الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الشيعة والتشيع

الشيعة والتشيع

مجرد كلمة شيعي تعني لدى الكثير من الناس السب والشتم والضلال ... هكذا علموهم ... وهكذا فرضوا عليهم سياجا من الجهل ، يقولون لا تبحث عنهم ... لا تقرأ لهم. وعدنا إلى عهد معاوية حيث سب علي (ع) على المنابر سنة ، وتزداد المكافأة الملكية كلما أمعنت في لعن أبي الحسن وأهل بيته (ع) ... كلا نحن لم نعد ولكن الصراع الأيديولوجي هو الذي امتد إلى يومنا هذا ، ما زال علي يسب ، فقط تغير العنوان فأصبح الشيعة .. أما عوام الناس فدورهم فقط تلقي الأوامر « من أحبارهم » ، وهم تحت مظلة السنة والجماعة وهل هنالك من يرفض أن يكون مع السنة والجماعة ... ولكن أي سنة هي وأي جماعة؟ هل هي سنة محمد صلى الله عليه و آله و سلم أم أنها سنة من غير وبدل سنة محمد صلى الله عليه و آله و سلم؟ وحتى لانتوه نتوقف قليلا لمعرفة هذه العناوين والمسميات ، ماذا تعني الشيعة ومن هم ... وما هي السنة والجماعة وذلك في لمحة موجزة ..
1 ـ التشيع لغة هو المشايعة أي المتابعة والمناصرة والموالاة 1 في القرآن الكريم :﴿ وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ﴾ 2.

واصطلاحا يراد بهم أتباع وأنصار آل البيت (ع) وهم الذين ناصروهم في كل محنهم وسلكوا مسلكهم ووالوهم ، يقول ابن خلدون « اعلم أن الشيعة لغة هم الصحب والاتباع ويطلق في عرف الفقهاء والمتكلمين من الخلف والسلف على أتباع علي وبنيه »3.
تضاربت الآراء والأقوال لدى البعض حول بداية التشيع فهنالك من يرى أن الشيعة تكونوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه و آله و سلم وممن يذهب إلى هذا ابن خلدون في تاريخه فقد قال : إن الشيعة ظهرت لما توفي الرسول وكان أهل البيت يرون أنفسهم أحق بالأمر وأن الخلافة لرجالهم دون سواهم من قريش ولما كان جماعة من الصحابة يتشيعون لعلي ويرون استحقاقه على غيره ولما عدل به إلى سواه تأففوا من ذلك ... الخ 4 ومنهم أيضا اليعقوبي في تاريخه وهو يقول ويعد جماعة المتخلفين عن بيعة أبي بكر هم النواة الأولى للتشيع ومن أشهرهم سلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود والعباس بن عبد المطلب 5.

وهناك من يرى أن التشيع نشأ أيام الخليفة الثالث عثمان ومنهم من يقول أنه تكون أيام خلافة علي (ع) ورأي آخر يقول بظهور التشيع بعد واقعة الطف.
كل هذه الأقوال لا تثبت أمام التحقيق في كتب التاريخ والحديث والتفسير ، وربما يكون أقربها إلى الصواب الرأي القائل بأن التشيع بدأ بوفاة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم ولكن يواجه هذا الرأي بسؤال وهو كيف يمكن أن تتبلور هذه الفكرة في ظرف أقل من أسبوع؟ إلا إذا كانت موجودة بالفعل ولكن الأحداث هي التي جعلتها تأخذ مكانها في الواقع الخارجي.
أما الشيعة وغيرهم من المحققين من المذاهب الأخرى فإنهم يذهبون إلى أن التشيع ولد حينما ولدت الرسالة على عهد النبي صلى الله عليه و آله و سلم وإنه هو الذي غرسه في النفوس عن طريق الأحاديث التي وردت على لسانه صلى الله عليه و آله و سلم وكشفت عما لعلي (ع) من مكانة في مواقع متعددة رواها إضافة إلى الشيعة ثقاة أهل السنة ، ولقد وردت كلمة شيعة على لسان الرسول صلى الله عليه و آله و سلم وإليك نماذج من النصوص التي وردت :

