حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
مناقشة نظرية التفويض
أدلة التفويض
لولا استقلال العبد بالفعل على سبيل الاختيار 1:
1 ـ بطل التكليف بالأوامر والنواهي، لأنّ العبد إذا لم يكن موجداً لفعله، مستقلاً في إيجاده، لم يصح عقلاً أن يقال له: افعل كذا ولا تفعل كذا .
2 ـ بطل التأديب الذي ورد به الشرع، إذ لا معنى لتأديب من لا يستقل بإيجاد فعله .
3 ـ ارتفع المدح والذم والثواب والعقاب عن العبد، إذ ليس الفعل مستنداً إليه مطلقاً حتّى يمدح به أو يذم، أو يثاب عليه أو يعاقب .
يرد عليه :
لا يشترط في صحة التكليف والتأديب والمدح والذم والثواب والعقاب أن يكون الإنسان مستقلاً في فعله، بل الملاك في صحة جميع هذه الأمور هو صدور الفعل من الإنسان بقدرته واختياره فحسب.
أساس نظرية التفويض :
إنّ الإنسان يحتاج إلى اللّه تعالى في أصل وجوده وقدرته، ثمّ يكون مستقلاً في استخدام هذه القدرة في الفعل والترك.
معنى ذلك :
إنّ الممكن يحتاج إلى الواجب عند حدوثه فقط، ثم يستغني عنه في البقاء، لأنّ "الحدوث" شيء و"البقاء" شيء آخر، وإنّ الأشياء لا تحتاج في بقاء ذاتها إلى العلّة الموجدة لها.
مثال حاجة الممكن إلى العلة حدوثاً واستغنائه عنها بقاءً:
البيت المشيّد، فإنّه بحاجة إلى البنّاء ليبنيه ويقيم جدرانه في بداية أمره، فإذا وُجد البيت، استغنى البيت عن البنّاء، وسيستمر وجوده وإن مات البنّاء، لأنّ ذلك لا يؤثّر على وجود البيت المشيّد.
يرد عليه:
تنقسم العلل إلى قسمين:
أ ـ العلّة الحقيقية: وهي العلّة التي تخلق الوجود من العدم.
ب - العلّة المعدّة: وهي العلّة التي ليس من شأنها سوى تحقّق عدد من المقدّمات.
وإنّ البنّاء هو "علّة معدّة" وليس "علّة حقيقية"، ومهمته تجميع الأجزاء من موضع إلى آخر، فيكون اجتماع الأجزاء واستقرارها في مواضعها علّة لحدوث شكل البناء، ثمّ تكون الخصائص الماديّة الكامنة في مادة البناء من قابلية التماسك ونحوها هي العلّة المبقية للبناء إلى مدّة معيّنة.
بعبارة أُخرى :
إنّ عمل البنّاء في الفعل هو ضمّ بعض الأجزاء إلى بعض، والحركة تنتهي بانتهاء عمله، وأمّا بقاء المبنى فهو مرهون بالقوّة الكامنة التي أودعها اللّه تعالى في أجزائه، وليس للبنّاء أيّ صنع فيها 2.
الآثار السلبية لنظرية التفويض :
1 ـ تستلزم هذه النظرية الشرك في الخالقية، لأنّها توجب الاعتقاد بوجود خالقين مستقلين أحدهما اللّه تعالى والثاني الإنسان الذي يكون خالقاً مستقلاً من دون احتياجه إلى اللّه تعالى في بقائه وتأثيراته.
ولهذا قال الإمام علي(عليه السلام):
" ... وإن زعمت أنّك مع اللّه تستطيع، فقد زعمت أنّك شريك معه في ملكه ... "3.
2 ـ تنافي هذه النظرية أصل احتياج الإنسان إلى اللّه عز وجل، فتؤدّي بالإنسان إلى الشعور بالغنى عن ذات الخالق، والحرمان من دوام الاتّصال باللّه تعالى والتوكّل عليه والاستعانة به.
3 ـ تؤدّي هذه النظرية إلى تحديد القدرة الإلهية وسلب سلطانه تعالى على عباده في مجال أفعالهم، فيؤدّي هذا الأمر إلى إنكار أن يكون للّه تعالى صنع في أفعال العباد بالتوفيق والخذلان.
رد التفويض في القرآن الكريم :
1 ـ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ 4
2 ـ﴿ ... وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ... ﴾ 5
3 ـ﴿ ... كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ... ﴾ 6
4 ـ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ... ﴾ 7
5 ـ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ... ﴾ 8
الآيات الدالة على تصرّفه تعالى في أمور عباده :
1 ـ﴿ ... وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ 9
2 ـ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ... ﴾ 10
3 ـ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ 11
4 ـ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ... ﴾ 12
5 ـ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ 13
6 ـ﴿ وَنُوحًا إِذْ نَادَىٰ مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴾ 14
7 ـ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ ... ﴾ 15
8 ـ﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا ... ﴾ 16 ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ 17
9 ـ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ 18
10 ـ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ 19
ردّ التفويض في أحاديث أئمة أهل البيت(عليهم السلام) :
1 ـ الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): " ... ورجل يزعم أنّ الأمر مفوّض إليهم ، فهذا وهّن اللّه في سلطانه ..."20.
