حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
خديجة في بيت النبي
زواجه صلى الله عليه وآله بخديجة
لقد كانت خديجة (عليها السلام) من خيرة نساء قريش شرفاً ، وأكثرهن مالاً ، وأحسنهن جمالاً ، وكانت تدعى في الجاهلية ب (الطاهرة) 1 ، ويقال لها : (سيدة قريش) ، وكل قومها كان حريصاً على الاقتران بها لو يقدر عليه 2 .
وقد خطبها عظماء قريش ، وبذلوا لها الأموال .
وممن خطبها عقبة بن أبي معيط ، والصلت بن أبي يهاب ، وأبو جهل ، وأبو سفيان 3 فرفضتهم جميعاً ، واختارت النبي (صلى الله عليه وآله) ، لما عرفته فيه من كرم الأخلاق ، وشرف النفس ، والسجايا الكريمة العالية . ونكاد نقطع ـ بسبب تضافر النصوص ـ بأنها هي التي قد أبدت أولاً رغبتها في الاقتران به (صلى الله عليه وآله) .
فذهب أبو طالب في أهل بيته ، ونفر من قريش إلى وليها ، وهو عمها عمرو بن أسد؛ لأن أباها كان قد قتل قبل ذلك في حرب الفجار أو قبلها 4 .
وأما أنه خطبها إلى ورقة بن نوفل ، وعمها معاً ، أو إلى ورقة وحده 5 فمردود ، بأنه : قد ادعي الإجماع على الأول 6 .
وأما أنا فلا أدري ما أقول في ورقة هذا . وفي كل واد أثر من ثعلبة ، فهو يُحشر في كل كبيرة وصغيرة ، فيما يتعلق بالرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ، وإن ذلك ليدعوني إلى الشك في كونه شخصية حقيقية ، أو أسطورية .
ويلاحظ : أن نفس الدور الذي يعطى لأبيها تارة ، ولعمها أخرى ، يعطى لورقة بن نوفل ثالثة حتى الجمل والكلمات ، فضلاً عن المواقف والحركات ، فلتراجع الروايات التي تحكي هذه القضية ، وليقارن بينها 7 ، وسيأتي إن شاء الله مزيد من الكلام حول ورقة هذا .
نعود إلى القول : إن أبا طالب قد ذهب لخطبة خديجة ، وليس حمزة الذي اقتصر عليه ابن هشام في سيرته 8 لأن ذلك لا ينسجم مع ما كان لأبي طالب من المكانة والسؤدد في قريش ، من جهة ، ولأن حمزة كان يكبر النبي (صلى الله عليه وآله) بسنتين أو بأربع 9 كما قيل من جهة أخرى .
هذا بالإضافة إلى مخالفة ذلك لما يذكره عامة المؤرخين في المقام .
وقد اعتذر البعض عن ذلك : بأن من الممكن أن يكون حمزة قد حضر مع أبي طالب؛ فنسب ذلك إليه 10 .
وهو اعتذار واه؛ إذ لماذا لم ينسب ذلك إلى غير حمزة ، ممن حضر مع أبي طالب من بني هاشم وغيرهم من القرشيين ؟! .
ويظهر : أن ثمة من يهتم بسلب هذه المكرمة عن أبي طالب (عليه السلام) ، وإعطائها لأي كان من الناس سواه ، سواء لحمزة ، أو لغيره ، ولا ضير في ذلك عنده ما دام أنه قد استشهد في وقت مبكر .
خطبة أبي طالب عليه السلام
وعلى كل حال فقد خطبها أبو طالب له (صلى الله عليه وآله) قبل بعثته (صلى الله عليه وآله) بخمس عشرة سنة ، على المشهور .
وقال في خطبته ـ كما يروي المؤرخون ـ : (الحمد لرب هذا البيت ، الذي جعلنا من زرع إبراهيم ، وذرية إسماعيل ، وأنزلنا حرماً آمناً ، وجعلنا الحكام على الناس ، وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه .
