حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
هل فاطمة الزهراء افضل من امهات المؤمنين؟
تميَّزت الزهراء عليها السلام في تكوينها و نشأتها و شخصيتها و خصائصها و مقامها الرفيع و المتميِّز برعاية ربانية خاصة جعلتها في منزلة فريدة لا ترقى الى منزلتها أية إمرأة أخرى من الاولين و الآخرين بما فيهن أمهات المؤمنين زوجات النبي المصطفى صلى الله عليه و آله، فهي بلا أدنى شك أفضل من نساء الاولين و الاخرين و من أمهات المؤمنين.
فاطمة الزهراء سيدة النساء
لقد صرَّح النبي صلى الله عليه و آله بأفضليتها على نساء العالمين بألفاظ مختلفة:
- "فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة".
- "سيّدة نساء هذه الاُمّة".
- "سيّدة نساء المؤمنين".
- "سيّدة نساء العالمين" 1.
ففاطمة الزهراء عليها السلام سيّدة نساء العالمين من الاوّلين و الاخرين، و هي أفضل من أمهات المؤمنين زوجات النبي صلى الله عليه و آله، و أين هن منها.
و خير شاهد على أفضليتها عليهن هو القرآن الكريم، حيث أنه لو نظرنا في شأن نزول آياته و تفسيرها لوجدنا أن آيات عديدة نزلت في السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام و بعلها و بنيها، و لهذه الآيات دلالات واضحة على مكانة الزهراء الفريدة و أفضليتها على مطلق النساء، و ها نحن نذكر نماذج منها.
الآية الأولى: آية المباهلة
من الآيات التي تثبت أفضلية الزهراء عليها السلام على زوجات النبي صلى الله عليه و آله آية المباهلة، و هي: ﴿ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾ 2.
قصة المباهلة
كتب النبي صلَّى الله عليه و آله كتابا إلى "أبي حارثة" أسقف نَجران دعا فيه أهالي نَجران إلى الإسلام ، فتشاور أبو حارثة مع جماعة من قومه فآل الأمر إلى إرسال وفد مؤلف من ستين رجلا من كبار نجران و علمائهم لمقابلة الرسول صلَّى الله عليه و آله و الاحتجاج أو التفاوض معه، و ما أن وصل الوفد إلى المدينة حتى جرى بين النبي و بينهم نقاش و حوار طويل لم يؤد إلى نتيجة، عندها أقترح عليهم النبي المباهلة بأمر من الله فقبلوا المباهلة و حددوا لها يوما، و هو اليوم الرابع و العشرين من شهر ذي الحجة سنة : 10 هجرية.
و في اليوم الموعود عندما شاهد وفد نجران أن النبي (صلَّى الله عليه و آله) قد إصطحب أعز الخلق إليه و هم علي بن أبي طالب و ابنته فاطمة و الحسنو الحسين، و قد جثا الرسول (صلَّى الله عليه و آله) على ركبتيه استعدادا للمباهلة، انبهر الوفد بمعنويات الرسول و أهل بيته و بما حباهم الله تعالى من جلاله و عظمته، فأبى التباهل.
في من نزلت آية المباهلة ؟
لقد أجمع العلماء في كتب التفسير و الحديث على أن هذه الآية نزلت في خمسة هم:
1. النبي الأكرم محمد رسول الله صلَّى الله عليه و آله.
2. علي بن أبي طالب عليه السَّلام.
3. السيدة فاطمة الزهراء عليها السَّلام.
4. الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السَّلام.
5. الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السَّلام.
ففي صحيح مسلم: و لما نزلت هذه الآية: ﴿ ... فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ... ﴾ 2 دعا رسول الله (صلَّى الله عليه و آله) عليا و فاطمة و حسنا و حسينا فقال: "اللهم هؤلاء أهلي" 3.
و في صحيح الترمذي: عن سعد بن أبي وقَّاص قال : لما أنزل الله هذه الآية: ﴿ ... نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ... ﴾ 2 دعا رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) عليا و فاطمة و حسنا و حسينا، فقال: "اللهم هؤلاء أهلي" 4.
