حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
- آل سعود - الاحساء - التوحيد عند الوهابية - الرد على الوهابية - السلفية - الشيعة و الوهابية - القطيف - الوهابية - الوهابية و السيف - تاريخ السعودية - تاريخ الوهابية - تدمير القبور - تكفير المسلمين - حياة محمد بن عبد الوهاب - خدمات الوهابية للمسلمين - زوار القبور - محمد بن عبد الوهاب - مشاريع الوهابية - معانات المسلمين من الوهابية - نجد
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
محمد عبد الوهاب
محمد عبد الوهاب هو صاحب الدعوة الوهابية ، و إليه ينتسب المذهب الوهابي . . ولد في العشرة الثانية من القرن الثاني عشر الهجري بمدينة تسمى « العينية » بنجد ، و كان أبوه قاضياً فيها ، و أميرها يومذاك عبد الله بن معمر .
درس محمد على أبيه مبادئ العلوم الدينية ، و طرفاً من الفقه ، ثم رحل إلى الحجاز ، و مكث اشهراً ، و أثناء إقامته في المدينة المنورة حضر على بعض شيوخها ، ثم عاد إلى نجد ، و ما استقر فيها ، حتى استأنف الرحلة إلى البصرة ، و حين أظهر آراءه لأهلها أنكروا عليه ، و طردوه ، فخرج منها هارباً ، و عاد إلى أبيه بنجد ، و كان أبوه قد ترك العينية إلى بلدة « حريملة » و بقي الوالد فيها إلى أن وافته المنون سنة 1143 هـ .
و عن تاريخ الالوسي ان الأب لم يكن راضياً عن ابنه ، و انه زجره و نهاه ، و بعد أن مات أبوه تجرأ عليه أهل حريملة ، و هموا بقتله ، فلم يجد بدا من الهرب إلى العينية ، و هي مسقط رأسه ، و دار نشأته ، و قد تعاهد هو و أميرها عثمان بن معمر على أن يشد كل منهما أزر الآخر ، فيترك الأمير للشيخ الحرية في إظهار الدعوى ، و العمل على نشرها ، لقاء أن يقوم الشيخ بدوره بشتى الوسائل لسيطرة الأمير على نجد بكاملها ، و كانت يومذاك موزعة إلى ست أو سبع إمارات ، منها إمارة العينية .
و لكي تقوى الروابط بين الاثنين زوج الأمير أخته جوهرة من الشيخ ، فقال له الشيخ : « إني لآمل أن يهبك الله نجداً و عربانها » .
و هكذا يؤمن محمد عبد الله بأن الله يهب الأحرار ، و ما يملكون لمن يناصره في دعوته ، و يجعلهم عبيداً له من دون الله هذا ، و هو يدعو إلى التوحيد الخالص من شوائب الشرك . . أما نحن الشيعة ، أما نحن المشركين في نظر محمد عبد الوهاب و إتباعه فإنا ندين و نعتقد بأن الناس كلهم أحرار ، و أن الله لم يجعل لإنسان سبيلاً على مثله ، و انه سبحانه يهب الهداية و العقل و الصحة و الخير ، أما الشر و الظلم و التحكم بالأرواح و الأموال فهو من الشيطان لا من الرحمن في عقيدتنا . . إن عندنا من العلم بعدل الله و إحسانه ما ينزهه عما يقول و يفعل الظالمون .
و هكذا بدأ التحالف بين الشيخ و الأمير ، واحدة بواحدة . . مساومة ، ثم أخذ و عطاء ، و الثمن هو الدين و الشعب ، أما زواج الشيخ من جوهرة فتثبيت للتحالف ، و ضمان للوفاء . . لقد سخّر محمد عبد الوهاب الدين لرجل الدنيا ، و تطوع لتعزيز حكمه ، دون أن يكون على يقين من عدله ، أو يأخذ منه موثقاً لتحسين الأوضاع ، و راحة الناس ، و العمل للصالح العام . . بل على العكس فقد وعده بملك نجد و عربانها . . و لكن لا بالاقتراع و حرية تقرير المصير ، بل بالحرب و الغزو ، و بأشلاء الضحايا . . و مع ذلك فان محمد عبد الوهاب هو المجدد المصلح ، و صاحب رسالة إنسانية . .
