الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

معنى قول علي عليه السلام: (انما الشورى للمهاجرين والانصار)

نص الشبهة: 

في نهج البلاغة طبعة مصر صفحة 8 هذه العبارة: (إنما الشورى للمهاجرين والأنصار إن اجتمعوا على رجل سموه إماماً كان ذلك لله رضاً)، فهل يوافق مذهبكم على هذا الكلام؟

وإذا كان إمامكم علي يقول إن بيعة الخلفاء الثلاثة مرضية لله، فلماذا تعترضون عليها ولا ترضون بها؟

Answer: 

أولاً: أن هذا الكلام لأمير المؤمنين عليه السلام في كتابه إلى معاوية وهو في نهج البلاغة: 3 / 7: (ومن كتاب له إلى معاوية: إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على أتباعه غير سبيل المؤمنين و ولاه الله ما تولى.
ولعمري يا معاوية لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان، ولتعلمن أني كنت في عزلة عنه إلا أن تتجنى، فتجن ما بدا لك. والسلام).
وفي كتاب صفين لنصر بن مزاحم رحمه الله: 1 / 31 طبع مصر: (عن نمير بن وعلة، عن عامر الشعبي أن علياً عليه السلام حين قدم من البصرة نزع جريراً عن همدان فجاء حتى نزل الكوفة، فأراد أن يبعث إلى معاوية رسولاً فقال له جرير: إبعثني إليه فأدعوه على أن يسلم لك هذا الأمر ويكون أميراً من أمرائك، وأدعو أهل الشام إلى طاعتك وجلهم قومي وأهل بلادي، وقد رجوت أن لا يعصوني. فقال له الأشتر: لا تبعثه ودعه ولا تصدقه، فو الله إني لأظن هواه هواهم ونيته نيتهم !!
فقال له علي عليه السلام: دعه حتى ننظر ما يرجع به إلينا. فبعثه علي وقال له حين أراد أن يبعثه: إن حولي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله من أهل الدين والرأي من قد رأيت، وقد اخترتك عليهم لقول رسول الله صلى الله عليه وآله فيك: (من خير ذي يمن)، إئت معاوية بكتابي فإن دخل فيما دخل فيه المسلمون وإلا فانبذ إليه وأعلمه أني لا أرضى به أميراً، وأن العامة لا ترضى به خليفة.
فانطلق جرير حتى أتى الشام ونزل بمعاوية فدخل عليه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد يا معاوية فإنه قد اجتمع لابن عمك أهل الحرمين وأهل المصرين وأهل الحجاز وأهل اليمن وأهل مصر، وأهل العروض (العروض عمان) وأهل البحرين. واليمامة فلم يبق إلا أهل هذه الحصون التي أنت فيها ولو سال عليها سيل من أوديته غرقها، وقد أتيتك أدعوك إلى ما يرشدك ويهديك إلى مبايعة هذا الرجل. ودفع إليه كتاب علي بن أبي طالب عليه السلام:
بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد، فإن بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام، لأنه بايعني الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بويعوا عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغايب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار إذا اجتمعوا على رجل فسموه إماماً كان ذلك لله رضاً، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على إتباعه غير سبيل المؤمنين و ولاه الله ما تولى، ويصله جهنم وساءت مصيراً.
وإن طلحة والزبير بايعاني ثم نقضا بيعتي، فكان نقضهما كردتهما فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون، فادخل فيما دخل فيه المسلمون، فإن أحب الأمور إلي فيك العافية إلا أن تتعرض للبلاء، فإن تعرضت له قاتلتك واستعنت بالله عليك.
وقد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه الناس وحاكم القوم إليَّ أحملك وإياهم على كتاب الله، فأما تلك التي تريدها فهي خدعة الصبي عن اللبن. ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ قريش من دم عثمان.
واعلم أنك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة ولا تعرض فيهم الشورى. وقد أرسلت إليك والى من قبلك جرير بن عبد الله، وهو من أهل الإيمان والهجرة فبايع ولا قوة إلا بالله.
فلما قرأ الكتاب قام جرير فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أيها الناس إن أمر عثمان أعيا من شهده فما ظنكم بمن غاب عنه، وإن الناس بايعوا علياً غير واتر ولا موتور، وكان طلحة والزبير ممن بايعه ثم نكثا بيعته على غير حدث. ألا وإن هذا الدين لا يحتمل الفتن، ألا وإن العرب لا تحتمل السيف وقد كانت بالبصرة أمس ملحمة إن تشفع البلاء بمثلها فلا نبأ للناس.
