آدم هو المصداق الأول انّما يستأهلونها بالعلم بتلك الموجودات كسنّة إلهيّة دائمة كلية في مقام جعل الخليفة في الأرض.

وهذا المفاد لهذه الآيات متطابق للروايات الواردة عنهم(عليهم السلام)في ذيل هذه الآيات، وقد تضمنت تلك الروايات التنبيه على دلالةوظهور الآيات على مثل ذلك وانّها في الأنوار الخمسة(عليهم السلام)كما في روايات اشتقاق النور كما تقدم وسيأتي مفصلاً كذلك.

أمّا من السنّة:

فالأول: فهي روايات بدء الخلقة الآنيّة حيث دلّت على أنّ أول ما خلق نور سيد الرسل(صلى الله عليه وآله) ثم نور علي(عليه السلام) ثم نور فاطمة(عليها السلام) ثم الحسنين(عليهما السلام) ثم نور التسعة من ذرّيّة الحسين(عليهم السلام) مما يدلّ على تقدم خلقتهم النورية على سائر الأنبياء والرسل وبالتالي حجّية تلك الأنوار عليهم صلوات اللّه عليهم .

الثاني: أخذ ولايتها وطاعتها على الأنبياء، وهو مستفاد من الوجه الثاني المتقدم في الكتاب، وقد تقدم في رواية دلائل الإمامة حول مصحف فاطمة(عليها السلام)عن أبي بصير وقوله(عليه السلام): "ولقد كانت(عليها السلام)مفروضة الطاعة على جميع من خلق اللّه من الجن والانس والطير والوحش والأنبياء والملائكة" 4، وفي رواية بصائر الدرجات عال اسنادها عن حذيفة بن أسعد قال: "قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله): ما تكاملت النبوّة لنبيّ في الأرض حتّى عرضت عليه ولايتي وولاية أهل بيتي(عليهم السلام)فمثلوا له فأقرّوا بطاعتهم وولايتهم" 5.

الثالث: ما روي من قولهم(عليهم السلام) "لولا أنّ أمير المؤمنين تزوجها لما كانت لها كفو إلى يوم القيامة على وجه الأرض آدم فمن دونه" 6.

وقد أشار إلى ذلك المجلسي(رحمه الله) بقوله: انّه يستدلّ به على كون علي وفاطمة(عليهما السلام) أشرف من سائر أولي العزم سوى نبيّنا(صلى الله عليه وآله)إلى غير ذلك من الوجوه الروائية التي لا مجال لهذا المختصر من ذكرها 7.

  • 1. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآيات: 31 - 34، الصفحة: 6.
  • 2. a. b. القران الكريم: سورة ص (38)، الآية: 75، الصفحة: 457.
  • 3. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 30، الصفحة: 6.
  • 4. دلائل الإمامة: 27.
  • 5. وقد أورد المجلسي باباً ذكر فيه ستّين رواية ذكر فيها تفضيلهم(عليهم السلام) على الأنبياء راجع البحار 26: ص267.
  • 6. البحار 43: 10.
  • 7. المصدر: كتاب مقامات فاطمة الزهراء تحرير سماحة السيد محمد علي الحلو.