2 ـ الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) قال: قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): " ... من زعم أنّ الخير والشر بغير مشيّة اللّه فقد أخرج اللّه من سلطانه ..."21.
3 ـ الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "إنّ القدرية مجوس هذه الأمة ، وهم الذين أرادوا أن يصفوا اللّه بعدله فأخرجوه من سلطانه ..."22.
4 ـ الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) سأله محمّد بن عَجْلان: فوّض اللّه الأمر إلى العباد ؟ فقال(عليه السلام): "اللّه أكرم من أن يفوّض إليهم"23.
5 ـ الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) قال للحسن البصري: " ... إيّاك أن تقول بالتفويض! فإنّ اللّه جلّ وعزّ لم يفوّض الأمر إلى خلقه وهناً منه وضعفاً ..."24.
6 ـ الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "لعن اللّه المعتزلة أرادت أن توحّد فألحدت ، ورامت أن ترفع التشبيه فأثبتت"25.
7 ـ وقال(عليه السلام): "مساكين القدرية، أرادوا أن يصفوا اللّه عزّ وجلّ بعدله فأخرجوه من قدرته وسلطانه"26.
8 ـ الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): " ... من زعم أ نّه يقوى على عمل لم يرده اللّه عزّ وجلّ ، فقد زعم أنّ إرادته تغلب إرادة اللّه ..."27.
9 ـ الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام)، سأله الوشاء: اللّه فوّض الأمر إلى العباد؟ فقال(عليه السلام): "اللّه أعزّ من ذلك"28 29.
- 1. انظر: المواقف، عضد الدين الإيجي: ج3، الموقف 5، المرصد 6، المقصد 1، ص222.
- 2. للمزيد راجع: الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة، صدر الدين الشيرازي: ج1، فصل 14، احتياج الممكن إلى العلة حدوثاً وبقاءً، ص215 ـ 221.
- 3. التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 56: باب الاستطاعة، ح23، ص343.
- 4. القران الكريم: سورة فاطر (35)، الآية: 15، الصفحة: 436.
- 5. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 102، الصفحة: 16.
- 6. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 249، الصفحة: 41.
- 7. القران الكريم: سورة يونس (10)، الآية: 100، الصفحة: 220.
- 8. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 145، الصفحة: 68.
- 9. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 83، الصفحة: 91.
- 10. القران الكريم: سورة النمل (27)، الآية: 62، الصفحة: 382.
- 11. القران الكريم: سورة الفاتحة (1)، الآية: 5، الصفحة: 1.
- 12. القران الكريم: سورة غافر (40)، الآية: 60، الصفحة: 474.
- 13. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 186، الصفحة: 28.
- 14. القران الكريم: سورة الأنبياء (21)، الآية: 76، الصفحة: 328.
- 15. القران الكريم: سورة الأنبياء (21)، الآية: 83 و 84، الصفحة: 329.
- 16. القران الكريم: سورة الأنبياء (21)، الآية: 87، الصفحة: 329.
- 17. القران الكريم: سورة الأنبياء (21)، الآية: 88، الصفحة: 329.
- 18. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 26، الصفحة: 53.
- 19. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 160، الصفحة: 71.
- 20. بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي: ج5، كتاب العدل والمعاد ، أبواب العدل ، ب1 ، ح14، ص9 ـ 10.
- 21. التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 59: باب نفي الجبر والتفويض، ح2، ص350.
- 22. المصدر السابق: باب60: باب القضاء والقدر ، ح29 ، ص372.
- 23. المصدر السابق: باب59: باب نفي الجبر والتفويض ، ح6، ص351.
- 24. بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي: ج24، كتاب الإمامة، باب59، ح1، ص233.
- 25. المصدر السابق: ج5، كتاب العدل والمعاد، أبواب العدل، ب1، ح8، ص8.
- 26. المصدر السابق: ج5، كتاب العدل والمعاد، أبواب العدل، ب1، ح93، ص54.
- 27. بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي ج4، كتاب التوحيد، أبواب أسمائه تعالى، باب1، ح6، ص161.
- 28. المصدر السابق: ج5، كتاب العدل والمعاد، أبواب العدل، ب1، ح20 ، ص16.
- 29. المصدر: كتاب العـدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) لـشيخ علاء الحسّون.