حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
كيف نحيي ثورة الامام الحسين (ع)
لقد انتهت مأساة كربلاء لتبدأ مسيرة كربلاء. مأساة كربلاء انتهت بسفك أزكى الدماء، وسبي أطهر النساء، وفاجعة لم يسبق لها مثيل عبر التاريخ، وابتدأ من بعد ذلك اليوم مسيرة جديدة، لان هذه المأساة تحولت مع الزمن الى مسيرة، وهذا المسيرة تحولت الى حقائق راسخة توغلت في عمق الانسان حتى اصبحت جزءاً منه وكأنها من سنن الكون.
ولكن من الذي قاد هذه المسيرة؟
قبل أن نجيب على هذا السؤال لابد أن نلفت أنظاركم الى دور الثقافة في الثورة. كلّنا يعرف ان الثقافة هي عصب الثورة، وعلى قاعدة التوحيد والايديولوجية تبنى الثورات، ومن هذه القاعدة تنطلق. ولولا ايمان الثائرين الذي يدفعهم الى التضحية من أجلها ووجود فلسفة الشهادة في الامة الاسلامية، إذن لما كانت الثورات ممكنة الحدوث عبر التاريخ، خصوصاً الثورات الاسلامية، بما كانت تملك من بطولات، ومن شجاعة.
إلا أن دور الثقافة لا ينتهي عند هذا الحد، لان الدور الاعظم للثقافة يبدأ بعد الثورات، وسواءاً انتهت الثورات بانتصار أو بنكسة مؤقتة، فان للثقافة دوراً أساسياً لها.
ان الاسلام منذ البداية قام على أساس التضحية والفداء، والتعبير الذي يقول: «ان الدم ينتصر على سيف» هو التعبير الموجز المستلهم من الآيات القرآنية وخصوصاً من قوله سبحانه وتعالى على لسان أحد الانبياء: «ربي اني مغلوب فأنتصر».
وهو تعبير يلخص تاريخاً حافلًا بالدماء والدموع يلخصه هذا التعبير البسيط الذي يقول: «الدم ينتصر على السيف».
ولا ريب ان الثورة الاسلامية حتى في بداية انطلاقها في عهد الرسول (ص) كانت تعتمد على دماء الشهداء الذين يقتلون في سبيل الله، ولكن ان لم يكن هناك لسان ناطق باسم هذا الدم، ولم تكن هناك فكرة معبرة عن تلك الشهادة فأن الدم سيذهب هدراً، وان القتل سينسي، وبذلك لا يحققان أهدافهما المقدسة.
مسؤولية بقايا الدم والسيف والشهادة
وفعلًا لو انتهت مأساة كربلا باستشهاد أبي عبد الله الحسين (ع)، فلا ريب ان كلام ذلك الانسان الضعيف الخائر الارادة الذي قال: بأننا سنقتل في هذه الصحراء وينسانا الناس ولا يعلم بنا أحد، لكان كلام هذا الرجل صحيحاً.
في تلك الأيام كانت المعارك كثيرة، والصراعات سواءاً الداخلية أو الخارجية منها كانت بالعشرات بل بالمئات وفي طرف من الارض استشهد مجموعة من المسلمين دفاعاً عن قضيتهم، من الذي سيذكر هذه الحادثة؟
لولا ذلك اللسان الناطق باسم الثورة والمتمثل في زينب الكبرى (ع) التي حملت ماساة كربلاء معها تطوف بها كل أرض، وكل مصر.
هذا هو دور الثقافة .. دور الاعلام، ان الشيء الذي يحيي الشهيد ويميته هو الاعلام، لذلك فان مسؤولية الباقين من بقايا السيف وبقايا الدم والشهادة مسؤولية أكبر من مسؤولية الماضين حينما يقوم نظام طاغوتي، كنظام صدام بإعدام الصفوة من أبناء أمتنا في العراق، فأن أولئك ذهبوا الى ربهم في جنات عرضها السماوات والارض أحياء يرزقون عند ربهم، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وما أحلى الشهادة وما أحلى اللقاء بعد الشهادة.