ثم إن ابن أخي هذا ـ يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ ممن لا يوزن برجل من قريش إلا رجح به ، ولا يقاس به رجل إلا عظم عنه ، ولا عدل له في الخلق ، وإن كان مقلاً في المال؛ فإن المال رفد جار ، وظل زائل ، وله في خديجة رغبة ، وقد جئناك لنخطبها إليك ، برضاها وأمرها ، والمهر علي في مالي الذي سألتموه عاجله وآجله .
وله ـ ورب هذا البيت ـ حظ عظيم ، ودين شائع ، ورأي كامل) 11 .
نظرة في كلمات أبي طالب
وخطبة أبي طالب المتقدمة تظهر مكانة الرسول الفضلى في قلوب الناس ، وهي صريحة في أن الناس كانوا يجدون في الرسول علامات النُبوَّة ونور الهداية ، ويتوقعون أن يكون هو الذي بشر به عيسى وموسى (عليهما السلام) ، وأنه كان لا يوزن به أحد إلا رجح به ، ولا يقاس به رجل إلا عظم عنه .
ثم إن كلمات أبي طالب تدل دلالة واضحة على ما كان يتمتع به بنو هاشم ، من شرف وسؤدد ، حتى ليقول (رحمه الله) : وجعلنا الحكام على الناس .
وتدل أيضاً : على أن العرب كانت تعتبر الحرم موضع أمن للقاصي والداني ، وقد تقدم ما يدل على ذلك أيضاً .
ثم إن حديثه عن فقر النبي (صلى الله عليه وآله) ، وإعطاء الضابطة للتفضيل بين الرجال ، يدل على واقعية أبي طالب ، وأنه ينظر إلى الإنسان بمنظار سام ونبيل ، كما أنه يتعامل مع الواقع بحنكة ووعي وأناة .
وبعد ، فإن كلماته تلك تدل أيضاً : على أن قريشاً كانت تعتبر انتسابها إلى إبراهيم وإسماعيل ، وسدانتها للبيت ، كل شيء بالنسبة لها ، وقد أشرنا إلى هذا الأمر في الفصل الأول .
ولتراجع خطبة أبي طالب (رحمه الله) حين موته ، والتي يخاطب بها قريشاً ، فإنها خطبة جليلة ، لا تبتعد عن هذه الخطبة في مراميها وأهدافها .
ودين شائع
ويتساءل بعض المحققين هنا : أنه كيف يمكن الجمع بين قوله : (ودين شائع) ، وبين قوله تعالى : ﴿ ... مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ ... ﴾ 12 ، وقوله : ﴿ وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ ... ﴾ 13 .
وجوابه :
أولاً : قد يقال : إن الآيات ربما تكون ناظرة إلى المراحل الأولى من حياة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) فهو لم يكن يعلم ، ثم علم ، وأما متى علم؛ فالآيات لا تحدد لنا ذلك؛ فلربما يكون قد علم حينما كان في سن العشرين مثلاً ، أو قبل ذلك أو بعده .
بل لعله علمه منذ صغره ، فقد دلت الروايات على أنه (صلى الله عليه وآله) كان نبياً منذ ذلك الحين . .
بل في الروايات : (كنت نبيَّاً وآدم بين الروح والجسد) أو نحو ذلك .
وثانياً : إن السيد الطباطبائي يقول : إن الآيات ناظرة إلى نفي العلم التفصيلي ، أما العلم الإجمالي فقد كان موجوداً ، لأن عبد المطلب وأبا طالب وغيرهما كانوا مؤمنين بالله ، وكتبه إجمالاً ، والنبي أيضاً كذلك 14 ، لا سيما إذا قوّينا أنه (صلى الله عليه وآله) كان نبيَّاً منذ صغره ـ كما ذهب إليه البعض ـ ولسوف يأتي ذلك إن شاء الله تعالى في فصل بحوث تسبق السيرة .
