الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

معنى ان الانسان يدفن في التربة التي خلق منها ؟

نص الشبهة: 

في ترجمة مقبول من علماء الهند في تفسير القرآن أنه يوجد في صفحة 62 من أصول الكافي قول الإمام جعفر الصادق أن الإنسان يدفن في التربة التي خلق منها ، وأبو بكر الصديق وعمر الفاروق مدفونان في روضة النبي الطاهرة التي قال النبي ( صلى الله عليه و آله ) عنها : ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة . فعلى قولكم يكونان مخلوقين من تلك التربة الطاهرة التي دفنا فيها ؟

Answer: 

أولاً : يحتج علينا هذا الكاتب بحديث ضعفه علماؤهم أو شهدوا بأنه موضوع ! فقد عقد الهيثمي في مجمع الزوائد : 3 / 42 ، باباً بعنوان (باب يدفن في التربة التي منها خلق) وروى فيه ثلاثة أحاديث وضعفها ! وهي :
(عن أبي سعيد أن النبي ( صلى الله عليه و آله ) مرَّ بالمدينة فرأى جماعة يحفرون قبراً فسأل عنه فقالوا حبشياً قدم فمات ، فقال النبي ( صلى الله عليه و آله ) : لا إله إلا الله سيق من أرضه وسمائه إلى التربة التي خلق منها . رواه البزار وفيه عبد الله والد علي بن المديني وهو ضعيف .
وعن أبى الدرداء قال : مر بنا النبي ( صلى الله عليه و آله ) ونحن نحفر قبراً فقال ما تصنعون ؟ فقلنا نحفر قبراً لهذا الأسود ، فقال : جاءت به منيته إلى تربته . قال أبو أسامة : تدرون يا أهل الكوفة لم حدثتكم بهذا الحديث؟ لأن أبا بكر وعمر خلقا من تربة رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) .
رواه الطبراني في الأوسط وفيه الأحوص بن حكيم وثقه العجلي وضعفه الجمهور .
وعن ابن عمر أن حبشياً دفن بالمدينة فقال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) دفن بالطينة التي خلق منها . رواه الطبراني في الكبير وفيه عبد الله بن عيسى الخزاز وهو ضعيف) . انتهى 1 .
وقال ابن حزم في المحلى : 7 / 285 : (واحتجوا بأخبار موضوعة يجب التنبيه عليها والتحذير منها . منها : خبر رويناه أن النبي عليه السلام قال في ميت رآه : دفن في التربة التي خلق منها، قالوا : و النبي عليه السلام دفن بالمدينة فمن تربتها خلق وهو أفضل الخلق ، فهي أفضل البقاع ، وهذا خبر موضوع لأن في أحد طريقيه محمد بن الحسن بن زبالة وهو ساقط بالجملة ! قال فيه يحيى ابن معين : ليس بثقة ، وهو بالجملة متفق عن اطراحه ، ثم هو أيضاً عن أنيس بن يحيى مرسل ، ولا يدرى من أنيس بن يحيى؟! والطريق الأخرى من رواية أبي خالد ، وهو مجهول عن يحيى البكاء ، وهو ضعيف .
ثم لو صح لما كانت فيه حجة لأنه إنما كان يكون الفضل لقبره عليه السلام فقط وإلا فقد دفن فيها المنافقون وقد دفن الأنبياء عليهم السلام من ابراهيم واسحاق ويعقوب وموسى وهارون وسليمان وداود عليهم السلام وغيرهم بالشام ولا يقول مسلم : إنها بذلك أفضل من مكة) . انتهى .
وقال الشوكاني في نيل الأوطار : 5 / 99 : (قال القاضي عياض : إن موضع قبره ( صلى الله عليه و آله ) أفضل بقاع الأرض ، وإن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض ، واختلفوا في أفضلها ما عدا موضع قبره ( صلى الله عليه و آله ) فقال أهل مكة والكوفة والشافعي وابن وهب وابن حبيب المالكيان : إن مكة أفضل ، وإليه مال الجمهور ، وذهب عمر وبعض الصحابة ومالك وأكثر المدنيين إلى أن المدينة أفضل ، واستدل الأولون بحديث عبد الله بن عدي المذكور في الباب ، وقد أخرجه أيضاً ابن خزيمة وابن حبان وغيرهم .
