الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الأحاديث الصحيحة التي توجب أتباع أهل البيت

1 - حديث الثقلين

قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) :
" يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله و عترتي أهل بيتي " و قال أيضا :
" يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب و إني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى و النور و أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي "   .
و إذا أمعنا النظر في هذا الحديث الشريف الذي أخرجه صحاح أهل السنة و الجماعة وجدنا أن الشيعة وحدهم هم الذين اتبعوا الثقلين " كتاب الله و العترة النبوية الطاهرة " بينما اتبع أهل السنة و الجماعة قول عمر " حسبنا كتاب الله " .
و ليتهم اتبعوا كتاب الله بغير تأويل حسب أهوائهم فإذا كان عمر نفسه لم يفهم منه معنى الكلالة و لا عرف منه آية التيمم و عدة أحكام أخرى فكيف بمن جاء بعده و قلده بدون اجتهاد أو اجتهد برأيه في النصوص القرآنية ، و بطبيعة الحال سوف يردون علي بالحديث المروي عندهم و هو " تركت فيكم كتاب الله و سنتي "   .
و هذا الحديث إن صح و هو صحيح في معناه ، لان معنى العترة بقوله ( صلى الله عليه و آله ) في حديث الثقلين المتقدم هو الرجوع إلى أهل بيتي ليعلموكم - أولا - سنتي ، أو لينقلوا إليكم الأحاديث الصحيحة لأنهم منزهون عن الكذب و إن الله سبحانه عصمهم بآية التطهير .
و ثانيا : لكي يفسروا لكم معانيها و مقاصدها ، لان كتاب الله وحده لا يكفي للهداية فكم من فرقة تحتج بكتاب الله و هي في الضلالة كما ورد ذلك عن رسول الله عندما قال : " كم من قارئ للقرآن و القرآن يلعنه " .
فكتاب الله صامت ، و حمال أوجه ، و فيه المحكم و المتشابه و لابد لفهمه من الرجوع إلى الراسخين في العلم حسب التعبير القرآني و إلى أهل البيت حسب التفسير النبوي .
فالشيعة يرجعون كل شيء إلى الأئمة المعصومين من أهل البيت النبوي و لا يجتهدون إلا في ما لا نص فيه .
و نحن نرجع في كل شيء إلى الصحابة سواء في تفسير القرآن أو في إثبات السنة و تفسيرها ، و قد علمنا أحوال الصحابة و ما فعلوه و ما استنبطوه و اجتهدوا فيه بآرائهم مقابل النصوص الصريحة و هي تعد بالمئات فلا يمكن الركون إلى مثلهم بعد ما حصل منهم ما حصل .
و إذا سألنا علماءنا ، أي سنة تتبعون ؟ لأجابوا قطعا : سنة رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) .
و الواقع التاريخي لا ينسجم مع ذلك ، فقد رووا أن الرسول نفسه قال :
" عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ " إذا فالسنة التي يتبعونها هي في أغلب الأحيان سنة الخلفاء الراشدين و حتى سنة الرسول التي يقولون بها فهي المروية عن طريق هؤلاء .
على أننا نروي في صحاحنا أن الرسول منعهم من كتابة سننه لئلا تختلط بالقرآن ، و كذلك فعل أبو بكر و عمر إبان خلافتيهما ، فلا يبقى بعد هذا حجة في قولنا " تركت فيكم سنتي "   .
و الذي ذكرته في هذا البحث من الأمثلة - و ما لم أذكره هو أضعاف ذلك - كاف لرد هذا الحديث لان من سنة أبي بكر و عمر و عثمان ما يناقض سنة النبي و يبطلها ، كما لا يخفى .
و إذا كانت أول حادثة وقعت بعد وفاة رسول الله مباشرة و سجلها أهل السنة و الجماعة و المؤرخون : هي مخاصمة فاطمة الزهراء لأبي بكر الذي احتج بحديث " نحن معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة " .
هذا الحديث الذي كذبته فاطمة الزهراء و أبطلته بكتاب الله ، و احتجت على أبي بكر بأن أباها رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) لا يمكنه أن يناقض كتاب الله الذي أنزل عليه إذ يقول سبحانه و تعالى : ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ... 1 .
و هي عامة تشمل الأنبياء و غير الأنبياء ، و احتجت عليه بقوله تعالى : ﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ... 2 و كلاهما نبي .
و قوله عز من قائل : ﴿ ... فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا 3.