وثالثاً : إن من معاني الدين : (السيرة ، والتدبير ، والورع ، والعادة ، والشأن)؛ فلعل القصد في هذه العبارة كان إلى أحد هذه المعاني .
ورابعاً : إن هذه الآيات بمثابة قضية شرطية مفادها : أنه (صلى الله عليه وآله) لولا لطف الله به لم يكن يدري ما الكتاب ولا الإيمان ، لأنك أنت بنفسك وبما لديك من قدرات ذاتية لست قادراً على شيء وكذلك هو (صلى الله عليه وآله) لم يكن يرجو ذلك لولا الله سبحانه .
وخامساً : لماذا لا يكون المقصود بالدين الشائع هو دين إبراهيم (عليه السلام) ؟!
وسادساً : قد يكون المقصود هو التنبؤ بما سيكون له في المستقبل من حيث إن أبا طالب أدرك مما يراه له من معجزات أنه نبي ، وأنه سيكون خاتم الرسل والأنبياء .
مهر خديجة
وعلى كل حال ، فإن أبا طالب قد ضمن المهر في ماله ، كما هو صريح خطبته ، ولكن خديجة رضوان الله تعالى عليها عادت فضمنت المهر في مالها ، فقال البعض : يا عجباً! المهر على النساء للرجال ؟!
فغضب أبو طالب ، وقال : إذا كانوا مثل ابن أخي هذا طلبت الرجال بأغلى الأثمان ، وأعظم المهر ، وإن كانوا أمثالكم لم يزوجوا إلا بالمهر الغالي .
ولكن يبقى : أن بعض الروايات تفيد : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نفسه قد أمهرها عشرين بكرة 15 وذلك ينافي أن يكون أبو طالب قد ضمن المهر ، أو هي ضمنته دونه ، أو هي لأبي طالب .
إلا أن يكون المراد : أنه (صلى الله عليه وآله) قد أمهرها بواسطة أبي طالب .
وقيل : إن علياً (عليه السلام) هو الذي ضمن المهر ، قالوا : (وهو غلط ، لأن علياً (عليه السلام) لم يكن ولد على جميع الأقوال في مقدار عمره) 16 .
ويرد عليه : أن ثمة أقوالاً ـ وإن كنا نقطع بعدم صحتها ـ تفيد : أنه (عليه السلام) قد ولد قبل البعثة بعشرين ، أو بثلاث وعشرين سنة ، ولذا قال مغلطاي : (وهو غلط ، كان علي إذ ذاك صغيراً لم يبلغ سبع سنين) 17 .
ونحن نغلط هذه الأقوال ، ونستغربها ، إذ إن ذلك معناه : أنه (عليه السلام) قد استشهد وعمره ست وسبعون سنة ، وهو ما لم يقل به أحد .
فنحن لا نقبل قول مغلطاي ، ولا نقبل قول أولئك الذين يزعمون أنه قد ضمن المهر ، وذلك لما سيأتي في تاريخ ميلاده (عليه الصلاة والسلام) .
ثم نقول : إن أبا هلال العسكري ذكر أنه لما قيل : من يضمن المهر ؟
قال علي وهو صغير : (أبي فلما بلغ الخبر أبا طالب جعل يقول : بأبي أنت وأمي) 18 .
ولربما يمكن تقريب هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار ما يقال : من أن علياً (عليه السلام) قد ولد قبل البعثة بعشر أو بخمس عشرة سنة أو ست عشرة سنة ، بل بثلاث وعشرين سنة ، حسب بعض الأقوال النادرة ، ثم قارنا بينها وبين الأقوال التي تقرر : أنه (صلى الله عليه وآله) قد تزوج خديجة وهو ابن ثلاثين سنة ، أي قبل البعثة بعشر سنوات ، سنة ولادة علي (عليه السلام) ، أو وهو ابن سبع وثلاثين سنة ، كما عن ابن جريج 19 أي قبل البعثة بثلاث سنوات ، وقيل : تزوجها قبل البعثة بخمس سنين 20 .