و مهما يكن ، فان التحالف بين الاثنين لم يطل عمره ، ولم يتم أمره ، و ما تمخض إلا عن زواج الشيخ بجوهرة ، و هدم قبر زيد بن الخطاب ، و إثارة الفتن و القلائل من جراء دعوة ابن عبد الوهاب التي زجره عنها أبوه ، و حاول ـ من أجلها ـ أهل البصرة و حريملة أن يقتلوه ، لم يطل عمر التحالف بين الشيخ و الأمير ابن معمر ، لان سليمان الحميدي صاحب الاحساء و القطيف أمر عثمان بن معمر ـ و كان أقوى منه ـ أن يقتل الشيخ ، قال فيليبي في تاريخ نجد ص 38 :
« قرر عثمان أن يتخلص من ضيفه ، فطلب من أن يختار المكان الذي يريد الذهاب إليه ، فاختار الدرعية ، فأرسل عثمان معه رجلاً اسمه فريد ، و كلفه أن يقتل الشيخ في الطريق . و لكن فريداً خذلته إرادته ، و ترك الشيخ ، و قفل راجعاً دون أن يمسه بسوء » .
وصل الشيخ إلى الدرعية سنة 1160 هـ ، و كان أميرها آنذاك محمد بن سعود ، جد السعوديين ، و تم الاتفاق بين الشيخ و الأمير على غرار ما كان قد تم بينه و بين أمير العينية ، فقد وهب الشيخ نجداً و عربانها لابن سعود . كما وهبهما من قبل لابن معمر ، و وعده « ان تكثر الغنائم عليه و الاسلاب الحربية التي تفوق ما يتقاضاه من الضرائب » 1 على أن يدع الأمير الشيخ ، ما يشاء من وضع الخطط لتنفيذ دعوته ، و تقول الرواة : إن الأمير السعودي بايع محمد عبد الوهاب على القتال في سبيل الله . . و معلوم أنهما لم يفتحا بلداً غير مسلم في الشرق ، أو في الغرب ، و إنما كانا يغزوان و يحاربان المسلمين الذين لم يدخلوا في طاعة ابن سعود ، و هذا الاتفاق ، أو هذه المساومة ، و ما سبقتها مع ابن معمر تلقي الضوء الكاشف على دعوة ابن عبد الوهاب ، و اقل شيء تتكشف عنه أنها لا تهتم بمصائر الناس ، و لا يحل أية مشكلة من مشاكلاتهم ، كما هو شأن الدعوات و الرسالات الصالحة .
و بعد أن شعر محمد عبد الوهاب بقوته عن طريق هذا التحالف ، و ان الامارة السعودية أصبحت تناصره و تؤازره ، بعد هذا الشعور جمع الشيخ أنصاره و إتباعه ، و حثهم على الجهاد ، و كتب إلى البلدان المجاورة المسلمة أن تقبل دعوته ، و تدخل في طاعته ، و كان يؤخذ ممن يطيعه عشر المواشي و النقود و العروض ، و من أبى غزاه بأنصاره ، و قتل الأنفس ، و نهب الأموال ، و سبى الذراري . . ادخل في الوهابية و إلا فالقتل لك ، و الترمل لنسائك ، و اليتم لأطفالك . . هذي هي الشريعة السمحة ، و التعاليم الغراء ، و النية الخيرية ، و الخلق الكريم . . و هذا هو النظام العادل الصالح الحكيم . . هذا هو بالذات مبدأ عبد الوهاب . الذي لا يتنازل عنه لأية مصلحة ، و من أجله تحالف مع ابن معمر في العينية ، ثم مع ابن سعود في الدرعية ، و كان على أتم استعداد أن يتحالف مع أية قوة يستعين بها على ذلك .
