الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

تربة الإمام الحسين الأكل والحدود والشروط والأعمال

استثني من حرمة أكل الطين بعض الموارد، وسوف نتكلّم عنها الواحد تلو الآخر، وهي:
1 ـ تربة الإمام الحسين.
2 ـ الطين الأرمني.
3 ـ بعض أنواع الطين التي قيل بفائدتها، مثل الطين الداغستاني والطين الخراساني والطين المختوم، وغير ذلك.
1 ـ تربة الإمام الحسين
المورد الأول من موارد الاستثناء هنا هي تربة الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، فيجوز أكلها ضمن شروط وقيود، وهذا هو المعروف عند الإماميّة، بل نفي عنه الخلاف، بل ادّعي الإجماع عليه واستفاضة النصوص أو تواترها فيه 1.
1 ـ 1 ـ أصل الحكم في أكل التربة الحسينيّة
وندرس في البداية المستند الرئيس في هذا الاستثناء عندهم، وهو الروايات ـ إذ الإجماعات والشهرات وغيرها مدركيّةٌ ترجع للحديث الشريف، فلا داعي للإطالة فيها ـ ثمّ نبحث في بعض القيود والتفاصيل.
1 ـ 1 ـ 1 ـ الدراسة التجزيئيّة التفصيليّة لروايات أكل التربة الحسينيّة
وأهمّ الروايات هنا هو الآتي:
الرواية الأولى: خبر سعد بن سعد، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الطين، فقال: «أكلُ الطين حرام، مثل الميتة والدم ولحم الخنزير، إلا طين قبر الحسين عليه السلام، فإنّ فيه شفاءً من كلّ داء وأمناً من كلّ خوف»2.
وهذا الحديث يفيد استثناء طين القبر من حرمة أكل الطين، فيفيد جواز أكله مطلقاً؛ مشيراً إلى أنّ فيه الشفاء العظيم، لكنّه لا يقيّد جواز أكله بقصد الاستشفاء، ولا يحدّد كميّةً معيّنة للترخيص، ولا يُلزِم بوضعه في الماء لتناوله ولا بغير ذلك، كما أنّ مورده خاص بقبر الحسين دون غيره.
أمّا من حيث السند، فقد تقدّم أنّه ورد الحديث في كامل الزيارات بسندٍ فيه عبّاد بن سليمان (أو عيسى بن سليمان)، ولم تثبت وثاقته، أمّا في الكافي والتهذيب فقد ورد مرسلاً، مضافاً إلى جهالة جعفر بن إبراهيم الحضرمي، وأمّا في الأمالي والخرائج فالسند ضعيف بجعفر بن إبراهيم المذكور، وعليه فالخبر ضعيف بطريقيه إلى سعد بن سعد.
هل تعاني روايات تربة قبر الحسين من مشكلة في صدقيّة متنها؟!
يُضاف إلى ذلك ضرورة التوقّف قليلاً عند مضمون هذا الخبر وما يشبهه من الأخبار هنا وفي غير هذا الباب، وهو ما يخبرنا به هذا الخبر من الشفاء من كلّ داء والأمن من كلّ خوف، فلو أخذنا هاتين الكلّيّتين على عمومهما أو فسّرناهما بالأعم الأغلب، فلابدّ من دراسة مدى واقعيّة ما تخبران عنه، فهل هو أمرٌ واقعي أو غير واقعي؟ وهل حقّاً يقع الشفاء من كلّ داء بتربة الحسين عليه السلام؟ وكيف يكون ذلك؟
إنّ إجراء اختبارات ميدانيّة واسعة يمكنه أن يؤكّد لنا هذه المقولة أو يُبطلها، ما لم يقل أحد بأنّ هذه الإخبارات:
أ ـ غير واقعيّة، بل هي للترغيب القائم على المبالغة الكبيرة.
لكنّه خلاف الظاهر من هذه الأحاديث، خاصّة تلك التي تبرّر عدم وقوع الشفاء أحياناً كما سوف تأتي.
ب ـ أو يفسّر بإرادة الأمراض الروحيّة حصراً دون غيرها، وأنّها شفاء روحي.
وهو أيضاً غير ظاهر من هذه الأحاديث.
ج ـ أو يفسّر بأنّه على نحو الاقتضاء الذي يحتاج لسائر الشروط ورفع الموانع لتحقّقه، كما تفيده بعض الأخبار هنا.
وهذا هو أفضل الطرق لو ثبتت تلك النصوص أو ترجّحت ترجّحاً قويّاً.
وإلا فظاهر هذا اللسان المتكرّر في النصوص الحديثيّة قد يقال بإمكان نقضه واقعيّاً، ومن ثم يكون ذلك تضعيفاً متنيّاً للرواية، بل للكثير من روايات الباب، لو تمّ إجراء دراسة ميدانية اختباريّة، ولم نسمع بإجرائها حتى يتمّ البناء عليها هنا، لا سلباً ولا إيجاباً.
الرواية الثانية: مرسل أبي يحيى الواسطي، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: «الطين حرام كلّه كلحم الخنزير، ومن أكله ثم مات فيه لم أصلّ عليه، إلا طين القبر، فإنّ فيه شفاءً من كلّ داء، ومن أكله لشهوةٍ لم يكن له فيه شفاء»3.
ومضمون الخبر كسابقه إلا في أمرين:
أحدهما: عنوان (القبر) الوارد، إذ إمّا أن يُفهم أنّه للجنس، فيفيد جواز أكل طين القبور مطلقاً، وهو ما لم يذكره أحد، أو تكون للعهد ـ ولو بقرينة سائر روايات الباب وخبر كامل الزيارات ـ فتنصرف إلى قبر الحسين عليه السلام؛ كونه المقدار المتيقّن من الاستثناء، وبذلك تكون الرواية دالّة على الجواز.
ثانيهما: تقييد حالة شفاء الطين بعدم كون أكله عن شهوة، وهذا ما لم نجده في الرواية السابقة، ولا في بعض الروايات القادمة أيضاً، وبهذا يتقيّد علاج الأمراض بالطين في كون أكله لا بقصد الشهوة، بل لغرض آخر كالاستشفاء أو التبرّك.
وهذه الرواية ضعيفة السند بالإرسال، مضافاً إلى عدم ثبوت وثاقة أبي يحيى الواسطي نفسه، لا أقلّ من تردّده بين الثقة (زكريا بن يحيى) وغيره (سهل بن زياد)، وإن أمكن حلّ المشكل الثاني كما قلنا سابقاً.
يضاف إلى ذلك ما أسلفناه في التعليق المتني على الرواية الأولى، فلا نعيد.
الرواية الثالثة: خبر سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «كلّ طينٍ (أكل طين) حرام على بني آدم، ما خلا طين قبر الحسين عليه السلام، من أكله من وجع شفاه الله تعالى»4.
والرواية كسابقاتها تفيد سقوط حرمة أكل الطين من قبر الحسين عليه السلام، على ما بيّناه في الرواية الأولى، نعم هي تفيد الشفاء عن وجعٍ، لا عن مطلق مرض وداء، ويأتي فيها التعليق المتنيّ المتقدّم أيضاً.
بل يُفهم من هذه الروايات وما سيأتي، أنّ جواز الأكل ليس خاصّاً بصورة الاضطرار والانحصار، فحتى لو أمكنه الذهاب إلى الطبيب جاز له أكل طين القبر؛ للإطلاق؛ بل في صورة الانحصار وعجز الأطبّاء عن شفائه يلزم على مثل هذه الإخبارات الموجودة في هذه الروايات أن نقول بوجوب أكل الطين لا جوازه؛ على تقدير وجوب الذهاب للاستشفاء إلى الطبيب.
إلا أنّ هذه الرواية ضعيفة السند أيضاً، بعدم تعيّن الطريق إلى سماعة بن مهران؛ فتكون مرسلةً.
الرواية الرابعة: خبر محمد بن زياد (مارد)، عن عمّته، قالت: سمعت أبا عبد الله عليه السلام، يقول: «إنّ في طين الحائر الذي فيه الحسين عليه السلام شفاءً من كلّ داء، وأماناً من كلّ خوف»5.
والخبر إخباريٌ لا يفيد جواز الأكل ولا يخصّص حرمة أكل الطين. نعم لو توقّف العلاج على طين القبر جاز فإنّ فيه العلاج، فهذا مثل قول القائل: لا يجوز شرب الخمر، إلا للعلاج من سوء الهضم، فإنّ الخمر نافعة جداً في تسهيل الهضم؛ ومعه فلا يحرز جواز الأكل في غير حال الاضطرار للعلاج.
هذا، ويضاف إلى ذلك ما ذكرناه في تعليقنا على الرواية الأولى من حيث سلامة المتن.
بل يمكننا الترقّي أكثر بالقول: إنّ غاية ما تثبته هذه الرواية هو أنّ طين القبر فيه الشفاء، لكنّها لا تبيّن أنّ الشفاء في أكله، بل لعلّه في وضعه على الجسد أو التمسّح به أو حمله أو تذويبه في الماء حتى يستهلك تماماً (لو قبلنا هذا الأخير) بحيث لا تكون هذه الموارد تخصيصاً في أدلّة حرمة أكل الطين، لو فهمنا فيها العموم هناك.
وهذا الإشكال لا يرد على مثل الأخبار المتقدّمة؛ لأنّها صريحة في جواز الأكل مستثنيةً طين القبر من حرمة أكل الطين، بخلاف هذا الخبر هنا، فلاحظه جيّداً.
وبصرف النظر عن هذا كله، فالرواية ضعيفة السند بعيسى بن سليمان المهمل أو مجهول الحال ولو على تقدير كونه عبّاد بن سليمان، على أنّ عمّة محمد بن زياد أو محمد بن مارد مهملة جدّاً، ولم ترد في الحديث إلا نادراً جداً، فالخبر ضعيف السند جداً.
وقفة مع رواية الثمالي ودور الشياطين في سلب طاقة التربة
الرواية الخامسة: خبر أبي حمزة الثمالي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: كنت بمكّة ـ وذكر في حديثه ـ قلت: جعلت فداك، إنّي رأيت أصحابنا يأخذون من طين الحائر لَيَسْتَشفون (يستشفون) به، هل في ذلك شيء مما يقولون من الشفاء؟ قال: قال: «يُستشفى بما بينه وبين القبر على رأسِ أربعة أميال. وكذلك قبر جدّي رسول الله|، وكذلك طين قبر الحسن وعليّ ومحمّد، فخذ منها، فإنّها شفاء من كلّ سُقم وجُنة مما تخاف، ولا يعدلها شيءٌ من الأشياء التي يستشفى بها إلا الدعاء، وإنّما يُفسدها ما يُخالطها من أوْعِيَتها وقلّة اليقين لمن يعالج بها، فأمّا من أيقن أنّها له شفاء إذا يعالِج بها كَفَتْهُ بإذن الله من غيرها مما يعالَج به، ويُفسدها الشياطين والجنّ من أهل الكفر منهم ممّن يتمسّحون بها، وما تمّر بشيء إلا شَمَّها، وأمّا الشياطين وكفّار الجنّ فإنّهم يحسدون بني آدم عليها، فيتمسّحون بها ليذهب عامّةُ طِيبِها، ولا يُخرَج الطينُ من الحائر إلا وقد استعدّ له ما لا يحصى منهم، وأنّه لفي يد صاحبها وهم يتمسّحون بها، ولا يقدرون مع الملائكة أن يدخلوا الحائر، ولو كان من التربة شيءٌ يسلم ما عولج به أحد إلا برأ من ساعته، فإذا أخذتها فاكتُمها وأكثر عليها من ذكر الله تعالى. وقد بلغني أنّ بعض من يأخذ من التربة شيئاً يَستخفُّ به، حتى أنّ بعضهم ليَطْرَحُها في مِخْلاةِ البغل والحمار وفي وعاء الطعام، وما يُمسح به الأيدي من الطعام والخُرْج والجُوالق، فكيف يستشفي به من هذا حاله عنده؟! ولكنّ القلب الذي ليس فيه يقين من المستخفّ بما فيه صلاحه يُفسد عليه عمله»6.
والتوقّف عند هذه الرواية:
أ ـ تارةً من حيث السند، وهي ضعيفة السند جداً؛ فإنّ فيه عبد الله بن عبد الرحمن الأصمّ، وهو ضعيفٌ وضّاع مغالٍ ضعّفه الرجاليّون. والأصمُّ يروي الحديث عن (أبي عمرو شيخ من أهل الكوفة)، وهو مجهول الحال. نعم بَدَلَ أبي عمرو هذا المذكور في كامل الزيارات، ذَكَرَ الحرّ العاملي والعلامة المجلسي اسم ابن أبي عمير، وأنّه يروي هذا الحديث عن أبي حمزة الثمالي 7، وهذا مخالفٌ لما هو الموجود بين أيدينا من نُسخ كامل الزيارات الذي هو المصدر الوحيد لهذه الرواية.
لكن لم يظهر لي سبب تسميتهما للشيخ من أهل الكوفة بابن أبي عمير، فهو إمّا اجتهاد أو أنّه لم تصلهم سوى تلك النسخة التي فيها اسمه، مع أنّه بمراجعة كتب الحديث يظهر أنّه لا توجد رواية لمحمّد بن أبي عمير عن أبي حمزة الثمالي، وإن كان أصل الرواية ممكناً، لكنّ ابن أبي عمير لم يُدرج في طبقة الصادق، وإنّما في طبقة الرضا، وذُكر أنّه في طبقة الكاظم وأنّه لم يرو عنه، وقيل: لقيه وروى عنه، فكيف يكن شاباً يتلقّى الحديث عام 150هـ وهو عام وفاة أبي حمزة الثمالي ولم يُذكر في أصحاب الصادق عليه السلام؟!
وعلى أيّة حال فلا يحرز بعد هذا كونه ابن أبي عمير الثقة، ولعلّه محمد بن أبي عمير بيّاع السابري الذي هو في طبقة الإمام الكاظم، ولكنّه لم تثبت وثاقته، فالرواية ضعيفة السند.
ب ـ وأخرى من حيث الدلالة، حيث قد يُدّعى أنّ الرواية ليس فيها إشارة إلى موضوع أكل الطين، بل هي تدلّ على الاستشفاء به، أمّا كيفيّة الاستشفاء فهذا غير مبيّن فيها، فقد يكون بالتمسّح، وقد يكون بحملها معه وغير ذلك، فتخصيص عمومات حرمة الطين بمثل هذه الرواية صعب جداً، لاسيما وأنّ كفرة الجنّ يتمسّحون بها فيأخذون مصدر الطاقة فيها، وهو ما قد يشي بأنّ التمسّح هو الذي يحقّق الاتصال بهذه التربة، دون الأكل.
وعليه، فالاستدلال بهذا الحديث غير صحيح، فضلاً عن أنّه قد يستشكل في مضمونه من حيث إنّه يخبر عن تمسّح الشياطين بالتربة فيأمر بكتمها، ومهما فسرّنا الكتم هنا فهل تعجز الشياطين عن اختراق المكان الذي تُخبّأ فيه التربة؟! العلم عند الله.
الرواية السادسة: خبر حَنَان بن سَدِيْر، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام، أنّه قال: «من أكل من طين قبر الحسين عليه السلام غير مستشفٍ به، فكأنّما أكل من لحومنا، فإذا احتاج أحدكم للأكل منه ليستشفي به، فليقُل: بسم الله وبالله، اللهم ربّ هذه التربة المباركة الطاهرة، وربّ النور الذي أنزل فيه، وربّ الجسد الذي سكن فيه، وربّ الملائكة الموكّلين به، اجعله لي شفاءً من داء كذا وكذا. واجرع من الماء جرعةً خلفه، وقل: الله اجعله رزقاً واسعاً وعلماً نافعاً وشفاءً من كلّ داء وسقم، فإنّ الله تعالى يدفع عنك بها كلّ ما تجد من السقم والهمّ والفهم إن شاء الله تعالى»8.
وهذه الرواية تنهى عن أكل طين القبر لغير الاستشفاء، ولو كان ذلك بنيّة التبرّك. والتشبيه الذي تذكره يفيد غلظة النهي جدّاً، ثم تعلّق الحكم على الحاجة للأكل لا مطلقاً، ومعه فتكون مقيِّدةً لسائر الروايات التي قلنا بأنّها قد تفيد الإطلاق أو لا أقلّ من السكوت.