فلعله (عليه السلام) قد قال ذلك وهو طفل صغير فاستحسن ذلك منه أبوه أبو طالب .
وعن مقدار المهر ، قيل : إنه عشرون بكرة ، وقيل : إثنا عشر أوقية ونش ، أي ما يعادل خمس مئة درهم ، وقيل غير ذلك 21 .
عمر خديجة حين الزواج
ويلاحظ هنا : مدى الاختلاف والتفاوت في عمر خديجة حين اقترانها بالرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) .
وهو يتراوح ما بين ال 25 سنة إلى ال 46 سنة وهو على النحو الآتي :
ألف ـ 25 سنة وصححه البيهقي 22 .
ب ـ 28 سنة هو ما رجحه كثيرون 23 .
ج ـ 30 سنة 24 .
د ـ 35 سنة 25 .
ه ـ 40 سنة 26 .
و ـ 44 سنة 27 .
ز ـ 45 سنة 28 .
ح ـ 46 سنة 29 .
وقد تقدم : أن الكثيرين قد رجحوا القول الثاني ، كما ذكره ابن العماد ، أما البيهقي فقد صحح القول الأول ، حيث قال : (بلغت خديجة خمساً وستين سنة ، ويقال : خمسين سنة ، وهو أصح) 30 .
فإذا كانت (رحمها الله) قد تزوجت برسول الله قبل البعثة بخمس عشرة سنة كما جزم به البيهقي نفسه 31 .
فإن ذلك معناه : أن عمرها حين زواجها كان خمساً وعشرين سنة ، ورجح هذا القول غير البيهقي أيضاً 32 .
أما الحاكم ، الذي روى لنا القول الثاني المتقدم عن ابن إسحاق ، فإنه لم يوضح لنا حقيقة ما يذهب إليه ، غير أنه حين روى عن هشام بن عروة قوله : إن خديجة قد توفيت وعمرها خمس وستون سنة ، قال : (هذا قول شاذ ، فإن الذي عندي : أنها لم تبلغ ستين سنة) 33 .
فكلامه هذا يدل على أنه يعتبر القول بأنها قد تزوجت بالنبي وعمرها أربعون سنة ، شاذ .
ويرى : أن عمرها كان أقل من خمس وثلاثين حينئذٍ ، ولكنه لم يبين القول الذي يذهب إليه ، هل هو ثلاثون ؟ .
أو ثمان وعشرون ؟ .
أو خمس وعشرون ؟ .
يتيم قريش ، أكذوبة مفضوحة
وعن ابن إسحاق : أن خديجة قالت له (صلى الله عليه وآله) : يا محمد ، ألا تتزوج ؟
قال : ومن ؟
قالت : أنا .
قال : ومن لي بك ؟ أنت أيّم قريش ، وأنا يتيم قريش ؟ .
قالت : إخطب إلخ . . 34 .
بل يذكر البعض : أن أبا طالب قال للنبي (صلى الله عليه وآله) : أخاف ألا يفعلوا ، أيّم قريش ، وأنت يتيم قريش ، ثم إن أبا طالب أرسل بدلاً عنه حمزة؛ لأنه خاف إن ذهب بنفسه أن يردوه فتكون الفضيحة 35 .
وفي نص آخر : أن خديجة حين طلبت من أبي طالب أن يخطبها لمحمد من عمها ، قال أبو طالب لها : (يا خديجة ، لا تستهزئي) 34 .
ونحن لا نشك في كذب كل ذلك؛ إذ كيف يمكن أن يصدر ذلك من رجل يزيد عمره على الخمس وعشرين عاماً : أن يصف نفسه بأنه : يتيم ، هذا مع العلم بأنه قد نشأ وتربى في أعرق بيت في العرب؛ فكيف لم يكن يعرف أن اليتيم لا يطلق في لغة العرب إلا على غير البالغ ؟! .