و في مسند أحمد بن حنبل: مثله 5.
و في تفسير الكشاف : قال في تفسير قوله تعالى: ﴿ ... فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ ... ﴾ 2، فأتى رسول الله (صلَّى الله عليه و آله) و قد غدا محتضنا الحسين ، آخذا بيد الحسن ، و فاطمة تمشي خلفه و علي خلفها، و هو يقول :
"إذا أنا دعوت فأَمّنوا".
فقال أسقف نجران: يا معشر النصارى لأرى و جوها لو شاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا و لا يبقى على وجه الأرض نصارى إلى يوم القيامة ... " 6.
و هناك العشرات من كتب التفسير و الحديث ذكرت أن آية المباهلة نزلت في أهل البيت عليهم السَّلام لا غير ، و لا مجال هنا لذكرها.
نقاط ذات أهمية
تجدر الإشارة هنا إلى نقاط ذات أهمية و هي:
- إن تعيين شخصيات المباهلة ليس حالة عفوية مرتجلة، و إنما هو إختيار إلهي هادف و عميق الدلالة ... و قد أجاب الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) حينما سُئل عن هذا الإختيار بقوله: "لو علم الله تعالى أن في الأرض عبادا أكرم من علي و فاطمة و الحسن و الحسين لأمرني أن أباهل بهم ، و لكن أمرني بالمباهلة مع هؤلاء فغلبت بهم النصارى" 7. فأهل بيت النبي صلى الله عليه و آله الذين اصطحبهم معه للمباهلة هم أكرم خلق الله و أفضلهم بصريح قوله.
- إن ظاهرة الإقتران الدائم بين الرسول صلَّى الله عليه و آله و أهل بيته عليهم السَّلام تنطوي على مضمون رسالي كبير يحمل دلالات فكرية، روحية، سياسية مهمة، إذ المسألة ليست مسألة قرابة، بل هو إشعار رباني بنوع و حقيقة الوجود الامتدادي في حركة الرسالة، هذا الوجود الذي يمثله أهل البيت عليهم السَّلام بما حباهم الله تعالى من إمكانات تؤهلهم لذلك.
الآية الثانية: آية التطهير
من الآيات التي تثبت أفضلية الزهراء عليها السلام على زوجات النبي صلى الله عليه و آله آية التطهير و هي قول الله عز و جل: ﴿ ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 8.
قصة نزول آية التطهير
تؤكد مصادر الحديث و التفسير على أن هذه الآية قد نزلت في خمسة هم:
- النبي محمد رسول الله صلَّى الله عليه و آله.
- علي بن أبي طالب عليه السَّلام.
- السيدة فاطمة الزهراء عليها السَّلام.
- الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السَّلام.
- الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السَّلام.
ففي صحيح مسلم بالإسناد إلى صفية بنت شيبة قالت: خرج النبي (صلَّى الله عليه و آله) غداة و عليه مِرْط 9 مرحّل 10 من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ، ثم جاء الحسين فدخل معه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ، ثم جاء علي فأدخله ، ثم قال: ﴿ ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 8 ، 11.
و في مسند أحمد بن حنبل ، عن أم سلمة أن النبي (صلَّى الله عليه و آله) كان في بيتها فأتت فاطمة ببرمة فيها خزيرة 12 فدخلت بها عليه فقال لها: إدعي زوجك و ابنيك، قالت : فجاء علي و الحسن و الحسين فدخلوا عليه فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة و هو على منامة له على دكان تحته كساء خيبري ـ قالت ـ و أنا أصلي في الحجرة، فأنزل الله عَزَّ و جَلَّ هذه الآية : ﴿ ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 8، قالت فأخذ فضل الكساء فغشاهم به، ثم أخرج يده فألوى بها السماء ثم قال:
اللهم إن هؤلاء أهلُ بيتي و خاصتي فأًذهِب عنهم الرجسَ، و طَهِّرهم تطهيراً، اللهم هؤلاء أهل بيتي و خاصتي فأذهِب عنهم الرجسَ و طَهِّرهُم تطهيراً.
