حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
ترجمة مالك الأشتر
هو مالك ابن الحارث الأشتر النخعي ، أدرك النبي الأعظم ( ص ) وقد أثنى عليه كل من ذكره ، ولم أجد أحداً يغمز فيه 1.
وكان فارساً شجاعاً رئيساً من أكابر الشيعة وعظمائها ، شديد التحقق بولاء أمير المؤمنين ( ع ) ونصره ، وقال فيه بعد موته : رحم الله مالكاً ، فلقد كان لي كما كنت لرسول الله ( ص ) .
وقد روى المحدثون حديثاً يدل على فضيلةٍ عظيمة للأشتر رحمه الله ، وهي شهادة قاطعة من النبي ( ص ) بأنه مؤمن ـ وذكر قصة وفاة أبي ذر وقول رسول الله ( ص ) « ليموتنّ أحدكم بفلاةٍ من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين » . إلى أن قال : وكان النفر الذين حضروا موت أبي ذر بالربذة مصادفة جماعة ، منهم حِجرُ بن الأدْبرَ ، ومالكُ بن الحارث الأشتر 2.
وقد شهد أمير المؤمنين علي ( ع ) في حقه شهادات عالية تدل على عظمة هذا الرجل . من ذلك كتابه إلى أهل مصر :
« أما بعد ، فقد بعثت إليكم عبداً من عباد الله ، لا ينام أيام الخوف ، ولا ينكِلُ عن الأعداء ساعاتِ الروع ، أشدُّ على الفجّار من حريقِ النار ، وهو مالِكُ بن الحارث أخو مذحج ، فاسمعوا له وأطيعوا أمره فيما طابق الحق ، فإنه سيف من سيوف الله ، لا كليلُ الضُبّة ، ولا نابِي الضربة فإن أمركم أن تَنفِروا فأنفروا ، وإن أمركم أن تُقيموا فأقِيموا ، فإنه لا يقدِمُ ولا يُحجم ، ولا يؤخر ولا يقدِمُ إلا عن أمري ، وقد آثرتكم به على نفسي لنصيحته لكم ، وشدة شكيمته على عدوكم . . . » الخ .
وكتب ( ع ) إلى أميرين من أمراء جيشه :
« وقد أمرت عليكما وعلى من في حيّزكما مالك بن الحارث الأشتر ، فاسمعا له وأطيعا ، وأجعلاه درعاً ومجنّاً ، فإنه ممن لا يُخاف وَهنُه ولا سَقطَتُه ، ولا بطؤه عما الإِسراع إليه أحزم ولا إسراعه إلى ما البطىء عنه أمثل . . » 3.
قال ابن أبي الحديد : فأما ثناء أمير المؤمنين ( ع ) عليه في هذا الفصل ، فقد بلغ مع اختصاره ما لا يبلغ بالكلام الطويل ، ولعمري لقد كان الأشتر أهلاً لذلك ، كان شديد البأس ، جواداً رئيساً حليماً فصيحاً شاعراً ، وكان يجمع بين اللين والعنف ، فيسطو في موضع السطوة ، ويرفق في موضع الرفق .
وقد ذكرنا بعض مواقفه في حرب الجمل وصفين فيما سيأتي من هذا الكتاب 4 .
ومات الأشتر في سنة تسع وثلاثين متوجهاً إلى مصر والياً عليها لعلي ( ع ) ، قيل : سُقي سُمّاً . وقيل : إنه لم يصح ذلك ، وإنما مات حتف أنفه 5.
وفي الكامل لابن الأثير : دسَّ معاوية بن أبي سفيان للأشتر مولى عمر ، فسقاه شربة سويقٍ فيها سُمٌّ فمات . فلما بلغ معاوية موته ، قام خطيباً في الناس فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : أما بعد ، فإنه كانت لعليّ بن أبي طالب يدان يمينان ، قُطعت إحداهما يوم صفين ، وهو عمار بن ياسر ، وقُطِعت الأخرى اليوم وهو مالك الأشتر .
وحين بلغ أمير المؤمنين استشهاده ، كتب إلى محمد بن أبي بكر : « إن الرجل الذي كنتُ وليته مصر كان لنا نصيحاً ، وعلى عدونا شديداً ، وقد استكمَل أيامَه ، ولاقىٰ حِمامه ، ونحن عنه راضون فرضي الله عنه ، وضاعف له الثواب وأحسن له المآب » .
وقد جزع على فقده أمير المؤمنين جزعاً شديداً ، فقد قال حين بلغه موته : « إنا لله وإنا إليه راجعون ، والحمد لله رب العالمين ، اللهم إني احتسبه عندك ، فإن موته من مصائب الدهر ، ثم قال : رحم الله مالكاً فقد كان وفىٰ بعهده ، وقضى نحبه ، ولقيَ ربَّه ، مع أنّا قد وطنّا أنفسنا أن نصبر على كل مصيبة بعد مُصابنا برسول الله ( ص ) فإنها من أعظم المصائب » .
قال المغيرة الضُبّي : لم يزل أمر علي شديداً حتى مات الأشتر .
وعن جماعة من أشياخ النخع قالوا : دخلنا على علي أمير المؤمنين حين بلغه موت الأشتر ، فوجدناه يتلهف ويتأسف عليه ، ثم قال : للهِ درُّ مالِك ، وما مالِك ؟ لو كان من جبلٍ لكان فِنْداً . ولو كان من حجر لكان صلداً ، أما والله ليهدّن موتُك عالماً ، وليُفرحن عالماً ، على مثل مالِك فليبكِ البواكي ، وهل موجودٌ كمالِك ؟ !
وقال علقمة بن قيس النخعي : فما زال عليٌّ يتلهفُ ويتأسف حتى ظننا أنه المصابُ دوننا وعُرف ذلك في وجهه أياماً 6.
رحمة الله وسلامه عليه 7.