و الحادثة الثانية التي وقعت لأبي بكر في أيام خلافته و سجلها المؤرخون من أهل السنة و الجماعة اختلف فيها مع أقرب الناس إليه و هو عمر بن الخطاب تلك الحادثة التي تتلخص في قراره بمحاربة ما نعي الزكاة و قتلهم فكان عمر يعارضه و يقول له لا تقاتلهم لأني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) يقول : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فمن قالها عصم مني ماله و دمه و حسابه على الله " .
و هذا نص أخرجه مسلم في صحيحه جاء فيه : " إن رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) أعطى الراية إلى علي يوم خيبر فقال علي : يا رسول الله على ماذا أقاتلهم ؟ فقال ( صلى الله عليه و آله ) قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ، فإن فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم و أموالهم إلا بحقها و حسابهم على الله "   .
و لكن أبا بكر لم يقتنع بهذا الحديث و قال : و الله لأقاتلن من فرق بين الصلاة و الزكاة فإن الزكاة حق المال ، أو قال : " و الله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم على منعه " و اقتنع عمر بن الخطاب بعد ذلك و قال : ما إن رأيت أبا بكر مصمما على ذلك حتى شرح الله صدري ، و لست أدري كيف يشرح الله صدور قوم بمخالفتهم سنة نبيهم ! .
و هذا التأويل ، منهم لتبرير قتال المسلمين الذين حرم الله قتلهم إذ قال في كتابه العزيز .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَٰلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ 4 . صدق الله العظيم .
على أن هؤلاء الذين منعوا إعطاء أبي بكر زكاتهم لم ينكروا وجوبها و لكنهم تأخروا ليتبينوا الأمر و يقول الشيعة إن هؤلاء فوجئوا بخلافة أبي بكر و فيهم من حضر مع رسول الله حجة الوداع و سمع منه النص على علي بن أبي طالب فتريثوا حتى يفهموا الحقيقة ، و لكن أبا بكر أراد إسكاتهم عن تلك الحقيقة و بما أنني لا أستدل و لا أحتج بما يقوله الشيعة فسأترك هذه القضية لمن يهمه الأمر ليبحث فيها .
على أنني لا يفوتني أن أسجل هنا أن صاحب الرسالة ( صلى الله عليه و آله ) وقعت له في حياته قصة ثعلبة الذي طلب منه أن يدعو له بالغنى و ألح في ذلك و عاهد الله أنه يتصدق و دعا له رسول الله و أغناه الله من فضله و ضاقت عليه المدينة و أرجاؤها من كثرة إبله و غنمه حتى ابتعد و لم يعد يحضر صلاة الجمعة ، و لما أرسل إليه رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) العاملين على الزكاة رفض أن يعطيهم شيئا منها قائلا إنما هذه جزية أو أخت الجزية ، و لم يقاتله رسول الله و لا أمر بقتاله و أنزل فيه قوله : ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ 5 .
و جاء ثعلبة بعد نزول الآية و هو يبكي و طلب من رسول الله قبول زكاته و امتنع الرسول حسب ما تقول الرواية .
فإذا كان أبو بكر و عمر يتبعان سنة الرسول فلماذا هذه المخالفة و إباحة دماء المسلمين الأبرياء لمجرد منع الزكاة على أن المعتذرين لأبي بكر و الذين يريدون تصحيح خطئه بتأويله بأن الزكاة هي حق المال ، لا يبقى لهم و لا له عذر بعد قصة ثعلبة الذي أنكر الزكاة و اعتبرها جزية ، و من يدري لعل أبا بكر أقنع صاحبه عمر بوجوب قتل من منعوه الزكاة أن تسري دعوتهم في البلاد الإسلامية لإحياء نصوص الغدير التي نصبت عليا للخلافة ، و لذلك شرح الله صدر عمر بن الخطاب لقتالهم و هو الذي هدد بقتل المتخلفين في بيت فاطمة و حرقهم بالنار من أجل أخذ البيعة لصاحبه .
أما الحادثة الثالثة التي وقعت لأبي بكر في أول خلافته و خالفه فيها عمر بن الخطاب و قد تأول فيها النصوص القرآنية و النبوية : فهي قصة خالد بن الوليد الذي قتل مالك بن نويرة صبرا و نزا على زوجته فدخل بها في نفس الليلة .
و كان عمر يقول لخالد : يا عدو الله قتلت امرءا مسلما ثم نزوت على امرأته ، و الله لأرجمنك بالأحجار   .
و لكن أبا بكر دافع عنه و قال : " هبه يا عمر ، تأول فأخطأ فارفع لسانك عن خالد " .