وأمّا الكيفية التي تذكرها الرواية والدعاء، فالظاهر منها أنّها لازمة وجزء من العمل لتحصيل البركة، وإن أمكن الحمل على الفضيلة والكمال. ويفهم من الرواية أنّ الطين يؤكل لوحده، ثم يشرب بعده الماء، لا أنّه يوضع في الماء ليتحلّل فيه، ثم يُشرب.
غير أنّ الرواية ضعيفة السند؛ فإنّ الطريق إلى حنان غير واضح، فيكون مرسلاً، ولو أخذنا طريق الشيخ الطوسي إلى حنان من باب التعويض هنا، فهو لا ينفع أيضاً؛ لعدم صحّته؛ لضعفه بكلّ من أبي المفضل وابن بُطّة، كما أنّ سديراً والد حنان لم تثبت وثاقته كما تقدّم، فالخبر ضعيف سنداً.
نعم، المنقول في الوسائل أنّ الخبر ينتهي بحنان بن سدير لا بأبيه 9، وعليه فترتفع هذه المشكلة، لكن من الواضح أنّه من سقطات نسخ الوسائل؛ لوجود سدير في كلٍّ من المصباح والدعوات للطوسي والراوندي، ولا أقلّ من التردّد، وبه يظهر ضعف تعبير بعضهم عن هذه الرواية بأنّها حسنة 10.
الرواية السابعة، مرسل المفيد والطوسي، حيث قال: وروي أنّ رجلاً سأل الصادق عليه السلام فقال: إنّي سمعتك تقول: إنّ تربة الحسین عليه السلام من الأدوية المُفْرَدَة، وإنّها لا تمرّ بداءٍ إلا هَضَمَتْه، فقال: «قد كان ذلك، أو قد قلت ذلك، فما بالك؟» فقال: إنّي تناولتها فما انتفعت بها. قال: «أما إنّ لها دعاءً، فمن تناولها ولم يدعُ به واستعملها لم يَكَد ينتفع بها» قال: فقال له: ما يقول إذا تناولها؟ قال: «تُقبّلها قبل كلّ شيء، وتضعها على عينيك ولا تناول منها أكثر من حِمَّصَة، فإنّ من تناول منها أكثر فكأنّما أكل من لحومنا ودمائنا، فإذا تناولتَ فقل: اللهم إنّي أسألك بحقّ المَلَك الذي قبضها وبحقّ المَلَك الذي خَزَنَها، وأسألك بحقّ الوصيّ الذي حلّ فيها، أن تصلّي على محمّد وآل محمد، وأن تجعله شفاءً من كلّ داء، وأماناً من كلّ خوف، وحفظاً من كلّ سوء، فإذا قلت فاشددها في شيء واقرأ عليها إنّا أنزلناه في ليلة القدر، فإنّ الدعاء الذي تقدّم لأخذها هو الاستئذان عليها، واقرأ إنا أنزلناه ختمَها»11.
هذا الخبر يشرح الشروط اللازمة لتأثير الدواء ـ وهو التربة ـ في الشفاء، من نوع الدعاء وقراءة القرآن ونحو ذلك، وهو لأوّل مرة يوضح المقدار اللازم، وهو الحمّصة وينهى عما زاد عن ذلك نهياً شديداً. وفي الضمن يُفهم أنّ تناول طين قبر الحسين جائز في حال الاستشفاء وبمقدارٍ محدّد وبأعمال محدّدة لتحصيل التأثير.
غير أنّ هذه الرواية مبهمة السند؛ إذ لم يذكر اسم أحدٍ من رواتها ولا تَبيّن مصدرُها الذي أخذها منه المفيد والطوسي، على أنّ الأرجح أنّ الطوسي أخذها من مزار المفيد أيضاً، فهي ضعيفة السند جدّاً.
وهكذا نلاحظ، ونحن نسير في سياق هذه الرواية، أنّ الشروط بدأت تتكاثر، وكأنّ القضيّة لما اُثيرت بدأ الناس يلاحظون أنّ تأثير التربة ليس كما وُصف، فظهرت لديهم الأسئلة كي يعرفوا السبب في ذلك، الأمر الذي أدّى إلى ظهور هذه التقييدات أو الكشف عن هذه القيود.
يُشار إلى أنّ هناك بعض الروايات التي تتحدّث عن أدعية وقرآن هنا، شبيهةٌ بما تقدّم في هذه الروايات، وتُذكر عند أخذ التربة، كمرسل الكافي، ومرفوعة علي بن محمد وغيرهما 12، لكن ليس فيها إشارة مباشرة للأكل.
الرواية الثامنة: خبر يونس بن الربيع، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «إنّ عند رأس الحسين عليه السلام لتربة حمراء، فيها شفاء من كلّ داء إلا السَّام..»13.
والرواية ظاهرة في توصيف ترابٍ أحمر عند رأس الحسين فيه شفاء، ولكنّها هذه المرّة بدأت تستثني من الأمراض السّام، وهو الموت، أي مرض الموت، بحيث تريد أن تقول بأنّها لا تدفع الموت عن بني آدم، وهو ما يقيّد إطلاق بل عمومات بعض الروايات المتقدّمة ويخالف درجة الوضوح فيها، ما لم نفرض أنّ عدم الشمول لمرض الموت هو أمرٌ مفروغ عنه في ذهن المتلقّين لجميع النصوص هنا.
لكن مع هذا كلّه، يصعب أن يستفاد من هذه الرواية جواز الأكل، لتكون مقيّدةً لإطلاقات حرمة أكل الطين، إذ لم تشرح الرواية أنّ الاستشفاء يكون بالأكل، فلعلّه بالتمسّح أو الدهن على موضع الوجع أو حلّها في الماء حتى تستهلك، فيصعب جعلها دليلاً بمفردها على مسألتنا هنا.
هذا كلّه بصرف النظر عن يونس بن الربيع (رفيع)، فإنّه مهمل لم يترجمه الرجاليّون قط عدا البرقي الذي ذكره في طبقة الصادق عليه السلام دون أيّ تعليق 14. وعليه فالخبر ضعيف السند أيضاً.
ومثل هذا الخبر مرسل ابن قولويه والمفيد: «من أصابته علّة فبدأ بطين قبر الحسين عليه السلام شفاه الله من تلك العلّة إلا أن تكون علّة السام»15. والخبر لا سند له أساساً.
الرواية التاسعة: صحيحة ابن أبي يعفور، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: يأخذ الإنسان من طين قبر الحسين عليه السلام فينتفع به ويأخذ غيره فلا ينتفع به. فقال: «لا والله، والذي لا إله إلا هو؛ ما يأخذه أحد وهو يرى أنّ الله ينفعه به إلا نفعه الله به»16.
وهذه الرواية تعالج إشكاليّة عدم انتفاع الإنسان بالتربة، وتُلقي باللوم على الإنسان نفسه عندما لا تنفعه هذه التربة، لترفع التهمة عن التربة نفسها، وكأنّ هناك تساؤلات ظهرت بالتدريج: لو كانت هذه التربة للشفاء فما بال بعض الناس لا ينتفع بها؟! فجاء الجواب في الرواية بأنّ السبب يرجع إلى هؤلاء أنفسهم ومدى يقينهم، وهو ما أشارت له بعض الروايات الأخَر كخبر أبي حمزة الثمالي المتقدّم؛ فكلّ من يقول بأنّه لم ينتفع فثمّة مشكلة في يقينه، أو أنّه لم يقم بالأعمال اللازمة، أو أنّ طاقة التربة قد ذهبت بتأثير الشياطين وكفرة الجنّ.
والعنصر الذي تؤكّده هذه الرواية نفسيٌّ ذاتي لا يرجع لعلاقة ذاتيّة بين التربة والمرض، بل لابد وأن يكون اليقين حاضراً ليوفّر مناخ تأثير التربة في الداء لرفعه، بل لعلّ ظاهرها أنّ اليقين هو الأساس لا غير وكأنّه لا يوجد عوامل اُخر مثل الشياطين والجنّ والأدعيّة ونحو ذلك! وهو ما يوقع نوعاً من التنافي بينها وبين غيرها.
وبصرف النظر عما تقدّم، لا تصلح هذه الرواية هنا لتقييد عمومات حرمة أكل الطين؛ لأنها لا تقول بأنّ الانتفاع بالتربة يكون عبر أكلها، فقد يكون عبر حملها أو التمسّح بها أو دهنها أو شربها مستهلَكَةً بالماء.
هذا، ويُشار إلى صحّة سند هذه الرواية، بل إنّها الرواية الوحيدة التي دوّنها الشيخ آصف محسني في معجمه في الأحاديث المعتبرة 17، ويبدو منه أنّه يرى أيضاً أنّ جميع روايات الباب ضعيفة الإسناد.
الرواية العاشرة: خبر زيد الشحّام، قال: كنت في جماعةٍ من عصابتنا بحضرة سيّدنا الصادق عليه السلام، فأقبل علينا أبو عبد الله عليه السلام، فقال: «إنّ الله (تعالى) جعل تربة جدّي الحسين عليه السلام شفاءً من كلّ داء وأماناً من كلّ خوف، فإذا تناولها أحدكم فليقبّلها وليضعها على عينيه، وليمرّها على سائر جسده، وليقل: «اللهم بحقّ هذه التربة، وبحقّ من حلّ بها وثوى فيها، وبحقّ أبيه وأمّه وأخيه والأئمّة من ولده، وبحقّ الملائكة الحافّين به إلا جعلتها شفاءً من كلّ داء، وبرءاً من كلّ مرض، ونجاةً من كلّ آفة، وحرزاً مما أخاف وأحذر. ثم يستعملها». قال أبو أسامة: فإنّي أستعملها من دهري الأطول، كما قال ووصف أبو عبد الله، فما رأيت بحمد الله مكروهاً 18.
والرواية دالّة على أنّ في التربة الشفاء؛ لكنّها لا تشرح طريقة الاستعمال وأنّه بالأكل المباشر أو لا، إلا إذا قلنا بأنّه بعد مسحها على جسده قال: «ثم يستعملها» ولا معنى له إلا الأكل ما لم نقل بأنّه قد يكون الموضوع موضوع وضعها في الماء بطريقة تستهلكُها، لو صدق عليه عدم الأكل. علماً أنّ هذه الرواية ومجموعة أخرى مثلها جاءت في سياق الشفاء، مما يوحي بأنّ سياق استعمالها هو للعلاج، ولا أقلّ من الشكّ في انعقاد إطلاق.
إلا أنّ الرواية ضعيفة السند؛ فإنّ فيها إبراهيم بن إسحاق الأحمر النهاوندي، وهو ضعيف، حيث تكلّموا صراحةً في ضعفه في الحديث والدين 19، وكذلك ابن مَعْقِل القِرْمِيْسِيْنِي المهمل، وغيرهما.
وقفة مع رواية ابن عبيد في المتاع وتوكيل الإمام الرضا له بطلاق زوجته!
الرواية الحادية عشرة: خبر محمّد بن عيسى اليقطيني، قال: بعث إليّ أبو الحسن الرضا عليه السلام رِزَم (برزم) ثيابٍ وغلماناً وحَجّةً لي وحجّةً لأخي موسى بن عبيد، وحجّة ليونس بن عبد الرحمن، فأمرنا أن نحجّ عنه، فكانت بيننا مائة دينار أثلاثاً فيما بيننا، فلما أردت أن اُعَبِّي الثيابَ رأيت في أضعاف الثياب طيناً، فقلت للرسول: ما هذا؟ فقال: ليس يوجّه بمتاع إلا جعل فيه طيناً من قبر الحسين عليه السلام، ثمّ قال الرسول: قال أبو الحسن عليه السلام: هو أمانٌ بإذن الله..»20.
وهذه الرواية تجعل التربة أماناً عبر وضعها في الثياب أو مع الإنسان، لا عبر أكلها، فليس فيها دلالة على جواز أكل الطين.
أمّا من حيث السند، فإنّها مرويّة عن محمد بن عيسى اليقطيني وهو ثقة، لكنّه يقول في الرواية بأنّ الإمام الرضا أرسل له حَجةً إلى أخيه موسى بن عبيد، وهذا يعني أنّ الراوي ليس محمد بن عيسى بن عبيد، فإنّ موسى ليس بأخيه، بل هو عمّه، فيرجّح أن يكون عيسى بن عبيد والد محمّد، والذي جاءت له رواية عن الرضا أيضاً في الكافي، وهذا ما ذهب إليه العلامة التستري 21.
لكنّ الذي يظهر من السيّد الخوئي أنّ موسى هذا هو أخ محمد بن عيسى بن عبيد لكنّه نسبه إلى جدّه 22، وهذا محتملٌ أيضاً؛ لتعارف ذلك ـ كما نقول: «السيّد ابن طاووس»، مع أنّ طاووساً ليس بوالده ـ خاصّة وأنّ ذيل الرواية فيه تكرار لاسم محمّد بن عيسى.
هذا ولم أفهم لماذا يذكر ابن عبيد اسم أخيه مع ذكر اسم الجدّ أو الأب؟! فإنّ المتعارف أن يذكر الإنسان اسم أخيه محضاً بلا حاجة لذكر نَسَبه.
وعلى أيّة حال، فلو جزمنا بأنّ الراوي هو عيسى بن عبيد ضعُف سند الحديث من هذه الجهة؛ لعدم ثبوت وثاقته، وكذلك لو تردّدنا وحصل شكّ، وإلا كانت الرواية معتبرة سنداً.
ولعلّ ما يعزّز الشكَّ أنّنا لم نجد رواية لمحمّد بن عيسى عن الرضا لا مكاتبةً ولا مشافهة، وقد ذكروه غالباً في أصحاب الجواد ومن بَعده، وإن ذكره الطوسي في أصحاب الرضا أيضاً، كما أنّ تشكيك بعض متقدّمي الرجاليّين في روايته عن يونس بن عبد الرحمن تواجه هذه الرواية هنا، وترجّح كونه الوالد وليس الولد، وعليه فالوثوق بالصحّة السنديّة مشكلٌ هنا.
هذا كلّه إذا تغاضينا عن جهالة اسم الرسول الذي حمل هذه الأمانة، وإن أمكن حلّ هذه الإشكاليّة.
بل يثير الأمر استغرابي: كيف يرسل الرضا هذه الأمانات، ويطلب من محمّد بن عيسى بن عبيد أن يطلّق له زوجته ـ كما جاء في تكملة الرواية 23 ـ ويُشهدَ صفوانَ بن يحيى، فكيف يرسل الإمام هذه المهمّة لشاب صغير حسب الفرض بدل أن يوكّل بذلك صفوان بن يحيى الراوية الثقة الجليل؟! ولعلّ في الأمر ظرفاً خاصّاً.
هذا، والموجود في كامل الزيارات أنّ هذه الرواية ـ بحذف بعض جملها ـ رواها محمّد بن عيسى، عن رجل، قال: بعث إليّ أبو الحسن الرضا عليه السلام 24.. وهذا ما يزيد الطين بلّةً في الاطمئنان لهذه الرواية من حيث سلامة السند.
الرواية الثانية عشرة: خبر سليمان البصري، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «في طين قبر الحسين عليه السلام الشفاء من كلّ داء، وهو الدواء الأكبر»25.
والخبر واضح في شفاء هذا الطين، دون شرح طريقة الشفاء، فقد تكون بحلّه بالماء حتى يستهلك، ومعه فالرواية غير ظاهرة في الترخيص في الأكل، بل لو أفادت ذلك فلا يفهم منها الجواز في غير حال المرض والتداوي.
هذا، والرواية ضعيفة السند بسليمان البصري؛ فإنّه مجهول الحال إن لم نقل بضعفه، كما أنّ في السند ابنه محمد بن سليمان البصري الديلمي وهو ضعيف جداً رموه بالضعف والغلوّ، وإن لم يتحد مع الديلمي فهو مجهول الحال، فالرواية ضعيفة سنداً.
الرواية الثالثة عشرة: خبر الحسن بن علي بن أبي المغيرة، عن بعض أصحابنا (أو عن الحارث بن المغيرة النصري)، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنّي رجل كثير العلل والأمراض، وما تركت دواءً إلا تداويت به، فقال لي: «فأين أنت عن تربة قبر الحسين عليه السلام؛ فإنّ فيها الشفاء من كلّ داء، والأمن من كلّ خوف، وقل إذا أخذته:..»26.
وقد صار حالها واضحاً مما تقدّم، وأنها غير صريحة في الأكل.
أمّا سندها، فهو مرسل في التهذيب وكامل الزيارات، ولكنّه مسند إلى الحارث بن المغيرة النصري في أمالي الطوسي. والحارثُ ثقة، لكنّ المشكلة في جميع المصادر تكمن في سعد بن صالح (أو سعيد بن صالح) الوارد في السند، فهو رجلٌ مهمل، فالرواية ضعيفة السند.
