حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
ما هو عمود النار الذي سيندلع في المشرق فيتحقق فرج آل محمد صلوات الله عليهم؟
سؤال:
ما صحة هذه الرواية أو الحديث؟ لعله في كتب أهل السنة فقط
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (371) : عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم عمودا أحمر قبل المشرق في رمضان، فادخروا طعام سنتكم، فإنها سنة جوع».
الجواب:
ورد محتوى هذه الرواية وإن بالفاظ مختلفة في العديد من مصادر العامة، ومع اختلافها في اللفظ غير أنها تركز على الربط بين نار في المشرق وبين سنة الجوع، ومنها رواية نُعيم بن حماد بسنده لخالد بن معدان قال إذا رأيتم عمودا من نار من قبل المشرق في شهر رمضان في السماء فأعدوا من الطعام ما استطعتم فإنها سنة جوع 1.
وذكرها بسنده ايضا الى خالد بن معدان قال: قال إنه ستبدو آية عمودا من نار يطلع من قبل المشرق يراه أهل الأرض كلهم فمن أدرك ذلك فليعد لأهله طعام سنة 2.
وقد يطلقون على هذه العلامة بآية الحدثان التي تحدث في شهر رمضان كما هو في حديث كثير بن مرة الحضرمي قال آية الحدثان في رمضان علامته في السماء بعدها اختلاف في الناس فإن أدركتها فأكثر من الطعام ما استطعت 3.
وقد ذكر ابن ابي شيبة في مصنفه هذا الحدثان نقلا عن نوف البكالي 4.
والكلام يقع تارة في تفسير ذلك ومعرفة ما يراد به، وأخرى في معرفة مدى الاعتماد على مثل هذه الروايات.
وبادئ ذي بدء لا نمتلك طريقاً لتصحيح مرويات العامة الا ان نجد شاهدا لها في حديث اهل البيت عليهم السلام او ان نترك للواقع ان يحكم بشأنها، ولكن مع ذلك نلاحظ ان الرواية تشترك مع رواياتنا بقضية النار من قبل المشرق، ولدينا في هذا المجال روايتين أحدهما رواها الشيخ النعماني في كتابه الغيبة عن الامام الباقر صلوات الله عليه أنه قال: عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام)، أنه قال: إذا رأيتم نارا من المشرق شبه الهردي العظيم تطلع ثلاثة أيام أو سبعة فتوقعوا فرج آل محمد (عليهم السلام) إن شاء الله عز وجل إن الله عزيز حكيم 5.
والأخرى وردت على لسان الامام الصادق عليه السلام قال: إذا رأيتم علامة في السماء نارا عظيمة من قبل المشرق تطلع ليالي، فعندها فرج الناس، وهي قدام القائم (عليه السلام) بقليل 6.
ومن الواضح ان الاشتراك بهذا المقدار لا يعني بالضرورة توحيد قصتهما، ولكن لا دليل لدينا على المفارقة أيضاً، غاية ما هنالك ان الروايتين لا تشيران الى الجوع ولا تشيران الى توقيت ذلك بشهر رمضان، مع تأكيدهما على الارتباط بفرج آل محمد صلوات الله عليهم اجمعين، وما من شك لدي ان روايتا النعماني تتحدان في الواقعة، ومن الواضح ان المشرق بالنسبة الى جهة الامامين الصادقين عليهما السلام هو مشرق الجزيرة العربية، من دون تحديد لموضع هذا المشرق هل هو في حدود الجزيرة او في الخليج او فيما يليه، ولكن القدر المتيقن ان هذه النار ستكون بوابة عظيمة للفرج، مما يعني انتهاء أزمة لعموم الناس، وعندئذ يمكن أن نتلمس خيطاً من الافتراق عن روايات العامة فيما يتعلق بالجوع، اذ ان الحديث عن فرج الناس من بعد النيران ربما لا ينسجم مع وجود جوع من بعدها وان كان ربما يكون الفرج في جانب من النيران والجوع في جانب آخر منها.
مما لا شك ان الحديث عن الفرج والجوع وما الى ذلك لا يدع مجالاً للشك بأن هوية النيران هوية حربية، بمعنى ان الفرج لا يأتي من مجرد حريق مهما بلغ شأنه، كما ان الجوع هو الاخر لا يأتي من خروج نار لاسباب طبيعية كما قد تخرج النار لسبب جيولوجي، ولذلك هنا نحن أمام أزمة سياسية وأمنية تنتهي باندلاع نيران بشكل حربي ويكون لهذه النيران أثراً مدوياً بحيث يتحقق الفرج من بعد اندلاعها، وهذا ما يعني ان النيران ستأكل عدو الناس والمتسبب بضر آل محمد صلوات الله عليهم، ولعلها في هذه المعطيات تلتقي مع رواية أهل المشرق المنتصرين الواردة عن الامام الباقر عليه السلام إذ قال: كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يعطونه، ثم يطلبونه فلا يعطونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم فيعطون ما سألوه فلا يقبلونه حتى يقوموا ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم قتلاهم شهداء أما إني لو أدركت ذلك لاستبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر 7. مما يكشف لنا أن النار لهم وانها ستلحق بعدوهم، وهي متحدة المضامين في شأن قربها من الظهور الشريف.
وما يبدو لي ان احتكاكاً امنياً واشتباكاً محدوداً لا حرباً شاملة هي التي ستعبر عنها هذه النيران لان الحديث عن الليالي الثلاث او السبع في اندلاع النيران لا تعبر عن حالة حرب شاملة، وانما تعبر عن اشتباك له نتائج سريعة جداً في انكسار الطرف المعادي لشيعة آل محمد عليهم السلام مما يجعله يستسلم فيتحقق النصر والفرج.
وربما اظهرت عبارة: من المشرق، او عبارة من قبل المشرق مصدر هذه النيران وهوية مشعليها، او ان المراد بهما تحديد جهة هذه النار والامر يحتمل كليهما، وان كان الأقرب هو الاشارة الى الهوية، بيد اننا اذا ما قلنا بالهوية فعلينا ان نحدد موضع اندلاعها بعيداً عن مصدر اشعالها.
يبقى ان نتوقف لنعرف ماهية هذه النار ففي رواية عبادة بن الصامت أشار الى أنها حمراء وفي رواية الامام الباقر عليه السلام أشير الى أنها كالهردي العظيم، واعتقد انه لا تنافي في اللون لان الاحمر يستوعب لون الورس او الكركم وهو الأصفر المشوب بالحمرة، على ان التعبير بالعمود لهذه النار ما يظهر ان ثمة ضربة تستهدف مكانا واحداً هي التي توجد هذا العمود، لوضوح ان العمود لا يمكننا ان نتحدث عنه لنعبر عن عدة اماكن، وانما لا بد من ان مكانا واحداً ينتج استهدافه هذا العمود والذي يعني نيرانا هائلة، وأحسب أن إنتاج مثل هذه الصورة ليس سهلاً إلا من خلال أن يكون الهدف كبيراً وهائلاً ليحقق هذا الوصف، ولربما يغلب على الذهن ان مثل هذا الهدف والذي فيه هزيمة كاملة للعدو يتحقق إثرها فرج الناس وشيعة آل محمد عليهم السلام وتنفتح من بعده آفاق الظهور الشريف لا يمكن أن يكون أرضياً، والى هنا أنتهي الى نهاية المباح من الكلام ومن بعد ذلك لله أمر هو بالغه، والحمد لله أولاً وآخراً وصلاته وسلامه على رسوله وآله أبداً 8.