و هذه فضيحة أخرى سجلها التاريخ لصحابي من الأكابر ! ! إذا ذكرناه ، ذكرناه بكل احترام و قداسة ، بل و لقبناه بـ " سيف الله المسلول " ! ! .
ماذا عساني أن أقول في صحابي يفعل مثل تلك الأفعال يقتل مالك بن نويرة الصحابي الجليل سيد بني تميم و بني يربوع و هو مضرب الأمثال في الفتوة و الكرم و الشجاعة .
و قد حدث المؤرخون أن خالدا غدر بمالك و أصحابه بعد أن وضعوا السلاح وصلوا جماعة فأوثقوهم بالحبال و فيهم ليلى بنت المنهال زوجة مالك و كانت من أشهر نساء العرب بالجمال و يقال إنها لم ير أجمل منها و فتن خالد بجمالها ، و قال له مالك : يا خالد أبعثتنا إلى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا ، و تدخل عبد الله بن عمر و أبو قتادة الأنصاري و ألحا على خالد أن يبعثهم إلى أبي بكر فرفض خالد و قال : لا أقالني الله إن لم أقتله فالتفت مالك إلى زوجته ليلى و قال لخالد : هذه التي قتلتني ، فأمر خالد بضرب عنقه و قبض على ليلى زوجته و دخل بها في تلك الليلة   .
ماذا عساني أن أقول في هؤلاء الصحابة الذين يستبيحون حرمات الله و يقتلون النفوس المسلمة من أجل هوى النفس و يستبيحون الفروج التي حرمها الله ، ففي الإسلام لا تنكح المرأة المتوفى زوجها إلا بعد العدة التي حددها الله في كتابه العزيز ، و لكن خالدا اتخذ إلهه هواه فتردى و أي قيمة للعدة عنده بعد أن قتل زوجها صبرا و ظلما و قتل قومه أيضا و هم مسلمون بشهادة عبد الله بن عمر و أبي قتادة الذي غضب غضبا شديدا مما فعله خالد و انصرف راجعا إلى المدينة و أقسم أن لا يكون أبدا في لواء عليه خالد بن الوليد   .
و حسبنا في هذه القضية المشهورة أن ننقل اعتراف الأستاذ هيكل في كتابه " الصديق أبو بكر " إذ قال تحت عنوان " رأي عمر و حجته في الأمر " .
" أما عمر ، و كان مثال العدل الصارم ، فكان يرى أن خالدا عدا على امرئ مسلم و نزا على امرأته قبل انقضاء عدتها فلا يصح بقاؤه في قيادة الجيش حتى لا يعود لمثلها فيفسد أمر المسلمين ، و يسيء إلى مكانتهم بين العرب قال : و لا يصح أن يترك بغير عقاب على ما أتم مع ليلى .
و لو صح أنه تأول فأخطأ في أمر مالك ، و هذا ما لا يجيزه عمر ، و حسبه ما صنع مع زوجته ليقام عليه الحد ، فليس ينهض عذرا له إنه سيف الله ، و إنه القائد الذي يسير النصر في ركابه فلو أن مثل هذا العذر يقبل لأبيحت لخالد و أمثاله المحارم ، و لكان أسوأ مثل يضرب للمسلمين في احترام كتاب الله ، لذلك لم يفتأ عمر يعيد على أبي بكر ، و يلح عليه ، حتى استدعى خالدا و عنفه . . "   .
و هل لنا أن نسأل الأستاذ هيكل و أمثاله من علمائنا الذين يراوغون حفاظا على كرامة الصحابة ، هل لنا أن نسألهم ، لماذا لم يقم أبو بكر الحد على خالد ؟ و إذا كان عمر كما يقول هيكل مثال العدل الصارم فلماذا اكتفى بعزله عن قيادة الجيش و لم يقم عليه الحد الشرعي حتى لا يكون ذلك أسوأ مثل يضرب للمسلمين في احترام كتاب الله كما ذكر ؟ و هل احترموا كتاب الله و أقاموا حدود الله ؟ كلا إنها السياسة و ما أدراك ما السياسة ؟ تصنع الأعاجيب و تقلب الحقائق ، و تضرب بالنصوص القرآنية عرض الجدار .
و هل لنا أن نسأل بعض علمائنا الذين يروون في كتبهم أن رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) غضب غضبا شديدا عندما جاء أسامة ليشفع لإمراة شريفة سرقت .
فقال ( صلى الله عليه و آله ) : " و يحك أتشفع في حد من حدود الله و الله لو كانت فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ، إنما أهلك من كان قبلكم إذا سرق الشريف تركوه و إذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد " .
