الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

عقيدتنا في عصمة الأنبياء

ونعتقد: أنّ الأنبياء معصومون قاطبة، وكذلك الأئمة عليهم جميعاً التحيات الزاكيات، وخالَفَنا في ذلك بعض المسلمين، فلم يوجبوا العصمة في الأنبياء 1، فضلاً عن الأئمة.

والعصمة: هي التنزُّه عن الذنوب والمعاصي صغائرها وكبائرها، وعن الخطأ والنسيان 2، وإن لم يمتنع عقلاً على النبي أن يصدر منه ذلك، بل يجب أن يكون منزَّهاً حتى عمّا ينافي المروءة، كالتبذل بين الناس من أكل في الطريق أو ضحك عال، وكل عمل يستهجن فعله عند العرف العام.

والدليل على وجوب العصمة؛ أنّه لو جاز أن يفعل النبي المعصية، أو يخطأ وينسى، وصدر منه شيء من هذا القبيل، فإمّا أن يجب اتّباعه في فعله الصادر منه عصياناً أو خطأً أو لا يجب، فإن وجب اتّباعه فقد جوّزنا فعل المعاصي برخصة من الله تعالى، بل أوجبنا ذلك 3.، وهذا باطل بضرورة الدين والعقل.

وان لم يجب اتّباعه فذلك ينافي النبوَّة التي لا بدّ أن تقترن بوجوب الطاعة أبداً.

على أن كل شيء يقع منه من فعل أو قول فنحن نحتمل فيه المعصية أو الخطأ، فلا يجب اتّباعه في شيءٍ من الأشياء، فتذهب فائدة البعثة، بل يصبح النبي كسائر الناس، ليس لكلامهم ولا لعملهم تلك القيمة العالية التي يعتمد عليها دائماً، كما لا تبقى طاعة حتمية للأوامره، ولا ثقة مطلقة بأقواله وأفعاله 4.

وهذا الدليل على العصمة يجري عيناً في الامام؛ لان المفروض فيه أنه منصوب من الله تعالى لهداية البشر خليفة للنبي، على ما سيأتي في فصل الاِمامة 5.

  • 1. انظر: شرح المقاصد: 5|50، الغنية في اصول الدين: 161.

    وذكر السيد المرتضى في تنزيه الانبياء ما نصه: (وجوّز أصحاب الحديث والحشوية على الأنبياء الكبائر قبل النبوّة، ومنهم من جوّزها في حال النبوّة سوى الكذب فيما يتعلّق بأداء الشريعة، ومنهم من جوّزها كذلك ـ في حال النبوّة ـ بشرط الاستسرار دون الاِعلان، ومنهم من جوّزها على الأحوال كلها. ومنعت المعتزلة من وقوع الكبائر والصغائر المستخفة من الانبياء (عليهم السلام) قبل النبوّة وفي حالها، وجوّزت في الحالين وقوع ما لا يستخف من الصغائر، ثم اختلفوا؛ فمنهم من جوّز على النبي (صلّى الله عليه وآله) الاِقدام على المعصية الصغيرة على سبيل العمد، ومنهم من منع ذلك وقال إنّهم لا يقدمون على الذنوب التي يعلمونها ذنوباً بل على سبيل التأويل، وحكي عن النظام وجعفر بن مبشر وجماعة ممّن تبعهما أنّ ذنوبهم لا تكون إلاّ على سبيل السهو والغفلة، وأنّهم مؤاخذون بذلك وإن كان موضوعاً عن أممهم بقوّة معرفتهم وعلوّ مرتبتهم). تنزيه الأنبياء: المقدمة.

  • 2. معنى العصمة في أصل اللغة هي: ما اعتصم به الانسان من الشيء؛ كأنّه امتنع به عن الوقوع فيما يكره، وليس هو جنساً من أجناس الفعل، ومنه قولهم: إعتصم فلان بالجبل، إذا امتنع به، ومنه سميت العصم، وهي وعول الجبال؛ لامتناعها بها.

    وقال في لسان العرب: (إنّ العصمة هي الحفظ، يقال: عصمته فانعصم،، واعتصمت بالله، إذا امتنعت بلطفه من المعصية).

    والعصمة من الله تعالى هي: التوفيق الذي يسلم به الانسان ممّا يكره إذا أتى بالطاعة، وذلك مثل إعطائنا رجلاً غريقاً حبلاً ليتشبّث به فيسلم، وقد بيّن الله تعالى هذا المعنى في كتابه بقوله:﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ... . حبل الله هو دينه.

    و ورد عن الامام زين العابدين (عليه السلام) أنه لما سئل عن معنى المعصوم قال: «هو المعتصم بحبل الله، وحبل الله هو القرآن لا يفترقان إلى يوم القيامة، والامام يهدي إلى القرآن، والقرآن يهدي إلى الامام، وذلك قول الله عز وجل:﴿ إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ... .

    بحار الأنوار: 25/ 194، راجع أوائل المقالات من مصنفات الشيخ المفيد: 4/ 34. لسان العرب: 12/ 403 ـ مادة (عصم).

  • 3. ومن البديهي أن إطاعة الرسول واجبة بأمر الله؛ حيث قال تعالى:﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ... القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 64، الصفحة: 88.
  • 4. حيث في مثل ذلك ما ينافي الآيات الواردة في القرآن الكريم التي تحثّ على إطاعة الرسول (صلّى الله عليه وآله) وهي كثيرة؛ منها: قوله تعالى:﴿ ... وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ... . وقوله تعالى:﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ... ، وقوله تعالى:﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ... ، وقوله تعالى:﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ، وقوله تعالى:﴿ ... وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا وغيرها الكثير من الآيات.
  • 5. المصدر: كتاب عقائد الإمامية، للشيخ محمد رضا المظفر رحمه الله.