ولكن من الذي يمسك بيده مصير هذه الصفوة المستشهدة في وطننا الحبيب العراق؟
مسؤولية أصحاب القلم .. وأصحاب الفكر اذا حملوا مسؤولياتهم فأنهم لا يحيون فقط شهدائهم بل يرزقون شهدائهم رزقاً دائماً حسناً فحينما يسقط شهيدا لابد أن يرتفع من حوله على كل بقعة دم من دمائه الطاهرة علم يدعو باسمه، يصنع منه سيفاً يلاحق الطغاة به في نومهم وفي يقظتهم!! ولكن اذا سقط شهيد وسكت الآخرون، فإن ذلك يعني انهم اشتركوا في جريمة قتله، واشتركوا في موته، فإن أماته الطاغوت مادياً فقد اماته الناس معنوياً لذلك قال القائل: «أولئك الذين مضوا قاموا بدور الامام الحسين (ع) وأولئك الباقون يجب أن يقوموا بدور زينب وإلا فسوف يكونون من أتباع يزيد».
ان دم الامام الحسين (ع) في كربلاء يشكل من كل قطرة دم زكية رافداً أثار أحاسيس الشعراء، بل ان لم أبالغ ان هذه القطرة من الدم صنعت الشعراء، فالانسان الذي يحمل قضيةً وأحساساً، هو الانسان الذي يريد أن يعبر عن هذه الوصية بصدق، فيبحث عن وسيلة للتعبير، والحاجة أم الاختراع، وسيجد بعدها وسيلة اللسان والشعر، وهي الوسيلة المناسبة للتعبير عن آهاتهم وأحزانهم وآلامهم وعن قضيتهم الانسانية.
دور الشعراء في الثورة
في وادي كربلاء، بدأت وسيلة الشعر ابتداء من أراجيز الشهداء قبل استشهادهم ثم بعض الابيات المنسوبة الى أبي عبد الله الحسين (ع)، أو الى سكينة بنت الامام الحسين عليه الصلاة والسلام هذه الابيات المعروفة:
«شيعتي مهما شربتم عذب ماء فذكروني أو ســـمعتم بشــهيد أو قتيل فأندبوني
فأنا الســبط الذي من غير ذنب قتلوني وبجرد الخيل بعد القتل عمداً سحقوني»
هذه الابيات كلها أنطلقت من كربلاء نفسها في يوم عاشوراء، أو الابيات التي نسبت الى زين العابدين حول الحر بن يزيد الرياحي.
هذا الشعر أمتد الى الكوفة على يد [كميت] وأمتد الى خراسان على يد شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي، واستمر مع الحمدانيين بأبي فراس الحمداني بالذات، أو كالشعراء الآخرين كالشريف الرضي، والشريف المرتضى وغيرهم، فكانت رسالة الشعر رافداً انطلق من كل قطرة من قطرات الشهيد المظلوم في كربلاء.
ربما الامام زين العابدين حينما كتب على قبر الامام الحسين (ع) بأصبعه الشريف (هذا قبر الحسين بن علي الذي قتل عطشاناً مظلوماً) هذه الكلمة كانت الاشارة الخضراء التي فتحت لهذا الرافد أوسع أبوابه.
رسالة الكلمة
إن دماء الشهداء رافداً آخر للتعبير عن أحداث الطف هو رافد الخطب اللاهبة، وقد كانت زينب الكبرى تقذف لهباً وحمماً في وجه الطغاة، ابتداء من كربلاء حيث خاطبت عمر بن سعد في يوم عاشوراء خطاباً، فبكى وجرت دموعه على لحيته الخبيثة، وكذلك في الكوفة وقد قال أحد الخطباء بأن أعضاء ثورة التوابيين سجلوا أسمائهم تحت منبر زينب الكبرى في الكوفة، وهذا صحيح، فلما ألقت ذلك الخطاب وأثارتهم وكشفت واقعهم الفاسد بكل عنفوفي نفس الوقتبكل بطولة حينذاك أخذ بعضهم ينظر أنحن الرجال أم هذه المرأة هي الرجل الحقيقي!
إمرأة فقدت كل أعزتها وهي وحيدة مع ذلك فهي لا تتحدث فقط عن ظلم الطغاة وعن انحرافهم، بل تتحدث عن سكوت الجماهير، وعن مدى اشتراكهم في الجريمة لو استمروا ساكتين وهذه هي الشجاعة.
أن يقول المصلح كل الحقيقة، وانها حقاً رسالة الكلمة التي تحولت الى رافد. الخطب لم تعد بعد كربلاء خطباً فارغة، وإنما كانت الخطابات والاحاديث تبدأ بذكر الامام الحسين (ع) وتنتهي بهذا الذكر، وهكذا تحولت كل قطرة من قطرات دام الامام الحسين (ع) الى رسالة الكلمة.