فكيف يسكتون عن قتل المسلمين الأبرياء و الدخول بنسائهم في نفس الليلة و هن منكوبات بموت أزواجهن و يا ليتهم يسكتون ! و لكنهم يحاولون تبرير فعل خالد باختلاق الأكاذيب و بخلق الفضائل و المحاسن له حتى لقبوه بسيف الله المسلول .
و لقد أدهشني بعض أصدقائي و كان مشهورا بالمزح و قلب المعاني ، فكنت أذكر له مزايا خالد بن الوليد في أيام جهالتي و قلت له أنه سيف الله المسلول ، فأجابني : إنه سيف الشيطان المشلول ، و استغربت يومها ، و لكن بعد البحث فتح الله بصيرتي و عرفني قيمة هؤلاء الذين استولوا على الخلافة و بدلوا أحكام الله و عطلوها و تعدوا حدود الله و اخترقوها .
و خالد بن الوليد له في حياة النبي قصة مشهورة إذ بعثه النبي إلى بني جذيمة ليدعوهم إلى الإسلام و لم يأمره بقتالهم .
فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فقالوا : صبأنا صبأنا فجعل خالد يقتل و يأسر بهم و دفع الأسرى إلى أصحابه و أمرهم بقتلهم و امتنع البعض من قتلهم لما تبين لهم أنهم أسلموا و لما رجعوا و ذكروا ذلك النبي ( صلى الله عليه و آله ) .
قال : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد قالها مرتين   و بعث علي بن أبي طالب إلى بني جذيمة و معه مال فودَّى لهم الدماء و ما أصيبت لهم من أموال حتى ودَّى لهم ميلغة الكلب و قام رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) فاستقبل القبلة قائما شاهرا يديه إلى السماء حتى انه ليرى ما تحت منكبيه ، يقول : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ثلاث مرات   .
فهل لنا أن نسأل أين هي عدالة الصحابة المزعومة التي يدعونها ، و إذا كان خالد بن الوليد و هو عندنا من عظمائنا حتى لقبناه بسيف الله أ فكان ربنا يسل سيفه و يسلطه على المسلمين و الأبرياء و على المحارم فيهتكها ، ففي ذلك تناقض لان الله ينهى عن قتل النفس و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغي و لكنه - أي خالد - في نفس الوقت يسل سيف البغي ليفتك بالمسلمين و يهدر دماءهم و أموالهم و يسبي نساءهم و ذراريهم ، إن هذا زور من القول و بهتان مبين ، سبحانك ربنا و بحمدك تباركت و تعاليت عن ذلك علوا كبيرا ، سبحانك ما خلقت السماوات و الأرض و ما بينهما باطلا ، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار .
كيف جاز لأبي بكر و هو خليفة المسلمين أن يسمع بتلكم الجرائم الموبقة و يسكت عنها بل و يدعو عمر بن الخطاب بأن يكف لسانه عن خالد ، و يغضب على أبي قتادة لإنكاره فعل خالد ، أكان مقتنعا حقا بأن خالدا تأول فأخطأ ، فأي حجة بعد هذا على المجرمين و الفاسقين في هتكهم الحرمات و ادعائهم التأويل .
أما أنا فلا أعتقد بأن أبا بكر كان متأولا في أمر خالد الذي سماه عمر بن الخطاب بـ " عدو الله " و كان من رأيه أن يقتل خالد لأنه قتل إمرءا مسلما و يرجمه بالحجارة لأنه زنى بزوجة مالك " ليلى " و لم يقع شيء من ذلك للقاتل الجاني بل خرج منها منتصرا على عمر بن الخطاب لان أبا بكر وقف إلى جانبه و هو يعلم حقيقة خالد أكثر من أي أحد ، فقد سجل المؤرخون أنه بعثه بعد تلك الواقعة المشينة إلى اليمامة التي خرج منها منتصرا و تزوج في أعقابها بنتا كما فعل مع ليلى و لما تجف دماء المسلمين بعد و لا دماء أتباع مسيلمة ، و قد عنفه أبو بكر على فعلته هذه بأشد مما عنفه على فعلته مع ليلى   ، و لا شك أن هذه البنت هي الأخرى ذات بعل فقتله خالد و نزا عليها كما فعل بليلى زوجة مالك .
و إلا لما استحق أن يعنفه أبو بكر بأشد مما عنفه على فعلته الأولى ، على أن المؤرخين يذكرون نص الرسالة التي بعث بها أبو بكر إلى خالد بن الوليد و فيها يقول : " لعمري يابن أم خالد إنك لفارغ تنكح النساء و بفناء بيتك دم ألف و مائتي رجل من المسلمين لم يجف بعد "   .