قال ابن عبد البر : هذا نص في محل الخلاف ، فلا ينبغي العدول عنه ، وقد ادعى القاضي عياض الإتفاق على استثناء البقعة التي قبر فيها ( صلى الله عليه و آله ) وعلى أنها أفضل البقاع ، قيل لأنه قد روي أن المرء يدفن في البقعة التي أخذ منها ترابه عندما يخلق ، كما روى ذلك ابن عبد البر في تمهيده من طريق عطاء الخراساني موقوفاً .
ويجاب عن هذا : بأن أفضلية البقعة التي خلق منها ( صلى الله عليه و آله ) إنما كان بطريق الإستنباط ونصبه في مقابلة النص الصريح الصحيح غير لائق . على أنه معارض بما رواه الزبير بن بكار أن جبريل أخذ التراب الذي منه خلق ( صلى الله عليه و آله ) من تراب الكعبة فالبقعة التي خلق منها من بقاع مكة ، وهذا لا يقصر عن الصلاحية لمعارضة ذلك الموقوف ، لاسيما وفي إسناده عطاء الخراساني ، نعم إن صح الإتفاق الذي حكاه عياض كان هو الحجة عند من يرى أن الإجماع حجة .
وقد استدل القائلون بأفضلية المدينة بأدلة ، منها ، حديث : (ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة) ، كما في البخاري وغيره ، مع قوله ( صلى الله عليه و آله ) : (موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها) ، وهذا أيضاً مع كونه لا ينتهض لمعارضة ذلك الحديث المصرح بالأفضلية هو أخص من الدعوى ، لأن غاية ما فيه أن ذلك الموضع بخصوصه من المدينة فاضل وأنه غير محل النزاع.
وقد أجاب ابن حزم عن هذا الحديث بأن قوله : إنها من الجنة مجاز ، إذ لو كانت حقيقة لكانت كما وصف الله الجنة : ﴿ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ ﴾ 2 ﴿ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى ﴾ 3 ، وإنما المراد أن الصلاة فيها تؤدي إلى الجنة ، كما يقال في اليوم الطيب هذا من أيام الجنة ، وكما قال ( صلى الله عليه و آله ) : (الجنة تحت ظلال السيوف) . قال : ثم لو ثبت أنه على الحقيقة لما كان الفضل إلا لتلك البقعة خاصة .
فإن قيل : إن ما قرب منها أفضل مما بعد ، لزمهم أن يقولوا : إن الجحفة أفضل من مكة ولا قائل به !
ومن جملة أدلة القائلين بأفضلية مكة على المدينة : حديث ابن الزبير عند أحمد وعبد بن حميد وابن زنجويه وابن خزيمة والطحاوي والطبراني والبيهقي وابن حبان وصححه ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) : (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي بمائة صلاة) وقد روي من طريق خمسة عشر من الصحابة . ووجه الاستدلال بهذا الحديث أن أفضلية المسجد لأفضلية المحل الذي هو فيه ) . انتهى .
وقال ابن حجر في فتح الباري : 3 / 55 : (لكن استثنى عياض البقعة التي دفن فيها النبي ( صلى الله عليه و آله ) فحكى الإتفاق على أنها أفضل البقاع ، وتعقب بأن هذا لا يتعلق بالبحث المذكور لأن محله ما يترتب عليه الفضل للعابد .
وأجاب القرافي بأن سبب التفضيل لا ينحصر في كثرة النصارى على العمل ، بل قد يكون لغيرها ، كتفضيل جلد المصحف على سائر الجلود .
وقال النووي في شرح المهذب : لم أر لأصحابنا نقلاً في ذلك ، وقال ابن عبد البر : إنما يحتج بقبر رسول الله ( صلى الله عليه و آله )من أنكر فضلها ، أما من أقر به وأنه ليس أفضل بعد مكة منها ، فقد أنزلها منزلتها ، وقال غيره : سبب تفضيل البقعة التي ضمت أعضاءه الشريفة ، أنه روي أن المرء يدفن في البقعة التي أخذ منها ترابه عندما يخلق ، رواه بن عبد البر في أواخر تمهيده من طريق عطاء الخراساني موقوفاً .