و لكنه لم يجد مناصراً أفضل من ابن سعود بعد أن تأكد هذا الأمير أن انتصار دعوة الشيخ هو انتصار له بالذات ، « و ان الغنائم و الأسلاب الحربية التي وعده بها الشيخ ستفوق ما يتقضاه من الضرائب » . . ولم تكن هذه الغنائم و الأسلاب إلا البعير ، و إلا الشاة التي كانت كل ما يملكه المسلم الآمن في صحراء نجد ، و المصدر الأول لحياته و حياة أطفاله و عياله . . كان الشيخ يغزو بأنصاره و أتباعه عربان نجد يسلبونهم مصدر حياتهم ، ثم يقفلون إلى الدرعية بعد أن يتركوا وراءهم أشلاء الضحايا ، و الخرائب و الأرامل و الأيتام . . و يوزع الشيخ عليهم أربعة أخماس الغنائم و الأسلاب من المسلمين الآمنين ، و يخص الخمس بالخزينة التي يتصرف بها هو و الأمير السعودي ، قال عبد الله فيليبي في تاريخ نجد ص 41 : « و قد ادخل الإمام في عقول طلابه مبادئ فريضة الجهاد المقدس ، فوجد الكثيرون منهم في الجهاد اقدس تعاليمه ، إذ أنه يتفق مع ما اعتاد عليه العرب ـ يريد ان العرب قاد اعتادوا على السلب و النهب ـ كما خصص الشيخ خمس الاسلاب بخزينة المركزية التي كان الأمير و الإمام يتقاضيان منها ما يقوم باودهما . . و هكذا كان سلطان الشيخ في تصرف شؤون البلاد بعد مرور سنة أو سنتين ، لقد أصبح شريكاً مؤسساً » .
و قد دان بمبدأ « الوهابية أو السيف » كل وهابي ، حتى يومنا هذا ، لأنه يحقق له ما اعتاد عليه من السلب و النهب . . ففي سنة 1345 هـ طلب 14 عالماً وهابياً من الملك عبد العزيز أن يجبر شيعة الاحساء و القطيف على ترك « الشرك » أي على اعتناق الوهابية ، و ان يرتب لهم اماماً وهابياً ، و مؤذناً وهابياً ، و أن يهدم الحسينيات و مسجد حمزة ، و أبي رشيد ، و من أبى عن اعتناق الوهابية ينفى من البلاد 2 و متى نفوا من بلادهم و ديارهم تكون جميع أملاكهم للوهابية ، تماماً كما فعل الصهاينة بعرب فلسطين .
هكذا يهتف ابتاع محمد عبد الوهاب : لا عدل ، لا سلم ، لا رحمة ، لا إنسانية ، لا حياة ، لا شيء ابداً إلا « الوهابية أو السيف » . . و هذه السنة التي اسنتها يتحمل وزرها محمد عبد الوهاب من يومه إلى يوم القيامة . . لأنها ، كما ترى ، دعوة تقوم على الحرب و الضحايا ، و تنطبع بطابع الدم و الفوضى .
و من تلك السنة التي وقع فيها الاتفاق بين الشيخ و الأمير السعودي ، و هي سنة 1158 هـ ، إلى يومنا هذا ، و التعاون قائم بين أبنائهما : توزيع مناصب ، و تقسيم غنائم ، ثم ايغال في البذخ و الترف
و لنا أن نتساءل : هل كان محمد عبد الوهاب قائداً من قادة الدين ، و رائداً من رواد الشريعة الإسلامية ، أو كان رجلاً يحب الظهور و السيطرة ، و قد اتخذ الوهابية وسيلة إلى ما أحب ؟ .