و لما قرأ خالد هذا الكتاب قال : هذا عمل الأعسر يقصد بذلك عمر بن الخطاب .
فهذه من الأسباب القوية التي جعلتني أنفر من أمثال هؤلاء الصحابة ، و من تابعيهم الذين يتأولون النصوص و يختلقون الروايات الخيالية لتبرير أعمال أبي بكر و عمر و عثمان و خالد بن الوليد و معاوية و عمرو بن العاص و إخوانهم ، اللهم إني استغفرك و أتوب إليك ، اللهم إني أبرأ إليك من أفعال هؤلاء و أقوالهم التي خالفت أحكامك و استباحت حرماتك و تعدت حدودك ، و اغفر لي ما سبق من موالاتهم إذ كنت من الجاهلين ، و قد قال رسولك " لا يعذر الجاهل بجهله " ، اللهم إن ساداتنا و كبراءنا قد أضلونا السبيل و حجبوا عنا الحقيقة و صوروا لنا الصحابة المنقلبين بأنهم أفضل الخلق بعد رسولك ، و لا شك إن آباءنا و أجدادنا كانوا ضحية الدس و الغش الذي توخاه الأمويون و من بعدهم العباسيون اللهم فاغفر لهم و لنا فأنت تعلم السرائر و ما تخفي الصدور و ما كان حبهم و تقديرهم و احترامهم لأولئك الصحابة إلا عن حسن نية على أنهم أنصار رسولك محمد صلواتك و سلامك عليه و أحباؤه . . و أنت تعلم - يا سيدي - حبهم و حبنا للعترة الطاهرة ، الأئمة الذين أذهبت عنهم الرجس و طهرتهم تطهيرا و على رأسهم سيد المسلمين و أمير المؤمنين و قائد الغر المحجلين و إمام المتقين سيدنا على بن أبي طالب .
و اجعلني اللهم من شيعتهم و من المتمسكين بحبل ولائهم و السائرين على منهاجهم ، و الراكبين في سفينتهم و المستمسكين بعروتهم الوثقى و الداخلين من أبوابهم و الدائبين في محبتهم و مودتهم العاملين بأقوالهم و أفعالهم و الشاكرين لفضلهم و نوالهم .
اللهم و احشرني في زمرتهم فقد قال نبيك صلواتك عليه و على آله : " يحشر المرء مع من أحب " .

2 - حديث السفينة

قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) :
" إنما مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه ، من ركبها نجا و من تخلف عنها غرق "   .
" و إنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له "   .
و قد أورد ابن حجر في كتابه الصواعق المحرقة هذا الحديث ثم قال : و وجه تشبيههم بالسفينة أن من أحبهم وعظمهم شكرا لنعمة مشرفهم ، و أخذا بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات ، و من تخلف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم و هلك في مفاوز الطغيان ، و وجه تشبيههم بباب حطة ، إن الله تعالى جعل دخول ذلك الباب الذي هو باب أريحا ، أو بيت المقدس مع التواضع ، و الاستغفار سببا للمغفرة ، و جعل لهذه الأمة مودة أهل البيت سببا للمغفرة و النجاة .
و يا ليتني أسأل ابن حجر هل كان من الذين ركبوا السفينة و دخلوا الباب و أخذوا بهدي العلماء ، أم أنه من الذين يقولون ما لا يفعلون و يخالفون ما يعتقدون ، و كثيرون هم أولئك الجهلة الذين عندما أسألهم و احتج عليهم يقولون لي ، نحن أولى بأهل البيت و بالإمام علي من غيرنا ، نحن نحترم أهل البيت و نقدرهم و ليس هناك من ينكر فضلهم و فضائلهم ! .
نعم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، أو أنهم يحترمونهم و يقدرونهم و لكن يقتدون بأعدائهم ، و يقلدونهم و من قاتلهم و خالفهم .
أو أنهم في أغلب الأحيان لا يعرفون من هم أهل البيت و إذا سألتهم من هم أهل البيت ؟ يجيبون على الفور : هم نساء النبي اللاتي أذهب الله عنهن الرجس و طهرهم تطهيرا ، و قد كشف لي أحدهم عن هذا اللغز عندما سألته و أجابني قائلا : أهل السنة و الجماعة كلهم يقتدون بأهل البيت ، و تعجبت و قلت كيف ذلك ؟ فقال : قال رسول الله خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء يعني عائشة ، فنحن أخذنا نصف الدين عن أهل البيت ، و على هذا الأساس يفهم كلامهم حول احترام و تقدير أهل البيت أما إذا سألتهم عن الأئمة الإثني عشر فلا يعرفون منهم غير علي و الحسن و الحسين مع أنهم لا يقولون بإمامة الحسنين ، و هم يحترمون معاوية بن أبي سفيان الذي دس السم للحسن فقتله ( و يسمونه " كاتب ـ الوحي " ) و عمرو بن العاص كاحترامهم الإمام علي .