الرواية الرابعة عشرة: مرسل محمد بن إسماعيل البصري، عن بعض رجاله (عن رجل)، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «طين قبر الحسين عليه السلام شفاءٌ من كلّ داء»27.
والمضمون صار واضحاً ممّا تقدّم، لكنّ الرواية مرسلة.
الرواية الخامسة عشرة: خبر محمد بن مسلم ـ في حديث طويل ـ أنّ الإمام الباقر أرسل إليه شراباً، وكان ابن مسلم مريضاً جدّاً، فلما شرب نشط، ولما التقى بالإمام قال له الإمام الباقر: «إنّ الشراب الذي شربته فيه من طين قبر الحسين، وهو ما أفضل ما استشفي به فلا نعدل به، فإنا نسقيه صبياننا ونساءنا، فنرى فيه كلّ خير..»، ثم ذكر شبيه ما جاء في خبر أبي حمزة الثمالي المتقدّم من الاستخفاف بالتربة، وما يحصل لها عند إخراجها من الحائر، وتمسّح الجنّ بها وغير ذلك 28.
وهذه الرواية تشير إلى أنّ طريقة الاستشفاء بوضع الطين في الشراب، ومن الواضح أنّ محمّد بن مسلم لم ينتبه إلى وجود طين، وإلا للفت ذلك نظره، ولتضمّن نقل الرواية إشارة لهذا عادةً، مما يدلّ على استهلاك الطين في الشراب، وهذا يعزّز فرضية أنّ النصوص العامة هنا قد تشير لمبدأ الاستشفاء، لا لجواز أكل الطين مباشرةً مطلقاً أو للاستشفاء، بناءً على عدم صدق الأكل لو استهلك في الشراب، فلاحظ.
إلا أنّ هذا الخبر ضعيف السند بعبد الله الأصمّ الضعيف المغالي، وكذلك بجهالة عبد الله بن حمّاد البصري، وجهالة مُدْلِج (راوي الخبر مباشرةً عن محمّد بن مسلم) الذي ندر وجود رواية له في كتب الحديث، ولم يذكره أحد من الرجاليّين، كما أنّ علي بن محمد بن سالم الوارد في السند في غاية الجهالة والإهمال في كتب الرجال والحديث معاً، ولا ذكر له في الطرق والروايات، ويحتمل أن يكون عليّ بن محمد بن سليمان النوفلي وهو مهمل رجالياً أيضاً، وإن كان له بعض الروايات في كتب الحديث. فالخبر تالفُ السند.
والغريب أنّ موضوع تمسّح الجنّ وهذه الأمور التي تقدّمت في رواية أبي حمزة الثمالي، قد رواها لنا هنا وفي رواية أبي حمزة شخصٌ واحد مشترك في الطريقين، وهو عبد الله الأصمّ الضعيف المغالي، حيث يتشابه المضمون في الحالتين دون أن نجد له شبيهاً في سائر النصوص، الأمر الذي يثير بعض الشكوك أيضاً.
خبر ابن فضال وربط أكل التربة الحسينيّة بأكل لحوم أهل البيت! تحليل وتفسير
الرواية السادسة عشرة: خبر علي بن فضال، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما’، قال: «إنّ الله تبارك وتعالى خلق آدم من الطين، فحرّم الطين على ولده»، قال: فقلت: فما تقول في طين قبر الحسين عليه السلام؟ قال: «يحرم على الناس أكل لحومهم ويحلّ لهم أكل لحومنا، ولكن الشيء اليسير منه مثل الحمّصة»29.
هذا الحديث يتعاطى بِنَفَسٍ مختلف مع الموضوع، فهو يندّد بجواز أكل تربة الحسين عليه السلام ويرى ذلك أكلاً للحوم أهل البيت، وكأنّ من أكل من قبورهم فقد أكل جثثهم، لكنّ الحديث يحتمل احتمالين، كما ذكر الفيض الكاشاني 30، وهما:
الاحتمال الأوّل: أن يكون جملةً خبرية في مقام الإنشاء، ويكون المعنى: لا يجوز للناس أكل لحومهم ولكن يجوز لهم أكل لحومنا لكن بمقدار الحمّصة. وبهذا تكون الرواية دالّة على جواز الأكل من التربة الحسينيّة.
وهذا الاحتمال يبدو لي غريباً، إذ كيف يعبّر الإمام في بيان الرخصة بالقول يجوز للناس أكل لحومنا، فهذا التعبير وصورته الخياليّة ظاهر في التقريع والتشويه والإبعاد، تماماً كما جاء في تحريم الغيبة في القرآن الكريم، من أنّها كأكل لحم الأخ ميتاً (الحجرات: 12).
وبعبارة أخرى: إنّ تعبير أكل اللحم له حمولة معنائيّة سلبيّة، فليس مستساغاً بيانُ الترخيص عبر صبّ الترخيص على عنوان سلبي بذاته، وهو عنوان أكل لحم أهل البيت والعياذ بالله.
الاحتمال الثاني: أن تكون الجملة كلّها استفهاميّة للإنكار.
لكن على الاحتمال الثاني، ينفتح أمامنا احتمالان في الجملة الأخير: «ولكن الشيء اليسير..»، وهما:
أ ـ إنّها تكملة للاستنكار، أي أفهل يحرم عليكم أكل لحم بعضكم ويجوز لكم أكل لحومنا بمقدار الحمّصة؟!
وعلى هذا التقدير يكون الحديث دالاً على حرمة مطلق أنواع أكل طين قبر الحسين عليه السلام، وتكون هذه الرواية معارضة للعديد من روايات الباب هنا، مما دلّ على جواز الأكل مباشرةً.
ب ـ إنّها استدراكٌ في جواب الإمام، فكأنّه قال: هل يحرم عليكم أكل لحومكم ويحلّ لكم أكل لحومنا؟! لا، إنّه لا يجوز، نعم، إنما رخّص في الشيء اليسير من تربة الحسين عليه السلام بمقدار الحمصة.
وعلى هذا التقدير، تكون الرواية دالّةً على جواز الأكل من طين القبر شرط كونه قليلاً بمقدار الحمّصة.
والخبر على الفهم الأخير يصبح دالاً على جواز الأكل ولو لغير الاستشفاء، كما التفت إلى ذلك المحدّثُ البحراني، لكنّه بدل أن يجعل الأخبار المقيّدة للأكل بالاستشفاء والناهية عن الأكل لغيره مقيّدةً لمثل هذا الخبر، عكس الأمر فقيّد إطلاق الحرمة في تلك الأخبار بمثل هذا الخبر 31، وهو عجيب؛ إذ الأعم هو دليل حرمة أكل الطين، وقد خُصّصَ بالأخبار المجوّزة مطلقاً لأكل طين القبر، وهذه الأخبار خُصّصت بدورها بحال الاستشفاء، فيكون القدر المتيقّن من تخصيص عمومات حرمة أكل الطين هو طين القبر للاستشفاء، كما هو واضح.
وعلى أيّة حال، فالذي يرجّح بالنظر أن تكون الجملة استنكاريةً، إلا أنّ دخول (لكن) على الجملة الأخيرة، معزّزاً بصيغة (ليكن) الواردة في مزار الشيخ المفيد، يقوّي في النظر العرفي احتمال أنّ الجملة الأخيرة استثناء من تحريم أكل طين قبر الحسين، أي لا يجوز فإنّه عدوان علينا، نعم لا بأس بالشيء اليسير جداً كمقدار حمّصة؛ فتكون الرواية دالّةً على الترخيص والجواز هنا في الجملة.
لكن مع ذلك، يبدو لي المضمون غريباً بعض الشيء في تركيبه، فهو يصف أكل طين القبر بأنّه أكل للحم الإنسان، وكأنّ التراب مرتبط بلحوم البشر المدفونين في الأرض ويدفنون باستمرار، لكن عندما يجيز في آخر الرواية، فهذا معناه أنّه يجيز أن نأكل ولو يسيراً في لحوم أهل البيت، وهذا غريب! ولو فرضنا أنّ الشيء اليسير لا يعدّ أكلاً للحم صاحب القبر، اذاً فلماذا لم يستثنَ من ذلك سائر الأتربة حينئذٍ، ويبطل تصوير المشهد بأنّه أكل للحوم البشر؟!
بل الأغرب من ذلك أنّ الجملة الأخيرة لو أرادت أن تخفّف الموضوع بافتراضها الأمر اليسير بأنّه خارج عن عنوان (أكل لحومنا)، فهي تنظر في ذلك إلى فعل الفرد الواحد، فلو أنّ المسلمين كلّهم أخذوا من التربة كلّ واحد بمقدار حمّصة، لكان معنى ذلك أنّ المسلمين يأكلون كلّ يوم لحوم أهل البيت، وهذا تصوير مهيب للمشهد!
بل لست أدري كيف تنسجم هذه الرواية مع بعض الروايات التي تتحدّث عن حفظ جثامين الأنبياء والأوصياء أو أنّها تُرفع إلى السماء، وفيها ما هو صحيح سنداً عند كثيرين، فإنّ تراب القبور لن تكون له علاقة بتحلّل الأجساد، وتكون تلك الروايات متعارضة مع مثل هذا الخبر هنا، وهو معارض لها، ولابدّ من حلّ هذا التعارض قبل الأخذ بأيّ رواية من المجموعتين.
بل لو فرض أنّ التراب يغيَّر كلّ عام؛ لأنّه سينفد باستهلاكه، وكانت الجثث تتحلّل، فهذا يعني أنّ التراب الذي اُضيف في القرن العشرين الميلادي على القبر، لا علاقة له ببقايا الجثة المتحلّلة إلا بضربٍ من التدقيق المبالغ به، وهو غير واضح هنا. هذا فضلاً عن أنّه لو قيل بأنّ تربة القبر تتسع لأربعة أميال من كلّ جانب، أشكل الأمر جدّاً هنا.
وعليه، فثمّة شيء من الغرابة في التعبير هنا، ولو أنّ النصّ أجاز الأكل من التراب دون بيان الاستنكار فيه عبر المقارنة بين لحوم الناس ولحوم أهل البيت، لقلنا بأنّه يقترب من فكرة التحوّل الحقيقي (التبدّل الجوهري) في العشاء الرباني، وأنّهم يأكلون لحم المسيح ودمه 32، فيكون التعبير إيجابيّاً ليست فيه حمولة سلبيّة، والعلم عند الله.
يُشار أخيراً إلى أنّ هذا الحديث ـ لو تمّ ـ قد يستوحى منه أنّ هذا الحكم غير خاصّ بتربة الحسين عليه السلام؛ لأنه قال: «لحومنا»، لكنّه غير ظاهر؛ فإنّ الاستثناء قال: «لكن اليسير منه»، والضمير يرجح إلى تراب القبر، لا إلى اللحوم، وإلا لقال: اليسير منها.
هذا كلّه من حيث الدلالة والمضمون، وأمّا من حيث السند، فالرواية ضعيفة السند بالإرسال، كما هو واضح، ومراسيل بني فضال لم تثبت صحتها، ولم يثبت توثيق من يروون عنه بقول مطلق، كما قلنا سابقاً.
خبر النهي عن أخذ تربة أهل البيت ـ عدا الحسين ـ للتبرّك، تحليل ودراسة
الرواية السابعة عشرة: خبر عمرو بن واقد، في حديث سَمّ الرشيد للإمام الكاظم، ثمّ دعوته للمسيّب وجريان حوار بينهما، ومما قاله الإمام له: «.. يا مُسيَّب.. فإذا حملت إلى المقبرة المعروفة بمقابر قريش، فألحدوني بها، ولا ترفعوا قبري فوق أربع أصابع مفرّجات، ولا تأخذوا من تربتي شيئاً لتتبرّكوا به؛ فإنّ كلّ تربة لنا محرّمة، إلا تربة جدّي الحسين عليه السلام، فإنّ (الله) تعالى جعلها شفاءً لشيعتنا وأوليائنا..»33.
هذه الرواية صريحة في تحريم أكل ما عدا تربة الحسين عليه السلام، حتى أنّه نهى عن التبرّك بتربته عليه السلام، واستثناء تربة الحسين دليل جواز التبرّك بها، فإنّ فيها الشفاء.
ولو نظرنا للحديث من زاوية بحث أكل الطين، لكان المعنى: لا يجوز أكل طين أيّ قبر من قبور أهل البيت، فهو أمرٌ محرّم، ولو كان بقصد البركة وأخذ الخير منها كالشفاء. لكن يجوز ذلك في تربة الحسين عليه السلام؛ فإنّ فيها الشفاء للشيعة.
ويبدو أنّه على هذا المعنى سيتمّ الاستدلال على جواز التبرّك بالتربة الحسينيّة بأكلها ولو لغير الاستشفاء، ما لم نقل بأنّ ذكره لقضيّة الشفاء كان قرينة توضح معنى التبرّك، وأنّه الشفاء من الأمراض، وهو غير واضح.
أمّا لو أخذنا عموم النص المذكور والذي ليست فيه أيّ إشارة للأكل مباشرةً، فسيكون معنى الرواية: لا يجوز أخذ تراب أيّ قبر من قبور النبيّ وأهل بيته ولو للتبرّك، فإنّ ترابهم حرام، أي حرام أخذه وأكله ولو للتبرّك به. نعم أصل التبرّك به ليس بحرام، لكنّ أخذه من موضعه هو الحرام، عدا تراب قبر الحسين، فإنّ أخذه للتبرّك جائز ولو لغير الأكل، ومن خواصّه أنّ فيه الشفاء، فليس في الحديث إشارة مباشرة للأكل، وإنّما لمطلق الأخذ والتبرّك والشفاء، وقد علّقنا سابقاً على أنّ هذا المقدار قد لا يفيد في جواز الأكل دون مثل إذابته في الماء لو كان مغايراً لمفهوم الأكل.
والملفت أنّ الشفاء في هذه الرواية يُجعل للشيعة والموالين لأهل البيت، فكأنّه يضيف هذا إلى سائر القيود المتقدّمة، مثل شرط اليقين، واحترام التربة، وكتمها، والدعاء والذكر عليها، وسورة القدر وغير ذلك.
هذا كلّه من حيث الدلالة، وسأصرف النظر عن بعض الملاحظات المتنيّة في الرواية في غير المقطع محلّ الشاهد، فهي رواية طويلة ومهمّة تاريخياً، ونبحث في السند، فهذه الرواية رواها الحسين بن عبد الوهاب (ق 5هـ) بسندٍ مرسل، حسب الظاهر، ورواها الخصيبي والطبري في كلّ من الهداية الكبرى ودلائل الامامة بسندٍ فيه: جعفر بن محمد بن مالك الفَزَاري، وهذا الرجل أكثَرَ الرجاليّون من تهمته بالكذب والوضع، ولم نجد سوى الطوسي يقول عنه: «ثقة، ويضعّفه قوم، روى في مولد القائم أعاجيب»34، وضعّفه بقوّة النجاشي والصدوق، وعليه فإن لم نقل بضعفه، فلا أقلّ من عدم ثبوت وثاقته.
وكذلك في السند إبراهيم بن زيد النَّخَعي، وهو غير النخعي الذي توفّي في القرن الأوّل الهجري وذُكر في محدّثي أهل السنّة، وهذا الرجل مهمل حسب الظاهر. فالسند هذا ضعيف أيضاً.
ويبقى سند الصدوق في عيون أخبار الرضا، وفيه سليمان بن جعفر البصري الذي تقدّم في الحديث الثاني عشر أيضاً، وأنّه مجهول الحال، وفيه أحمد بن علي الأنصاري كذلك، وهو رجلٌ مهمل، وقد أقرّ النمازي الشاهرودي بأنّهم لم يذكروه 35، وأمّا عند السنّة فهناك ما يؤشر لتضعيفه 36.
وفي السند أيضاً عمرو بن واقد. وهو مهملٌ جداً عند الشيعة 37، ورواياته عندهم نادرة، ولا رواية له في الكتب الأربعة أساساً، ولم يترجمه رجاليّوهم، كما أنّه ضعيف جداً عند أهل السنّة منكر الحديث وضّاع 38، مع أنّ له روايات في فضائل الخلفاء متميّزة.
وعلى هذا الأساس، فإنّ طرق هذا الحديث واهية وسنده تالف.
