مجموع الأصوات: 46
نشر قبل سنة واحدة
القراءات: 1952

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

أهداف البعثة النبوية

خلق الله الإنسان لكي يعيش السعادة في الحياة الدنيا من خلال الالتزام بشريعة الله عزوجل، وليكون ذلك المدخل الصحيح لحياة الخلود يوم القيامة في جوار رحمة الله ومغفرته وفيضه اللامتناهي.
ومن أجل تحقيق هذه الغاية بعث الله الأنبياء والرسل بشكل متوال ومتعاقب حتى لا تضيع الغاية، ويضيع تبعاً لذلك الصراط المستقيم الذي ينبغي على الإنسان أن يسير فيه في الحياة الدنيا.
وكان آخر من بعثه الله عزوجل هو خاتم الأنبياء أبو القاسم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ليكتمل به عقد الأنبياء من جهة، ولتكتمل ببعثته الشريعة الإلهية المحتوية على كل ما تحتاجه حياة البشر إلى يوم القيامة.

وقد استطاع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يجعل من شريعة الله الخاتمة "الإسلام" كما جاء في الآية الكريمة ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ... 1 هي الأساس الأول والمصدر الرئيس لكل الأحكام والنظم والقوانين التي تنظم حياة الناس طبق موازين الحق والعدل.
ولا شك أن النجاح الكبير الذي حققه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حياته استمر بعد رحيله إلى ربه راضياً مرضياً وتوسعت دولة الإسلام ودخلت شعوب كثيرة في هذا الدين بعد أن عانت الضياع الفكري والعقائدي من جهة، وعاشت حياة مليئة بالظلم والجور والاضطهاد من جهة أخرى.
ولا يخفى على المتأمل أن السبب في كل النجاحات المتحققة زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعده هي الروحية العالية للالتزام بالإسلام قولاً وعملاً وسلوكاً، مضافاً إلى الخواء والفراغ الروحيين الذين كانت تعيشهما الشعوب في ذلك الزمن، فكان المسلمون ينتصرون في الغالب فكرياً أو عسكرياً على أغلب من يواجههم لوضوح العقيدة والأهداف والمناهج، بينما لم يكن لدى الآخرين ما يتمسكون به ليعينهم على الدفاع عن أنماط الحياة التي كانوا يعيشونها.
ولذا نجد أن القرآن الكريم يشرح الحالة التي كان عليها الناس زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويبين السبب لبعثته الشريفة، فتقول الآية: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ 2، ثم تاتي آية أخرى لتوضح أن بعثة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هي للشهادة والتبشير والإنذار، وللدعوة إلى الله ولإنارة الطريق للبشرية التائهة الباحثة عن الحق والعدل وإقامتهما في الأرض، والآية هي: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا 3.
فإذن يتضح مما سبق ذكره ومما ذكرته الآية التي تبيّن أهداف البعثة النبوية أن الانحراف عن الصراط المستقيم هو السبب الأساس لذلك، ولا شك أن الناظر في الزمن الحاضر الذي نعيش يلمس مدى التشابه والتقارب من حيث الضياع والتشتت والفراغ العقائدي والانحراف الروحي مع ذلك الزمن الغابر الذي احتضن البعثة النبوية.

وهذا التشابه يعطي الانطباع بأن طرح العقيدة الإسلامية في مثل هذه الأجواء سوف يجد طريقه إلى العقول والقلوب المتعطشة لكل معاني الحب والخير والعدل والحق التي كادت أن تصبح مفقودة بل معدومة في هذا العالم بسبب ظلام الكفر والإلحاد والنفاق الذي يخيم على حياة البشر، وبسبب الآلام والأوضاع المأساوية الخطيرة التي يعيشها أغلب الشعوب المستضعفة المقهورة والمستسلمة لإدارة القوى الاستكبارية في عالمنا اليوم.
إلا أن هذا الطرح يحتاج إلى مقدماته الموضوعية التي تكفل له ما هو المأمول من النجاح للوصول إلى الهدف الأسمى وهو تصحيح مسار الحياة البشرية، ومن أهم تلك المقدمات: الفهم الواعي والدقيق للعقيدة، ودراسة ظروف البعثة النبوية، والتجربة النبوية من أجل استنباط القواعد الكلية التي هي التطبيق العملي للعقيدة الإسلامية التي لا تتأثر بالتطورات في الصور والأشكال والمظاهر بينما المضمون والمعنى يبقى ثابتاً لا يتغير، وكذلك لا بد من الفهم العميق للعصر الذي نحن فيه حتى نعرف كيف نصوغ الأفكار ضمن الأطر والبرامج المتناسبة مع طريقة العرض والفهم المتبعة لكن من دون الإخلال بالضوابط والحدود الشرعية في هذا المقام، وكذلك ينبغي على العاملين التحلي بالمزايا والفضائل الأخلاقية وعلى رأسها "الصبر" الذي يمكن اعتباره خير معين مع العوائق الكثيرة والكبيرة الموجودة في طريق الدعاة والمبلّغين والتي يثيرها ويديرها كل الذين لا يريدون للإنسانية أن تتحرر من أسر الظالمين والمستكبرين4.