وأيضاً؛ فإن صدور ذلك من رجل هو في عقل وإدراك ، وشخصية النبي (صلى الله عليه وآله) ، والذي هو من أعرق عائلة عربية ، وأشرفها ، والذي كان في إبائه وسمو نفسه يفوق كل وصف ، ويتجاوز كل حد ـ إن صدور ذلك منه ـ يكاد يلحق بالمستحيلات والممتنعات .
ثم إنه لماذا اتصف محمد (صلى الله عليه وآله) فقط باليتم ؟ مع أن عبد المطلب قد مات وابناه العباس وحمزة صغيران لم يبلغا الحلم ؟! 36 .
والظاهر هو : أن هذا من مجعولات أعداء الدين ، أو من أهل الكتاب ، أو من أذناب بني أمية ، الذين كانوا يحاولون الحط من شأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما قدمناه في الجزء الأول من هذا الكتاب .
وهكذا يقال تماماً بالنسبة لما ينسب لأبي طالب (عليه السلام) ، لا سيما وأنه هو نفسه يُقرِّض النبي بذلك التقريض العظيم المتقدم .
ولعل الأصح هو : أن القائل لذلك هو نساء قريش ، كما سيأتي حين الحديث عن عدم صحة ما يقال من زواجها من رجلين قبله (صلى الله عليه وآله) .
وهكذا يقال تماماً بالنسبة لما يقال : من أن عمها كان يأنف من أن يزوجها من محمد ، يتيم أبي طالب 37 ؛ فاحتالت هي عليه حتى سقته الخمر ، فزوجها في حال سكره؛ فلما أفاق ، ووجد نفسه أمام الأمر الواقع لم يجد بداً من القبول .
وكذا قولهم : إنه (صلى الله عليه وآله) قد دخل على خديجة قبل التزويج ، فأخذت بيده فضمتها إلى صدرها 38 ، إلى غير ذلك من كلام عجيب وغريب ، يتناقض تماماً مع كل أخلاق وسجايا النبي (صلى الله عليه وآله) وسيرته ، فإن كل ذلك كذب ، ليس الهدف منه إلا الحط من كرامة النبي (صلى الله عليه وآله) وتنقصه من قبل أعداء الإسلام ، ومصائد الشيطان ، نعوذ بالله من الخذلان .
هل تزوج صلى الله عليه وآله خديجة طمعاً في مالها ؟!
هذا ، وقد جاء في كلمات بعض المتهمين على الإسلام كلام باطل ، تكذبه كل الشواهد التاريخية ، وهو أنه (صلى الله عليه وآله) إنما تزوج خديجة طمعاً في مالها 39 .
ولسنا نريد الإسهاب في الإجابة على هذا الهذيان ، فإن حياة النبي (صلى الله عليه وآله) من بدايتها إلى نهايتها لخير شاهدٍ على أنه (صلى الله عليه وآله) ما كان يقيم للمال وزناً .
وقد أنفقت خديجة سلام الله عليها كل أموالها طائعة راغبة ، ليس على النبي (صلى الله عليه وآله) وملذاته ، وإنما على الدعوة إلى الإسلام ، وفي سبيل هذا الدين .
وأيضاً ، فإن خديجة هي التي عرضت نفسها على النبي (صلى الله عليه وآله) 40 ولم يتقدم هو (صلى الله عليه وآله) بطلب يدها ، ليقال : إنه إنما فعل ذلك طمعاً في مالها .
ويرى الشيخ محمد حسن آل ياسين أن حبه (صلى الله عليه وآله) وتقديره لها في أيام حياتها بل وبعد مماتها ، حتى لقد كان ذلك منه يثير بعض زوجاته اللواتي ما رأين ولا عشن مع خديجة ، دليل واضح على بطلان هذا الزعم 41 .