الرواية الثامنة عشرة: خبر أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «لو أنّ مريضاً من المؤمنين يعرِفُ حقَّ أبي عبد الله عليه السلام وحرمته وولايته، أخذ من طين قبره مثل رأس أنملة كان له دواء»39. وروي الخبر نفسه في المصدر نفسه في موضعٍ آخر بالسند عينه لكنّ ذيله كان: «.. أخذ من طين قبره على رأس ميل كان له دواء وشفاءً»5.
والخبر تارةً يبيّن المقدار المأخوذ وأنّه رأس أنملة، مع أنّه ربما يكون أكبر من مقدار الحمصة، فنحمله على التقريب، حتى لا تعارض هذه الرواية مرسل ابن فضال المتقدّم (رقم: 16)؛ لأنّ تلك حكمت بالحرمة إلا بمقدار الحصمة بينما هذه أجازت ما هو أزيد أو أقلّ، وبهذا نحمل الروايتين على أنّهما لبيان قلّة المقدار لا للتدقيق في كميته، كما لا يبعد.
وأخرى يبين المساحة التي يؤخذ منها التراب وأنّها على بُعد ميل من القبر، وسيأتي بحثه إن شاء الله.
والرواية لا تصرّح بالأكل، بل تبيّن أنّ فيه الشفاء، وربما كان ذلك منحصراً في حال الحاجة والمرض، فلا إطلاق فيها لغير ذلك.
هذا من حيث الدلالة، وأمّا من حيث السند، فالخبر ضعيف السند بأبي بكر الحضرمي الذي لم تثبت وثاقته.
الرواية التاسعة عشرة: خبر أبي حمزة الثمالي، قال الصادق عليه السلام: «إذا أردت حمل الطين، طين قبر الحسين عليه السلام، فاقرأ فاتحة الكتاب.. وتقول: اللهم بحقّ محمّد.. صلّ على محمّد وآل محمّد، واجعل هذا الطين شفاءً لي ولمن يستشفي به من كلّ داءٍ وسُقم ومرض، وأماناً من كلّ خوف. اللهم بحقّ محمّد وأهل بيته اجعله علماً نافعاً ورزقاً واسعاً وشفاءً من كلّ داء وسُقم وآفة وعاهة وجميع الأوجاع كلّها، إنّك على كلّ شيء قدير..»40.
والرواية غاية ما تدلّ عليه هو دعاء الله أن يشفيه بالتربة، أمّا كيف يكون ذلك؟ وهل هو بالأكل أو بغير ذلك؟ فهذا غير واضح من الرواية.
هذا، والخبر ضعيف السند بمحمّد بن مروان، فإنّ كلّ المسمّين بهذا الاسم ـ سواء اتحدوا مع بعضهم أم تعدّدوا ـ لم تثبت وثاقتهم، مثل محمّد بن مروان الشعيري، والذهلي البصري، والزعفراني، والبصري، والكوفي، والمدني، والسدي؛ والعجلي، والكلبي و.. وكذلك بعدم ثبوت وثاقة الحسن بن علي بن مهزيار الذي لم يُترجموه كما أقرّ بذلك النمازي 41، فالخبر ضعيف السند.
الرواية العشرون: خبر البرقيّ عن بعض أصحابنا، قال: دفعت إليّ امرأةٌ غزلاً، فقالت: ادفعه إلى حجبة مكّة ليُخاط به كسوة الكعبة. قال: فكرهت أن أدفعه إلى الحَجَبة وأنا أعرفهم، فلما أن صرنا إلى المدينة دخلت على أبي جعفر عليه السلام، فقلت له: جعلت فداك، إنّ امرأةً أعطتني غزلاً، فقالت: ادفعه بمكّة ليُخاط به كسوة الكعبة، فكرهت أن أدفعه إلى الحَجَبة، فقال: «اشتر به عسلاً وزعفراناً، وخذ من طين قبر الحسين عليه السلام واعجنه بماء السماء، واجعل فيه شيئاً من العسل والزعفران، وفرّقه على الشيعة ليداووا به مرضاهم»42.
والخبر مرويٌّ بهذه الطريقة في مصادره عدا في علل الشرائع، فقد قال: «أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، بإسناده عن بعض أصحابنا..»43.
ويرجّح جداً أن يكون التداوي بالأكل، وإن كان يحتمل بغيره، ولكنّ السند ضعيف بمحمّد بن خالد البرقي، وبالإرسال.
الرواية الواحدة والعشرون: خبر أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «طين قبر الحسين عليه السلام فيه شفاء وإن اُخذ على رأس ميل»44.
والخبر لا يُثبت إلا أنّ فيه الشفاء، دون أن يصرّح بجواز الأكل في غير حال الضرورة. نعم يمتاز بتوسعة المساحة إلى رأس ميل كما مرّ، لكنّه ضعيف السند بالإرسال.
الرواية الثانية والعشرون: خبر سليمان بن عمرو (عمر) السرّاج، عن بعض أصحابنا (أصحابه)، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «يؤخذ من طين قبر الحسين عليه السلام من عند القبر على (قدر) سبعين ذراعاً (باعاً في سبعين باعاً)»45.
والحديث يحدّد المساحة المأخوذ منها طين القبر، وهو يختلف عن معيار الميل، ومعيار أربعة أميال المتقدّمَين في الروايات آنفاً.
علماً أنّ هذا الخبر لا يبيّن جواز الأكل من قريب أو بعيد، فلعلّه ناظر للتربة التي يسجد عليها في الصلاة أو للتربة التي يتمّ بها تحنيك المولود الجديد وهكذا.
والخبر ضعيف السند بالإرسال تارةً، وبإهمال رزق الله بن أبي العلاء أخرى، وجهالة سليمان بن عمر (عمرو) السراج ثالثة.
الرواية الثالثة والعشرون: خبر جابر بن يزيد الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن علي عليه السلام، يقول: «طين قبر الحسين عليه السلام شفاء من كلّ داء، وأمان من كلّ خوف وهو لما أخذ له» 46.
والرواية دالّة على الشفاء، ولا تدلّ على كيفيّته، لكنها تحتمل الأكل وليست بعيدة عنه.
أمّا سندها فضعيف؛ فإنّ ابنا بسطام مجهولان، كما أنّ في السند محمّد بن سنان، ولم تثبت وثاقته، ولم تثبت عندي أيضاً وثاقة جابر بن يزيد الجعفي، بل الخبر ضعيفٌ أيضاً بمحمّد بن إسماعيل بن أبي زينب المهمل الذي تكاد رواياته تنحصر بكتاب طبّ الأئمّة، وكذا بالجارود بن أحمد المهمل جداً، فالخبر ضعيف السند.
الرواية الرابعة والعشرون: خبر محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر وجعفر بن محمّد’، يقولان: «إنّ الله (تعالى) عوّض الحسين عليه السلام من قتله أن جعل الإمامة في ذريّته، والشفاء في تربته، وإجابة الدعاء عند قبره، ولا تعدّ أيام زائريه جائياً وراجعاً من عمره..» 47.
ووردت الجملة محلّ الشاهد في مرسل عمرو بن خالد أيضاً 48، كما وردت في خبر عبد الله بن العباس 49، وفيه: «الإجابة تحت قبّته»، وقد ورد أيضاً بصيغة زيارةٍ له عليه السلام.
وهذا الحديث في مقاطعه الثلاثة الأولى متداول، وهو محفور على الرخام في جامع الإمام الحسين عليه السلام في القاهرة، عند الغرفة التي فيها الضريح، وقد رأيناه في زيارتنا لها عام 2011م.
والرواية تدلّ على مبدأ الشفاء فقط، ولا تدخل في كيفيّاته وأكله، فلا تصلح لوحدها وأمثالها لتخصيص دليل حرمة أكل الطين كما كرّرنا.
أمّا من حيث ثبوت هذه الرواية، فلها طريقان أساسيّان:
الطريق الأوّل: وينتهي بعبد الله بن عباس، عن رسول الله في حوار بينه وبينه ليس بقصير، وتارةً روى جابر الجعفي الخبر عن ابن عباس، وأخرى غيره.
وهذا الطريق فيه مشكلة ابن عباس نفسه، فهو يقول بأنّ الحسن والحسين كانا موجودين عندما وقع هذا الحوار بين النبيّ وابن عباس، وهذا يستدعي أن يكون ابن عباس عام 5 للهجرة، لا يقلّ عمره عادةً عن 15 سنة، مع أنّ رسول الله| توفّي عام 11 للهجرة وعمر ابن عباس لا يتجاوز العشر سنوات.
وأحاديث ابن عباس عن الرسول، لاسيما مثل هذه الحوارات الطويلة مشكوكٌ في أمرها، فالمعروف أنّه وُلد قبل الهجرة بثلاث سنوات، والمنقول عنه أيضاً أنّ النبي توفي وهو ابن عشر سنين، أو ابن ثلاث عشرة سنة، أو ابن خمسة عشرة سنة، وتوفّي عام 68هـ 50، وهذا يعني أنّ مثل هذا الحوار كان وعمره سبع أو عشر سنوات فقط، ولو كان متميّزاً في العصر النبويّ لكان له حضور نظراً لعبقريّته وقربه وحواراته مع النبيّ!
هذا، مضافاً إلى إهمال بعض الرواة في السند، مثل محمّد بن إبراهيم (عمير) بن المنذر المكّي.
الطريق الثاني: وهو الوارد في الرواية عن الإمامين الباقرَين، وذكره مثل الطوسي في الأمالي، وهو ضعيف بابن مَعْقِل القرميسيني.
على أنّ عندي تساؤلاً في رواية ابن عباس: كيف قال النبيّ كلمة (القبّة) وهي البناء المجوّف في سقفه؟ وهل كانت هناك قباب يعرفها العرب عند القبور؟! ألا يشي ذلك بوضع هذا الحديث في القرون اللاحقة؟! إلا إذا قيل بأنّ القبّة قد تطلق ويراد منها الخيمة التي فيها تجويف عادةً، لكن السؤال هل كانت العرب تعرف وضع الخيم على القبور؟! وربما يقال بأنّ النبي يخبر بالغيب هنا ويعلمنا أنّ قبره ستكون عليه قباب لاحقاً، دون أن يثير ذلك سؤال ابن عباس له!
يُضاف إلى ذلك نقضٌ آخر على رواية محمّد بن مسلم بأنّها عبّرت بأنّ الله عوّض الحسين من قتله بكذا وكذا، فهل خسر الحسين بقتله حتى يعوّضه الله أو فاز؟! وهل في الثقافة الدينية ـ لا الدنيويّة ـ يعدّ استشهاد الإنسان خسارة تحتاج تعويضاً أو هو مكانة حظي بها ونال بها الشرف الرفيع؟! وهل جعل الإمامة في ذريّته كان حقّاً لأجل أنّه قُتل تعويضاً له أو أنّ الإمامة قضية متصلة بأبعاد أخرى؟!
أسئلةٌ واستفهامات قد يجاب عنها بأنّ الله وصف الشهادة بأنّها معاوضة بيع وشراء بين الله الذي يشتري النفوس وبين العبد الذي يأخذ بدلها الجنّة، فالتعويض هنا ليس عن خسارة، حتى نُشكل بهذا الإشكال، بل هو تعبير عن الجزاء الحسن الذي مُنِحَه الحسين عليه السلام على استشهاده، ولا ضير في ذلك.
الرواية الخامسة والعشرون: خبر جابر بن يزيد الجعفي، قال: دخلت على مولانا أبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليه السلام، فشكوت إليه علّتين متضادّتين بي، إذا داويت إحداهما انتقضت الأخرى، وكان بي وجع الظهر ووجع الجوف، فقال لي: «عليك بتربة الحسين بن علي’»، فقلت: كثيراً ما استعملتها ولا تنجح فيّ. قال جابر: فتبيّنت في وجه سيدي ومولاي الغضب. فقلت: يا مولاي أعوذ بالله من سخطك، وقام فدخل الدار وهو مغضب، فأتى بوزن حبّة في كفّه فناولني إيّاها. ثم قال لي: «استعمل هذه يا جابر»، فاستعملتُها فعوفيت لوقتي، فقال: «هذه التي ذكرت أنّها لم تنجح فيك شيئاً»، فقلت.. فقال لي: إذا أردت أن تأخذ من التربة، فتعمد لها آخر الليل، واغتسل لها بماء القراح والبس أطهر أطمارك، وتطيّب بسعد، وادخل فقف عند الرأس فصلّ أربع ركعات.. (وساق صلاةً وبعض الأدعية)..»51.
وقد ذكر المجلسيُّ أنّه وجد هذه الرواية مرويّةً عن جابر أيضاً، نقلاً من خطّ ابن سكون وغيره 52.
ولا يبعد أن يكون التداوي حصل هنا عبر الأكل، والرواية واضحة في وجود أعمال خاصّة لأخذ التربة وبها يكون التأثير. لكنّ الرواية ضعيفة السند تارةً بالإرسال الشديد، حيث نقلها المشهديّ وغيره من أبناء القرون المتأخّرة بلا سند متصل، وأخرى بتوقّفنا في جابر الجعفيّ.
الرواية السادسة والعشرون: مرسل الطبري، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «إنّ طين قبر الحسين عليه السلام مسكة 53 مباركة، من أكله من شيعتنا كانت له شفاء من كلّ داء، ومن أكله من عدوّنا ذاب كما يذوب الألية، فإذا أكلت من طين قبر الحسين عليه السلام، فقل:..» 54.
والخبر واضح الدلالة في الأكل، لكنّه يقيّد الشفاء بالتشيّع والموالاة، والسند ضعيف بالإرسال، بل غير مذكور أساساً.
الرواية السابعة والعشرون: خبر عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «إذا تناول أحدكم من طين قبر الحسين عليه السلام، فليقل: اللهم إنّي أسألك بحقّ الملك الذي تناوله، والرسول الذي بوّأه، والوصيّ الذي ضمّن فيه، أن تجعله شفاءً من كلّ داء كذا وكذا، وتسمّي ذلك الداء» 55.
والخبر ظاهر في الأكل باحتمالٍ كبير، لكنّه لا يشرح متى يجوز أكلها، فلعلّه عند الضرورة خاصّة.
والسند ضعيف بإبراهيم بن إسحاق النهاوندي فهو ضعيف، وبعبد الله بن حماد الأنصاري حيث لم ثبت وثاقته، فالعجب كيف وصف المجلسيّ الأوّل هذه الرواية بأنّها صحيحة؟! 56.
الرواية الثامنة والعشرون: خبر أحمد بن مَصْقَلَة، عن عمّه، (عن) أبي جعفر الموصلي، أنّ أبا جعفر عليه السلام، قال: «إذا أخذت طين قبر الحسين فقل: اللهم بحقّ هذه التربة، وبحقّ الملك الموكَّل بها، وبحق الملك الذي كربها، وبحقّ الوصيّ الذي هو فيها، صلّ على محمّد وآل محمد، واجعل هذا الطين شفاءً لي من كلّ داء، وأماناً من كلّ خوف» 57.
والرواية تفيد مبدأ الشفاء لا الأكل، والدعاء لعلّه عند أخذ التربة من موضعها كما رأينا مع خبر جابر الجعفي (رقم: 25)، على أنّ السند ضعيف؛ فإنّ أحمد بن مصقلة مهملٌ لم يذكروه، كما أقرّ النمازي 58، ومثله أبو جعفر الموصلي المهمل، وغيرهما.
الروايتان التاسعة والعشرون والثلاثون: مرسل محمّد بن إسماعيل البصري، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «طين قبر الحسين عليه السلام شفاء من كلّ داء، وإذا أكلته فقل: بسم الله وبالله، اللهم اجعله رزقاً واسعاً وعلماً نافعاً، وشفاءً من كلّ داء، إنّك على كلّ شيء قدير»، قال ابن قولويه: وروى لي بعض أصحابنا ـ يعني محمّد بن عيسى ـ قال: نسيت إسناده، قال عليه السلام: «إذا أكلته تقول: اللهم ربّ هذه التربة المباركة وربّ هذا الوصيّ الذي وارته، صلّ على محمّد وآل محمد واجعله علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وشفاءً من كلّ داء» 59.
والرواية تتحدّث عن الدعاء عند الأكل دون أن تبيّن مورد الأكل، فلعلّه عند الحاجة والضرورة، والخبر الثاني عند الصدوق مرسل، كما هو عند ابن قولويه كذلك، أمّا الخبر الأوّل فمضافاً إلى الإرسال، لم تثبت وثاقة محمّد بن إسماعيل البصري، بل هو مهمل، ومع اتحاده مع البصري المذكور عند أهل السنّة فقد نصّوا على جهالته 60، فلا دليل على وثاقته، فالخبر ضعيف السند.
