حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
السير على الصراط المستقيم
بعد أن يقرّ الإنسان بالتسليم لربّ العالمين، و يرتفع إلى مستوى العبودية للّه و الاستعانة به تعالى، يتقدّم هذا العبد بأول طلب من بارئه، و هو الهداية إلى الطريق المستقيم، طريق الطّهر و الخير، طريق العدل و الإحسان، طريق الإيمان و العمل الصالح، ليهبه اللّه نعمة الهداية كما وهبه جميع النعم الاخرى.
الإنسان في هذه المرحلة مؤمن طبعا و عارف بربّه، لكنه معرّض دوما بسبب العوامل المضادة إلى سلب هذه النعمة و الانحراف عن الصراط المستقيم. من هنا كان عليه لزاما أن يكرر عشر مرات في اليوم على الأقل طلبه من اللّه أن يقيه العثرات و الانحرافات.
أضف إلى ما تقدم أن الصراط المستقيم هو دين اللّه، و له مراتب و درجات لا يستوي في طيّها جميع النّاس، و مهما سما الإنسان في مراتبه، فثمّة مراتب اخرى أبعد و أرقى، و الإنسان المؤمن توّاق دوما إلى السير الحثيث على هذا السلّم الارتقائي، و عليه أن يستمد العون من اللّه في ذلك.
ثمة سؤال يتبادر إلى الأذهان عن سبب طلبنا من اللّه الهداية إلى الصراط المستقيم، ترى هل نحن ضالون كي نحتاج إلى هذه الهداية؟ و كيف يصدر مثل هذا الأمر عن المعصومين و هم نموذج الإنسان الكامل؟! و في الجواب نقول:
أوّلا: الإنسان معرض في كل لحظة إلى خطر التعثر و الانحراف عن مسير الهداية- كما أشرنا إلى ذلك- و لهذا كان على الإنسان تفويض أمره إلى اللّه، و الاستمداد منه في تثبيت قدمه على الصراط المستقيم.
ينبغي أن نتذكر دائما أن نعمة الوجود و جميع المواهب الإلهية، تصلنا من المبدأ العظيم تعالى لحظة بلحظة. و ذكرنا من قبل أننا و جميع الموجودات (بلحاظ معين) مثل مصابيح كهربائية، النور المستمر في هذه المصابيح يعود إلى وصول الطاقة إليها من المولد الكهربائي باستمرار. فهذا المولّد ينتج كل لحظة طاقة جديدة و يرسلها عن طريق الأسلاك إلى المصابيح لتتحول إلى نور.
وجودنا يشبه نور هذه المصابيح. هذا الوجود، و إن بدا ممتدا مستمرا، هو في الحقيقة وجود متجدّد يصلنا باستمرار من مصدر الوجود الخالق الفيّاض.
هذا التجدّد المستمر في الوجود، يتطلب باستمرار هداية جديدة، فلو حدث خلل في الأسلاك المعنوية التي تربطنا باللّه، كالظلم و الإثم و ... فإن ارتباطنا بمنبع الهداية سوف ينقطع، و تزيغ أقدامنا فورا عن الصراط المستقيم.
نحن نتضرّع إلى اللّه في صلواتنا أن لا يعتري ارتباطنا به مثل هذا الخلل، و أن نبقى ثابتين على الصراط المستقيم.
ثانيا: الهداية هي السير على طريق التكامل، حيث يقطع فيه الإنسان تدريجيا مراحل النقصان ليصل إلى المراحل العليا. و طريق التكامل- كما هو معلوم- غير محدود، و هو مستمر الى اللانهاية.
ممّا تقدّم نفهم سبب تضرّع حتى الأنبياء و الأئمة عليهم السّلام للّه تعالى أن يهديهم الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ، فالكمال المطلق للّه تعالى، و جميع ما سواه يسيرون على طريق التكامل، فما الغرابة في أن يطلب المعصومون من ربّهم درجات أعلى؟! نحن نصلّي على محمّد و آل محمّد، و الصلاة تعني طلب رحمة إلهية جديدة لمحمّد و آل محمّد، و مقام أعلى لهم.
و الرّسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قال: ﴿ ... وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ 1.
و القرآن الكريم يقول: ﴿ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ... ﴾ 2.
و يقول: ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ 3.
و لمزيد من التوضيح نذكر الحديثين التاليين:
1-عن أمير المؤمنين علي عليه السّلام، قال في تفسير اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ:
أي: «أدم لنا توفيقك الّذي أطعناك به في ما مضى من أيّامنا، حتّى نطيعك في مستقبل أعمارنا»4.
2-و قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام: «يعني أرشدنا للزوم الطّريق المؤدّي إلى محبّتك، و المبلّغ إلى جنتّك، و المانع من أن نتّبع أهواءنا فنعطب، أو أن نأخذ بآرائنا فنهلك» 5.
ما هو الصّراط المستقيم؟
هذا الصّراط كما يبدو من تفحص آيات الذكر الحكيم هو دين التوحيد6.
- 1. القران الكريم: سورة طه (20)، الآية: 114، الصفحة: 320.
- 2. القران الكريم: سورة مريم (19)، الآية: 76، الصفحة: 310.
- 3. القران الكريم: سورة محمد (47)، الآية: 17، الصفحة: 508.
- 4. معاني الاخبار، و تفسير الإمام الحسن العسكري، نقلا عن تفسير الصافي ذيل الآية المذكورة.
- 5. معاني الاخبار، و تفسير الإمام الحسن العسكري، نقلا عن تفسير الصافي.
- 6. المصدر: كتاب الامثل في تفسير كتاب الله المنزل، لسماحة آية الله الشيخ مكارم الشيرازي دامت بركاته.