وعلى هذا فقد روى الزبير بن بكار أن جبريل أخذ التراب الذي خلق منه النبي ( صلى الله عليه و آله ) من تراب الكعبة ، فعلى هذا فالبقعة التي ضمت أعضاءه من تراب الكعبة فيرجع الفضل المذكور إلى مكة إن صح ذلك والله أعلم ) . انتهى.
وقال الشهيد الأول في القواعد والفوائد : 2 / 124 : (وزعم بعض مغاربة العامة (يقصد القاضي عياض في الشفا) أن الأمة أجمعت على أن البقعة التي دفن فيها رسول الله صلى الله عليه وآله أفضل البقاع . ونازعه بعض العلماء في تحقق الأفضلية هنا أولاً ، وفي دعوى الإجماع ثانياً) . انتهى .
فهذا ما عند السنيين في المسألة ، وخلاصة ما ذكروه :
أولاً : أنهم ضعفوا الحديث الذي استشهد السائل بمضمونه عن كتاب الكافي ، أو حكموا بأنه موضوع .
ثانياً : أن كلامهم في التفضيل وعدمه مختص بالبقعة التي حوت جسد النبي صلى الله عليه وآله ولا يشمل ما حولها ، فلا يشمل قبر أبي بكر وعمر . فمن صح عنده هذا الحديث منهم فهو يفضل البقعة التي حوت أعضاء النبي صلى الله عليه وآله فقط ولا يحكم بأفضلية ما جاورها حول قبره الشريف أو من المسجد .
ثالثاً : لا يصح الإستدلال بقول النبي صلى الله عليه وآله : (مابين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة) لأن قبريهما من الجهة الثانية ، وليسا في الروضة التي هي بين القبر والمنبر .
رابعاً : إن المدح في قوله صلى الله عليه وآله : (ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة) للبقعة وليس لمن يكون فيها ، ولم يرو أحد من المسلمين عن النبي صلى الله عليه وآله أو عن الصحابة أن التفضيل يسري من هذه البقعة المباركة إلى الذين يجلس فيها أو يدفن فيها ! فلو كان فضيلة المكان تسري لصح للفاسق الفاجر أن يجلس هناك ويقول أنا أفضل الناس ، لأني في روضة من رياض الجنة ، وكل المسلمين أقل مني لأنهم ليسوا فيها .
والنتيجة : أنه بناءً على المذاهب السنية ، لا يصح الإستدلال على أفضلية أبي بكر وعمر بمكان دفنهما .
وكذلك على مذهبنا لا يصح أيضاً .
أما ما رواه في الكافي : 3 / 202، عن الإمام الباقر أو الصادق صلى الله عليه وآله قال : (من خلق من تربة دفن فيها) . وما رواه في نفس الباب عن الحارث بن المغيرة قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : (إن النطفة إذا وقعت في الرحم بعث الله عز وجل ملكاً فأخذ من التربة التي يدفن فيها فماثها في النطفة فلا يزال قلبه يحن إليها حتى يدفن فيها) . انتهى .
فليس معناه كما تخيله الكاتب حتى يدل على إثبات فضيلة لأبي بكر وعمر ، بل المقصود به أن الذرة الأصلية التي خلق منها الإنسان تؤخذ من بدنه عند موته وتدفن في مكانها الأصلي الذي أخذت منه في خلقه الأول من الأرض ، والدليل عليه :
ما رواه في الكافي : 3 / 251 ، عن الإمام الصادق عليه السلام أنه سئل عن الميت يبلى جسده؟ قال : نعم حتى لا يبقى له لحم ولا عظم إلا طينته التي خلق منها فإنها لا تبلى ، تبقي في القبر مستديرة حتى يخلق منها كما خلق أول مرة ) . انتهى.
فالمقصود بالتربة أو الطينة التي خلق منها الإنسان إذن : الذرة المستديرة التي لا تبلى ، والتي هي أصل خلقته في الذر .
وفي الكافي : 2 / 11 ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : (إن الله تبارك وتعالى لما أراد أن يخلق آدم خلق تلك الطينتين ، ثم فرقهما فرقتين فقال لأصحاب اليمين كونوا خلقاً بإذني ، فكانوا خلقاً بمنزلة الذر يسعى ، وقال لأهل الشمال : كونوا خلقاً بإذني ، فكانوا خلقاً بمنزلة الذر يدرج ، ثم رفع لهم ناراً فقال أدخلوها بإذني ، فكان أول من دخلها محمد صلى الله عليه وآله ثم اتبعه أولو العزم من الرسل وأوصياؤهم وأتباعهم!