خديجة مثل أعلى
وبالنسبة لعرض خديجة نفسها عليه (صلى الله عليه وآله) نقول : هكذا تفعل الحرة العاقلة اللبيبة ، فلا تغرها زبارج الدنيا وبهارجها ، ولا تبحث عن اللذة لأجل اللذة ، ولا عن المال والشهرة ، وإنما تبحث عما يخدم هدفها الأسمى في الحياة ، فتفعل كما فعلت خديجة : ترد زعماء قريش ، أصحاب المال والجاه ، والقدرة ، والسلطان ، وتبحث عن رجل فقير لا مال له ، تبادر هي لعرض نفسها عليه؛ لأن كل ذلك لا يملأ عينها ، لأنه كله ربما يكون سبباً في تدمير الحياة والإنسان ، وحتى الإنسانية جمعاء ، وإنما هي تنظر فقط إلى الأخلاق الفاضلة ، والسجايا الكريمة ، وإلى الواقعية في التعامل ، والسمو في الهدف .
لأن كل ذلك هو الذي يسخر المال ، والجاه ، والقوة ، وكل شيء لخدمة الإنسان والإنسانية ، وتكاملها في الدرجات العلى .
خديجة بين نساء قريش
وتجدر الإشارة هنا إلى أن عامة المؤرخين على اختلاف أذواقهم ، ومشاربهم ، ونحلهم ، يقولون : إن خديجة كانت أجمل نساء قريش ، كما أنه لا ريب في أنها أفضل نسائه صلوات الله وسلامه عليها .
ولعل ذلك يفسر لنا السبب في غيرة بعض نساء النبي (صلى الله عليه وآله) منها ، حتى بعد وفاتها؛ بحيث كن يحاولن تنقصها ، والإزراء عليها باستمرار ، مع أنهن لم يدركنها في بيت الزوجية أصلاً .
هذا ، ولعل أم سلمة تأتي في المرتبة الثانية بين أزواجه (صلى الله عليه وآله) بعد خديجة ، فضلاً واخلاصاً ، وولاء ، وحتى جمالاً ، كما يظهر من كلام للإمام الباقر (عليه السلام) .
وعلى كل حال : فقد كانت ذوات الجمال والإخلاص من أزواجه (صلى الله عليه وآله) يواجهن الغيرة القاتلة ، والتآمر المستمر من قبل البعض الآخر من نسائه (صلى الله عليه وآله) ، ممن لم يكن لهن نصيب من جمال ، ولا من التزام تام بالأدب النبوي الكريم ، بل كن يؤذينه (صلى الله عليه وآله) بمواقفهن وتصرفاتهن 42 43 .
- 1. راجع الإصابة ج4 ص281 ـ 282 والبداية والنهاية ج2 ص294 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 الترجمة النبوية ص152 وقسم السيرة النبوية ص237 وتهذيب الأسماء ج2 ص342 والاستيعاب (بهامش الإصابة) ج4 ص279 والإصابة ج4 ص281 وسيرة مغلطاي ص12 وسير أعلام النبلاء ج2 ص111 والمواهب اللدنية ج1 ص38 و200 والروض الأنف ج1 ص215 وتاريخ الخميس ج1 ص264 وأسد الغابة ج7 ص78 ط دار الشعب والسيرة الحلبية ج1 ص137 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص55 والثقات ج1 ص46 .
- 2. راجع : البداية والنهاية ج2 ص294 وبهجة المحافل ج1 ص7 ، والسيرة النبوية لابن هشام ج1 ص201 وتاريخ الخميس ج1 ص263 وطبقات ابن سعد ج1 ص131 ط دار صادر والسيرة الحلبية ج1 ص137 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص55 .
- 3. البحار ج16 ص22 .