و الجواب عن هذا السؤال يتوقف على أمرين : الأول أن نعرف خصائص رجل الدين ، و العلامات الفارقة بينه و بين غيره ، الثاني أن نقرأ بتأمل و تجرد تاريخ محمد عبد الوهاب ، ثم نرى : هل تنطبق عليه تلك الخصائص ، اولاً ؟
أما خصائص رجل الدين و علاماته ، أو وظيفته و مهمته فهي أن يعلم اولاً و قبل كل شيء إن العقيدة تقوم على الاختيار و قوة الإقناع ، لا على الإكراه و السيف 3 و ان يكون مع الكتاب و القلم ، و يستفتى فيفتى ، و ان يعلم و يعظ و يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة و الموعظة الحسنة ، و يجادل من خالف بالتي هي أحسن ، و أن يحيي الشعائر الدينية ، و يصلح ذات البين ، و يقف ضد الحروب و التطاحن و المشاغبات ، و يعمل على تصفية القلوب و بث المحبة و الإخاء ، و أن يكون رحب الصدر لا يلحق الأذى بمخلوق ، كائناً من كان ، و يجب الخير للناس ، كل الناس ، حتى الذين يخالفونه في الرأي و العقيدة ، و يعمل على إسعادهم ، و التضحية في سبيلهم ، و يهاجم الشر أينما كان ، و أن يكون وديعاً ورعاً زاهداً ، يرضى بما يجد ، لا تغلبه عاطفته ، و جشعه على دينه ، بعيداً كل البعد عن التحزبات ، و لا يجمع حوله الهمج الرعاع ، و يحرض على الفوضى و الغزو باسم الجهاد ، و لا يتعاون مع أبناء الدنيا إلا فيما فيه الخير و الهداية ، و ان يعتقد اعتقاداً جازماً أن أي سبب من أسباب التفرقة هو طعنة مسمومة في قلب الدين و الأمة و بالتالي ، لا يتنازل عن شيء من واجباته مهما كان الثمن .
هذا هو رجل العلم و الدين . . فهل كان محمد عبد الوهاب كذلك ؟ . و ندع الجواب للتاريخ وحده ، قال صاحب خلاصة الكلام : « قوي أمر محمد عبد الوهاب ، فخافته البادية » . و بديهة أن صاحب الدين لا يخاف احد منه ، بل هو ملجأ الخائفين ، و جاء في الحديث : « شر الناس من تخاف الناس من شره » و في جغرافية « ملطبرون » ترجمة رفاعة بك : « و قوّى ابن عبد الوهاب دعوته عن طريق السيف » . و في تاريخ ابن بشر : « أمر محمد عبد الوهاب بالجهاد ، و حض عليه أتباعه ، فامتثلوا ، و أول جيش له تألف من سبع ركائب » . و معلوم أن هذه الركائب غزت بلاد المؤمنين بلاد لا إله إلا الله و محمد رسول الله . . و في تاريخ نجد للالوسي : « كتب ابن عبد الوهاب إلى أهل نجد ـ و هم مسلمون ـ فبعضهم أطاع ، و بعضهم لم يحفل به فأمر أهل الدرعية بالقتال فأجابوه 4 .
و كان لمحمد عبد الوهاب أخ ، اسمه الشيخ سليمان بن عبد الوهاب ، و كان يشغل منصب القاضي في حريملة ، و كان كأبيه ينكر على أخيه محمد آراءه المتطرفة . . و ألف كتاباً خاصاً في الرد عليه ، و على أتباعه أسماه « الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية » وجدت منه نسخة في مكتبة المقاصد ببيروت ، و نقلت عنه بعض الكلام فيما تقدم ، و يدل الكتاب على علم صاحبه ، و سعة إطلاعه ، و انه قد بذل جهداً كبيراً في الدرس ، و امداً طويلاً في البحث ، و قد نعت أخاه محمداً في أول كتاب الصواعق بالجهل و الضلالة ، قال في ص 4 طبعة 1306 هـ :
« فان اليوم ابتلى الناس بمن ينتسب إلى الكتاب و السنة ، و يتبسط في علومهما ، و لا يبالي ـ أي أخوه محمد عبد الوهاب ـ من خالفه ، و إذا طلبت منه أن يعرض كلامه على أهل العلم لم يفعل ، بل يوجب على الناس الأخذ بقوله ، و بمفهومه ، و من خالفه فهو عنده كافر ، هذا ، و هو لم يكن فيه خصلة واحدة من خصال أهل الاجتهاد ، لا والله ، و لا عشر واحدة ، و مع هذا راج كلامه على كثير من الجهال ، فانا لله و إنا إليه راجعون ، الأمة كلها تصيح بلسان واحد ، و مع هذا لا يصغى إلى كلمة ، بل كلهم كفار ، أو جهال ، اللهم اهد هذا الضال ، و رده إلى الحق » .
