حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
طـول عمـر الإمــام المهدي عجل الله تعالى فرجه بيــن الإعجــاز والعلـم
عرفنا حتّى الآن أنّ العمر الطويل ممكن علميّاً. ولكن لنفترض أنّ ذلك غير ممكن، وأنّ قانون الشيخوخة والهرم قانون صارم لا يمكن للبشريّة، اليوم وعلى المدى الطويل، أن تتغلّب عليه، وتغيّر من ظروفه وشروطه، فماذا يعني ذلك؟
إمكانيّة المعجزة
إنّ إطالة عمر الإنسان، كما طال عمر النبي نوحٍ عليه السلام أو كما حصل مع الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، قروناً متعدّدة، هي على خلاف ما نألفه من القوانين الطبيعيّة التي أثبتها العلم بوسائل التجربة والاستقراء الحديثة. وبذلك، تصبح هذه الحالة بما أنّها واقعة فعلاً، معجزةً عطّلت قانوناً طبيعيّاً مألوفاً في حالة معيّنة؛ للحفاظ على حياة الشخص الذي أُنيط به الحفاظ على رسالة السماء. وليست هذه المعجزة فريدة من نوعها، أو غريبة على عقيدة المسلم المستمدّة من نصّ القرآن والسنّة؛ فليس قانون الشيخوخة والهرم أشدّ صرامة من قانون انتقال الحرارة من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقلّ حرارة حتّى يتساويا، وقد عُطّل هذا القانون لحماية حياة النبي إبراهيم عليه السلام، فقيل للنار حين أُلقي فيها عليه السلام: ﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ﴾ 1، فخرج منها كما دخل سليماً لم يصبه أذىً.
متى تتدخّل المعجزة؟
ثبت لدى المسلمين كثيرٌ من المعجزات، وكثيرٌ من القوانين الطبيعيّة التي عُطّلت لحماية أشخاص من الأنبياء وحجج الله على الأرض عليهم السلام؛ ففُلق البحر لموسى عليه السلام، وشُبّه للرومان أنّهم قبضوا على نبي الله عيسى عليه السلام ولم يكونوا قد قبضوا عليه، وخرج النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم من داره وهي محفوفة بحشود قريش التي ظلّت ساعات تتربّص به لتهجم عليه، فستره الله تعالى عن عيونهم وهو يمشي بينهم. كلّ هذه الحالات تمثّل قوانين طبيعيّة عُطّلت لحماية شخص، كانت الحكمة الربّانيّة تقتضي الحفاظ على حياته، فليكن، إذاً، قانون الشيخوخة والهرم من تلك القوانين.
يمكن أن نخرج من ذلك بمفهوم عام وهو أنّه كلّما توقّف الحفاظ على حياة حجّة لله في الأرض على تعطيل قانون طبيعيّ، وكانت إدامة حياة ذلك الشخص ضروريّة لإنجاز مهمّته التي أُعدّ لها، تدخّلت العناية الربّانيّة في تعطيل ذلك القانون لإنجاز ذلك. وعلى العكس، إذا كان الشخص قد انتهت مهمّته التي أُعِدّ لها ربّانيّاً، فإنّه سيُستشهد وفقاً لما تقرّره القوانين الطبيعيّة.
هل يمكن أن يتعطّل قانون الطبيعة؟
عادةً، تواجه هذه الحالة مجموعة أسئلة: كيف يمكن أن يتعطّل القانون؟ وكيف تنفصم العلاقة الضروريّة التي تقوم بين الظواهر الطبيعيّة؟ وهل هذه إلّا مناقضة للعلم الذي اكتشف ذلك القانون الطبيعيّ، وحدّد هذه العلاقة الضروريّة على أُسس تجريبيّة واستقرائيّة؟!