- 4. كشف الغمة ج2 ص139 ، والبحار ج16 ص12 عنه وص 19 عن الواقدي ، وراجع : الأوائل ج1 ص160 وفي السيرة الحلبية ج1 ص138 : أن المحفوظ عن أهل العلم أنه مات قبل الفجار ، وتاريخ الخميس ج1 ص264 ، وتهذيب تاريخ دمشق ج1 ص303 عن الواقدي ، والإصابة ج4 ص282 والبداية والنهاية ج2 ص296 .
- 5. البحار ج16 ص19 عن الواقدي والسيرة الحلبية ج1 ص129 والكافي ج5 ص374 ـ 375 ، وفيه أن ورقة كان عم خديجة وكذا في البحار ج16 ص14 و21 عنه وعن البكري ، وهو غير صحيح لأن ورقة هو ابن نوفل بن أسد وخديجة هي بنت خويلد بن أسد .
- 6. السيرة الحلبية ج1 ص137 .
- 7. راجع المصادر المتقدمة والآتية .
- 8. راجع : سيرة ابن هشام ج1 ص201 والسيرة الحلبية ج1 ص138 ونقل أيضاً عن المحب الطبري .
- 9. تقدمت مصادر ذلك حين الحديث حول إرضاع ثويبة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) .
- 10. السيرة الحلبية ج1 ص139 .
- 11. الكافي ج5 ص374 ـ 375 ، والبحار ج16 ص14 عنه وص 16 عمن لا يحضره الفقيه ص413 ، وفي ص5 عن شرف المصطفى ، والكشاف ، وربيع الأبرار والإبانة لابن بطة ، والسيرة للجويني ، عن الحسن والواقدي ، وأبي صالح والعتبي ، والمناقب ج1 ص42 ، والسيرة الحلبية ج1 ص139 ، وتاريخ اليعقوبي ج2 ص20 ، والأوائل لأبي هلال ج1 ص162 وتاريخ الخميس ج1 ص264 والمواهب اللدنية ج1 ص39 وبهجة المحافل ج1 ص48 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص55 .
- 12. القران الكريم : سورة الشورى ( 42 ) ، الآية : 52 ، الصفحة : 489 .
- 13. القران الكريم : سورة القصص ( 28 ) ، الآية : 86 ، الصفحة : 396 .
- 14. راجع : تفسير الميزان ج18 ص77 .
- 15. السيرة الحلبية ج1 ص138 وراجع : تاريخ الخميس ج1 ص265 والسيرة النبوية لابن هشام ج1 ص201 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص263 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص107 .
- 16. السيرة الحلبية ج1 ص139 عن الفسوي في كتاب : ما روى أهل الكوفة مخالفاً لأهل المدينة ، وسيرة مغلطاي ص12 ، والأوائل ج1 ص161 .
- 17. سيرة مغلطاي ص12 .
- 18. الأوائل لأبي هلال العسكري ج1 ص161 .
- 19. راجع تاريخ الخميس ج1 ص264 ، وراجع : مجمع الزوائد ج9 ص219 . وذكرت بعض الأقوال في التبيين في أنساب القرشيين ص62 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص20 ومختصر تاريخ دمشق ج2 ص275 قيل : تزوجها وهو ابن ثلاثين سنة وكذا في الاستيعاب (بهامش الإصابة) ج4 ص288 وسيرة مغلطاي ص12 ومثله في المواهب اللدنية ج1 ص38 و 202 والروض الأنف ج1 ص216 .
- 20. الأوائل ج1 ص161 .
- 21. راجع : السيرة الحلبية ج1 ص138 و 139 .
- 22. دلائل النبوة للبيهقي ط دار الكتب العلمية ج2 ص71 والبداية والنهاية ج2 ص294 و 295 ومحمد رسول الله ، سيرته وأثره في الحضارة ص45 وراجع : السيرة النبوية لابن كثير ج1 ص265 والسيرة الحلبية ج1 ص140 .