روافد الثورة
والقطرات الاخرى تحولت منها الى رسالة والى رافد جرى في عروق الثائرين عبر التاريخ، وآخر جرى في عروق العلماء والمفكرين. وآخر جرى في عروق الناس ورفعهم الى كل معاني الانسانية والتضحية .. ولكن الذي يعنينا هنا هو رافد الثقافة. فبعد أن يقوم الشهيد بدوره، يبدأ الدور الحقيقي والاساسي وهو دور الكلمة، والثقافة، والاعلام، سواء بالكلمة الموزونة (الشعر) أو بالكلمة (النثر) الناطقة. هذا الدور هو في الواقع منعطف خطير الى الثورة، فأن قام به الباقون انتصرت الثورة .. وإلا فأن مصير الثورة سيكون على كف متأرجح.
الامام الحسين (ع) كان يعلم هذا الدور، وكان يخطط له منذ البدء بطريقة معينة للاستفادة من هذا الدور، ولذلك صحب معه زينب وسائر لمخدرات من أهل بيته.
الارادة والوعي والعزم، ثلاثي الرسالي
الاسلام لا يريد للانسان أن يخضع قسراً لرسالة السماء، إنما يريد الانسان أن ينتمي الى الرسالة وينمي فيه الارادة والعزم والوعي لكي يصل بوعيه وبفكره وبارادته الى مستوى الايمان الرسالة.
والذين يستشهدون في طريق الحق .. لا يهدفون العلو الى السلطة، ويفرضوا على الناس فكرة معينة. واذا كانوا على هذا الطريق، لا يوفقهم الله لذلك، حتى وان أرادوا لان الله لا يريد لعباده المؤمنين أن يتحولوا الى أرهابين.
ولكن إنما يهدف أولئك بشهادتهم .. أن يفسحوا المجال واسعاً أمام الثقافة والوعي ليأخذ محله في رفع الناس الى مستوى الايمان.
كان ذلك هدف كربلاء .. ومن الاهداف التي رسمها الله تعالى من فوق عرشه لهذه الارض، ولبطل هذه الارض الامام الحسين (ع).
كان ذلك من الاهداف الاساسية لفتح المجال أمام الخطباء والكُتّاب والاعلام، امام الناس ليفهموا الحقيقة.
الامام الحسين (ع) سفينة النجاة
حينما نسمع حديث الرسول (ص) وقول أحد الائمة: «كلنا سفن النجاة .. وسفينة الامام الحسين أسرع، كلنا باب النجاة وباب الامام الحسين أوسع».
وحينما يقول الرسول (ص): «الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة».
يعني ان الامام الحسين (ع) كان يريد أن يأخذ الناس المنحرفين الى الجنة عبر فتح المجال واسعاً أمام هداية الناس.
فلسفة كربلاء
لماذا قتل الامام الحسين (ع)؟
ولماذا جاء باصحابه وأولاده وأهل بيته وحتى طفله الرضيع، وذبح في كربلاء .. لماذا؟
الجواب يأتي من قبل الذين حملوا رسالة الامام الحسين (ع) من بعده كما رأينا من أمثال .. زينب الكبرى (ع)، وفاطمة الصغرى (ع) وأم كلثوم (ع)، وثم سكينة بنت الامام الحسين (ع) التي عمرت طويلًا والى آخر أيام حياتها كانت تندب أباها الحسين (ع).
إن فلسفة كربلاء لا تتلخص في أن الامام الحسين (ع) علّم الناس كيف يحمل السيف، ان حمل السيف بسيط للانسان، وإنما أثار في أذهانهم إنه إنما قتل ليتحمل بعض ذوي الضمائر الحية رسالتهم، ويرتفع مستوى وعي الناس ومستوى أرادتهم، الى قمة الايمان وقمة الالتزام .. وهذا يقوم به كل الناس ..
إن دور الثقافة هو جزء من فلسفة شهادة الامام الحسين (ع) .. وهي مسؤولية ملقاة على عاتق الباقين.