الرواية الواحدة والثلاثون: خبر مالك بن عطية (عن أبيه في بعض النسخ)، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «إذا أخذت من تربة المظلوم ووضعتها في فيك، فقل: اللهم إنّي أسألك بحقّ هذه التربة، وبحقّ الملك الذي قبضها، والنبيّ الذي حضنها، والإمام الذي حلّ فيها، أن تصلّي على محمّد وآل محمد وأن تجعل فيها شفاءً نافعاً ورزقاً واسعاً وأماناً من كلّ خوف وداء، فإنّه إذا قال ذلك وهب الله له العافية وشفاه» 61.
والخبر واضح في الأكل للشفاء، والمظلوم عنوانٌ منصرف إلى الحسين عليه السلام، لا مطلق المظلوم؛ بقرينة الدعاء الوارد في الرواية، وبقرينة سائر روايات الباب أيضاً.
والسند ضعيفٌ بعبد الله بن محمّد بن عيسى الملقّب بـ «بُنان»، وهو أحد إخوة أحمد بن محمد بن عيسى؛ حيث لم تثبت وثاقته، وقد نصّ ابن داود على كونه مهملاً 62.
1 ـ 1 ـ 2 ـ الدراسة المجموعيّة الإجمالية لتقويم نصوص أكل التربة الحسينيّة
لعلّ ما تقدّم هو مجمل روايات باب أكل تربة الحسين والاستشفاء بها، ولابدّ الآن بعد هذه الجولة التجزيئيّة، من النظرة الإجماليّة لمجمل هذه النصوص لنرى كيف يمكن فهمها والأخذ بها:
أوّلاً: لم يصح من هذه الروايات برمّتها سنداً عندي عدا رواية واحدة، وهي صحيحة عبد الله بن أبي يعفور (رقم: 9)، وقد تبيّن أنّها تدلّ على مبدأ الانتفاع بهذه التربة دون بيان جهات الانتفاع، ولا إشارة فيها للأكل أصلاً، وباقي روايات الباب كلّها ضعيفة السند، ولا ترتفع إلى مستوى حصول تحوّل جذري في التصحيح فيها إلا على مبنى كامل الزيارات ـ رغم ورود بعضها فيه مرسلة ـ الذي من شأنه تغيير المشهد برمّته؛ لأنّ الكثير من الروايات هنا وردت في كامل الزيارات، بل قد تفرّد ابن قولويه بجملة من هذه الروايات لم ينقلها غيره.
وأغلب الظنّ أنّه لما قلناه ذكر السيد تقي القمي أنّ الروايات هنا ضعيفة، معتمداً على تأييدها بالإجماع القائم في المسألة 63.
ثانياً: لو تأمّلنا في دلالات هذه الروايات بصرف النظر عن أسانيدها، فسوف نلاحظ:
أ ـ أنّ بعضها واضح أو ظاهر أو محتمل جداً في ربط الموضوع بالأكل، وهو ثلاث عشرة رواية هي: 1، 2، 3، 6، 7، 16، 20، 25، 26، 27، 29، 30، 31.
ب ـ وبعضها عام في النفع أو الاستشفاء بلا ذكر الأكل أصلاً أو مع ذكره لكن مستَهْلَكَاً في الشراب، وهي ثماني عشرة رواية، هي: 4، 5، 8، 9، 10، 11، 12، 13، 14، 15، 17، 18، 19، 21، 22، 23، 24، 28.
فالنسبة الأكبر من الروايات لا تشير إلى الأكل، بينما النسبة الأقل تذكره أو تحتمله جدّاً.
ولو أخذنا الصحيح سنداً والتامّ دلالةً على موضوع الأكل ـ لا على مبدأ الانتفاع والاستشفاء ـ فلن نجد أيّ رواية في المقام.
ثالثاً: تارةً ندرس هذه الروايات وفقاً لحجيّة خبر الثقة، وأخرى ندرسها وفقاً لحجيّة الخبر الموثوق بصدوره أو المقدار الموثوق بصدوره من مجموع الأخبار:
1 ـ أما على مبنى حجية خبر الواحد الثقة، فلم يسلم عدا خبر واحد دالّ على مبدأ الانتفاع كما قلنا، لا الأكل، ومعه لا يصلح لتخصيص أدلّة حرمة أكل الطين، لو بنينا على عمومها، بل تلك الأدلّة هي التي تقيّدها. أمّا لو خصّصناها بفرض الضرر ـ كما رجّحناه سابقاً ـ فيجوز أكل التربة الحسينيّة حيث لا ضرر، بلا حاجة إلى هذه الروايات هنا، كما هو واضح، فيؤخذ بها لتأييد مفاد الأصل لا لتخصيص الأصل في المقام.
2 ـ وأمّا على مبنى حجيّة الخبر المطمأنّ أو الموثوق بصدوره، فممّا لا شكّ فيه أنّ مجموعة هذه الروايات تفيد مبدأ الاستشفاء والانتفاع في الجملة 64، ولا معارض لها، لا من عام قرآني ولا حديثي، بل هي مؤيَّدة بالإجماع فيؤخذ بها، فعددها كبير وفيها ما هو الصحيح سنداً.
لكنّ هذا المفهوم ـ أعني فكرة الشفاء بالتربة الحسينيّة أو أيّ عامل آخر للشفاء ـ لا يتضمّن تجاهلَ الوسائل الطبيعيّة للتشافي أو إغلاق المستوصفات والمستشفيات وإنهاء علم الطبّ، فقد كان النبيّ والأئمّة والصحابة يرجعون للأطباء في زمانهم، وعلى هذا جرت سيرة المسلمين، فجعلُ شيء ـ خاصّة مع بُعدٍ معنويّ ـ شفاءً، لا يعني تجاهل الوسائل الطبيعيّة، بل يعني الإمساك بتمام الأسباب للوصول إلى النتيجة، وإلا كان يلزم من الأوّل أن يفهموا من أدلّة الدعاء لله سبحانه إغلاقَ باب الأسباب الطبيعيّة!
أمّا الأكل فقد جاءت فيه حوالي 13 رواية فقط كلّها ضعيفة الإسناد، بينها 9 روايات تعاني من إرسال، وبعض الروايات فيه من هو مضعّف ومهمل ومجهول، وهي تنافي عموم وإطلاق نصوص حرمة أكل الطين لو تمّت، فهل يمكن تصحيح القاسم المشترك بينها وهو الأكل أو لا؟ علماً أنّ بينها 4 روايات سجّلنا عليها إشكالات متنيّة.
فإذا حصل للإنسان وثوقٌ بالصدور فيها أمكن جعلها قرينة على أنّ عموم الاستشفاء الوارد في سائر الروايات هنا شامل لمثل الأكل أيضاً، يعزّز ذلك بأنّ الاستشفاء بالأكل ظاهرة شائعة، أمّا لو لم يثق الإنسان بصدور هذا القاسم المشترك، وهو الأكل، كما هو الأوجه، فيصعب التقييد وتبقى عمومات حرمة أكل الطين حاكمة على المقام.
هذا على القول بعموميّة حرمة أكل الطين، أمّا على القول بأنّه حرام ما لم نحرز عدم الضرر، فإنّ أكل التربة الشريفة في هذه الحال يكون جائزاً على القاعدة، على فرض إحراز عدم الضرر، والذي تخبرنا به مجموعة النصوص كلّها هنا، وبهذا تتّحد النتيجة التي نتوصّل إليها مع ما توصّل له مشهور الفقهاء هنا.
ولعلّه لما قلناه، يظهر من السيد محمّد باقر الصدر أنّه يحتاط وجوباً في أن يكون الاستشفاء بوضع التربة في ماءٍ، ثم شرب ذلك الماء 65 وإن احتمل كلامُه الاحتياطَ الاستحبابيّ.
1 ـ 2 ـ حدود أكل طين التربة الحسينيّة
بعد القول بجواز الأكل من طين قبر الحسين عليه السلام، تقع هنا فروع تطال مجموعة قيود وتفاصيل في ذلك، وأبرزها:
1 ـ 2 ـ 1 ـ الكميّة المأخوذة من طين القبر الشريف
من الواضح أنّ الروايات الواردة في الباب بعضها لا ذكر فيه للمقدار المأخوذ من طين القبر، وهي ساكتة عن هذا الأمر، فيما بعضها الآخر يحدّد المأخوذ بمقدار قليل كالحمّصة أو بمقدار يسير، بل بعضها ـ كما رأينا ـ يذمّ أخذ أكثر من ذلك، ويصنِّف هذا الأمرَ على أنّه أكلٌ للحومهم^.
وبناءً عليه لا يمكن الخروج عن عمومات حرمة أكل الطين إلا بالأخذ بالقدر المتيقّن من النصوص هنا، وهو المقدار القليل، كقدر حمّصة، إذ غيره لا يحرز وجود دليل معتبر سنداً أو موثوق صدوراً عليه.
هذا على افتراض وجود عمومات في أكل الطين، أمّا على القول بأنّ حرمة أكل الطين ترتفع مع إحراز عدم الضرر، ففي هذه الحال يجوز بهذا المستوى؛ إذ الروايات التي في لسانها نهي عن أكل طين القبر الشريف قليلة جداً، وكلّها ضعيفة السند، وهي مرسل المفيد والطوسي (رقم: 7)، ومرسل ابن فضال (رقم: 16)، فلا هي معتبرة من حيث السند، بل سبق المناقشة في متن بعضها؛ ولا هي بالموثوق بصدورها من حيث مبنى حجّية الخبر الموثوق بصدوره، فينبغي في ضوء ذلك الإفتاء بجواز الأكل ولو بأزيد من حمّصة، وإن كان الأحوط الترك استحباباً.
1 ـ 2 ـ 2 ـ اختصاص الحكم بالإمام الحسين وعدمه
من الواضح أنّه على القول بعموم حرمة أكل الطين، فإنّ الاستثناء المرخّص منحصرٌ في طين قبر الإمام الحسين عليه السلام، أمّا غيره من الأنبياء والأوصياء والأئمّة والأولياء والشهداء والعلماء فلم ترد في الترخيص فيه أيّ رواية عدا رواية واحدة فقط، وهي خبر أبي حمزة الثمالي (رقم: 5)، وهي ضعيفة السند جداً كما تقدّم، ومضمونها مثير. بل قد ورد في بعض الروايات ـ كخبر عمرو بن واقد (رقم: 17) ـ أنّ كلّ تربةٍ لهم^ حرام إلا تربة الحسين عليه السلام.
من هنا، فالصحيح ما ذهب إليه المشهور من حرمة أكل طين قبور غير الحسين عليه السلام، عملاً بالأصل التحريمي اللفظي هنا، وأنّ هذه من خواصّه، تماماً كإحياء ذكر شهادته فإنّ ألسنة النصوص واضحة في أنّه من خصوصيّاته، ولهذا لا نجد ظاهرة في النصوص لإحياء شهادة غيره أو وفاة غيره من الأنبياء والأئمّة مطلقاً، وقد ألمح لبعض جوانب ذلك السيّد علي الخامنئي في بعض كلماته 66، فتأمّل جيّداً.
وعليه، فلو اُريد الاستشفاء بتربة غير الحسين عليه السلام ـ ودينيّاً لا دليل معتبراً على كون تربة غيره شافية ـ لزم حلّ التربة بالماء حتى تستهلك تماماً، ثم يتمّ الشرب ـ بناء على عدم صدق عنوان أكل التربة على هذه الطريقة ـ وهو ما ذكره غير واحدٍ من الفقهاء.
أمّا لو قلنا بأنّ حرمة أكل الطين إنّما هي في غير مورد إحراز عدم الضرر، جاز التناول من تربة أيّ قبر بهذا المعيار بلا حاجة للحلّ بالماء، وإن كان مقتضى الاحتياط الاستحبابي الترك.
وبهذا يعلم أنّ الطين المخلوط بالتربة الحسينيّة، كما لو أخذ من طين القبر وخلط بغيره لا يجوز الأكل منه؛ لأنّه أكل لطينٍ لا يجوز أكله، ما لم يكن قليلاً للغاية مستهلَكاً في التربة الحسينيّة.
1 ـ 2 ـ 3 ـ شمول الحكم لغير حالة الانحصار وعدمه
هل أنّ جواز الأكل من تربة الحسين خاصّ بحال الاستشفاء عند انحصار العلاج بالتربة أو لا؟
الظاهر من مجموع النصوص أنّ هذا الشرط غير موجود، بل يكفي أن يكون ذلك بقصد الاستشفاء، سواء كانت هناك طريقة أخرى للعلاج متوفرة أم لا. ولم نجد في أيّ نص من نصوص الباب ذكر هذا القيد.
إلا إذا ادّعي أنّ هذا أمرٌ مفروض، من حيث إنّ أكل الطين حرام فيُقتصر على أكل طين القبر للعلاج حيث لا علاج دونه، وتكون مجموعة النصوص مبنيّةً على هذا الافتراض، وأنّه مركوزٌ في ذهن المتشرّعة والسائلين؛ فلو شكّ شخصٌ لزمه الأخذ بالقدر المتيقّن، وهو صورة الانحصار، ما لم نقل بأنّ أكل الطين غير محرّم أساساً في صورة إحراز عدم الضرر، كما صار واضحاً.
ويعزّز ذلك بما ورد من النهي عن أكل لحوم أهل البيت ـ لو صحّ متناً ولم نجزم بكونه موضوعاً ـ حيث ينبغي الاقتصار على حدّ الضرورة في ذلك.
1 ـ 2 ـ 4 ـ اشتراط قصد الاستشفاء
الظاهر من مجموع روايات الباب أنّ التعامل مع التربة قد اُخذ في ظرف الاستشفاء والانتفاع بها، وبعض الروايات وإن لم يكن فيه هذا القيد، إلا أنّ ضمّ الروايات إلى بعضها وأخذ المقدار المتيقّن منها وتركيز مجملها على موضوع الشفاء، يفرض الوقوف في تخصيص عمومات حرمة أكل الطين على أكل التربة الحسينيّة للعلاج لا مطلقاً. وهذا ما ذهب إليه مشهور الفقهاء حسب الظاهر.
لكن في المقابل، قد يقال بأنّ جملة وافرة من روايات الباب ذكرت التربة الحسينيّة على أنّها شفاء من كلّ داء، فأجازت بها ووصفتها بأنّها شفاء من كل داء أو ذكرت في أدعية تناولها طلب الشفاء منها من كلّ داء، لا من داءٍ بعينه إلا نادراً، وهذا يشبه ما ورد في بعض روايات شرب ماء زمزم، إذ يعني ذلك أنّ النصوص تريد الترخيص في أكل التربة بقصد أن تكون شفاءً وأماناً، وهذا غير أن يكون الشخص مريضاً ومدرِكاً لمرضه ويأخذ التربة لأجل وقوعه في المرض، فأنت تأخذ ماء زمزم وتطلب من الله أن يجعله لك شفاءً، رغم أنّك قد لا تدرك أنك مريض بالفعل أو لا.
ووفقاً لهذا الفهم يكون لقصد الاستشفاء معنى آخر، ولعلّه مقصودٌ لبعض الفقهاء، وهو ليس أن الآخذ مريض بالفعل مدرك لمرضه فيأخذ التربة كمن يأخذ الدواء بعد المرض، بل المراد أنّ الإنسان إذا أخذ التربة وتناولها قصد من تناولها أن تزيل له أمراضه كلّها ولو لم يكن مدرِكاً لوجود مرض بالفعل عنده، تماماً كما هي أمنٌ من كلّ خوف، فإنّك تحمل التربة معك بهذا القصد ولو لم تكن حال حملها وأخذها خائفاً، بل هو خوف تقديري ومرض تقديري، وهذا المعنى ليس ببعيد عن جوّ الروايات، وإن كان الجزم به ليس سهلاً؛ إذ القدر المتيقّن هو ما تقدّم؛ وإن كنت أميل إلى الاحتمال الأخير، لولا الشك في دخوله دائرة القدر المتيقّن، لاسيما وأنّه عليه يصبح من الجائز للإنسان أن يأخذ التربة كلّ يوم بهذا القصد، ما لم نقل بأنّه لابدّ من إحراز كلّيّ المرض الجديد.
وبصرف النظر عمّا تقدّم، يظهر بوضوح أنّ أكل التربة بقصد التبرّك أو غيره، أو بلا قصد غير جائز ـ على التفصيل المتقدّم في المباني ـ ما لم يقع قصد الاستشفاء معه؛ إلا مع خلطه بالماء حتى يستهلك على تقدير التغاير كما قلنا مراراً.