إنّ العلم نفسه قد أجاب عن ذلك بالتنازل عن فكرة الضرورة في القانون الطبيعيّ، وتوضيح ذلك:
إنّ القوانين الطبيعيّة يكتشفها العلم على أساس التجربة والملاحظة المنتظمة، فحين يطّرد وقوع ظاهرة طبيعيّة عقيب ظاهرة أخرى، يُستدلّ بهذا الاطّراد على قانون طبيعيّ، وهو أنّه كلّما وُجدت الظاهرة الأولى وُجدت الظاهرة الثانية عقبها. غير أنّ العلم لا يفترض في هذا القانون الطبيعيّ علاقة ضروريّة (أي إنّ ذات الظاهرتين يلزمهما بالاتصال والتعاقب في الظهور) بين الظاهرتين نابعة من صميم هذه الظاهرة وذاتها، وصميم تلك وذاتها؛ لأنّ الضرورة حالة غيبيّة، لا يمكن للتجربة ووسائل البحث الاستقرائيّ والعلميّ إثباتها.
ولهذا، فإنّ منطق العلم الحديث يؤكّد أنّ القانون الطبيعيّ، كما يعرّفه العلم، لا يتحدّث عن علاقة ضروريّة، بل عن اقتران مستمرّ بين ظاهرتين، فإذا جاءت المعجزة وفصلت إحدى الظاهرتين عن الأخرى في قانون آخر، لم يكن ذلك فصماً لعلاقة ضروريّة بين الظاهرتين، غاية الأمر أنّ العلم لم يستطع تفسير سبب انفصالهما، أو القانون الآخر.
العلم يصدّق المعجزة
الحقيقة أنّ المعجزة في مفهومها الدينيّ، قد أصبحت في ضوء المنطق العلميّ الحديث مفهومة بدرجة أكبر ممّا كانت عليه في ظلّ وجهة النظر الكلاسيكيّة إلى علاقات السببيّة.
فقد كانت وجهة النظر القديمة تفترض أنّ كلّ ظاهرتين اطّرد اقتران إحداهما بالأخرى فالعلاقة بينهما علاقة ضرورة، والضرورة تعني أنّ من المستحيل أن تنفصل إحدى الظاهرتين عن الأخرى، ولكن هذه العلاقة تحوّلت في منطق العلم الحديث إلى قانون الاقتران أو التتابع المطّرد بين الظاهرتين، دون افتراض تلك الضرورة الغيبيّة.
وبهذا، تصبح المعجزة حالة استثنائيّة لهذا الاطّراد في الاقتران أو التتابع، دون أن تصطدم بضرورة أو تؤدّي إلى استحالة.
أمّا على ضوء الأسس المنطقيّة للاستقراء، فنحن نتّفق مع وجهة النظر العلميّة الحديثة، في أنّ الاستقراء لا يبرهن على علاقة الضرورة بين الظاهرتين، ولكنّا نرى أنّه يدلّ على وجود تفسير مشترك لاطّراد التقارن أو التعاقب بين الظاهرتين باستمرار.
وهذا التفسير المشترك كما يمكن صياغته على أساس افتراض الضرورة الذاتيّة، كذلك يمكن صياغته على أساس افتراض وجود حكمة دعت منظّم الكون سبحانه إلى ربط ظواهر معيّنة بظواهر أخرى باستمرار، وهذه الحكمة نفسها تدعو أحياناً إلى الاستثناء، فتحدث المعجزة.
إذاً، المعجزة لا تتناقض مع العلم، بل بات هذا الأخير قادراً على إثباتها وتقبّلها. من هنا، أصبح طول عمر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف أمراً يمكن تصديقه وتقبّله، على قاعدة وجود معجزة تعطّل القوانين الطبيعيّة التقليديّة لأهداف رسمها الله تعالى، وأراد تحقيقها عن طريق تلك المعجزة 2.
- 1. القران الكريم: سورة الأنبياء (21)، الآية: 69، الصفحة: 327.
- 2. المصدر: كتاب: بحث في المهدويّة، لآية الله الشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره.