إن الحر العاملي له باب في كتاب الوسائل بعنوان: “باب استحباب تكرار التوبة والاستغفار، كل يوم وليلة من غير ذنب، ووجوبه مع الذنب”.
فإذن، إن الاستغفار على قسمين:
الاستغفار بعد كل ذنب، وهو هنا واجب. والاستغفار من غير ذنب، وهو مستحب. ولكن هل الاستغفار لابد فيه من التلفظ مثل صيغة الإسلام، وعقد الزواج؟ حيث أن الإنسان الذي يسلم بقلبه ولا يتلفظ الشهادتين، هذا ليس بمسلم. والإنسان الذي يتزوج فتاة بقلبه، ولا يتلفظ النية: “تزوجت وقبلت” أيضا لا ينعقد النكاح. فإذا أذنب الإنسان وندم في قلبه، وعزم على عدم العود، ولم يقل: (أستغفر الله ربي وأتوب إليه)؛ والاستغفار هو الندامة كما ورد في مناجاة الإمام زين العابدين (ع): (إلهي! إن كان الندم على الذنب توبة؛ فإني وعزتك من النادمين) هل هذا توبته مقبولة أم لا؟
إن صاحب كتاب العروة الوثقى، يقول: صيغة الاستغفار مستحبة، وإلا فإن المقدار الذي تتحقق به التوبة هي الندامة القلبية.. وعليه، فإن التلفظ بالصيغة مستحب، وفي الذنب لابد من الاستغفار، واحتياطا نتلفظ؛ وإلا فإن الندامة القلبية تكفي.
إن الله -عز وجل- يصف نبيه المصطفى (ص) في كتابه الكريم: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ ؛ هذا النبي العظيم لا يمكن صدور الذنب منه، ليس تكويناًً بل اختياراً، ومع ذلك ينقل الصادق (ع) عن جده المصطفى أنه كان يستغفر الله -عز وجل- في اليوم سبعين مرة. عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله -عليه السلام- قال: (كان رسول الله -صلى الله عليه وآله- يتوب إلى الله -عز وجل- في كل يوم سبعين مرة) قلت: أكان يقول: أستغفر الله وأتوب إليه؟ قال: (لا، ولكن كان يقول: أتوب إلى الله) قلت: إن رسول الله -صلى الله عليه وآله- كان يتوب ولا يعود، ونحن نتوب ونعود، قال: (الله المستعان)!
لماذا لا يقول: أستغفر الله؟ لأن الاستغفار يصدر من إنسان يعصي، فيطلب من الله -عز وجل- المغفرة. والنبي (ص) ليس له ذنب يستغفر منه، وإنما يقول: أعود إلى الله والتوبة والعودة إلى الله -عز وجل- تكون من غير ذنب.
ما فائدة الاستغفار من غير ذنب؟
إن رب العالمين يحب أن يرفع من درجة العبد بطريقين:
الطريق الأول: السبب الداخلي. أي يكون هو السبب في رفع الدرجات، وذلك بالاستغفار.. فالذي يستغفر ربه من غير ذنب، رب العالمين يرفع من درجاته؛ لأنه لم يذنب ويستغفر. أما إذا أذنب واستغفر؛ فإنه يحط عنه السيئات. فالاستغفار من غير ذنب، يكون رفع درجات، لا كفارة سيئات.
الطريق الثاني: السبب الخارجي. إذا لم يستغفر الإنسان، يصب عليه البلايا والمصائب؛ ليرفع من درجاته. فأيهما أفضل: رفع الدرجة بالاستغفار، أم رفعها بالمحن؟ المؤمن دائماً يسأل الله -عز وجل- العافية، فيقول: (يا ولي العافية!.. نسألك العافية) والدليل على ذلك هذه الرواية: عن أبي عبد الله (عليه السلام) -في حديث- قال: (إن رسول الله -صلى الله عليه وآله- كان يتوب إلى الله ويستغفره، في كل يوم وليلة مائة مرة من غير ذنب. إن الله يخص أولياءه بالمصائب؛ ليؤجرهم عليها من غير ذنب).
فإذن، إن المصائب والاستغفار كلاهما طريقان للأجر، والقرب إلى الله عز وجل وهناك محطتان للاستغفار: محطة نهارية، ومحطة ليلية. المحطة النهارية: بعد صلاة العصر، حيث منتصف النشاط النهاري، يستحب الاستغفار بعد صلاة العصر سبعين مرة. والمحطة الليلية: تكون في صلاة الليل، وكذلك يستحب الاستغفار سبعين مرة ﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ فالمؤمن الذي يستغفر بعد صلاة العصر مرة، وبعد صلاة الليل مرة؛ هذا يعد من المستغفرين كثيرا .