كما ويُعلم أنّه لو أخذ التربة بقصد الاستشفاء من مرضٍ معين فشُفيَ منه، ثم كان هناك مرضٌ آخر أو استجدّ، أمكن الأخذ مرّةً أخرى بقصده وهكذا.
1 ـ 2 ـ 5 ـ ثبوت كون التربة حسينيّةً
من الواضح ـ لترتيب الأحكام المتقدّمة والآتية ـ ضرورة إحراز كون التربة حسينيّةً، وهذا يكون:
إمّا باليقين، كأن يأخذها بنفسه من موضعها المقرّر وسيأتي بيانه.
أو بأن يخبره من يطمئنّ له في هذا المجال.
وبناءً على حجيّة البينة أو قولِ العدلِ أو قول الثقة ولو لم يفد الاطمئنان في غير باب القضاء، يمكن الاكتفاء بواحدة من الثلاثة أيضاً.
وعليه، فليس أيّ تربةٍ تُتداول في الأسواق بعنوان كونها التربة الحسينيّة يمكن تطبيق الأحكام عليها، بل لابد من الإحراز كما هو واضح.
نعم، ذهب السيّد الگلبايگاني إلى ترتيب الأحكام على التربة الحسينيّة بإخبار ذي اليد، أو إذا قُدّمت بعنوان كونها تربة الحسين عليه السلام 67، وتردّد السيّد الخميني في ثبوتها بهذه الطريقة 68، وتردُّدُه في محلّه؛ فإنّه لو لم يرجع الأمر إلى مستندٍ حجّة كاليقين أو خبر العدل أو الثقة فلا حجيّة في نفس الإعطاء على هذا الأساس، ولم يرد دليل خاصّ يجعل إثبات كون تربةٍ ما حسينيّةً بطرق خاصّة غير الطرق المعهودة في الإثبات شرعاً.
1 ـ 2 ـ 6 ـ حدود التربة الحسينيّة (المساحة)، اثنا عشر احتمالاً
يعدّ موضوع حدود التربة الحسينيّة من الموضوعات التي وقع فيها اضطراب واختلاف تأثراً باضطراب الروايات. ونحن نذكر المحتملات كلّها، تبعاً لما في الروايات وكلمات الفقهاء، ثم ننظر في مستنداتها، والاحتمالات هنا هي الآتي:
الاحتمال الأوّل: ثمانية فراسخ، إمّا من كلّ جهة، أو بفرض قطر الدائرة ثمانية فراسخ، والأوّل أقرب.
وقد ذكر الشهيد الثاني أنّ هذا مرويّ 69، غير أنّ المحقّق النراقي ذكر أنّه لم يعثر على مستند روائي لثمانية فراسخ 70.
وعلى كلّ حال، فعلى تقدير قبولها فهي رواية مرسلة شديدة الإرسال وفقاً لنقل الشهيد الثاني في القرن العاشر الهجري لها، فلا دليل على صحّة هذا الاحتمال.
بل لو فرض أنّ هذا هو القبر والمفروض في الروايات حرمة إهانته والاستخفاف به، لزم تحريم تلويث كربلاء كلّها، وهو أمر لو كان لبان وظهر ولوقع محل ابتلاء الناس ولكثرت فيه الأسئلة، وللزم عدم جواز التخلّي في كربلاء وما حولها، وهذا تساؤل يسري على العديد من الاحتمالات هنا.
الاحتمال الثاني: خمسة فراسخ، وهو ما يعادل سبعة عشر ميلاً كما قيل.
ويظهر تبنّي هذا القول من مثل الشهيد الأوّل 71؛ بل الشيخ المفيد أيضاً 72.
والمستند فيه مرفوعة منصور بن العباس عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «حريم (حرم) قبر الحسين عليه السلام خمسة فراسخ من أربع جوانبه (القبر)»73.
وهو يشير إلى حريم القبر، ولعلّه يقصد ما يفرض حرمته وعدم العدوان عليه، بينما روايات الأكل مرتبطة بطين القبر نفسه، فحريم البئر ليس بئراً، والأحكام إذا ترتّبت على البئر لم يكن يمكن لحريم البئر أن يشملها إلا بدليل خاصّ. وسيأتي إشكال عام على كثير من هذه الاحتمالات في الموضوع.
ولكنّ هذه الرواية الوحيدة في بابها تالفة السند؛ فإنّ فيها سلمة بن الخطّاب الذي ضعّف في الحديث، كما أنّ في السند منصور بن العباس ولم تثبت وثاقته، مضافاً إلى الإرسال الواقع بينه وبين الإمام، فالرواية ضعيفة السند من جهاتٍ ثلاث.
الاحتمال الثالث: أربعة فراسخ، وهو ما يعادل ـ كما قيل ـ اثني عشر ميلاً.
وقد ذكر المحقّق النراقي أنّه لم يعثر على حديثٍ يدلّ على هذا التحديد 70، والأصل فيه ما نقله الشهيد الثاني ـ بلا سند ـ من أنّه مرويّ 74، وهو ـ على تقديره ـ مرسل لا يحتجّ به.
الاحتمال الرابع: عشرة أميال.
والمستند فيه مرسل الحجّال عن غير واحدٍ من أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «التربة من قبر الحسين بن علي’ عشرة أميال»75. وقد وصف المجلسيّ الأوّل هذا الخبر بأنّه قويّ 76.
وقد ذكر المحقّق النراقي بأنّ هذه الرواية اختلفت في نُسخها بين «التربة من قبر..» و «البركة من قبر..»، ومعه فلا يتمّ الاستدلال بها 77، فقد تكون البركة موجودة خارج حرم القبر ودائرته الشرعيّة.
هذا، والخبر ضعيف السند؛ إذ مضافاً إلى الإرسال الذي فيه، قد وقع في الطريق بُنان بن محمد بن عيسى ولم تثبت وثاقته.
وأمّا كلام النراقي، فالملاحظ أنّ الوافي ينقل الحديث بلفظ (البركة)78، ويلاحظ تعدّد النسخ من تحقيق وسائل الشيعة على يد الشيرازي 79، وهو ما يظهر من البحار نقلاً عن التهذيب 80.
الاحتمال الخامس: أربعة أميال.
والمستند فیه خبر أبي حمزة الثمالي المتقدّم (رقم: 5)، ولم يظهر اختيارٌ صريح للفقهاء لهذا الاحتمال، والرواية ضعيفة السند جداً كما قلنا فلا يحتجّ بها.
الاحتمال السادس: فرسخٌ واحد من كل جهة من جهات القبر، وهو ما يعدل ثلاثة أميال في ثلاثة أميال.
والمستند في هذا هو خبر محمّد بن إسماعيل (البصري، عمّن رواه)، قال: «حرمة قبر الحسين عليه السلام فرسخٌ في فرسخٍ من أربعة جوانب القبر»81، ومثله خبر عبد الله بن عبد الرحمن الأصمّ، عن رجلٍ من أهل الكوفة 82.
والخبران ضعيفان سنداً، فالأوّل بالإرسال، وبجهالة محمّد بن إسماعيل البصري، والثاني ضعيف بكلّ من الإرسال، وبالأصمّ الضعيف المتهم، وبمحمد بن خالد عندنا.
لكنّ الشيخ المفيد روى الحديث الأوّل في المزار عن البصري عن زرارة 83، وليس (عمّن رواه)، وهذا يفتح على احتمال التصحيف في المزار، أو أنّ عمّن رواه تصحيف زرارة في كامل الزيارات وتهذيب الأحكام، واحتمال التصحيف فيها بعيد، بل فيه أقرب، ولو صحّ أنّه زرارة يبقى الخبر ضعيف السند بجهالة البصري كما تقدّم.
على أنّ الخبر ظاهرٌ في بيان حُرمة القبر، ولعلّ هذا من ناحية هتكه أو نحو ذلك، وهو غير تحديد القبر الذي ورد جواز أكل طينه، فقد يُدّعى التمايز هنا.
الاحتمال السابع: رأس ميلٍ واحدٍ.
والمستند فيه خبر أبي بكر الحضرمي المتقدّم (رقم: 18) في أحد مواضعه؛ لأنّه في موضعٍ آخر من المصدر نفسه جاء بدل (رأس ميل) (مثل رأس أنملة)، كما تقدّم.
والرواية، فضلاً عن اختلافها في الجملة موضع الشاهد، بما يفقدنا الوثوق بكلمة (رأس ميل)، ضعيفة السند بالحضرمي كما تقدّم.
وكذلك ورد بهذا التحديد خبر أبي الصباح الكناني المتقدّم (رقم: 21)، وأنّ فيه الشفاء ولو بعُد بهذا المقدار، لكنّ الخبر ضعيف بالإرسال. على أنّ خبر الكناني لا يظهر منه التحديد من حيث الأكثريّة فهو يقول بأنّه يشفي ولو على بُعد ميل، وقد يكون هذا لبيان قدرة الشفاء ولو كان بعيداً، فلا يجعل للميل حدّاً أكثريّاً.
وعليه، فلم يسلم حديث معتبر على مبنى الوثاقة ولا الوثوق في التحديد برأس ميل.
الاحتمال الثامن: سبعون ذراعاً أو سبعون باعاً، والباع في اللغة أطول من الذراع؛ لأنّه مقدار مدّ يدين 84، أمّا الذراع فأقلّ من ذلك.
وإنّما لم نجعل التحديدين منفصلين؛ لأنّهما وردا في رواية واحدة تردّد أمرها بين الصيغتين، وهي مرسلة سليمان بن عمر (عمرو) السرّاج المتقدّمة (رقم: 22)، ولكنّ الرواية فضلاً عن اضطراب النقل فيها، ضعيفة السند بالإرسال، وبإهمال رزق الله بن أبي العلاء، وجهالة سليمان بن عمر (عمرو) السراج نفسه.
على أنّ طريقتها تفيد أنّه يؤخذ من القبر من هذه المساحة، فلعلّها تريد الإشارة إلى ما يُسجد عليه لا ما يؤكل منه أو يستشفى به.
الاحتمال التاسع: الحائر الحسيني، وهو المدار الذي كان قديماً محيطاً بالقبر أو هو ما حار الماء فيه زمن المتوكّل العباسي (247هـ) فرجع أقصاه إلى أدناه عندما أرسله المتوكّل لغمر قبر الحسين عليه السلام85.
وقد اختُلف في مساحة الحائر، فذكر ابن إدريس الحلّي (598هـ) أنّ المراد به ما دار سور المشهد والمسجد عليه دون سور البلد 86، وقد يفهم من المفيد في الإرشاد أنّه ما شمل الجميع عدا العباس بن علي 87، ونقل العلامة المجلسي عن بعضهم تحديده بمجموع الصحن، وعن آخر تحديده بالقبّة، وعن ثالث تحديده بالروضة وما أحاط بها من عمارات قديمة من الرواق، وقيل: القبّة الشريفة فقط، ورجّح مجموع الصحن وما فيه من العمارات المتعلّقة بالقبة والمسجد الذي خلفها 88، وبهذا تخرج التوسعة التي ظهرت منذ العصر الصفوي وإلى يومنا هذا.
ومهما قيل، فإنّه لم يقم دليل على تحديد القبر هنا بالحائر؛ إذ لم ترد فيه أيّ رواية إطلاقاً.
الاحتمال العاشر: خمسة وعشرون ذراعاً، وهو ما تدلّ عليه صحيحة إسحاق بن عمار، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «إنّ لموضع قبر الحسين عليه السلام حرمة معلومة من عرفها واستجار بها اُجير»، فقلت: فصف لي موضعها جُعلت فداك، قال: «امسح من موضع قبره اليوم، فامسح خمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رجليه، وخمسة وعشرين ذراعاً مما يلي وجهه، وخمسة وعشرين ذراعاً من خلفه، وخمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رأسه. وموضع قبره منذ يوم دفن روضة من رياض الجنّة، ومنه معراج يُعرج فيه بأعمال زوّاره إلى السماء، فليس مَلَك ولا نبيّ في السماوات إلا وهم يسألون الله أن يأذن لهم في زيارة قبر الحسين عليه السلام، ففوجٌ ينزل وفوجٌ يعرج»89.
هذه الرواية تحدّد المساحة التي تحوط القبر الشريف وتملك حرمةً. إنّها تجعل هذه المنطقة حرماً ومستجاراً، غير أنّ هذا العنوان لا يجعل هذه المنطقة وترابها تراب القبر كما هو المأخوذ في أدلّة أكل تربة قبر الإمام عليه السلام، وبعبارة أخرى: فرقٌ بين عنوان القبر أو تراب القبر وبين عنوان الحرم والمستجار، فالحرم المدنيّ كبير والحرم المكّي كبير، غير أنّ قبر النبيّ وكذا المسجد الحرام أضيق دائرةً منهما.
فكلّ مورد في الفقه الإسلامي يؤخذ في لسانه عنوان الحرم أو الحرمة أو نحو ذلك تكون هذه الرواية محدّدة له بالتأكيد، أمّا الموضوعات الفقهيّة التي موضوعها القبر أو التربة، فلا علاقة لهذه الرواية بها، فلو قال الحكم الشرعي: إنّه يلزمك أن تقف عند الرأس وتقول: كذا وكذا، فهذا لا يعني أنّ بالإمكان الوقوف عند رأس 25 ذراعاً من طرف الرأس، وكذلك لو قال: لا يجوز الصلاة أمام القبر، فإنّه يراد به القبر لا الحرم الذي تحدّده هذه الصحيحة هنا، فهذه الرواية لا تنفع في باب أكل الطين هنا.
الاحتمال الحادي عشر: عشرون ذراعاً مكسّراً، والمستند في ذلك معتبرة عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله، قال: سمعته يقول: «قبر الحسين عليه السلام عشرون ذراعاً مكسّراً روضةٌ من رياض الجنّة»90.
والظاهر أنّ المراد بالتكسير هنا، هو قسمة العشرين ذراعاً على الجوانب الأربعة، فيصبح خمسة أذرع من كلّ جانب 91، وهذا مطابقٌ أو قريبٌ جدّاً من المعنى العرفي للقبر؛ ولعلّه يقع بأجمعه حينئذٍ داخل الضريح الموضوع على القبر الشريف، كما احتمله السيّد البروجردي 92.
إلا أنّ هذا الحديث ورد في بعض المصادر بصيغةٍ أخرى، فقد نقله ابن قولويه وغيره كالآتي: عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول: «قبر الحسين بن علي’ عشرون ذراعاً في عشرين ذراعاً مكسّراً روضة من رياض الجنة، وفيه معراج الملائكة إلى السماء، وليس من ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل إلا وهو يسأل الله أن يزوره، ففوجٌ يهبط وفوج يصعد»93.
ولكنّ هذه الصيغة ضعيفة السند بعبد الله بن حماد الأنصاري البصري حيث لم تثبت وثاقته 94، مضافاً إلى عدم ذكر السند في سائر مصادره غير كامل الزيارات.
الرأي المختار: ما يصدق عليه عنوان القبر عرفاً
الاحتمال الثاني عشر: وبناءً على مجمل ما تقدّم وربطاً للموضوع بمسألتنا، فإنّ كلّ الروايات التي تحدّد قبر الإمام ضعيفة السند وقليلة العدد ومتفاوتة، ولم يصحّ منها سوى خبران: أحدهما يحدّد الحرم والمستجار، وهو خمسة وعشرون ذراعاً من كلّ طرف، وثانيهما يحدّد القبر نفسه، وهو عشرون ذراعاً مكسّرة، وما يهمّنا هنا هو تحديد القبر، وهذا التحديد الذي في صحيحة عبد الله بن سنان هو المفهوم عرفاً من القبر وترابه تقريباً، فيؤخذ به، ونحكم بأنّ المساحة التي تؤخذ منها التربة هي ما يصدق عليه القبر عرفاً، فيكون قولنا هذا احتمالاً إضافيّاً هنا، ولو أخذ بالخبر الآحادي لقلنا: خمسة وعشرون ذراعاً مكسّراً.
ويعزّز ما نقول ضعف الأدلّة المتقدّمة في حقّ الاحتمالات الأخرى، بل ووقوع نوع من التعارض بينها، فحتى الصحيح سنداً يعارضه جملة أخبار، فيرجع لمقتضى القاعدة وهو مرجعيّة العرف هنا في فهم العنوان.
