الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

ولاية علي عليه السلام في القرآن الكريم


قال اللّه تعالى: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ 1.
أخرج الإمام أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره الكبير 2 بالإسناد إلى أبي ذرّ الغفاري قال: سمعتُ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بهاتين وإلاّ صمّتا، ورأيته بهاتين وإلاّ عميتا، يقول: "عليٌّ قائد البررة، وقاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله".
أما أنّي صلّيت مع رسول اللّه ذات يوم، فسأل سائل في المسجد، فلم يُعطه أحد شيئاً، وكان علي راكعاً فأومأ بخنصره إليه وكان يتختّم بها، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره.
فتضرّع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى اللّه عزّ وجلّ يدعوه، فقال: "اللّهم إنّ أخي موسى سألك: ﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا 3 فأوحيتَ إليه: ﴿ ... قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ 4 اللّهم وإنّي عبدك ونبيّك، فاشْرح لي صدري، ويسّر لي أمري، واجعل لي وزيراً من أهلي عليّاً، أشدد به ظهري".
قال أبو ذر: فواللّه ما استتمّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) الكلمة حتى هبط عليه الأمين جبرائيل بهذه الآيه:  ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ 1 5.
ولا خلاف عند الشيعة في أنّها نزلت في علي بن أبي طالب، رواية عن أئمه أهل البيت (عليهم السلام)، وهي من الأخبار المتسالم عليها عندهم، فقد رُويتْ في العديد من كتب الشيعة المعتبرة عندهم، مثل:
1 ـ بحار الأنوار للمجلسي [ 35: 183 ].
2 ـ إثبات الهداة للحرّ العاملي [ 2: 120 الباب العاشر ].
3 ـ تفسير الميزان للعلاّمة الطباطبائي [ 6: 15 ].
4 ـ تفسير الكاشف لمحمّد جواد مغنية.
5 ـ الغدير للعلاّمة الأميني [ 2: 91 ].
وغير هؤلاء كثير.
كما روى نزولها في علي بن أبي طالب من علماء السنّة والجماعة جمع غفير، أذكر منهم فقط علماء التفسير:
1 ـ تفسير الكشّاف للزمخشري 1: 649.
2 ـ تفسير الطبري 6: 288.
3 ـ زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 2: 383.
4ـ تفسير القرطبي 6: 219.
5 ـ تفسير الفخر الرازي 12: 26.
6 ـ تفسير ابن كثير 2: 71.
7 ـ تفسير النسفي 1: 289.
8 ـ شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي 1: 161.
9 ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي 2: 293.
10 ـ أسباب النزول للإمام الواحدي: 148.
11 ـ أحكام القرآن للجصّاص 4: 102.
12 ـ التسهيل لعلوم التنزيل للكلبي 1: 181.
وما لم أذكره من كتب السنّة أكثر مما ذكرت 6.
وفي الجواب على ذلك نورد كلام العلاّمة الآلوسي في روح المعاني 6: 336، حيث أورد هذا الاعتراض ودفعه فقال: "قيل لابن الجوزي رحمه اللّه تعالى: كيف تصدّق عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه بالخاتم وهو في الصلاة، والظنّ فيه بل العلم الجازم أنّ له كرّم اللّه تعالى وجهه شغلا شاغلا فيها عن الالتفات إلى ما لا يتعلّق بها، وقد حكي ممّا يؤيّد ذلك كثيراً؟!
فأنشأ يقول:
يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته    عن النديم ولا يلهو عن الناس
أطاعه سكره حتى تمــكّن من    فعل الصحاة فهذا أوحد الناس
"فعليّ (عليه السلام) انتقل عن طاعة العبادة إلى طاعة الصدقة، فهو مع اللّه في كلا الحالتين، ولم ينشغل عنه طرفة عين حتى يكون ذلك منافياً للخشوع والخضوع المطلق في الصلاة، ولأجل ذلك أنزل اللّه سبحانه وتعالى في حقّه قرآناً يتلوه المسلمون على مدى الأجيال المتمادية.
وهذا النبي (صلى الله عليه وآله) مع أنّه أرقى حالا من عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، نجده يفعل بعض الأفعال في الصلاة، فقد روى مسلم في صحيحه 2: 44 عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "إنّي لأدخل في الصلاة أُريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي، فأخفف من شدّة وجد أُمه به"، وعن أبي قتادة: "إنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يصلّي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول اللّه... فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها" 7 .
فهذه الأفعال كان يقوم بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الصلاة، ولا تؤثّر على توجّهه وانقطاعه إلى اللّه سبحانه وتعالى، وكذا ما قام به الإمام علي (عليه السلام) لا يضرّ في خشوعه وخضوعه التامّ إلى اللّه تعالى بعدما كان فعله صدقة يراد بها وجه اللّه عزّ وجلّ 8.

  • 1. a. b. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 55 و 56، الصفحة: 117.
  • 2. أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم النيسابوري الثعلبي المتوفي سنة 337هـ، ذكره ابن خلكان وقال: "كان أوحد زمانه في علم التفسير صحيح النقل موثوق به" (المؤلّف).
  • 3. القران الكريم: سورة طه (20)، الآيات: 25 - 35، الصفحة: 313.
  • 4. القران الكريم: سورة طه (20)، الآية: 36، الصفحة: 313.
  • 5. انظر: شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني 1: 230، نظم درر السمطين للزرندي: 87.
  • 6. وقد ذكر صاحب كتاب منهج أهل البيت في مفهوم المذاهب الإسلامية:45 اعتراضاً على الاستدلال بهذه الآية على الولاية لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) كما اعترض غيره بما حاصله: إنّ التصدّق في أثناء الصلاة ينافي التوجّه والانقطاع إلى اللّه سبحانه وتعالى، فالروايات الواردة في نزول الآية في حقّ علي بن أبي طالب تقدح في خشوعه في الصلاة فضلا عن أن تعدّ من مناقبه ويستدلّ بها على إمامته؟!
  • 7. صحيح البخاري 1: 131.
  • 8. المصدر: كتاب لأكــون مع الصادقـيـن، تأليف العلامة الدكتور الشيخ محمد التيجاني السماوي حفظه الله.