الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

احكام الرضاع و الفطام و الحضانة

الرضاع

حليب الاُم هو الغذاء الأمثل للطفل ، فهو (أوفق بمزاجه وأنسب بطبعه)1، وأفضل من يمنحه الحنان ، فيكون الطفل أقل توتراً وأهنأ بالاً وأسعد حالاً، فيستحب ارضاع الطفل من حليب أُمّه ، قال الإمام علي عليه‌السلام : « ما من لبن يرضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن أُمّه »2.
وهذا ما يؤكده العلم الحديث وهو يكشف مناسبة حليب الاُم لحاجة الرضيع من حيث مكوناته ، ومن حيث درجة حرارته أيضاً ، فإن مكوناته وحرارته تتغير مع نحو الطفل ، وبحسب ما يتطلبه النمو السليم .
وعلىٰ الرغم من استحباب إرضاع الطفل من حليب أُمّه إلّا أنّه لا يتوجب عليها إرضاعه 3، سُئل الإمام الصادق عليه‌السلام عن الرضاع فقال : « لا تجبر الحرّة علىٰ رضاع الولد ، وتجبر أُمّ الولد »4.

وعدم الوجوب مشروط بوجود الأب وقدرته علىٰ دفع الاُجرة ، أو عدم تبرع الاُمّ ، أو وجود مال للولد ، ووجود مرضعة أُخرىٰ ، وفي حالة عدم توفر هذه الشروط ، يجب علىٰ الاُمّ إرضاعه ، كما يجب عليها الانفاق عليه إذا كان الأب معسراً أو مفقوداً 5.
وفي الظروف الاستثنائية التي تقف حائلاً دون ارضاع الاُمّ لطفلها بسبب قلّة الحليب ، أو مرض الاُمّ ، أو موتها ، أو رفضها للرضاعة مجاناً ، يستحبّ اختيار المرضعة المناسبة والملائمة ضمن مواصفات معينة ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « اُنظروا من ترضع أولادكم ، فإنّ الولد يشبُّ عليه »6.
ويستحب اختيار المرأة المرضعة التي تتوفر فيها أربع خصال : العاقلة ، المسلمة ، العفيفة ، الوضيئة 7.
قال الإمام محمد الباقر عليه‌السلام : « استرضع لولدك بلبن الحسان ، وإياك والقباح فإنّ اللبن قد يعدي »8.
وقال عليه‌السلام : « عليكم بالوضاء من الظؤرة ، فإنّ اللبن يعدي »9.
ويكره استرضاع الحمقاء ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تسترضعوا الحمقاء ، فإن الولد يشبُّ عليه »10.

وكذا البغيّة والمجنونة ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « توقّوا علىٰ أولادكم من لبن البغيّة والمجنونة ، فإنّ اللبن يعدي »11.
ويجوز استرضاع الكتابيات علىٰ كراهية ، وفي حال عدم وجود مرضعة مسلمة ، وترتفع الكراهة في حال منعهنَّ من شرب الخمر ، قال الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام : « إذا أرضعن لكم ، فامنعوهنَّ من شرب الخمر »12.
وكراهية استرضاع تلك الأصناف ناجمة من تأثير اللبن علىٰ الطفل ، ففي حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ... فإنّ اللبن يعدي ، وإنّ الغلام ينزع إلىٰ اللبن »13.
ومن أجل تحسين حليب الطفل ، يستحبُّ اطعام النساء في نفاسهنَّ التمر ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ليكن أول ما تأكل النفساء الرطب »14.
ويفضّل اطعام نوع خاص من التمر وهو البرني، قال الإمام الصادق عليه‌السلام : « أطعموا البرني نساءكم في نفاسهنَّ ، تحلم أولادكم »14 .
وللاُم حق الارضاع لطفلها إن رضي الأب بغير أُجرة ، ولها حق الامتناع من الرضاعة ، إمّا إذا كانت مطلقة ، فهي أولىٰ برضاعه سواء رضي الأب أم لم يرض ، ولها أُجرة المثل ، فإن طلبت أُجرة زائدة علىٰ ما يرضىٰ به غيرها ، كان للأب حقّ انتزاعه من يدها 15.

