حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
الزهراء عليها السلام خلق عظيم
﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ 1
ونحن في رحاب الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء سلام الله عليها، ينبغي أن نتعرف على مدى علاقتنا بسيدتنا الكبرى عليها السلام. بل وكيف نستطيع أن نكون من شيعتها حقيقة وقد فطم الله شيعتها من نار جهنم؟ إذ جاء في حديث شريف:" إنما سميت ابنتي فاطمة لأن الله سبحانه وتعالى فطمها وفطم من احبها من النار" 2. فإن لها سلام الله عليها وقفة على باب الجنة،- كما في الرواية-. فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت، فيقول الله: يا بنت حبيبي ما التفاتك وقد أمرت بك إلى جنتي ارجعي فانظري من كان في قلبه حب لك أو لأحد من ذريتك خذي بيده فأدخليه الجنة؛ قال ابو جعفر عليه السلام: والله يا جابر إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديء، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا، فإذا التفتوا يقول الله: يا أحبائي ما التفاتكم وقد شفعت فيكم فاطمة بنت حبيبي؟ فيقولون: يا رب أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم، فيقول الله: يا أحبائي ارجعوا وانظروا من أحبكم لحب فاطمة، انظروا من اطعمكم لحب فاطمة، انظروا من كساكم لحب فاطمة، انظروا من سقاكم شربة في حب فاطمة، انظروا من رد عنكم غيبة في حب فاطمة فخذوا بيده وادخلوه الجنة؛ قال أبو جعفر عليه السلام: والله لا يبقى في الناس إلا شاك أو كافر أو منافق 3. وهنا يبرز سؤال مهم، بل وخطير بالنسبة لنا كموالين ومحبين لأهل البيت عليهم السلام، سؤال يرتبط ارتباطاً بمصيرنا وبمستقبلنا، ألا وهو ما المطلوب منا، بل ما الذي ينبغي علينا فعله في هذه الدنيا كي نكتب في الآخرة من شيعة فاطمة الزهراء عليها السلام، ومن الموالين لها؟
التاريخ واقع يروى والحاضر تاريخ يرى
لعل التمهيد للإجابة عما يرتبط بمستقبل الإنسان يتطلب منا معرفة أمور شتى، منها أن التاريخ هو واقع مضى لكنه اليوم يروى. وأن الحاضر الذي نعيشه إنما هو تاريخ يرى. إذ ليس من شيء في هذا العالم ينقضي أثره، بل هي الصورة التي تتبدل. فما مضى من التاريخ ما زال يتفاعل مع الحاضر، وليس هو الا جذور لهذا الحاضر والمستقبل. ومثل هذه الحقيقة مثل شجرة امتدت أغصانها وفروعها في الفضاء، فهي وان تبدو للعيان كيانا قائماً بذاته، لكنها في الحقيقة ترتبط ارتباطاً وثيقاً حياتياً بما لها من جذور امتدت وتغلغلت في أعماق الأرض. كذلك هو الإنسان بكيانه المشاهد للعيان، فأي فرد يعيش الآن إنما يحمل معه حقائق تاريخية وصلت إليه عبر أجداده، وتلك التي تبدو عليه بشكل أو بآخر من خلال أفكاره وتحركاته وتصرفاته أحياناً، بل وحتى في ملامحه الشخصية الظاهرية. فلو تسنى للإنسان أن يرى صورة جده الرابع مثلًا، لا شك أنه سيلحظ فيه ولو بعضاً من ملامحه الخاصة.
ونحن حين نحترم السادة من ذرية الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. لأن جذورهم تتصل بشكل ما بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولان دم الرسول الطاهر ما يزال يجري في عروقهم، ولان أخلاقه مازالت موجودة فيهم ولو بنسبة ضئيلة جداً قد لا تتجاوز الواحد من المليون. لذا فما روي في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:" احترموا أولادي وذريتي. الصالحون لأنفسهم والطالحون لي" يعمّ كل سيّد من ذرية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فمن كان منهم صالحاً يحترم لنسبه ولصلاحه، ومن كان طالحاً منحرفاً يحترم لنسبه لجده.
وحين يقف الإنسان أمام مرقد أحد من ذرية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو لا يعرفه لافتقاد شجرته، أو يقف في أحد أضرحة ذرية الأئمة عليهم السلام ليسلم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويبسط حوائجه في حضرة الباري عز وجل متوسلًا بالرسول وبذريته، إنما يعني ذلك احتراماً للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، في ذريته وعترته وإطاعة لأمره.
ونحن إذ نقتدي ونسترشد فإنما نسترشد بالإمام علي عليه السلام فانه وبعد وفاة الصدّيقة فاطمة الزهراء عليها السلام كان يبكي كثيراً، وحين يسأله عمار عن هذا الجزع، يقول عليه السلام لعمار: كان مشيها مشي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. كذلك كانت حركاتها وصورتها. فهو عليه السلام كان يرى فيها شخص الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم فلم يعد يصبر بفقدها.
فالتاريخ إذ يتمثل بالحاضر، وليس الحاضر إلّا وليد الماضي وابن للتاريخ، بل الحاضر ليس إلا صورة له، وإنما الفرق أن ذلك حديث يروى وهذا واقع يرى. وانطلاقاً من هذه الزاوية فإننا حين نمحّص أنفسنا لنعرف مدى ولائنا لسيدتنا الزهراء عليها السلام، نقف على حقيقة أن موالاتنا لابد وان تكون بالشكل وبالطريقة التي نجعل من ذلك التاريخ وتلك السيرة العطرة الوضاءة الزكية واقعاً تنبض به الحياة الحاضرة 4.