قالت: فأدخلتُ رأسي البيت فقلت : و أنا معكم يا رسول الله؟
قال: "إنك إلى خير إنك إلى خير" 13.
و هناك أحاديث عديدة بصيغٍ مختلفة بهذا المضمون حول آية التطهير ذكرها العلماء في ما يتجاوز عن الخمسين كتابا من كتب التفسير و الحديث، نذكر منهم على سبيل المثال:
- الترمذي: أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة المتوفى سنة: 279 هجرية في صحيحه: 4 / 351 حديث 3205، طبعة: دار الكتاب العربي/ بيروت.
- الحاكم الحسكاني: عبيد الله بن عبد الله بن أحمد، من أعلام القرن الخامس الهجري، في كتابه شواهد التنزيل : 2 / 13، طبعة : منشورات الأعلمي بيروت.
- الحاكم النيسابوري: أبو عبد الله محمد بن محمد المتوفى سنة: 405 هجرية في كتابه المستدرك على الصحيحين: 3 / 146 و 147 ، طبعة : دار المعرفة / بيروت.
- ابن الأثير: عز الدين بن الأثير أبي الحسن علي بن محمد الجزري المتوفى سنة : 630 هجرية في كتابه أسد الغابة : 7 / 343 ، طبعة دار الكتب العلمية / بيروت.
- الواحدي: أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري المتوفى سنة: 468 هجرية في كتابه: أسباب النزول: 203، طبعة المكتبة الثقافية / بيروت.
- العسقلاني: ابن حجر المتوفى سنة : 852 هجرية في كتابه الإصابة في تمييز الصحابة: 4 /568، طبعة دار الجيل / بيروت.
نقاط ذات اهمية
و لا بُدَّ هنا من الإشارة إلى نقاط ذات أهمية هي:
- إن الآية تدلّ على عصمة أهل البيت عليهم السَّلام إذ المقصود من الرجس مطلق الذنوب و الآثام و الأدناس ، كما أن المقصود من التطهير هو التنزيه من كل ألوان المعاصي و الذنوب ، و التزكية من جميع أنواع الأدناس و الأقذار 14.
- إن إرادة التطهير في الآية تختص بأهل البيت عليهم السَّلام دون غيرهم و ذلك لأن الآية صدّرت بأداة الحصر " إنما " .
- إن تخصيص هؤلاء الخمسة دون غيرهم بهذه المكانة العالية الرفيعة ليس عفويا ، بل هو تعبير عن إعداد إلهي هادف لبيان الوجود الإمتدادي في حركة الرسالة ، و هذا الوجود لا يمثله إلا أهل البيت عليهم السَّلام لإمتلاكهم جميع الخصائص و الكفاءات التي تؤهلهم لذلك.
الآية الثالثة: آية المودة
تُسمى الآية ( 23 ) من سورة الشورى بآية المودة و هي المشتملة على قول الله تعالى: ﴿ ... قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ... ﴾ 15، و تؤكد أكثر كتب التفسير و الحديث و السيرة و التاريخ على أن هذه الآية نزلت في قربى الرسول الأكرم محمد صلَّى الله عليه و آله و هم:
- الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السَّلام.
- السيدة فاطمة الزهراء عليها السَّلام.
- الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السَّلام.
- الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السَّلام.
- ذريتهم الطاهرين (عليهم السَّلام).
و قد أكد العلماء و المفسرون في العشرات من الكتب بأن الآية نزلت في قربى الرسول صلَّى الله عليه و آله و ذكروا في ذلك أحاديث عن الرسول، و ها نحن نذكر نماذج ممن صرّح بذلك منهم على سبيل المثال:
- السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر المتوفى سنة : 911 هجرية قال بالإسناد إلى ابن عباس : لما نزلت هذه الآية : ﴿ ... قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ... ﴾ 15 قالوا يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: " علي و فاطمة و ولداهما " 16.
