الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
السيد جمال الدين الأفغاني
من يرفع راية العدل، ويدعو الى الحق، ويطالب بالحرية، فلا بد ان يجد عاجلا ام آجلا من يتبع خطاه ويستجيب لدعوته.
هذه هي قصة السيد جمال الدين الأفغاني ذلك الرجل العظيم، الذي تفتخر به شعوب مختلفة بأنه ينتمي اليها، وهو فعلا ينتمي اليها جميعا، لانه لم يعمل لفئة دون اخرى، ولا لوطن دون آخر، ولا من اجل اقليم دون غيره.
فقد كان يعمل من اجل الحق، والحق مقدس لدى الجميع دائما، وقد كان يعمل للحرية، والحرية من حق الجميع دائما. وكان يعمل من أجل الاستقلال والاستقلال قوة للامة قطعا.
كان يدعو الى الحق والحرية، ولذلك اصبح له ظل ممدود في دنيا الفكر والسياسة، ودخل حتى في الكتب المدرسية، لانه احد اهم رموز النهضة في تاريخ الشرق الحديث، وهو من آبائها الأولين.
لقد مثّل الأفغاني روح النهضة، فصنع تيارا متميزا في دعوته، وانطلق من التسامح والاخاء في دعوته الى (الجامعة الاسلامية)، مستهدفا تحرير الشرق من الاستعمار والاحتلال، من خلال ايقاظ الامة بالعقلانية المتدينة، والتدين الفاعل، وكان حامل اول مشعل للحركة الاصلاحية في القرن الاخير، وكان له الدور الكبير في انبعاث الحركات التي تدعو الى الاستقلال.
ولد عام 1838م في (أسعد آباد) وبدأ هجراته المتعاقبة وهو في العاشرة من عمره حيث هاجر الى ايران، وبعد اقامة مدة قصيرة في كل من قزوين وطهران، انتقل الى النجف الاشرف، وبعد ان درس هناك لعدة سنوات، ارسله استاذه الى الهند، وكان لا يزال دون العشرين من العمر.
فبعد اقامته لمدة سنتين في الهند تم طرده منها في عام 1869م، من قبل سلطات الاحتلال البريطاني، فتجول خمس سنوات في أرض الله الواسعة، لقد دار بين أمم مختلفة، وحاور علماء الاديان جميعا، ومن أجل نشر دعوته، واستنهاض أمته هاجر الى كل حواضر الاسلام وغيرها، وأقام في كثير من المدن مثل كابول، وقزوين، وطهران، والنجف، وبغداد، ومكة وبمباي، وكراتشي، وكلكتا والبادكوبة، وبخارا، ولندن، وباريس، وبطرسبورغ، وميونيخ.
وكانت طريقته تقون على الاتصال باصحاب القرار، وتقديم النصح لهم بما يلزم، فإذا لم ينفع توجه الى الناس، وحثهم على تحمل مسؤولياتهم الاجتماعية والدينية، اجراء التغييرات اللازمة.
فمثلا حينما استقر به المقام بعد هجرته الاولى الى اسطنبول اتصل هناك بجانب من الوسط الثقافي، فألقى محاضرة أثارت الجماعات المتزمتة، فنفي الى مصر عام 1871م، فبقي هناك ثماني سنوات، لكنه أُخرج من مصر إثر تولي الخديوي توفيق العرش، فأبعد الى الهند أخرى، وبعد إقامة قصيرة في كراجي ثم في بومباي، انتقل الى حيدر آباد حيث بقي هناك سنتين، أو اكثر، نشر خلالها كتابه ( الرد على الدهريين)، ثم ذهب الى كلكتا، وبقي هناك لمدة خمسة اشهر.
وعاد الى ايران، فما لبث أن ألقي به مريضا عند الحدود لتخوف الشاه منه، فذهب الى اوروبا، وبعدها زار لندن لفترة قصيرة، ثم استقر في باريس لمدة ثلاث سنوات وأنشأ فيها مجلة العروة الوثقى.
وهكذا كان الافغاني المهاجر الدائم في بلاد الله، يدعو الناس الى التمسك بالحق، ونبذ الباطل، ومواجهة الظلم، والتحرر من الاحتلال، والتسلح بالعلم والايمان.
ولقد كان كان الرجل اشبه شيء بكرة النار، ما تمس شيئا إلا أشعلت فيه لهبا.
فلم يدخل بلداً، إلا وايقظ الناس على ما يجب عليهم فعله، وأعاد إليهم روح العمل، والثقة بالنفس وضرورة النهضة والتجديد، وما من نهضة إلا وكانت للأفغاني يد فيها.
لقد كان الافغاني رجل دين، يتحمل مسؤوليته الدينية في عملية الاصلاح، ومقاومة الظلم، ومواجهته الاحتلال الأجنبي، وكان يرى ان الايمان هو محور التحرك، وأن الاصلاح منه يبدأ وإليه ينتهي.
ولأن السيد جمال الدين كان يعبر بجلاء عن ضمير الامة، ويعمل لمعالجة آلامهم، وينير لهم الطريق لتحقيق طموحاتهم فقد كانت لكلماته فعل السحر في الناس، وخاصة الطبقة المثقفة منهم.
فقد عبّر خير تعبير عن المشكلات التي كان المسلمون يعانون منها، وكان يحثهم بحماسة بالغة على محاولة فهم اسباب التخلف والعمل لاصلاحها.
ثم ان الافغاني تميز، بالاضافة الى وعيه وثقافته، بصفات شخصية جعلت منه قائدا فذا، وزعيما كبيرا، فلقد كان جرئيا في قول الحق، لا يخشى أحدا إلا الله، فلا السلطات الانجليزية ف عز عظمة بريطانيا، ولا الحكام المحليون كانوا يثيرون خوفه، وكان يواجههم بقوة المنطق، وشجاعة المقاوم.
أما السنوات الاخيرة من حياته فقد قضاها في اسنطبول، وذلك في عام 1892م، وهناك من يرى أنه دُس له السم وتمت تصفيته عام 1897م.
غير ان الذي لم يكن بقدور أحد تصفيته من السيد الافغاني، فهي تلك الروح التي حملها بين جنبيه وبثها في الامة، والتي لا تزال تعطي ثمارها الى اليوم 1.
- 1. المصدر: موقع سماحة السيد هادي المدرسي حفظه الله.