ولا يجوز للأب أن يسلم الطفل إلىٰ مرضعة تذهب به إلىٰ منزلها إلّا برضىٰ الاُمّ 16.
ومدة الرضاع هي سنتان ، وأقلّه واحد وعشرون شهراً ، ويجوز الزيادة علىٰ السنتين مقدار شهرين ، والزيادة لا أُجرة فيها 17.
ويستحسن في مرحلة الرضاع مناغاة الطفل ، لأنّها تؤثر علىٰ سرعة النطق ، ونموّه اللغوي والعاطفي في المستقبل ، حيث يشعر من خلال المناغاة بوجود الأمن والطمأنينية والهدوء ، ولنا في سُنّة أهل البيت عليهم‌السلام خير منار واقتداء ، فكانت سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها‌السلام تناغي الحسن عليه‌السلام في هذه المرحلة وتقول :
أشبه أباك يا حسن
واخلع عن الحق الرّسنْ
واعبد إلهاً ذا مننْ
ولا توالِ ذا الإحَنْ
وكانت تناغي الحسين عليه‌السلام :
أنت شبيه بأبي
لست شبيهاً بعليّ 18

الفطام

حددت الشريعة الإسلامية مدة الارضاع التامة بأربع وعشرين شهراً كما جاء في قوله تعالىٰ :﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ... 19.

واقل الرضاع ـ كما تقدّم ـ واحد وعشرون شهراً ، وينبغي علىٰ الوالدين ان أرادا فطام الصبي في هذه المدة أن يتشاورا فيما بينهما ، قال تعالىٰ :﴿ ... فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ... 19.

ويجوز تأخير الرضاع إلىٰ شهر أو شهرين بعد مدة التمام وهي أربع وعشرون شهراً ، ويحرم الرضاع بعد ذلك ، لأنّ لبن المرأة يصير من الخبائث ومن فضلات مالا يُؤكل لحمه ، فيحرم علىٰ المكلف شربه ، وكل ما حرّم علىٰ المكلف شربه يحرم إعطاؤه لغير المكلف 20.
فيجب علىٰ الاُم أو الأب المستأجر لمرضعة مراعاة وقت الرضاع ووقت الفطام ، بلا افراط ولا تفريط ، فيحسن ارضاع الولد واحداً وعشرين شهراً ولا ينبغي ارضاعه أقل من ذلك 21، قال الامام الصادق عليه‌السلام : « الرضاع واحد وعشرون شهراً ، فما نقص فهو جور علىٰ الصبي »2، ذلك لأنّ الطفل بحاجة إلىٰ اللبن في هذه المدة ، وبحاجة إلىٰ الدفء العاطفي والحنان علىٰ حدٍّ سواء .

الحضانة

الحضانة هي الولاية علىٰ الطفل لفائدة تربيته ، وما يتعلق بها من مصلحته 22، ومرحلة الحضانة هي أهمّ المراحل في نموّ الطفل البدني واللغوي والعقلي والأخلاقي ، وهي مرحلة تشكيل البناء النفسي الذي تقوم عليه أعمدة الصحة النفسية والخلقية ، وتتطلب هذه المرحلة من الوالدين ابداء عنايةٍ خاصةٍ في رعاية الطفل وحمايته ، وتوفير ما يحتاجه من مقومات النموّ البدنية والروحية ، ليكون عنصراً فعالاً في المجتمع .
والاُمّ أحقُّ بحضانة الولد مدّة الرضاع ، فلا يجوز للاب أن يأخذه في هذه المدة منها ، فإذا انقضت مدة الرضاع ، فالأب أحق بالذكر ، والاُمّ أحق بالاُنثىٰ حتىٰ تبلغ سبع سنين من عمرها ، ثم يكون الأب أحقّ بها ، وإن فارق الاُمّ بفسخ أو طلاق قبل أن تبلغ سبع سنين لم يسقط حقّ حضانتها ما لم تتزوج بالغير ، فلو تزوجت سقط حقّها ، وكانت الحضانة للأب 23.
قال الإمام الصادق عليه‌السلام : « المرأة أحق بالولد ما لم تتزوج »24.
وعنه عليه‌السلام قال : « ما دام الولد في الرضاع فهو بين الأبوين بالسوية ، فإذا فطم فالأب أحقُّ به من الاُمّ ، فإذا مات الأب فالاُمّ أحقُّ به من العصبة ... »25.
وفي حال فقدان الأبوين تكون الحضانة لأب الأب مقدماً علىٰ غيره