فهذا هو المقدار المتيقّن من التربة الحسينيّة الشريفة التي يُستشفى بها، ويُسجد عليها، وتُصنع السبحة منها، ويحنّك الطفل بها، ويتبرّك بها، وتصحب في السفر، ولا تباع، وتوضع مع الميّت في قبره، ويخلط بها حنوطه، ويكتب بها على الكفن والجريدتين وأمثال ذلك؛ لأنّ الوارد في هذه الفروع هو عنوان تربة الحسين أو طين القبر أو نحو ذلك، عدا مثل خبر محمّد بن زياد (مارد) المتقدّم (رقم 4 ـ 5) فإن فيه طين الحائر، والخبر ضعيف. نعم في مثل التخيير بين القصر والتمام المعيار هو عنوان الحائر الحسينيّ أو حرم الحسين، لا تراب القبر كما هو معروف.
وقد يُستبعد هذا التحديد الضيّق الذي اخترناه هنا بالقول بأنّه لو كان الأمر كذلك لما كان يكفي الناس لجميع الأعصار والأمصار 95، فلابدّ من التوسعة، لاسيما والمورد مجرى قاعدة التسامح الذي لا تضرّ معه حالة الضعف في الأسانيد 96؛ بل إنّ هذا الاختلاف في الروايات إنّما هو لبيان مراتب الفضل لا أكثر 97.
وهذا كلّه يلاحظ عليه:
أوّلاً: من قال بأنّه يلزم تحقّق كفاية الطين لكلّ الناس في عصر واحد؟ بل يكفي أن يؤخذ من هذه المساحة الضيّقة ويوزّع بمقدار حمّصة للأكل والسجود، بحيث يتوفّر ذلك لبعض الناس.
وقد كان الأمر سهلاً قديماً حيث كان الشيعة قلّة محدودة؛ فبدل جعل الدليل شاهداً على أنّ توفّر الحصول على التربة محدود بما قد يتنافس لأجله الناس، ولهذا يُنهى عن بيعه، تمّ عكس الأمر هنا!
ثانياً: إنّ قاعدة التسامح تجري ـ لو تمّت كبروياً، وليست بتامّة، كما حقّقناه في محلّه 98 ـ في الآثار المندوبة كالتبرّك والسجود، لكنّها لا تجري في تخصيص حكمٍ إلزاميّ كحرمة أكل الطين، أو في إثبات حكمٍ إلزاميّ كحرمة التنجيس، كما أشار إليه بعضُ الفقهاء أيضاً 99، وقد صرّح بعض العلماء بأنّه لم يعثر على من اشترط هذه الشروط 100.
ويبدو من الفاضل الهندي أنّه يتحفّظ على الاستشفاء بالتربة دون العلم بتحقّق الشروط المأخوذة في ذلك 101. واحتُمل إرادته توقّف حصول الاستشفاء على تحقّق الشروط لا لزوم الالتزام بهذه الشروط شرعاً 102.
وهذا يعني أنّنا أمام احتمالات هنا:
الاحتمال الأوّل: أنّ هذه الشروط والأعمال شروط تأثير، وليست شروط جواز.
وهذا ينقضه أنّها إذا كانت شروطاً لازمةً لحصول الشفاء، وقلنا بأنّ من شروط أكل التربة قصد الاستشفاء، فكيف يتحقّق شرط القصد هنا جداً مادام الإنسان لا يعمل بهذه الشروط والأعمال التي لا شفاء من دونها؟! فهذه صورة قصد استشفاء لا واقعيّة لها، فلو أنّ شخصاً قصد من شرب الدواء الاستشفاء، لكنّه أخذه بطريقة تفسد تأثير الدواء، فهذا لعبٌ بالاستشفاء وقصدٌ صوريٌّ له لا غير.
وعليه، فمرجع هذا الاحتمال واقعاً إلى شرط الجواز؛ بعد كون الجواز مشروطاً بقصد الاستشفاء واقعاً، والقصد الحقيقيّ مشروط بالأعمال عند العلم بعدم تحقّق الشفاء من دونها.
وبصرف النظر عما تقدّم، فإنّ الظاهر من جملة من الروايات السابقة أنّ هذه الأعمال هي شروط تأثير، وأنّ سبب عدم التأثير هو عدم قيام المكلّف بهذه الأعمال، كما يلاحظ من مثل خبر أبي حمزة الثمالي وغيره؛ بل إنّ صحيحة ابن أبي يعفور يفهم منها أنّ سبب عدم الشفاء قد يكون في عدم الإيمان والتصديق.
ومعه فلو أخذنا القدر المتيقّن من مجموع نصوص الباب فإنّ اشتراط هذه الأعمال في التأثير سيدخل في هذا القدر المتيقّن؛ إذ لا يُحرز التأثير بدونها، بل يحرز عدمه بدون بعضها على الأقلّ، مثل اليقين والدعاء، وهما المفهومان الأساسيّان اللذان تردّدا في العديد من النصوص، أمّا غيرهما فلا وثوق بصدوره كما صار واضحاً.
الاحتمال الثاني: إنّها شروط سرعة التأثير، لا أصل التأثير، كما احتمله مثل السيّد الخميني.
وهذا الاحتمال غير واضح أبداً، إذ لم نشمّ أيّ أثر له في النصوص، بل النصوص ـ كما رأينا ـ ظاهرة في اشتراط التأثير بها دون حديثٍ عن السرعة.
الاحتمال الثالث: إنّها شروط فضل وكمال، وهذا محتملٌ وفقاً للسان بعض النصوص، لكن جملةً من النصوص ظاهرها أنّها شروط تأثير كما قلنا، لا مجرّد شروط كمال.
الاحتمال الرابع: إنّها شروط جواز.
وليس في النصوص أنّه إذا أردت حرم عليك الأكل إلا بهذا، بل غايته أنّ بعض النصوص ظاهر في أنّه لا تأثير من دونها، وبعضها يقول: إذا أردت فقل، وهو متعدّد وظهوره الأوّلي في الوجوب التكليفي للدعاء لا في حرمة الأكل عند عدم الدعاء، لكنّ مجموع هذه النصوص يعطي أنّها شروط جواز، في اليقين والدعاء، لا في سائر الشروط التي يمكن حملها على الكمال أو الاستحباب.
وعليه، فإذا بنينا على حجيّة خبر الثقة ولاحظنا هذا الجانب فقط لم يثبت وجود شروط أساساً؛ إذ صحيحة ابن أبي يعفور غاية ما تقول أنّ اليقين يحقّق الشفاء قطعاً، وغيره قد يحقّقه وقد لا يحقّقه، وهذا المقدار لا يقدّم أيّ شروط، حيث لا ينفي الشفاء عند عدم اليقين، بل يؤكّده عند اليقين. ومعه فلا شروط أساساً بل يعمل بهذه الأعمال بنحو الاستحباب بناءً على قاعدة التسامح أو برجاء المطلوبيّة مثلاً بناء على عدمها.
وأمّا إذا بنينا على حجيّة الخبر الموثوق بصدوره، فإنّ المتيقن من روايات الباب ـ وغيره مشكوك ـ هو أخذ هذه التربة مع اليقين والدعاء، فهذا هو المتردّد في الروايات، وغيره مختلف بين رواية وأخرى، فيلزم البناء عليه، كونه القدر المتيقّن خروجه عن عمومات حرمة أكل الطين. نعم بناءً على ما احتملناه من اختصاص الحرمة بحال الضرر أو عدم إحراز عدمه، أمكن مطلقاً ما لم يكن الضرر منفياً؛ نعم إثبات التأثير صعب إلا بمعونة القدر المتيقّن هنا.
هذا تمام ما أردنا إيراده حول المورد الأوّل من موارد الاستثناء في الطين، وهو تربة قبر الحسين 103.

([1]) 104

  • 1. انظر: جواهر الكلام 36: 358؛ والحدائق الناضرة 10: 274.
  • 2. الكافي 6: 266؛ وكامل الزيارات: 478؛ وتهذيب الأحكام 9: 89؛ والخرائج والجرائح 2: 872؛ وأمالي الطوسي: 319؛ وورد الذيل في فقه الرضا: 345.
  • 3. الكافي 6: 265؛ وكامل الزيارات: 478؛ وعلل الشرائع 2: 532.
  • 4. كامل الزيارات: 479؛ وتفصيل وسائل الشيعة 24: 228.
  • 5. a. b. كامل الزيارات: 467.
  • 6. المصدر نفسه: 470 ـ 471.
  • 7. انظر: تفصيل وسائل الشيعة 24: 227؛ والفصول المهمّة 3: 40؛ وبحار الأنوار 57: 155.
  • 8. الطوسي، مصباح المتهجّد: 733؛ والراوندي، الدعوات (سلوة الحزين): 187.
  • 9. انظر: تفصيل وسائل الشيعة 24: 229.
  • 10. انظر: الروحاني، فقه الصادق 24: 172.
  • 11. مصباح المتهجّد: 734؛ والمزار: 147 ـ 148؛ وعوالي اللئالي 4: 38.
  • 12. انظر: تفصيل وسائل الشيعة 14: 521 ـ 522.
  • 13. الكافي 4: 588؛ وكامل الزيارات: 468؛ وقريب من ذلك ما جاء في فقه الرضا: 345 ـ 346.
  • 14. الرجال: 29 ـ 30.
  • 15. كامل الزيارات: 462؛ والمفيد، المزار: 144؛ ومكارم الأخلاق: 392؛ والمشهدي، المزار: 361 ـ 362.
  • 16. كامل الزيارات: 460 ـ 461؛ والكافي 4: 588.
  • 17. آصف محسني، معجم الأحاديث المعتبرة 6: 503.
  • 18. أمالي الطوسي: 318 ـ 319؛ ومكارم الأخلاق: 167.
  • 19. قال النجاشي: «إبراهيم بن إسحاق أبو إسحاق الأحمريّ النِّهاونديّ، كان ضعيفاً في حديثه، متهوماً، له كتبٌ..» (الفهرست: 19)؛ وقال الطوسي: «.. كان ضعيفاً في حديثه، متَّهماً في دينه، وصنَّف كتباً جماعة قريبة من السداد..» وقال أيضاً: «إبراهيم الأعجميّ، من أهل نهاوند، له كتابٌ..» (الفهرست: 39 ـ 40، 42)؛ وقد ذكر الطوسي في أصحاب الإمام الهاديّ قائلاً: «إبراهيم بن إسحاق، ثقةٌ»، وفيمن لم يروِ عن واحدٍ منهم، قائلاً: «إبراهيم بن إسحاق الأحمريّ النِّهاونديّ، له كتبٌ، وهو ضعيفٌ»، ومرّة ثالثة قال فيمن لم يروِ عن واحدٍ منهم: «إبراهيم العجميّ، من أهل نهاوند، روى عنه البرقيّ» (الرجال: 383، 414)؛ وقال ابن الغضائريّ: «.. في حديثه ضعفٌ، وفي مذهبه ارتفاعٌ، ويروي الصحيح والسقيم، وأمره مختلطٌ» (الضعفاء: 39).
    وقال المحموديّ: «وأمّا إبراهيم بن إسحاق الأحمريّ فضعَّفه قومٌ، ولكنْ صرّح جماعةٌ من الأجلاّء، كالوحيد البهبهانيّ، وصاحب «عين الغزال»، والسيّد الأمين، وغيرهم، بتوثيق الرجل، وأيّدوا توثيقه بوجوهٍ، منها: إكثار الوكيل الجليل القاسم بن محمّد الرواية عنه، وسماعه منه؛ ومنها: رواية الشيخين العظيمين الصفّار وعليّ بن شبل، ورواية شيخ المشايخ ابن الوليد عنه؛ ومنها: رواية شيخ القمّيّين ووافد علمائنا الراسخين أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعريّ عنه، مع ما هو المعلوم من سيرته، المكشوف من دأبه، وهو الاجتناب عن الرواية من الضعفاء، بل الاحتراز عمَّنْ يروي عن الضعفاء والمجاهيل» (نهج السعادة 7: 95).
    أقول: إنّ إبراهيم بن إسحاق بن أزور الثقة ـ ومن أصحاب الإمام علي بن محمد الهادي، كما عند البرقيّ والطوسيّ في «الرجال» ـ اسمٌ لا يُطلق عليه وصف الأحمر أو الأحمري، وأنّ الذي يطلق عليه هذا الوصف هو الذي نصّوا على تضعيفه، عنيت النهاوندي، وقد يتحد مع إبراهيم الأعجميّ. وأمّا وجوه توثيقه التي قالوها فقد صار أمرها واضحاً.
  • 20. تهذيب الأحكام 8: 40؛ والاستبصار 3: 280.
  • 21. انظر: قاموس الرجال 9: 501 ـ 502، و 10: 293 ـ 294.
  • 22. انظر: معجم رجال الحديث 20: 70.
  • 23. حيث قال: «.. وأمر بالمال بأمور في صلة أهل بيته وقومٍ مَحَاوِيج، وأمر بدفع ثلاثمائة دينار إلى رُحَيْمَ، امرأةٍ كانت له، وأمرني أن اُطلّقَها عنه وأمتِّعَها بهذا المال، وأمرني أن اُشهد على طلاقها صفوانَ بن يحيى وآخر نسي محمّد بن عيسى اسمه».
  • 24. كامل الزيارات: 465 ـ 466.
  • 25. المصدر نفسه: 462؛ وكتاب من لا يحضره الفقيه 2: 60 ـ 61؛ وتهذيب الأحكام 6: 74؛ وروضة الواعظين: 412؛ والمفيد، المزار: 143؛ ومكارم الأخلاق: 167؛ والمشهدي، المزار: 361؛ ومصباح المتهجّد: 732.
  • 26. كامل الزيارات: 473 ـ 474؛ وتهذيب الأحكام 6: 75 ـ 76؛ وأمالي الطوسي: 317 ـ 318.
  • 27. كامل الزيارات: 461، 476؛ وتفصيل وسائل الشيعة 14: 526.
  • 28. كامل الزيارات: 462 ـ 465.
  • 29. المصدر نفسه: 478 ـ 479؛ ومصباح المتهجّد: 732 ـ 733؛ وتهذيب الأحكام 6: 74؛ والمفيد، المزار: 146؛ والمشهدي، المزار: 363.
  • 30. راجع: الوافي 14: 1528.
  • 31. انظر: الحدائق الناضرة 10: 275 ـ 276.
  • 32. العشاء الربّاني أحد أهمّ أسرار الكنيسة، وهو المتفق عليه بين الكنائس الكاثوليكيّة والبروتستانتيّة والأرثوذكسيّة ـ إلى جانب سرّ العماد والتعميد ـ في كونه سرّ الأسرار، لكن وقع خلاف منذ القرون الوسطى، وربما قبلها، حول طبيعة الخبز والشراب الذي يتناوله المؤمن المسيحي في مراسم العشاء الربّاني المقدّسة هذه، وعمدة الأقوال هنا:
    القول الأوّل: وهو الذي ساد في القرون الوسطى واختارته الكنيسة الكاثوليكيّة ونصّ عليه مجمع ترنت المنعقد أواسط القرن السادس عشر لمواجهة حركات الإصلاح الديني (البروتستانتيّة)، ويعتبر أنّ جسد المسيح ودمه يحصل تحوّل جوهري لهما في الخبز والشراب، ففي الحقيقة الناس تأكل جسد المسيح ودمه واقعاً وعينيّاً، وهو أمر وإن لم يمكن تبريره عقلانياً، لكنّه قابل للتبرير الإيماني.
    القول الثاني: ما ذهب إليه العديد من رموز الإصلاح الديني البروتستانتي، حيث قالوا بأنّ تعبير المسيح في العشاء الأخير مع أصحابه بأنّ هذا جسدي ودمي، كما جاء في إنجيل (متى 26: 26 ـ 28) هو تعبير رمزي وليس حقيقيّاً، وينبغي فهمه في سياق رمزي مجازي تأويلي.
  • 33. عيون أخبار الرضا 1: 94 ـ 96؛ والهداية الكبرى: 267؛ ودلائل الإمامة: 315؛ والحسين بن عبد الوهاب، عيون المعجزات: 94 ـ 95.
  • 34. رجال الطوسي: 418.
  • 35. انظر: مستدركات علم رجال الحديث 1: 370 ـ 371.
  • 36. انظر: ميزان الاعتدال 1: 120؛ ولسان الميزان 1: 223.
  • 37. انظر: مستدركات علم رجال الحديث 6: 117.
  • 38. انظر: المحلّى 7: 339، و8: 234؛ وميزان الاعتدال 3: 291؛ وتقريب التهذيب 1: 748 و..
  • 39. كامل الزيارات: 465؛ والمشهدي، المزار: 361.