ثورة الامام الحسين (ع) والحركات الرسالية
ليس فقط في أيام الامام الحسين (ع) المسؤولية كانت ملقاة على عاتق زينب الكبرى، والامام الزين العابدين (ع) وإنما هذه المسؤولية باقية الى يومنا هذا، فالامام الحسين (ع) لايزال حياً متجسداً في من يحمل رسالته، ولا يزال يزيد طاغوتاً متمثلًا في فكره الفاسد، بل في من يمثل دوره من الطغاة،
وقضية كربلاء لا تزال تحمل آفاقاً لم تكشف بعد، ولاتزال فيها أبعاد لم يعرفها الناس إذ يكفي فقط معرفة ان الامام الحسين (ع) حق في مواقفه، من خلال كلماته، من خلال علمه، وإنما أن نعّرف الناس بما فيه الكفاية بشخصية الذين كانوا في كربلاء، شخصية زينب الكبرى، والذين حملوا رسالة كربلاء .. القضية الى الآن فيها آفاق لم يرتادها الناس.
واذا اكتشفت هذه الآفاق فأنها بقدرها سوف تعطي زخماً للثورة، وتعطي لهذا التيار المبارك دفعات جديدة، ولذلك تبقى الرسالة هي الرسالة، وتبقى مسؤوليتها عن واقعة كربلاء لا تقل عن مسؤولية زينب الكبرى (ع)، وزينب هي الاخرى حملت مسؤوليتها وكانت قريبة من عصر الامام الحسين (ع)، ونحن قريبون من عصر الثورة القادمة ان شاء الله.
وبالتأكيد كانت حركة الامام الحسين (ع) تمهيداً لمثل الثورة الاسلامية في ايران، وقد حددنا المفارقات في موضوعات سابقة بين قيام الامام الحسين (ع) وبين الحركات الرسالية في التاريخ بقيادة الانبياء (ع) وبينا أن كل ذلك مستوحاة من سورة الشعراء في نهاية هذه السورة ذكر دور الثقافة والاعلام، حيث تنتهي بهذه الآيات التي هي سبب في تسمية السورة بهذا الاسم، انها تقول: ﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ * وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴾ 1
الشعر سلاح ذو حدين، والقرآن يقول الشعراء قسمان: أولًا: الذين يعوضون بالكلمة عن الفعل ويتيهون في وادي الخيال ويتبعهم الناس الذين لا هدى لهم، وهؤلاء يذمهم القرآن الحكيم ويسمي شعرهم بالافك ينطلق من وحي الشيطان.
ثانياً: الشعراء المؤمنون الذين يعملوا الصالحات ويكون سلوكهم سلوكاً صالحاً. ولكن هل هذا يكفي؟
القرآن يقول الشعراء الحقيقيون هم الذين ينتصرون من بعد ما ظلموا، تدبروا في الآية: ﴿ ... وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ... ﴾ 2
الشاعر الحقيقي هو الذي يحمل قضية المظلومين، ويحيّر شعره في قضية الانسان، وهذا هو الشاعر الذي يمدحه القرآن. ويبدو هذا واضحاً من خلال التاريخ، ومن خلال هذه الآية الكريمة ونستوحي ان من يستطيع أن ينطق ويقول شعراً، أو يلقي خطاباً، أو يؤلف كتاباً، لابد أن يصطدم في بداية عمله بعقبات اجتماعية وأخرى سياسية، ومن ثم عقبات اقتصادية. لو أفترضنا ان احد المؤلفين كتب كتاباً بكل ما يراه حقاً، ثم نشر هذا الكتاب، فمن الطبيعي ان الآخرين لا يرون رأيه مما يدفعهم الى مخالفته.
وأزاء مخالفتهم في الرأي يصطدمون به وصطدم بهم .. أليس كذلك؟ وفي هذا الوقت الى ماذا يحتاج؟
يحتاج الى المقاومة والنضال، لان الشاعر الذي يحمل رسالة المظلوم ورسالة الانسان المحروم والمستضعف، لا يردعه الطغاة ولا يردعه الفاسدون في الارض المستكبرون من الرأسماليين والاقطاعيين والعسكرتاريين وغيرهم.
وهنا يتبين مدى صمود هذا الشاعر، والقرآن يقول ان الشاعر الحقيقي هو الذي ينتصر من بعد ما ظلم وحين يحاول الطغاة اسكاته يقاومهم بكل قوة، ويتحدى الوضع الفاسد الذي يود إركاعه واخماد صوته الثوري.