ولو ملكنا والله أمورنا لم نختر لها غيره، ومن خالف هذا استعتب، فادخل يا معاوية فيما دخل فيه الناس، فإن قلت: استعملني عثمان ثم لم يعزلني، فإن هذا أمر لو جاز لم يقم لله دين، وكان لكل امرئ ما في يده، ولكن الله لم يجعل للآخر من الولاة حق الأول، وجعل تلك أموراً موطأة وحقوقاً ينسخ بعضها بعضاً.
فقال معاوية: أنظر وتنظر، وأستطلع رأي أهل الشام.
فلما فرغ جرير من خطبته أمر معاوية منادياً فنادى الصلاة جامعة، فلما اجتمع الناس صعد المنبر وقال بعد كلام طويل:
أيها الناس قد علمتم أني خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وأني خليفة عثمان بن عفان عليكم، وأني لم أقم رجلاً منكم على خزاية قط، وأني ولي عثمان وقد قتل مظلوماً والله يقول: ﴿ ... وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا 1 وأنا أحب أن تعلموني ذات أنفسكم في قتل عثمان؟! فقام أهل الشام بأجمعهم وأجابوا إلى الطلب بدم عثمان وبايعوه على ذلك، وأوثقوا له على أن يبذلوا أنفسهم وأموالهم أو يدركوا ثأره أو يفني الله أرواحهم !). انتهى 2.
وثانياً: من الواضح أن أمير المؤمنين عليه السلام يحتج على معاوية بأن معاوية قد أطاع أبا بكر وعمر وعثمان واعترف بخلافتهم بسبب بيعة المهاجرين والأنصار لهم، ونفس هذا السبب موجود في بيعة أمير المؤمنين عليه السلام. فقوله عليه السلام: (فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى)، لا يعطي الشرعية لبيعة أبي بكر وعمر، حتى يكون معارضاً للنص النبوي!
ولو سلمنا أنه يعطي الشرعية لمن أجمع المهاجرون والأنصار على بيعته فمعناه أن تجتمع الأمة بمهاجريها وأنصارها على بيعة شخص، وهم الأمة الإسلامية في وقتهم التي لا تجتمع على ضلال وفيها أهل البيت عليهم السلام، كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله.
فكلامه عليه السلام كلامٌ فرضي بين فيه لمعاوية أنه من الطلقاء الذين ليسوا من الأمة التي إجماعها حجة ! فلا هو من مهاجريها ولا أنصارها، ولا مخالفته تضر بإجماعها.
وهذا الإجماع الفرضي لم يحصل من الأمة على خلافة أحد لا خلافة أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي عليه السلام.
فإن مخالفة شخص واحد تبطل تحقق الإجماع، وقد خالف بيعة كل واحد منهم عدد من الأمة.
قال السيد النقوي الهندي في خلاصة عبقات الأنوار: 3 / 299:
(قوله: وإذا دل هذا الحديث على إمامة العترة، فكيف يصح الحديث الصحيح المروي عن علي بن أبي طالب بصورة متواترة عند الشيعة يقول فيه: إنما الشورى للمهاجرين والأنصار؟
أقول: هذا مردود بوجوه:
الأول: لقد أثبتنا دلالة حديث الثقلين على إمامة الأئمة الإثني عشر من العترة الطاهرة عليهم السلام بالدلائل القاهرة والبراهين الساطعة، التي لا تبقي ريباً ولا تذر شكاً في ذلك، فتشكيك (الدهلوي) فيه واهٍ.
الثاني: تعبيره عن (إنما الشورى للمهاجرين والأنصار) ب‍الحديث المروي، تخديع وتضليل، لأنه إنما ورد عنه ذلك في بعض كتب السير والتواريخ، وفي ضمن كتاب له إلى معاوية بن أبي سفيان، على سبيل الإلزام له به.
الثالث: دعوى تواتره عند الشيعة باطلة.
الرابع: أن هذا الكلام لا ينافي دلالة حديث الثقلين على إمامة الأئمة عليهم السلام، لأن المهاجرين والأنصار مأمورون بأجمعهم بإتباع الثقلين، فلو أجمعوا على رجل مع الإهتداء بهدي الكتاب و العترة صحت إمامته، ومن الواضح أن ذلك لن يتحقق إلا بالنسبة إلى رجل من أهل بيت العصمة، ومنه يظهر بطلان خلافة غيره.
الخامس: أن ما اجتمع عليه المهاجرون والأنصار كلهم حق، لأن أهل البيت عليهم السلام من المهاجرين، بل هم سادتهم بلا نزاع. وعلى هذا يكون التمسك بهكذا إجماع عين التمسك بالعترة المأمور به في حديث الثقلين، وعين التمسك بالكتاب بمقتضى الحديث المذكور، فلا تنافي.
