مجموع الأصوات: 38
نشر قبل سنة واحدة
القراءات: 1249

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

من الذي زين الشهوات؟

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ 1.. إن هذه الآية من الآيات البليغة والمهمة في تحديد مسار الإنسان في هذه الحياة الدنيا.

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ ... 1.. هنالك محطتان للتأمل في صدر هذه الآية، استعمل القرآن كلمة زين منسوبة إلى الله عز وجل تارة، وقال: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ... 2.. وتارة جعل الزينة أو التزين من أفعال الشيطان، فقال:﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ... 3.

فإذن، كيف يكون التوفيق بين هاتين الآيتين؟.. الله هو المزين، والشيطان هو المزين.. فلا تنافي بين المعنيين، لأن الله عز وجل يزين، والشيطان يزين.. فالله عز وجل يزين الحسنات والطاعات، ويحبّب إلينا الإيمان، ويزينه في صدورنا.. وبالمقابل الشيطان يحاول أن يزين ما يريد.. واستعمل القرآن هنا أداة واحدة للتزيين، وهي الدنيا بما فيها من شهوات، ومن نساء، وبنين، وقناطير مقنطرة.. ولكن الله عز وجل يزين لك الطيب:﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ ... 2.. ولكن الشيطان يزين لك حب الشهوات بما يسوقك إلى الهاوية.

فإذن، إن الدنيا لا ذنب لها، فالدنيا عبارة عن مواد خام غير ناطقة.. والذي يحوّل الدنيا الى أداة للفساد، أو إلى أداة للصلاح، يعتمد على طبيعة الارتباط، وكيفية تعامل الإنسان مع الدنيا، هل هو تعامل من اتخذ الدنيا مزرعة للآخرة؟.. وكما في تعببير أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، أو أحد الأئمة من ذريته: (من نظر بها بصرته، ومن نظر إليها أعمته).. قد يكون المضمون بأن الإنسان عندما ينظر إلى الدنيا يؤدي به إلى العمى، ولا يرى طريقه إلى الله عز وجل.. وأما إذا نظر بها واعتبر بها، عندئذٍ تكون مادة للاستبصار وللاعتبار.

فإذن، الآية تقول:﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ ... 1 فالذي يربطك بالشهوة هو الحب، والعلاقة، والتعلق.. وإلا متى كانت النساء مذمومة؟.. ومتى كانت الأموال، والأولاد مذمومة؟.. وكلها عناصر في خدمة الدين!.. فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، استفاد من عنصرين من عناصر الدنيا لتأييد الشريعة.. سيدتنا خديجة أم المؤمنين عليها السلام، والأموال التي كانت بيدها.. فإذن، نُصر الإسلام بسيف علي عليه السلام، ومال خديجة ودعمها، وكذلك وجاهة أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه.. وعليه، فإن هذه العناصر من:﴿ ... النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ... 1.. وكأن الله عز وجل يريد بأن يبين، بأن الدنيا بصخبها وفتنتها وضجيجها، يجمعان شهوات الدنيا.. ويجب على الإنسان أن لا يعطي الدنيا أكبر من حجمها، بحيث تستبدل بها الآخرة.. فهذه العناصر التي ذكرتها الآية هي شهوات الحياة الدنيا، ولأنها محصورة، فهذا يسهل على الإنسان المقاومة.

فالإنسان قد يعلم عدوه أو لا يعلمه، ولكنه يراه في جبهات شتى، فيتحير في أي جبهة يحارب، ولكن عندما يعرف عدوه، ويعلم الجبهات المحصورة للعدو، فبإمكانه أن يركز من طاقاته، ويوجه سهامه إلى النقاط التى يخشى منها.. فالإنسان إذا حوّل تعامله مع أهله وولده وماله إلى تعامل إسلامي شرعي، فقد أمن من كيد الشيطان، لأن الشيطان يأتي من هذه الأبواب المعروفة: النساء، والبنين ، والأموال.. فهذه ثلاث أبواب رئيسية، إذا جعل الإنسان على كل باب رصيداً، ومحاسباً، ورقيباً، فبإمكانه أن يتجاوز هذه المراحل بنجاح.. يقول الله تعالى:﴿ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَٰلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ 4.

هب أنك حُرمت من بعض هذه الصور: قناطير الذهب والفضة والخيل، وغيرها سالفة الذكر.. فإن منعت من هذه الأمور يقول الله تعالى: لا تقلق فهذه متاع الحياة الدنيا ﴿ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَٰلِكُمْ ... 4.. أي أن هناك أشياء مشابه، فإن حرمت مثلاً الزوجة الصالحة في الدنيا، فهناك أزواج مطهرة في الآخرة.. وإن حرمت شيء من المال في الدنيا، فهناك نعيم لا زوال له، فيه ما تشتهى الأنفس، وتلذ الأعين.

ولأن حُرمت رضى الخلق في الدنيا، فتذكر بأن وراءك رضوان من الله، أكبر ذلك الرضوان، الذي يجعل الجنة جنة، والجنة بلا رضوان ليست بجنة.. فإذا جعل المؤمن الرضوان شعاره في الحياة الدنيا، وعاش هذا الرضوان، فقد جلب روح الجنة.. فإن روح الجنة هي الرضوان.. ﴿ ... رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 5.. رأى بأن سلوكه في هذه الدنيا حسب الظاهر سلوك مرضي، وعاش في أعماق وجوده الرضى بقضاء الله وقدره، فعندئذٍ هو في الدنيا يعيش حالات أهل الجنة، ولا يهمه إن يفقد شيء من متاع الدنيا.

﴿ ... مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ 4.. لأن الله بصير بعبده، فيجب على المؤمن أن يدع رب العالمين يدبر أموره، فمادام الله بصير، ويعلم أن هذه الشهوة هل تشغلك عن الله عز وجل؟.. وهل تتحول الى حب للشهوات، أم أنها شهوة غير ملهية؟.. فإن زوي شيء من متاع الدنيا، فعلى المرء أن لا يقلق لذلك.. فقد نسبت رواية لمولانا الإمام الرضا عليه السلام، عندما سئل عن السفلة، فقال: (من كان له شيء يلهيه عن الله).. وعليه، فإن على المؤمن أن يدعو الله عز وجل، أن لا يعطيه من الدنيا، ما يوجب له الإنشغال عن الله سبحانه وتعالى 6.