إنه التناقض و الخلط و التلبيس تلبيس الحق بالباطل و تغليف الضياء بالظلام و إلا كيف يجتمع في قلب المؤمن حب الله و الشيطان معا ، قال الله في كتابه المجيد : ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ 6.
و قال أيضا عز من قائل : ﴿ ... يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ... 7.

3 - حديث من سره أن يحيا حياتي

قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) :
" من سره أن يحيا حياتي ، و يموت مماتي ، و يسكن جنة عدن غرسها ربي ، فليوال عليا من بعدي و ليوال وليه ، و ليقتد بأهل بيتي من بعدي ، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي ، و رزقوا فهمي و علمي ، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي "   .
و هذا الحديث هو كما نرى من الأحاديث الصريحة التي لا تقبل التأويل و لا تترك للمسلم أي اختيار بل تقطع عليه كل حجة ، و إذا لم يوال عليا و يقتد بأهل البيت عترة الرسول فهو محروم من شفاعة جدهم رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) .
و تجدر الإشارة هنا بأنه خلال البحث الذي قمت به شككت في البدء في صحة هذا الحديث و استعظمته لما فيه من تهديد و وعيد لمن كان على خلاف مع علي و أهل البيت و خصوصا أن هذا الحديث لا يقبل التأويل ، و خفت الوطأة عندما قرأت في كتاب الإصابة لابن حجر العسقلاني بعدما أخرج الحديث قوله : " قلت في أسناده يحيى بن يعلى المحاربي و هو واه " و أزال ابن حجر بهذا القول بعض الإشكال الذي علق بذهني إذ تصورت أن يحيى بن يعلى المحاربي هو واضع الحديث و هو ليس بثقة ، و لكن الله سبحانه و تعالى أراد أن يوقفني على الحقيقة بكاملها ، و قرأت يوما كتاب " مناقشات عقائدية في مقالات إبراهيم الجبهان " .
و أوقفني هذا الكتاب على جلية الحال إذ تبين أن يحيى بن يعلى المحاربي هو من الثقات الذين اعتمدهم الشيخان مسلم و البخاري ، و تتبعت بنفسي فوجدت البخاري يخرج له أحاديث في باب غزوة الحديبية من جزئه الثالث في صفحة عدد 31 ، كما أخرج له مسلم في صحيحه في باب الحدود من جزئه الخامس في صفحة عدد 119 و الذهبي نفسه - على تشدده - أرسل توثيقة إرسال المسلمات و قد عده أئمة الجرح و التعديل من الثقات و احتج به الشيخان فلماذا هذا الدس و التزوير و تقليب الحقائق و الطعن في رجل ثقة احتج به أهل الصحاح ؟ أ لأنه ذكر الحقيقة الناصعة في وجوب الإقتداء بأهل البيت فكان جزاؤه من ابن حجر التوهين و التضعيف ، و قد فات ابن حجر أن من ورائه علماء جهابذة يحاسبونه على كل صغيرة و كبيرة و يكشفون تعصبه و جهله لأنهم يستضيئون بنور النبوة و يهتدون بهدى أهل البيت .
و عرفت بعد ذلك أن ببعض علمائنا يحاولون جهدهم تغطية الحقيقة لئلا ينكشف أمر الصحابة و الخلفاء الذين كانوا أمراءهم و قدوتهم فتجدهم مرة يتأولون الأحاديث الصحيحة الثابتة و يحملونها غير معانيها ، مثال ذلك تأويلهم لمعنى المولى بدل الأولى إلى معنى المحب و الناصر في حديث " من كنت مولاه فهذا علي مولاه " ، فعلماء أهل السنة يقولون بصحة الحديث و لكن يجب تأويله إلى معنى المحب و الناصر و ذلك لتصحيح خلافة أبي بكر و عمر و عثمان و إلا لوجب أن يكون علي كرم الله وجهه أولى منهم جميعا ، و هذا فيه ما فيه من تفسيق أكثر الصحابة الذين بايعوا أبا بكر و هو منكر من القول ، هذا قول علماء أهل السنة و الجماعة كما صرح لي به كثير من علمائنا في تونس ! و لما قلت لهم أن رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم  ) قبلَ الحديث و خلال الخطبة سألهم ( ألست أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا : بلى عند ذلك قال " من كنت مولاه فهذا علي مولاه " ) ، أجاب البعض بأن هذا من زيادات الشيعة ، و عندما سألتهم : أيعقل أن يجمع رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) و سلم مائة ألف من الحجيج في حر الهجير و يحبسهم في الشمس المحرقة ليقول لهم بأن عليا محب و ناصر المسلمين ؟ أ هذا معقول ؟ ؟ فسكتوا و لم يجيبوا .