  • 40. المصدر نفسه: 474 ـ 476.
  • 41. انظر: مستدركات علم رجال الحديث 3: 13 ـ 14.
  • 42. كامل الزيارات: 461؛ والمحاسن 2: 50؛ والكافي 4: 243.
  • 43. علل الشرائع 2: 410 ـ 411.
  • 44. كامل الزيارات: 462؛ والمفيد، المزار: 143 ـ 144؛ ومكارم الأخلاق: 166؛ والمشهدي، المزار: 361.
  • 45. الكافي 4: 588؛ ومصباح المتهجّد: 732؛ وكامل الزيارات: 468 ـ 469، 471؛ وتهذيب الأحكام 6: 74؛ وروضة الواعظين: 412؛ والمفيد، المزار: 145؛ والمشهدي، المزار: 362 ـ 363.
  • 46. ابنا بسطام، طبّ الأئمّة: 52.
  • 47. أمالي الطوسي: 317؛ وبشارة المصطفى: 327 ـ 328؛ وإعلام الورى 1: 431.
  • 48. مصباح المتهجّد: 826؛ ومختصر بصائر الدرجات: 34 ـ 35؛ والمشهدي، المزار: 397 ـ 398؛ وإقبال الأعمال 3: 303.
  • 49. انظر: كفاية الأثر: 16 ـ 17؛ ومستدرك الوسائل 1: 335؛ ومناقب آل أبي طالب 3: 235؛ والنجم الثاقب 1: 509 ـ 510؛ وعدّة الداعي: 48؛ والمشهدي، المزار: 497.
  • 50. انظر ـ على سبيل المثال ـ: المزّي، تهذيب الكمال 15: 161.
  • 51. المشهدي، المزار: 364 ـ 366.
  • 52. بحار الأنوار 98: 139 ـ 140.
  • 53. يقول المجلسيّ: «مسكة مباركة، قال الفيروزآبادي المسكة بالضمّ ما يتمسّك به وما يمسك الأبدان من الغذاء والشراب وما يتبلغ به منهما انتهى، أقول: يحتمل أن يقرأ بالكسر أيضاً، للإشارة إلى طيب ريحها (بحار الأنوار 98: 132).
  • 54. مكارم الأخلاق: 166.
  • 55. كامل الزيارات: 469؛ ومصباح المتهجّد: 734؛ والراوندي، الدعوات: 187 ـ 188.
  • 56. انظر: روضة المتقين 5: 375.
  • 57. كامل الزيارات: 469 ـ 470.
  • 58. انظر: مستدركات علم رجال الحديث 1: 487.
  • 59. كامل الزيارات: 476 ـ 477؛ وكتاب من لا يحضره الفقيه 2: 600.
  • 60. انظر: الرازي، الجرح والتعديل 7: 190؛ والذهبي، المغني في الضعفاء 2: 267؛ وميزان الاعتدال 3: 484.
  • 61. كامل الزيارات: 477.
  • 62. رجال ابن داود: 58.
  • 63. انظر: مباني منهاج الصالحين 10: 749.
  • 64. تعرّضت بعض الكتب لقصص تحكي عن الاستشفاء بالتربة الحسينيّة، مثل كتاب السيد محسن الخرازي، روزنه هاى از علم غيب: 123 ـ 129.
  • 65. منهاج الصالحين (الحكيم) 2: 454؛ الهامش رقم: 1، ضمن سلسلة موسوعة السيّد الصدر.
  • 66. انظر كلمته التي ألقاها بتاريخ 13 ـ 12 ـ 1370هـ ش (1991م)، في لقائه كوادر قسم المعارف الدينيّة في الإذاعة الإيرانيّة، ونُشر نصّها في الموقع الرسمي لحفظ ونشر آثار آية الله العظمى خامنئي http://farsi.khamenei.ir. وهذا هو رابط هذه الكلمة: http://farsi.khamenei.ir/speech-content?id=2603.
    يقول السيد الخامنئي هنا: «القضية الأخرى في هذا السياق هي شعائر الخطابة المنبرية، والنعي، ولطم الصدور. فهي أمورٌ لابدّ منها، لكنْ ليس مع كلّ مناسبة. فاعلموا أنّ النعي وقراءة المصيبة على المنابر ـ وهي سنّة راجحة ـ لا تتعلّق بجميع الأئمّة^، بل ببعضهم على وجه التحديد. نعم قد يحصل في جلسةٍ ما أن يقرأ أحدهم المصيبة، ويثير عَبْرة مَنْ في المجلس، فلا ضير في ذلك. لكنّ مبدأ إقامة العزاء شيء، والنعي على المنبر واللطم شيءٌ آخر. فالنعي واللطم هي من مختصّات عزاء الإمام الحسين عليه السلام، أو ببعض الأئمّة في أقصى حدّ، لا أن تعمَّم القضية بهذا الشكل. لا بأس ـ مثلاً ـ في إقامة العزاء واللطم في ليالي تاسوعاء وعاشوراء، وكذلك في ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان، لكنّ هذا لا يسري إلى مناسبة استشهاد الإمام الكاظم عليه السلام ـ وإنْ كانت من المناسبات الجديرة بالعزاء ـ، إلاّ أنّي لا أرى ضرورة في اللطم على الصدور بهذه المناسبة؛ أو من قبيل ذكرى استشهاد السيدة الزهراء÷؛ إذ ليس من المناسب أن يمارس اللطم والنعي في هذه المناسبة، بل الأجدر في مثل هذه المناسبات أن نتطرَّق إلى بيان المصائب وكشفها؛ فهو أمرٌ يعلو على البكاء أيضاً. فأنا ـ مثلاً ـ قد لا أتمكَّن في أيام محرم من التواجد في المجالس، لكنّني، وكأيّ شيعي يحمل في قلبه اللوعة والرغبة في الحضور، أعمد إلى سدّ ذلك بمطالعة كتاب «نَفَس المهموم»، للشيخ عباس القمي، وهو باللغة العربية. وهذا عمل يدعو إلى الاستعبار أيضاً. وبالنسبة لي فإنّه يضاهي دور أكثر من خطيب ورادود. فليس من الضروري أن يقرأ العزاء على النحو التقليدي المعهود، حيث يقرأ في المستهلّ نصّاً عن المصيبة، حتّى يبلغ مرحلة النعي، واللطم على الصدور، بل حاولوا أن تبيِّنوا جوانب من الحياة والسيرة، كأنْ يقدِّم أحدكم، وبلحنٍ حزين، صورةً عن حالة الإمام الكاظم عليه السلام وهو قابعٌ في السجن، مستعرِضاً التفاصيل المريرة في تلك المرحلة العصيبة، ومن ثمّ ينتقل إلى رواية تفاصيل الاستشهاد ومراسم التشييع. وبهذا سيحنّ قلب كلّ مَنْ يستمع إلى هذا الحديث، ويستعبر أيضاً».
  • 67. هداية العباد 2: 234.
  • 68. تحرير الوسيلة 2: 146.
  • 69. الروضة البهية 7: 327.
  • 70. a. b. مستند الشيعة 15: 166.
  • 71. الدروس الشرعية 2: 11.
  • 72. المزار: 140.
  • 73. تهذيب الأحكام 6: 71.
  • 74. الروضة البهيّة 7: 327.
  • 75. تهذيب الأحكام 6: 72.
  • 76. روضة المتقين 5: 370.
  • 77. مستند الشيعة 5: 268.
  • 78. الوافي 14: 153.
  • 79. انظر: تفصيل وسائل الشيعة (ط. الإسلاميّة) 10: 401.
  • 80. بحار الأنوار 98: 116.
  • 81. مصباح المتهجّد: 731؛ وكامل الزيارات: 456؛ وتهذيب الأحكام 6: 71.
  • 82. كامل الزيارات: 472.
  • 83. المفيد، المزار: 140؛ والمشهدي، المزار: 359.
  • 84. انظر: الصحاح 3: 1188.
  • 85. انظر: الشهيد الأوّل، الذكرى 4: 291.
  • 86. السرائر 1: 342؛ ومنتهى المطلب 6: 361.
  • 87. الإرشاد 2: 126.
  • 88. بحار الأنوار 98: 117.
  • 89. كامل الزيارات: 457؛ ومصباح المتهجّد: 731 ـ 732؛ وثواب الأعمال: 94 ـ 95 (وليس فيه بعض الجمل الأخيرة)؛ وتهذيب الأحكام 6: 71 ـ 72؛ والمفيد، المزار 24، 141؛ والمشهدي، المزار: 338 ـ 339، 359 ـ 360؛ والكافي 4: 588.
  • 90. تهذيب الأحكام 6: 72؛ وروضة الواعظين: 411.
  • 91. انظر: مهذّب الأحكام 15: 71؛ وروضة المتقين 5: 371؛ والبروجردي، البدر الزاهر: 336.
  • 92. انظر: في القبلة، الستر والساتر، مكان المصلي: 517.
  • 93. كامل الزيارات: 222، 225، 457 ـ 458؛ ومصباح المتهجّد: 732؛ والمفيد، المزار: 141؛ والمشهدي، المزار: 360.
  • 94. قال النجاشيّ: «عبد الله بن حماد الأنصاريّ، من شيوخ أصحابنا، له كتابان أحدهما أصغر من الآخر..» (الفهرست: 218)؛ وقال الطوسيّ: «عبد الله بن حماد: له كتاب..» (الفهرست: 170)؛ كما ذكره في أصحاب الصادق والكاظم دون مدح أو ذمّ (الرجال: 264، 340)؛ وقال ابن الغضائريّ: «عبد الله بن حماد، أبو محمّد، الأنصاريّ، نزل قم، لم يروِ عن أحد من الأئمّة، وحديثه يعرف تارة وينكر أخرى، ويخرج شاهداً» (الضعفاء: 78 ـ 79).
    أقول: عبد الله بن حماد الأنصاري لا مثبت لوثاقته سوى توصيف النجاشي له بأنّه من شيوخ أصحابنا كما فهم ذلك منه بعض العلماء (انظر ـ على سبيل المثال ـ: البهبهاني، التعليقة على منهج المقال: 224؛ وأدرج الخوئي حديثَه في الخبر الحسن نتيجة ذلك، كما جاء في معجم رجال الحديث 11: 185 ـ 188)، لكنّ هذا يدلّ على مكانته، ولا يدلّ على وثاقته. ومطلق المدح ليس توثيقاً أو تعديلاً، فربما لم تثبت وثاقته عنده لكنّه كان شخصاً معروفاً وله حضوره في الأوساط الشيعيّة، ومطلق المدح لا يوجب حجيّة النقل، فالرجل عندي مجهول الحال من حيث الاعتماد على نقله للأحاديث.
  • 95. انظر: مجمع الفائدة والبرهان 11: 235.
  • 96. انظر: مستند الشيعة 5: 268.
  • 97. انظر: مصباح المتهجّد: 732؛ ومستند الشيعة 5: 268؛ والگلبايگاني، هداية العباد 2: 234؛ ومسالك الأفهام 12: 68.
  • 98. راجع: حبّ الله، الحديث الشريف، حدود المرجعيّة ودوائر الاحتجاج 2: 355 ـ 498.
  • 99. .
    ثالثاً: إنّ دعوى مراتب الفضل ممكنة، لكنّ النصوص لو أرادتها فهي بيانٌ سيء لها، فبعض النصوص ظاهر في التحديد من حيث الزيادة والنقيصة، ولا أدري هل بهذا الحمل يكون أهل البيت قد بيّنوا حدود القبر والحرم بشكل جليّ أو أنّ الأفضل إمّا تضعيف الروايات والشكّ في صدورها أو احتمال وقوع الرواة في أخطاء في تفاصيل النقل وفي السياقات، ومعه يصعب الاستدلال بهذه المرويّات، على أنّه لو كانت القضية مسألة مراتب الفضل، وهو جمعٌ تبرّعي في حدّ نفسه أسّسه هنا الشيخ الطوسي، للزم أن تُشير ولو رواية واحدة لذلك بحيث تصلح للتوضيح.
    والنتيجة: إنّ المقدار المؤكّد للتربة الحسينيّة أو طين القبر هو ما يلحق القبر عرفاً، وعلى مبنى حجيّة خبر الواحد الثقة هو ما أفادته صحيحة ابن سنان، وإنّما لا نأخذ بها لآحاديّتها مع معارضة بعض النصوص الضعيفة لها.
    يُشار أخيراً إلى أنّ التراب إذا اُخذ وجُعل مكانه ترابٌ آخر بحيث صار يصدق عرفاً أنّ هذا تراب القبر كفى؛ لمعياريّة الصدق العرفي هنا.
    1 ـ 2 ـ 7 ـ الشروط والأعمال
    لقد لاحظنا في روايات الاستشفاء بالتربة الحسينيّة أنّها تعرّضت لبعض الشروط والأعمال في موضوع الاستشفاء، وهي:
    1 ـ الاعتقاد واليقين بالتربة، وقد لاحظنا ذلك في بعض الروايات، كخبر أي حمزة الثمالي (رقم: 5)، وصحيحة عبد الله بن أبي يعفور (رقم: 9)؛ وخبر محمد بن مسلم (رقم: 15)، وقريب من ذلك: خبر عمرو بن واقد (رقم: 17)؛ لربطه بالشيعة والأولياء، وخبر الحضرمي (رقم: 18)؛ ومرسل الطبرسي (رقم: 26).
    2 ـ تقبيلها ووضعها على العين و..، وهو مذكور في مرسل المفيد والطوسي (رقم: 7)، وخبر زيد الشحام (رقم: 10).
    3 ـ الغُسل والتطيّب ولبس أطهر الملابس والصلاة، كما في خبر جابر الجعفي (رقم: 25).
    4 ـ كتمها وذكر الله عليها حتى لا تتمسّح بها الشياطين وكفرة الجنّ، كما جاء في خبر أبي حمزة الثمالي (رقم: 5)؛ وخبر محمّد بن مسلم (رقم: 15).
    5 ـ احترام التربة وعدم الاستخفاف بها، كما جاء في خبر أبي حمزة الثمالي (رقم: 5)، وخبر محمّد بن مسلم (رقم: 15).
    6 ـ الدعاء، وقد ذكرت صيغ متعدّدة للأدعية، كما جاء في خبر حنان بن سدير (رقم: 6)، ومرسل المفيد والطوسي (رقم: 7) ومرسل الكافي ومرفوعة علي بن محمّد ( ذيل حديث رقم: 7)، وخبر زيد الشحام (رقم : 10)، وخبر الحسن بن علي بن أبي المغيرة (رقم: 13)، وخبر أبي حمزة الثمالي (رقم: 19)، وخبر جابر الجعفي (رقم: 25)؛ ومرسل الطبرسي (رقم: 26)؛ وخبر عبد الله بن سنان (رقم: 27)، وخبر أبي جعفر الموصلي (رقم: 28)؛ ومرسل البصري (رقم: 29 ـ 30)، وخبر مالك بن عطية (رقم: 31).
    7 ـ الختم عليها بسورة القدر أو البدء بفاتحة الكتاب، كما في مرسل المفيد والطوسي (رقم: 7)، وخبر أبي حمزة الثمالي (رقم: 19).
    8 ـ أنّه لما اُخذ له، كما ورد في خبر جابر الجعفي (رقم: 23)، ويستوحى من خبر عبد الله بن سنان (رقم: 27).
    وقد وقع هنا كلام في أنّ هذه الأعمال أو القيود هل هي شروط كمال أو شروط جواز أو شروط تأثير؟
    الظاهر من جملة من الفقهاء أنّها شروط كمال وفضل، عملاً بالإطلاق الموجود في بعض النصوص على الأقلّ، فهي زيادة في كمال الفعل تفضي إلى سرعة التأثير في الإجابة انظر: جواهر الكلام 36: 364؛ ورياض المسائل 12: 196 ـ 197؛ والإصفهاني، وسيلة النجاة: 623؛ وتحرير الوسيلة 2: 145؛ والگلبایگاني، هداية العباد 2: 233؛ والسيستاني، منهاج الصالحين 3: 302.
  • 100. رياض المسائل 12: 196.
  • 101. انظر: كشف اللثام 9: 287.
  • 102. موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت^ 26: 287.
  • 103. المصدر: الموقع الرسمي للأستاذ حيدر حب الله حفظه الله.
  • 104. هذا البحث جزء من كتاب (فقه الأطعمة والأشربة 2: 342 ـ 388) تأليف حيدر حب الله، والذي صدر في طبعته الأولى عن دار روافد في بيروت، عام 2020م.