الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

عقيدتنا في الاجتهاد

نعتقد: أنّ الاجتهاد في الاَحكام الفرعية واجب بالوجوب الكفائي على جميع المسلمين في عصور غيبة الامام 1، بمعنى أنّه يجب على كلّ مسلم في كلّ عصر. ولكن إذا نهض به من به الغنى والكفاية سقط عن باقي المسلمين، ويكتفون بمن تصدّى لتحصيله وحصل على رتبة الاجتهاد وهو جامع للشرائط، فيقلِّدونه، ويرجعون إليه في فروع دينهم.

ففي كلّ عصر يجب أن ينظر المسلمون إلى أنفسهم، فإنْ وجدوا من بينهم من تبرَّع بنفسه، وحصل على رتبة الاجتهاد ـ التي لا ينالها إلاّ ذو حظ عظيم ـ وكان جامعاً للشرائط التي تؤهّله للتقليد، اكتفوا به وقلّدوه، ورجعوا إليه في معرفة أحكام دينهم.

وإن لم يجدوا من له هذه المنزلة وجب عليهم أن يحصِّل كل واحد رتبة الاجتهاد، أو يهيؤا من بينهم من يتفرَّغ لنيل هذه المرتبة، حيث يتعذَّر عليهم جميعاً السعي لهذا الاَمر أو يتعسَّر.

ولا يجوز لهم أن يقلِّدوا من مات من المجتهدين 2.

والاجتهاد هو: النظر في الاَدلّة الشرعية لتحصيل معرفة الاَحكام الفرعية التي جاء بها سيِّد المرسَلين (صلّى الله عليه وآله)، وهي لا تتبدَّل، ولا تتغيَّر بتغيّر الزمان والاَحوال «حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة»3.

والاَدلّة الشرعية هي: الكتاب الكريم، والسنَّة، والاجماع، والعقل، على التفصيل المذكور في كتب اُصول الفقه.

وتحصيل رتبة الاجتهاد تحتاج إلى كثير من المعارف والعلوم التي لا تتهيّأ إلاّ لمن جد واجتهد، وفرَّغ نفسه، وبذل وسعه لتحصيلها 4 5.

 

  • 1. إنّ الاِمام محمدً المهدي ابن الامام الحسن العسكري (عليهما السلام) ـ وهو خاتمة الاَئمة الاثني عشر ـ كانت له غيبتان:

    الاَولـى: تسمـى بالـغيبة الصغرى: ابتدأت في السنة التي توفّي فيها والده الامام العسكري (عليه السلام) عام 260 هـ، وانتهت عام 329 هـ وكان له فيها سفراء أربعة هم:

    أولاً: عثمان بن سعيد العمري الاسدي، وقد كان وكيلاً للامام الهادي، ثم للاِمام العسكري، ثم للامام محمد المهدي (عليهم السلام).

    ثـانياً: مـحمد بـن عثـمان بن سعيد العمري الاسدي، حيث قام بأمر السفارة بعد وفاة أبيه مدّة تقارب الاَربعين عاماً حتى وفاته عام 305 هـ.

    ثالثاً: الحسين بن روح، حيث قام بأعباء السفارة المقدّسة منذ وفاة محمد بن عثمان العمري حتى وفاته عام 326 هـ.

    رابعاً: علي بن محمد السمري، وهو آخر السفراء الاَربعة، وقد قام بسفارته لمدّة ثلاث سنوات انتهت بوفاته في 15 شعبان 329 هـ.

    والمعروف أنّ هؤلاء السفراء الاَربعة دفنوا بأجمعهم ـ بعد وفاتهم ـ في مدينة بغداد، ومشاهدهم معلومة مشهورة إلى يومنا الحاضر.

    والثانية: الغيبة الكبرى: ابتدأت بتاريخ 15 شعبان 329 هـ بوفاة السفير الرابع، الذي قال عندما سئل عمن يخلفه بهذا الاَمر: (لله أمر هو بالغه) وفيه بيان لما أعلمه به الامام المنتظر عجل الله تعالى فرجه ببداية الغيبة الكبرى المستمرة إلى يومنا هذا، حيث اصبحت نيابة الاِمام في عصر غيبته موكولة إلى المجتهد الجامع للشرائط المبسوطة في كتب الفقه.