ثم قال لأصحاب الشمال أدخلوها بإذني فقالوا : ربنا خلقتنا لتحرقنا؟! فعصوا ، فقال لأصحاب اليمين أخرجوا بإذني من النار لم تَكْلُمِ النارُ منهم كَلْماً ، ولم تؤثر فيهم أثراً ، فلما رآهم أصحاب الشمال قالوا : ربنا نرى أصحابنا قد سلموا فأقِلنا ومُرْنا بالدخول ! قال : قد أقلتكم فادخلوها ، فلما دنوا وأصابهم الوهج رجعوا فقالوا : يا ربنا لا صبر لنا على الإحتراق فعصوا ، فأمرهم بالدخول ثلاثاً ، كل ذلك يعصون ويرجعون !
وأمر أولئك ثلاثاً كل ذلك يطيعون ويخرجون ، فقال لهم : كونوا طيناً بإذني فخلق منه آدم ، قال : فمن كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء ، ومن كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء ) !
وفي نهج البلاغة : 2 / 227 : عن مالك بن دحية قال : كنا عند أمير المؤمنين عليه السلام وقد ذكر عنده اختلاف الناس فقال : إنما فرق بينهم مبادئ طينهم ، وذلك أنهم كانوا فلقةً من سبخ أرض وعذبها ، وحزن تربة وسهلها ، فهم على حسب قرب أرضهم يتقاربون ، وعلى قدر اختلافها يتفاوتون . فتامُّ الرِّواء ناقص العقل ، ومادُّ القامة قصيرُ الهمة ، و زاكي العمل قبيحُ المنظر ، وقريبُ القعر بعيدُ السبر ، ومعروف الضَّريبة مُنْكرُ الجليبة ، وتائهُ القلب متفرقُ اللب ، وطليق اللسان حديد الجنان..) . انتهى .
وبذلك يتبين : أن معنى دفن طينة كل إنسان بعد موته في التربة التي خلق منها ، أن ذرته الأصلية أو طينته ، تؤخذ من بدنه وترد إلى بقعة الأرض التي خلق منها عندما أرسل الله جبرئيل عليه السلام فأخذ من بقاع الأرض تربة الأخيار والفجار .
فالإنسان الصالح أينما دفن ترد تربته إلى موضعها الذي خلقت منه أول مرة ، وكذلك الشرير ترد تربته إلى موضعها .
وقد روت مصادر الشيعة والسنة الحديث النبوي التالي الذي يؤيد ذلك ، ففي روضة الواعظين للفتال النيسابوري ص 490 : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لما خلق الله آدم اشتكت الأرض إلى ربها لِمَا أخذ منها ، فوعدها أن يرد فيها ما أخذ منها ، فما من أحد إلا يدفن في التربة التي خلق منها) . ومثله في تفسير البغوي : 1 / 234 .
وعلى هذا ، فدعواكم مردودة في مذهبكم لرد علمائكم لروايتها ، ومردودة في مذهبنا ، لأن معناها عندنا أن التربة التي خلق منها أبو بكر وعمر قد ردت يوم موتهما إلى موضعها الذي خلقت منه في الخلق الأول الذي يعلمه الله تعالى ، ولا علاقة لذلك بدفنهما قرب قبر النبي صلى الله عليه وآله أو في مكان آخر ! 4

  • 1. راجع أيضاً مصنف عبد الرزاق : 3 / 515 .
  • 2. القران الكريم: سورة طه (20)، الآية: 118، الصفحة: 320.
  • 3. القران الكريم : سورة طه ( 20 ) ، الآية : 118 ، الصفحة : 320 .
  • 4. من كتاب : مسائل مجلة جيش الصحابة ( أجوبة على مسائل وجهتها إلى علماء الشيعة ، مجلة الخلافة الراشدة الباكستانية ، التابعة لمنظمة جيش الصحابة ) للشيخ علي الكوراني العاملي ، السؤال رقم : 23.