1 ـ في الدر المنثور للسيوطي ج 8 ص 589. روى عن ابن عساكر بسنده عن جابر بن عبد الله قال كنا عند النبي صلى الله عليه و آله و سلم فأقبل علي (ع) فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم : « والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة » فنزل قوله تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ 6.
2 ـ ابن حجر في الصواعق المحرقة الباب (11) الفصل الأول الآية الحادية عشر : ـ
عن ابن عباس قال : ـ لما أنزل الله العالي ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ 6 قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لعلي (ع) « هم أنت وشيعتك تأتون يوم القيامة راضين مرضيين ويأتي عدوك غضابا مقمحين ».
3 ـ القندوزي الحنفي في ينابيع المودة ج 2 ص 61.
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : « علي وشيعته هم الفائزون يوم القيامة ».
ومن المصادر التي ذكرت هذه الرواية في تفسير قوله ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ... 6... الخ الآية :
أ ـ تفسير الطبري ج 3 / 146.
ب ـ روح المعاني للآلوسي ج 3.

ج ـ كفاية الكنجي الشافعي ص 244 ـ 246.
وغيرها من المصادر.
والشواهد التاريخية كثيرة على ذلك ، فكل الحوادث التي شارك فيها علي (ع) أو الحسن والحسين (ع) تصف أصحابهم بأنهم من شيعتهم.
والشيعة الآن هم الذين يوالون أهل البيت (ع) ويأخذون منهم معالم دينهم أصولا وفروعا باعتبار أنهم حملة السنة ، والامتداد الطبيعي لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم وبذلك يكونون هم الذين اتبعوا سنة النبي صلى الله عليه و آله و سلم والتزموا بتمسكهم بأئمة أهل البيت (ع) كما أمرهم صلى الله عليه و آله و سلم ، والخلاف بينهم وبين أهل السنة ليس خلافا حول المسميات إنما القضية تختص بمنهج كل منهما وأيهما يمثل رسالة السماء.
أما بالنسبة لأهل السنة والجماعة فالسنة في اللغة تعني الطريقة والمنهاج.
واصطلاحا تعني كل ما صدر عن الرسول من قول أو فعل أو تقرير ويسمي السنة مذهبهم « أهل السنة والجماعة » ويقصدون بذلك أنهم أصحاب الطريقة المحمودة ولم يعرف هذا الاسم إلا مؤخرا حيث كان يعبر عن منهج أصحاب السقيفة في مقابل المناوئين لهم وهم علي وشيعته. وظلال اسم أهل السنة والجماعة توحي بأن الشيعة هم المخالفون للسنة الشريفة ولكن سنرى من الذي اتبع سنة المصطفى صلى الله عليه و آله و سلم حقا ومن الذي حرف وبدل وغير.

التشيع والفرس

رغم أن التشيع هو عمق الإسلام وجوهره إلا أننا نجد بعض المأجورين يحاولون ربط التشيع بالفرس على نحو يحمل في طياته أنهشيء طارئ في الجسد الإسلامي اختلط بثقافة أهل فارس قبل الإسلام ... وفات هؤلاء أن التشيع كان قبل أن يدخل الإسلام إلى فارس كما سبق وأن بينا أن ولادة التشيع كانت مع بزوغ فجر الرسالة المحمدية ، ودخل إلى بلاد فارس من العراق ولبنان وغيرها من الدول العربية. ووجد فيها رجالا حملوا الأمانة كما كان سلمان الفارسي (رض).
وحتى تعم الفائدة نذكر لإخواننا السنة .. أن أغلب علمائهم من فارس ومنهم البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة والرازي والقاضي البيضاوي وغيرهم من فطاحل أهل السنة والجماعة.
والآن الكل يدعي تمسكه بسنة النبي صلى الله عليه و آله و سلم والفيصل هو أن نضع كلا الطائفتين في الميزان ونرى 7.

  • 1. تاج العروس ولسان العرب مادة شيع.
  • 2. القران الكريم: سورة الصافات (37)، الآية: 83، الصفحة: 449.
  • 3. تاريخ ابن خلدون الفصل 27 في مذهب الشيعة ص 348.
  • 4. المصدر السابق ج 3 ص 364.
  • 5. تاريخ اليعقوبي.
  • 6. a. b. c. القران الكريم: سورة البينة (98)، الآية: 7، الصفحة: 598.
  • 7. المصدر: كتاب بنور فاطمة اهتديت للسيد عبد المنعم حسن السوداني حفظه الله.