- البغوي: أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي المتوفى سنة : 516 هجرية ، بالإسناد إلى ابن عباس قال: عندما نزلت الآية: ﴿ ... قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ... ﴾ 15 قال رسول الله (صلَّى الله عليه و آله): "أن تحفظوا قرابتي و تودّوني و تصلوا رحمي" 17.
- ابن الكثير: ابن الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي المتوفى سنة: 774 هجرية، قال: و الحق تفسير هذه الآية: ﴿ ... قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ... ﴾ 15 بما فسرها به حبر الأمة و ترجمان القرآن عبد الله بن عباس كما رواه عنه البخاري و لا تنكر الوصاية بأهل البيت و الأمر بالإحسان إليهم و احترامهم و إكرامهم فانهم من ذرية طاهرة ، من أشرف بيت و جد على الأرض فخرا و حسبا و نسبا و لا سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجليّة كما كان عليه سلفهم كعلي و أهل بيته و ذريته رضي الله عنهم أجمعين 18، إلى غيرها من الأحاديث المتواترة التي لا مجال لذكرها هنا.
نقاط ذات أهمية
و هنا لابد من الإشارة إلى نقاط هامة هي:
- إن حالة التوازي بين " الأجر المحدد لأتعاب الرسالة "و بين "المودّة لأهل البيت" تبرز الخصوصية التي تميّز آل محمد صلَّى الله عليه و آله على سائر الأمة ، و هذه الخصوصية لا تنطلق من مجرد القرابة و إن كان للقرابة إعتبارها الكبير.
- إن الهدف من المودة في الآية حسب ما تؤكده المصادر الإسلامية هو تأصيل المبدأ القيادي المتجسد في خط الأئمة من أهل البيت عليهم السَّلام.
- على ضوء هذا الفهم يمكن أن نعتبر الولاء لأهل البيت من العناصر الأساسية التي تحدد الهوية الإيمانية للامة، فالتفريط به يحدث خللا كبيرا في البنية العقيدية و الإيمانية و الرسالية، و أين أمهات المؤمنين من مثل هذه الفضائل.
الآية الرابعة: سورة الكوثر
خصائص الزهراء عليها السلام كثيرة جداً، و من خصائصها أفضليتها على نساء العالمين من الأولين و الآخرين و أفضليتها على أمهات المؤمنين زوجات النبي المصطفى صلى الله عليه و آله.
و من دلائل هذه الاختصاصات نزول سورة الكوثر بشأنها، فهي تثبت أفضلية الزهراء عليها السلام على نساء العالمين و على زوجات النبي صلى الله عليه و آله.
يقول المفسرون أن أحد أقطاب المشركين و هو العاص بن وائل، التقى يوماً برسول الله (صلَّى الله عليه و آله) عند باب بني سهم و هو يريد الخروج من المسجد الحرام، فتحدث مع النبي (صلَّى الله عليه و آله)، و ذلك بمرأى من جماعة من صناديد قريش و هم جلوس في المسجد الحرام، فما أن أتمّ حديثه مع الرسول (صلَّى الله عليه و آله) و فارقه، جاء إلى أولئك الجالسين.
فقالوا له: من كنت تُحَدِّث؟
قال : ذلك الأبتر، و كان مقصوده من هذا الكلام أن النبي (صلَّى الله عليه و آله) ليس له أولاد و عقب، إذن سينقطع نسله، ذلك لأن إبناً لرسول الله من خديجة يسمى عبد الله كان قد توفي قبل ذلك بفترة.
فكان هذا سبباً لنزول سورة الكوثر و هي: ﴿ ... إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ 19، رداً على العاص الذي زعم أنه (صلَّى الله عليه و آله) أبتر.