    وفي ضوء ما سبق من تعريف الاجتهاد نجد أنّ عملية الاستنباط التي تعني (تحديد الموقف العملي تجاه الشريعة تحديداً استدلالياً) وتأتي ضرورة الاجتهاد لبداهة أنّ الانسان ـ بحكم تبعيته للشريعة المقدّسة، ووجوب امتثال أحكامها ـ ملزم بتحديد موقفه العملي منها، ولمّا لم تكن أحكام الشريعة ـ غالباً ـ من البداهة والوضوح بدرجة تغني عن إقامة الدليل، فليس من المعقول أن يحرم الناس جميعاً تحديد الموقف العملي تحديداً استدلالياً، ويحجر عليهم النظر في الاَدلّة التي تحدّد موقفهم تجاه الشريعة، فعملية الاستنباط إذن ليست جائزة فحسب، بل من الضروري أن تمارس، وهذه الضرورة تنبع من دافع تبعية الانسان للشريعة، والنزاع في ذلك على مستوى النزاع في البديهيات، وقد مرّت ـ كلمة الاجتهاد بمصطلحات عديدة في تاريخها بحيث ألقت ظلال تلك المصطلحات عليها، وأصبحت مثاراً للاختلاف نتيجة الغموض والتشويش، ولم تستقر في مدلولها اليوم حتى تجاوزت مراحل من التطورات في مفهوم اصطلاحها.

    انظر: المعالم الجديدة للاصول: السيد الشهيد الصدر (قدس سره): 23 وما بعدها. وللمزيد من الاطلاع على ما يخص الغيبة راجع تاريخ الغيبة الصغرى للسيد محمد الصدر: 395 الفصل الثالث (السفراء الأربعة حياتهم ونشاطهم).

  • 2. تقليد المجتهد الميت قسمان:

    1 ـ ابتدائي.

    2 ـ بقائي.

    والابتدائي: هو أن يقلد المكلف مجتهداً ميتاً من دون أن يسبق منه تقليده حال حياته.

    وهذا لا يجوز، ولو كان الميت أعلم من المجتهدين الأحياء.

    والبقائي: هو أن يقلد مجتهداً معيناً شطراً من حياته ويبقى على تقليد ذلك المجتهد بعد موته. وهذا يجوز إذا كان المجتهد الميت أعلم من الأحياء أو إذا لم يعلم ـ ولو إجمالاً ـ بمخالفة فتوى المجتهد الميت لفتوى الحي في المسائل التي هو في معرض الابتلاء بها.

    ولزيادة الاطلاع، راجع: العروة الوثقى: 1/ 17 ـ 18، المسائل المنتخبة للسيد السيستاني: 13 مسألة (12، 13، 14).

  • 3. الكافي: 1|58 ح19، المحاسن: 1|420 ح963.
  • 4. فيما يحتاج إليه المجتهد من العلوم، تسعة؛ ثلاثة من العلوم الاَدبية: وهي: الاَول: علم اللغة، والثاني: علم الصرف، والثالث: علم النحو.

    وثلاثة من المعقولات: وهي: الاول: علم الاصول، والثاني: علم الكلام، والثالث: علم المنطق.

    وثلاثة من المنقولات: وهي: الاول: علم الاصول، والثاني: علم الكلام، والثالث: علم المنطق.

    وثلاثة من المنقولات: وهي: الاَول: العلم بتفسير آيات الاَحكام في القرآن الكريم، والثاني: العلم بالاَحاديث المتعلّقة بالاَحكام، والثالث: العلم بأحوال الرواة في الجرح والتعديل للمزيد من التفاصيل راجع: الوافية في اُصول الفقه للفاضل التوني: 250 ـ 290.

    القرآن والعقيدة للسيد مسلم حمود الحلي: 248 ـ 252.

  • 5. المصدر: كتاب عقائد الإمامية، للشيخ محمد رضا المظفر رحمه الله.