و من ألمّ بسيرة ابن عبد الوهاب ، أو بطرف منها لم يشك في أن أتباعه و أنصاره كانوا يغزون و يشنون الغارات على المسلمين الآمنين بأمره و تحريضه ، و أنهم كانوا يفرشون الأرض بالصرعى و القتلى من أبناء نجد الذين لهم على الشيخ حق الجوار من النصرة و الحماية و المواساة . . ولم يشك ايضاً أن التحالف الوثيق الذي حصل بين الشيخ ، و بين ابن سعود كان يهدف أو ما يهدف إلى انتشار النفوذ و السيطرة عن طريق الغزو و الغارات ، و « الأساليب الحربية » . . و أين هذا من الإسلام ، و علماء الإسلام ؟ . لقد جاء الإسلام فيما جاء لمحاربة الظلم الذي كان يتمثل بغزو أهل الجاهلية بعضهم بعضاً فأحياه ابن عبد الوهاب .
في سنة 1920 أفتى علماء النجف و الأزهر بالجهاد ، و تطوعوا بأنفسهم للحرب ، و حملوا السلاح ، و لكن ضد الانكليز التي استعمرت مصر و العراق ، لا ضد من قال لا إله إلا الله ، و لا ضد مسالم كائناً من كان .
و الغريب ان من تتبع سيرة محمد عبد الوهاب ، و قرأ كلماته لا يجد فيها اثراً لعمارة الأرض ، و لا للسلم و الرخاء ، و لا لسد عوز المعوزين ، و لا أية إشارة إلى العدالة الاجتماعية و تحسين الأوضاع و الحياة ، بل ترك ذلك كله ، ولم يلتفت إليه ، مع انه كان يسمع و يرى الناس من حوله يعيشون في ضنك من العيش ، و ضيق في الحياة تتقطع عنهم أسباب الرزق إلا من شاة أو بعير ، فإذا أجذبت السماء ماتوا جوعاً و عرياً ، لقد تجاهل كل ذلك على رغم ما كان له من النفوذ و السلطان ، قال فيليبي في تاريخ نجد : « إن محمد بن سعود و خليفته عبد العزيز لم يقوما بأي مشروع ، أو يصدرا أي قرار ذي شأن إلا بموافقة الشيخ و بركته » .
و إذا دل اعراض الشيخ عن التفكير بصلاح الناس في عيشهم و تحسين حياتهم ، إذا دل هذا على شيء ، فإنما يدل على أحد أمرين ، لا ثالث لهما : اما إنه لا يبالي أشقي الناس ، أو سعدوا ، و اما انه جاهل بروح الإسلام ، و بمقاييس الخير ، و أساب التطور و التقدم . . إن الذين يعرفون مقاصد الإسلام يعلمون علم اليقين إن اقرب الناس إلى الله ، و أخلصهم في توحيده و عبادته هو انفع الناس للناس ، انفعهم في صلاح أحوالهم و تخفيف آلامهم ، و ان ابعد الناس عن الله جل و عز هو من يسفك الدماء ، و ينهب الأموال ، و يسبي الذراري ، و يقحم الدين في أهوائه و أغراضه 5 .
و قد ربى محمد عبد الوهاب أتباعه على مبدأ عدم التفكير بشيء يتصل بخير الناس و منفعتهم ، و عدم الاهتمام إلا بالتعصب ، و الحكم بالشرك على أهل لا اله إلا الله محمد رسول الله .
و بعد ، فعلينا أن نفهم و نميز بين أهل الدين حقا ، و بين الذين ينتحلونه لمآرب أخرى . . علينا أن لا نتهم احداً ، و لا نثق بأحد إلا بعد أن نتعرف على سيرته من أوثق المصادر و أصحها . . علينا أن نقف موقف الشك و الريبة من كل دين و عقيدة ، و من كل من ينعته الناس بالإمام المصلح ، أو المفسد المضلل ، حتى يظهر الحق جلياً ، و لن يظهر إلا بالبحث و التمحيص ، و من درس حياة محمد عبد الوهاب يرى أول ما يرى انه يفرض آراءه بالقوة ، و لكن على المسلمين خاصة دون غيرهم . . و كل الناس يعلمون أن أية عقيدة ، أو رأي يحاول صاحبه أن يفرضه بالقوة فإنه يحكم على نفسه بنفسه بالفساد و البطلان .