و مرة يكذبون الأحاديث التي تناقض مذهبهم و إن وردت في صحاحهم و أسانيدهم ، مثال ذلك حديث " الخلفاء من بعدي إثنا عشر كلهم من قريش و في رواية كلهم من بني هاشم " و قد أخرج الحديث كل من البخاري و مسلم و كل صحاح أهل السنة و الجماعة ، و مع ذلك فهم يكذبون أن يكون هؤلاء هم الأئمة الإثنا عشر من أهل البيت الذين تقول بإمامتهم و ولائهم الشيعة الإمامية الإثنا عشرية ، و هم يعدون الخلفاء الراشدين الأربعة و منهم من يلحق بهم الخليفة عمر بن عبد العزيز فيصح العدد خمسة و يتوقفون عند ذلك لأنهم ، و الحق معهم لا يعدون معاوية و ابنه يزيد و لا مروان بن الحكم و أولاده من الخلفاء الراشدين ، و يبقى العدد ( إثنا عشر ) بالنسبة إليهم لغزا ليس له حل اللهم إلا إذا قالوا بقول الإمامية ! .
و مرة يحذفون من الحديث نصفه أو ثلثيه ليبدلوه بـ ( كذا و كذا ) ! ! و مثال ذلك حديث " إن هذا أخي و وصيي و خليفتي من بعدي فاسمعوا له و أطيعوا " قاله و هو آخذ برقبة علي و قد أخرج هذا الحديث كل من الطبري في تاريخه و ابن الأثير في كامله و كذلك كنز العمال و مسند الإمام أحمد و صاحب السيرة الحلبية و ابن عساكر و لكن الذي طبع كتاب تفسير الطبري ج 19 ص 121 لم يترك الحديث كاملا كما نطق به رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) و سلم بل حذف منه كل معانيه و أبدلها بقوله " إن هذا أخي و كذا و كذا ! ! " و غفل عن أن الطبري أخرج الحديث كاملا في تاريخه ج 2 ص 319 - 321 ، إنها الأمانة العلمية ، و لعل هذا العالم لم تمكنه الحيل من تكذيب الحديث و رأى أن فيه نصا صريحا على خلافة علي بعد رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) و سلم فعمد إلى تغطية هذه النصوص و تبديلها بكذا و كذا و ظن هذا المسكين بأنه سوف يحجب نور الشمس عندما يغمض هو عينيه ، أو أنه سوف يقنع القراء و المثقفين بقوله : كذا و كذا ، كلا إنها كلمة هو قائلها ! ! .
و مرة يشككون في الرواة الثقاة لأنهم حدثوا بما لا تهوى أنفسهم ، مثال ذلك طعنهم في يحيى بن يعلى المحاربي و هو من الثقاة الذين احتج بهم البخاري و مسلم في الصحاح و لكن ابن حجر العسقلاني طعن به و وصفه بأنه واه ، لا إلا أنه روى حديث الموالاة الذي أمر فيه رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) أصحابه بأن يوالوا من بعده عليا و أهل البيت ، و هذا الحديث لا يروق لابن حجر و أمثاله الذين يحاولون جهدهم طمس الحقائق التي أنفق معاوية بن أبي سفيان كل ما يملك من الذهب و الفضة في سبيل طمسها فلم يفلح ، فكيف يمكن لابن حجر أن يطمسها بطعنه في الرواة الثقاة ، و قد كان لمعاوية زيادة على المال ، الحول و الطول و السلطة و الجاه و مع ذلك فشل فشلا ذريعا و طواه الزمان في خبر كان بينما بقي نور الإمام علي يشع على مر الأيام ، فكيف يتسنى لابن حجر و أضرابه أن يشككوا في حقيقة أهل البيت بمجرد الطعن في الرواة الأمناء الثقاة ؟ ؟ فهيهات هيهات أن ينطفئ نور الله بالأفواه ! . .