السادس: أن هذا الكلام يدل على لزوم المشورة من جميع المهاجرين والأنصار، ولا ريب في أن بيعة أبي بكر لم تكن عن مشورة، بل كانت ـ على حد تعبير عمر ـ فلتة وقى الله شرها، فمن دعا إلى مثلها فاقتلوه ! ثم قال: من بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تَغِرَّةَ أن يقتلا. قال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثني ابراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس، قال: كنت أقرئ رجالاً من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف، فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها إذ رجع إلى عبد الرحمن فقال: لو رأيت رجلاً أتى أمير المؤمنين اليوم فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول لي قد مات عمر لقد بايعت فلاناً فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت. فغضب عمر ثم قال: إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم.
قال عبد الرحمن: فقلت يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس و غوغاءهم، فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير وأن لا يعوها وأن لا يضعوها على مواضعها، فأمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول ما قلت متمكناً فيعي أهل العلم مقالتك ويضعونها على مواضعها. فقال عمر: أما والله إن شاء الله لا قومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة.
قال ابن عباس: فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة فلما كان يوم الجمعة عجلنا الرواح حين زاغت الشمس حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالساً إلى ركن المنبر فجلست حوله تمس ركبتي ركبته، فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب فلما رأيته مقبلاً قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: ليقولن العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف قط قبله ! فأنكر علي وقال: ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله؟! فجلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال:
أما بعد، فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها لا أدري لعلها بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب علي. إن الله بعث محمداً (ص) بالحق وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها و عقلناها ووعيناها، فلذا رجم رسول الله (ص) ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فضيلة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الإعتراف.
ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله أن: لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر أن ترغبوا عن آبائكم أو إن كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم الإثم. إن رسول الله (ص) قال: لا تطروني كما أطري عيسى بن مريم وقولوا: عبد الله ورسوله.
ثم إنه بلغني أن قائلاً منكم يقول: والله لو مات عمر بايعت فلاناً ! فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، ألا وإنها كانت كذلك ولكن الله وقى شرها! وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر، من بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا. وإنه قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه (ص) أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف عنا علي والزبير ومن معهما...) انتهى.
أقول: فقد شهد عمر بأن بيعة أبي بكر كان لها مخالفون ولم تكن بإجماع المهاجرين والأنصار، حتى تكون لله رضاً كما حاولوا أن يثبتوا ذلك بكلام أمير المؤمنين عليه السلام! 3.

  • 1. القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآية: 33، الصفحة: 285.
  • 2. ونقل له المحمودي في نهج السعادة: 4 / 89 مصادر أخرى: كتاب صفين ص 29 ط 2 بمصر و ص 18، ط إيران. وقريب منه في عنوان: أخبار علي ومعاوية من كتاب العسجدة الثانية في تواريخ الخلفاء من العقد الفريد: 3 / 106 / ط 2، و الإمامة و السياسة: 1 / 93 وابن أبي الحديد، عنه في شرح المختار (43) من خطب نهج البلاغة: 3 / 75. ورواه ابن عساكر في ترجمة معاوية من تاريخ دمشق: 56 / 974 و ص 60 برواية الكلبي.
  • 3. من كتاب: مسائل مجلة جيش الصحابة (أجوبة على مسائل وجهتها إلى علماء الشيعة، مجلة الخلافة الراشدة الباكستانية، التابعة لمنظمة جيش الصحابة) للشيخ علي الكوراني العاملي، السؤال رقم: 37 ـ 38.