مات محمد عبد الوهاب سنة 1206 هـ ، و سار أبناؤه على سيرته يناصرون أبناء سعود ، و يناصرهم أبناء سعود ، و يسندون إليهم نفس المناصب التي كان ابن سعود يسندها لأبيهم ، و زيادة بحكم تطور الزمن .
و اختم هذا الفصل بسؤال تذكرته الآن ، و هذا هو : يقول الوهابيون : إنهم أدركا و وعوا معنى لا اله إلا الله . . و بديهة ان أول ما تدل عليه هذه الكلمة انه ليس لأحد كائناً من كان أن يتحكم بغيره ، أو يفرض عليه مالا يتجاوب مع قلبه و عقله . . إذن ، كيف جمع الوهابيون بين الإيمان بلا اله إلا الله ، و بين مبدأهم القائل : « الوهابية أو السيف » ؟ . . و كيف جمعوا بين هذا المبدأ ، و بين الادعاء بأنهم يجرون وراء الخبر ، و يريدونه للناس ، تماماً كما يريدونه لأنفسهم ، مع العلم بأن هذا المبدأ أساس البغضاء و الشحناء ، و الفوضى و الفتن و الحروب و كل أنواع الفساد . .
بقيت أسئلة تركتها رغبة في الاختصار . . و ما انتهيت من فصل ، و أردت الشروع بما يليه إلا تواردت على خاطري تساؤلا… ، دون أن ابحث عنها ، و أفكر فيها ، و قد أدونها كلها ، بعضاً دون بعض ، و قد اتركها كلية . .
و الآن ورد على خاطري سؤال آخر : لقد حصلت حروب بين المسلمين الذين كانوا يزورون القبور ، و يقولون : يا محمد اشفع لنا عند ربك ، و بين غيرهم كالصليبيين و من قبلهم و بعدهم ، فهل كانت تلك الحروب قتالاً بين الكفار بعضهم ببعض ، أو كانت بين المسلمين ، و بين غيرهم . . و على الأول لا ينبغي أن تعد الحروب الصليبية و ما إليها من تاريخ المسلمين ، بل تعد الغزوات و الغارات التي شنها الوهابية على من آمن بالله و بمحمد و اليوم الآخر ، و على الثاني لم يبق من موضوع لدعوة محمد عبد الوهاب ، أو للكثير من كلامه و مؤلفاته 6
- 1. فيلبي : 39 .
- 2. كشف الارتياب للسيد الأمين نقلاً عن جريدة الرأي العام الدمشقية عدد 19 ذي القعدة سنة 1345 هـ .
- 3. قد يقال : إن الإسلام أمر بقتل المرتد عنه . قلت : اجل ، لأنه نقض العهد الذي قطعه على نفسه بالإسلام : و كل من نقض عهداً بعد أن أبرمه فهو مجرم تماماً كالقاتل و السارق ، و من هنا قال الفقهاء : إن الرجل المسلم إذا ارتد عن فطرة يقتل و لا يسقط الحد بالتوبة ، كما لا يسقط لو تاب عن الزنا و السرقة .
- 4. كشف الارتياب للسيد الأمين ، و تاريخ الدولة السعودية ، لامين سعيد .
- 5. لا اعرف احداً اضعف و أوضع ممن يزج بالدين في جميع خلافاته ، و في كل هوى من أهوائه و لا أدل على نفاقه و ضعته انه لو ملك القوة لداس على مقدسات الدين و الضمير .
- 6. هذه هي الوهابية ، للعلامة محمد جواد مغنية : 124 ـ 136 .
1 Comment
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ،،
Submitted by Anonymous on
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ،، كما ان عين السخط تبدي المساويا