قال الإمام فخر الدين الرازي: " الكوثر أولاده (صلَّى الله عليه و آله) لأن هذه السورة إنما نزلت رداً على مَن عَابَهُ (عليه السَّلام) بعدم الأولاد، فالمعنى أنه يعطيه نسلا يبقون على مرّ الزمان، فانظر كم قُتل من أهل البيت، ثم العالم ممتلئٌ منهم، و لم يبق من بني أمية أحد يُعبَأُ به" 20.
هذا و إن للمفسرين أراءً أخرى في معنى الكوثر لكن جميع ما قيل يندرج تحت عنوان الكوثر الذي هو الخير الكثير ، فلا تناقض بين الأقوال أذن.
و لعل أحسن الأقوال و أكثرها إنطباقاً على سبب نزول السورة هو ما قيل بأن المراد من الكوثر كثرة النسل و الذرية، و قد ظهر ذلك في نسله صلَّى الله عليه و آله من ولد فاطمة عليها السَّلام، إذ لا ينحصر عددهم، بل يتصل بحمد الله إلى آخر الدهر مددهم، و هذا يطابق ما ورد في سبب نزول السورة.
بل و هذا الرأي أرجح في ميزان التحليل العلمي المحايد، لأن الآية جاءت رداً على تعيير النبي صلَّى الله عليه و آله بعدم استمرار نسله، فنزلت الآية لكي تُقرر في الحقيقة أمرين:
- إن البنت هي كالابن من حيث اعتبارها من الذرية و النسل و العقب.
- إن الله عَزَّ و جَلَّ سيرزق النبي صلَّى الله عليه و آله من هذه البنت نسلاً و ذرية، و إن اسمه صلَّى الله عليه و آله سيبقى حياً و متألقاً على مرّ العصور و على طول التاريخ.
فجعل نسل رسول الله صلى الله عليه و آله مستمراً من إبنته فاطمة الزهراء عليها السلام دون زوجاته دليل واضح على أفضليتها عليهن.
الآية الخامسة: سورة هل أتى ( سورة الإنسان )
شاءت الإرادة الربانية تفضيل الزهراء على نساء العالمين من الاولين و الاخرين فجعلتها سيدة نساء الجنة و فضلتها على أمهات المؤمنين زوجات النبي صلى الله عليه و آله.
عن مجاهد عن ابن عبّاس قال : في قوله تعالى: ﴿ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ 21.
قال : مرض الحسن والحسين ( عليهما السلام ) فعادهما جدُّهما رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، و عادهما عامّة العرب.
فقالوا: يا أبا الحسن ، لو نذرتَ على ولدك نذراً.
فقال علي عليه السلام: (إنْ بَرِئَا ممّا بهما صُمْتُ للهِ عَزّ وجلّ ثلاثةَ أَيّامٍ شُكْرَاً).
و قالت فاطمة عليها السلام كذلك.
و قالت جارية ـ يقال لها فضّة نوبية ـ إنْ برئا سيِّداي صمتُ لله عز وجل شكراً.
فأُلْبِسَ الغلامان العافية و ليس عند آل محمّد قليل و لا كثير، فانطلق علي عليه السلام إلى شمعون الخيبري فاستقرض منه ثلاثةَ أصواع من شعير، فجاء بها فوضعها، فقامتْ فاطمة عليها السلام إلى صاع فطحنتْه و اخْتَبَزَتْهُ، و صلّى عليّ عليه السلام مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثُمّ أتى المنزل، فوُضِع الطعام بين يديه إذ أتاه مسكين فوقف بالباب، فقال:
السلام عليكم أهل بيت محمّد، مسكين من أولاد المسلمين، أطعموني أطعمكم الله عزّ وجل من موائد الجنّة.
فسمع عليّ عليه السلام فأمرهم فأعطوه الطعام، و مكثوا يومهم و ليلتهم لم يذوقوا إلاّ الماء.
فلمّا كان اليوم الثاني قامتْ فاطمة عليها السلام إلى صاع و خبزتْه، و صلّى عليّ عليه السلام مع النبي صلّى الله عليه و آله وسلّم، و وُضِع الطعام بين أيديهم إذ أتاهم يتيم فوقف بالباب، و قال:
السلام عليكم أهل بيت محمّد يتيم بالباب من أولاد المهاجرين استشهد والدي.