و مرة يخرجون الحديث في الطبعة الأولى و يحذفونه في الطبعات الأخرى بدون أي إشارة إلى مبرر الحذف رغم أن المطلعين يدركون سبب ذلك ! ! مثال ذلك ما فعله محمد حسين هيكل في كتابه " حياة محمد " في الطبعة الأولى ص 104 قال :
عندما نزل قوله سبحانه ( و أنذر عشيرتك الأقربين ) ثم أورد القصة كما ذكرها المؤرخون و في أخرها قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) " إن هذا أخي و وصيي و خليفتي فيكم .. ! ! " و لكنه حذفها في الطبعة الثانية و ما بعدها من الطبعات بدون إشارة و لا تعليق يشيران من قريب أو من بعيد لسبب حذفه هذه الفقرة من حديث الرسول ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و إن كان الشيخ محمد جواد مغنية - و العهدة عليه - نقل في كتابه " الشيعة في الميزان " هذه الحادثة و قال أن محمد حسين هيكل حذف هذه الفقرة مقابل آلاف الجنيهات ، و بما أن هيكل لم يكذب الخبر و لم يعلل حذفه للفقرة المذكورة ، فقد تبين صدق الشيخ محمد جواد مغنية ، و إطلاعه الواسع على مجريات الأمور ! .
على أننا نقول لهؤلاء و أمثالهم الذين يشترون بآيات الله ثمنا قليلا : إتقوا الله و قولوا قولا سديدا و تذكروا قوله سبحانه و تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ﴾ 8، و قوله سبحانه و تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ 9 .
فهل لهؤلاء أن يتوبوا إلى الله و يعترفوا بالحق عسى أن يتوب الله عليهم ، قبل فوات الأوان ؟ ؟ ؟ .
و قد تحقق لدي كل هذا بعد البحث و التمحيص و عندي أدلة قاطعة على ما أقول ، فليتهم إذ يحاولون عبثا كل هذه المحاولات لتبرير أعمال الصحابة الذين انقلبوا على الأعقاب ، فجاءت أقوالهم متناقضة بعضها مع بعض و متناقضة مع التاريخ .
ليتهم اتبعوا الحق و لو كان مُرا إذا لأراحوا و استراحوا ، و لكانوا سببا في جمع شمل هذه الأمة المتمزقة و المتناحرة لا لشيء إلا لتأييد أقوالهم أو تفنيدها .
و إذا كان بعض الصحابة الأولين غير ثقاة في نقل الأحاديث النبوية الشريفة فيبطلون منها ما لا يتماشى و أهواءهم و خصوصا إذا كانت هذه الأحاديث من الوصايا التي أوصى بها رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) عند وفاته ، فقد أخرج البخاري و مسلم أن رسول الله أوصى عند موته بثلاث :
- أخرجوا المشركين من جزيرة العرب .
- أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم . . ثم يقول الراوي :
و نسيت الثالثة   .
فهل يعقل أن الصحابة الحاضرين الذين سمعوا وصايا الرسول الثلاث عند موته ينسون الوصية الثالثة و هم الذين كانوا يحفظون القصائد الشعرية الطويلة بعد سماعها مرة واحدة ؟ كلا و لكن السياسة هي التي أجبرتهم على نسيانها و عدم ذكرها ، إنها مهزلة أخرى من مهازل هؤلاء الصحابة ، و لان الوصية الأولى لرسول الله كانت - بلا شك - استخلاف علي بن أبي طالب فلم يذكرها الراوي .
مع أن الباحث في هذه المسألة يجد رائحة الوصية لعلي تفوح رغم كتمانها و عدم ذكرها فقد أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الوصايا كما أخرج مسلم أيضا في صحيحه في كتاب الوصية أنه ذكر عند عائشة أن النبي أوصى إلى علي   ، أنظر كيف يظهر الله نوره و لو ستره الظالمون .
أعود فأقول إذا كان هؤلاء الصحابة غير ثقاة في نقل وصايا رسول الله فلا لوم بعد ذلك على التابعين و تابعي التابعين .
و إذا كانت عائشة أم المؤمنين لا تطيق ذكر اسم علي و لا تطيب لها نفسا بخير كما ذكر ذلك ابن سعد في طبقاته   و البخاري في صحيحه ( باب مرض النبي و وفاته ) و إذا كانت تسجد لله شكرا عندما سمعت بموته ، فكيف يرجى منها ذكر الوصية لعلي و هي من عرفت لدى الخاص و العام بعدائها و بغضها لعلي و أولاده و لأهل بيت المصطفى .
فلا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم 10..