الشاعر المستضعف لسان الثوري
الشعراء المناضلون في التاريخ كانوا يعيشون على أكل خبزة يابسة، وينامون في الشوارع، ويهيمون على وجوههم في الصحراء، ولكنهم يحملون رسالة الشعر الحقيقية. فالفرزدق الذي كان من الموالين لاهل البيت (ع) وكان والده أيضاً من أصحاب الامام علي (ع)، هذا الرجل مرّ بالامام الحسين (ع) وهو يسير باتجاه مكة، فقال له: يابن رسول الله .. الى أين تذهب؟ قال: الى الكوفة، قال: يابن رسول الله لا تذهب الى الكوفة، لانهم لن يستقبولك، قال الامام: كيف تجد الناس؟ قال: يابن رسول الله (قلوبهم معك وسيوفهم عليك) لم يتقبل الامام الحسين (ع) كلامه، وذهب، فأثرت هذه الحادثة في قلب الفرزدق أثراً بالغاً .. ويخيّل لي، ان الفرزدق وقف يرقب قافلة الامام الحسين (ع) وهي تتجه الى الموت.
وقف طويلًا ينظر الى هذه القافلة قبل أن يبتلعها غبار الصحراءن وبقى أثر تلك النظرات في قلب الفرزدق حتى انفجر شعراً في وجه النظام الاموي، وفي مكة المكرمة وعند البيت الحرام وفي مدح الامام زين العابدينعليه الصلاة والسلامابن الامام الحسين (ع) في قصيدته المشهورة:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن فاطمة ان كنت جاهله بجده أنبياء الله قد ختموا
وفي يومه كان الشعراء هم الحكماء وألسنة الجماهير، وهم الجهاز الاعلامي الوحيد تقريباً في ذلك اليوم وفي ذلك العصر.
وهذه القصيدة كانت من القصائد الاساسية التي ساهمت في اسقاط بني أمية وحيث تحمل مسؤولية شعره، وذهب راضياً الى السجن .. هذا الشاعر الذي انتصر من بعد ما ظلم، كما يقول الله سبحانه وتعالى، وهكذا دعبل الخزاعي تراه يهيم على وجهه في الصحراء عدة سنين وهو يحمل خشبته على كتفه، فجاءت مجموعة من اللصوص وسطوا على قافلة دعبل الخزاعي، وهم يرتلون أشعاره بعدما سرقوا كل ملابسه وأمواله، وسألهم ما هذه الاشعار التي تقرؤنها؟
قالوا هذا شعر الشاعر العظيم، شاعر المحرومين شاعر المستضعفين (دعبل)!، قال أتعرفون دعبل؟ قالوا: لا. قال: أنا دعبل، قالوا: لا نصدقك!! وجاءوا به الى رئيسهم، فلما كلمه عرفه.
كان شعره أنشودة يرددها كل البؤساء لانه كان جزءاً من هذه الطبقة المحرومة، وهكذا (ابن السكيت) بطريقة أخرى دافع عن هذه الطبقة.
ان الذي يريد أن يحمل رسالة الشعررسالة الكلمةلابد أن يكون ممن قال عنه الله سبحانه وتعالى: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا ... ﴾ 2.
يكون هدفه ذكر الله تعالى، وشعره في توجيه الناس الى الله سبحان وتعالى: ﴿ ... وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ... ﴾ 2
ثم القرآن الكريم يبين ويقول: ﴿ ... وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴾ 2.
وبهذه الآية المباركة التي يبدأ الخطباء والعلماء أحاديثهم، ونعم ما يبدأون.
أيها الخطباء، يامن تحملون رسالة الشهداء في التاريخ، يامن تحولون دم الشهيد الى روافد، يجب أن لا تزرعوا اليأس في قلوب الناس، بل يكون هدفكم هو زرع الشجاعة والامل وزرع الرجاء في قلوب الناس.
ونرجوا من الله سبحانه وتعالى أن ينصر أمتنا. ومن هنا، فإن هذه الآية المباركة تحمل الخطباء مسؤولية تحويل دماء الشهداء الى قنوات جادة للعمل الاسلامي، معتمدة في ذلك على زرع الشجاعة والامل والرجاء في قلوب الناس، بدلًا من تثبيطهم عن الجهاد.
نرجوا من الله سبحانه وتعالى أن ينصر أمتنا الاسلامية على أعدائها الحقيقين في صراعها الطويل 3.
-
للمزيد راجع كتاب عاشورا امتداد حركة الانبياء