فأعطَوه الطعام، فمكثوا يوماً لم يذوقوا إلاّ الماء.
فلمّا كان اليوم الثالث قامتْ فاطمة عليها السلام إلى الصاع الباقي فطحنتْه اخْتَبَزَتْهُ، فصلّى عليّ عليه السلام مع النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم، و وُضِعَ الطعام بين يديه، إذ أتاهم أسير فوقف بالباب، و قال:
السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة، تأسروننا و لا تطعموننا، أطعموني فإنّي أسير.
فأعطَوه الطعام، و مكثوا ثلاثةَ أيّام و لياليها لم يذوقوا إلاّ الماء، فأتاهم رسولُ الله صلّى الله عليه آله سلّم فرأى ما بهم من الجوع، فأنزل الله تعالى: ﴿ ... هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ... ﴾ 22 ـ إلى قوله ـ ﴿ ... لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ 23 24.
كانت هذه بعض الآيات و الأحاديث التي تثبت أفضلية سيدة نساء العالمين من الاولين و الاخرين السيدة فاطمة الزهراء عليها و على أبيها و بعلها و بنيها و ذريتها السلام.
- 1. هذا الحديث بألفاظه المختلفة موجود في: صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق، و في مسند أحمد، و في الخصائص للنسائي، و في مسند أبي داود الطيالسي، و في صحيح مسلم في باب فضائل الزهراء، و في المستدرك و صحيح الترمذي، وف ي صحيح ابن ماجة، و غيرها من الكتب.
- 2. a. b. c. d. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 61، الصفحة: 57.
- 3. صحيح مسلم: 4 / 1871، طبعة:دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
- 4. صحيح الترمذي: 5 / 225 حديث : 2999 ، طبعة: دار الكتاب العربي / بيروت.
- 5. مسند أحمد بن حنبل: 1 / 185 ، طبعة : دار صادر / بيروت.
- 6. تفسير الكشاف: 1/ 193، طبعة: دار الكتاب العربي / بيروت.
- 7. المباهلة: 66 ، لعبد الله السبيتي، طبعة: مكتبة النجاح، طهران / إيران.
- 8. a. b. c. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 33، الصفحة: 422.
- 9. المِرْط: كساء من صوف أو خزّ أو كتان يؤتزر به.
- 10. مُرَحَّل : ضرب من برود اليمن.
- 11. صحيح مسلم : 4 / 1883 حديث : 2424 ، طبعة بيروت.
- 12. الخَزِيرَة: حساء من لحم و دقيق.
- 13. مسند احمد بن حنبل : 6 / 292 ، طبعة : بيروت.
- 14. راجع تفسير الدر المنثور و تمعَّن في الأحاديث التي أوردها المؤلف الجليل عند ذكره لهذه الآية.
- 15. a. b. c. d. القران الكريم: سورة الشورى (42)، الآية: 23، الصفحة: 486.
- 16. الدُر المنثور: 7 / 348 ، طبعة : محمد أمين / بيروت.
- 17. معالم التنزيل: 7 / 363 ، طبعة دار المعرفة بيروت.
- 18. تفسير القرآن العظيم: 7 / 365 ، طبعة : دار المعرفة / بيروت.
- 19. القران الكريم: سورة الكوثر (108)، من بداية السورة إلى الآية 3، الصفحة: 602.
- 20. التفسير الكبير: 30 تفسير سورة الكوثر ، نقلاً عن أهل البيت في القرآن: 401 .
- 21. القران الكريم: سورة الانسان (76)، الآية: 7 و 8، الصفحة: 579.
- 22. القران الكريم: سورة الانسان (76)، من بداية السورة إلى الآية 1، الصفحة: 578.
- 23. القران الكريم: سورة الانسان (76)، الآية: 9، الصفحة: 579.
- 24. أُسْد الغابة: ابن الأثير: 5 : 530.