- 23. شذرات الذهب ج1 ص14 واقتصر عليه في بهجة المحافل ج1 ص48 . ورواه عن ابن عباس كل من : أنساب الأشراف (قسم حياة النبي (صلى الله عليه وآله)) ص98 وتهذيب تاريخ دمشق ج1 ص303 وسير أعلام النبلاء ج2 ص111 ومختصر تاريخ دمشق ج2 ص275 ، والبحار ج16 ص12 عن الجنابذي ، كلهم عن ابن عباس .ورواه في مستدرك الحاكم ج3 ص182 عن ابن إسحاق ، دون أن يذكر له قولاً آخر ، وراجع سيرة مغلطاي ص12 والمحبر ص79 وتهذيب الأسماء ج2 ص342 وتاريخ الخميس ج1 ص264 والسيرة الحلبية ج1 ص140 .
- 24. راجع : السيرة الحلبية ج1 ص140 وتاريخ الخميس ج1 ص264 وسيرة مغلطاي ص12 وتهذيب تاريخ دمشق ج1 ص303 .
- 25. البداية والنهاية ج2 ص295 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص265 وراجع : السيرة الحلبية ج1 ص140 .
- 26. أنساب الأشراف (قسم حياة النبي (صلى الله عليه وآله)) ص98 وسيرة مغلطاي ص12 والمحبر ص49 والمواهب اللدنية ج1 ص38 و202 وشذرات الذهب ج1 ص14 وتاريخ الخميس ج1 ص264 وأسد الغابة (دار الشعب) ج7 ص80 والسيرة الحلبية ج1 ص140 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص55 ط دار المعرفة وراجع : تاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص152 ومختصر تاريخ دمشق ج2 ص275 وتهذيب الأسماء ج2 ص342 والطبقات الكبرى لابن سعد ط صادر ـ ج1 ص132 ، والبحار ج16 ص19 و12 وتهذيب تاريخ دمشق ج1 ص303 ، عن حكيم بن حزام .
- 27. تهذيب تاريخ دمشق ج1 ص303 عن الواقدي .
- 28. تهذيب الأسماء ج2 ص342 ومختصر تاريخ دمشق ج2 ص275 عن الواقدي والسيرة الحلبية ج1 ص140 وراجع : سيرة مغلطاي ص12 وتاريخ الخميس ج1 ص301 .
- 29. راجع : أنساب الأشراف (قسم حياة النبي (صلى الله عليه وآله)) ص98 .
- 30. دلائل النبوة ج2 ص71 .
- 31. دلائل النبوة ج2 ص72 ط دار الكتب العلمية والبداية والنهاية ج2 ص295 ، وغير ذلك كثير .
- 32. محمد رسول الله : سيرته ، وأثره في الحضارة ص45 .
- 33. مستدرك الحاكم ج3 ص182 .
- 34. a. b. السيرة الحلبية ج1 ص138 .
- 35. الأوائل لأبي هلال العسكري ج1 ص160 ـ 161 .
- 36. هذا ما ذكره المحقق البحاثة السيد مهدي الروحاني حفظه الله .
- 37. السيرة الحلبية ج1 ص138 وتاريخ الإسلام (السيرة النبوية) ص65 ط دار الكتاب العربي ، ومسند أحمد ج1 ص312 ومجمع الزوائد ج9 ص220 .
- 38. السيرة الحلبية ج1 ص140 .
- 39. النبوة ، للشيخ محمد حسن آل ياسين ص63 .
- 40. البداية والنهاية ج2 ص294 والسيرة الحلبية ج1 ص137 والسيرة النبوية لابن هشام ج1 ص200 ـ 201 وتاريخ الخميس ج1 ص264 .
- 41. كتاب النبوة ص63 .
- 42. سيأتي لذلك مزيد توضيح في فصل : حتى بيعة العقبة ، من هذا الكتاب .
- 43. الصحيح من سيرة النبي الأعظم ( صلى الله عليه و آله ) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الخامسة ، 2005 م . ـ 1425 هـ . ق ، الجزء الثاني .