من الاخوة والأجداد 26.
وإن فقد أب الأب تكون الحضانة لأقارب الطفل علىٰ ترتيب مراتب الارث الأقرب منهم يمنع الأبعد 27.
ومن شروط حق الحضانة للاُمّ 28:
١ ـ أن تكون مسلمة .
٢ ـ أن تكون عاقلة .
٣ ـ أن تكون سالمة من الأمراض المعدية .
٤ ـ أن تكون فارغة من حقوق الزوج، فلو تزوّجت سقط حقها من الحضانة .
٥ ـ أن تكون أمينة .
٦ ـ وأضاف بعض الفقهاء شرط عدم فسق الاُمّ 29.
ولا يجوز للاُم الحاضنة أن تسافر بالولد إلىٰ بلد بغير رضا أبيه ، ولا يجوز للأب أن يسافر به ما دام في حضانة أُمّه 30 31.

 

  • 1. الحدائق الناضرة ٢٥ : ٧١.
  • 2. a. b. الكافي ٦ : ٤٠.
  • 3. الحدائق الناضرة ٢٥ : ٧١ . وجواهر الكلام ٣١ : ٢٧٢ . والصراط القويم : ٢١٤.
  • 4. الكافي ٦ : ٤١.
  • 5. الحدائق الناضرة ٢٥ : ٧٢ . وجواهر الكلام ٣١ : ٢٧٢.
  • 6. الكافي ٦ : ٤٤ . وجواهر الكلام ٢٩ : ٣٠٧.
  • 7. الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة : ٣١٦ . وجامع المقاصد ١٢ : ٢٠٨ . وجواهر الكلام ٢٩ : ٣٠٦.
  • 8. الكافي ٦ : ٤٤ . وجواهر الكلام ٢٩ : ٣٠٦.
  • 9. الكافي ٦ : ٤٤.
  • 10. مكارم الاخلاق : ٢٣٧ . وجواهر الكلام ٢٩ : ٣٠٦.
  • 11. مكارم الاخلاق : ٢٢٣ . وجواهر الكلام ٢٩ : ٣٠٦ ، ٣٠٨.
  • 12. الكافي ٦ : ٤٢ . وجواهر الكلام ٢٩ : ٣٠٧.
  • 13. الكافي ٦ : ٤٣.
  • 14. a. b. الكافي ٦ : ٢٢.
  • 15. الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة : ٣١٥ ـ ٣١٦.
  • 16. الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة : ٣١٥ ـ ٣١٦ . ومنهاج الصالحين ، المعاملات : ١٢٠.
  • 17. الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة : ٣١٥ ـ ٣١٦ . والصراط القويم : ٢١٤.
  • 18. بحار الأنوار ٤٣ : ٢٨٦.
  • 19. a. b. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 233، الصفحة: 37.
  • 20. مهذب الاحكام ٢٥ : ٢٧٥.
  • 21. منهاج الصالحين ، المعاملات : ١٢٠.
  • 22. الحدائق الناضرة ٢٥ : ٨٣.
  • 23. مهذب الاحكام ٢٥ : ٢٧٨.
  • 24. وسائل الشيعة ٢١ : ٤٧١.
  • 25. الكافي ٦ : ٤٥.
  • 26. الحدائق الناضرة ٢٥ : ٩٦.
  • 27. مهذب الاحكام ٢٥ : ٢٨١.
  • 28. الحدائق الناضرة ٢٥ : ٩٠ ـ ٩١ ، ٩٣ . والصراط القويم : ٢١٤.
  • 29. الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة : ٢٨٨.
  • 30. مهذب الاحكام ٢٥ : ٢٨٣.
  • 31. المصدر: كتاب آداب الأسرة في الإسلام، للعلامة السيد سعيد كاظم العذاري.