حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
لماذا تشيع السلطان محمد خدابنده؟
نص الشبهة:
لماذا تشيع السلطان محمد خدابنده ؟
الجواب:
ذكروا ثلاثة أمور في أسباب تشيع السلطان قازان وأخيه محمد خدابنده:
الأول: أن السلطان طلق زوجته بالثلاث وندم، فأفتى له فقهاء المذاهب بأن طلاقه صحيح وأنها تحرم عليه حتى تنكح زوجاً غيره، فأرشدوه إلى العلامة الحلي رحمه الله فأحضره وناظر الفقهاء وأثبت لهم بطلان الطلاق، لأنه بلا شهود، وأنه الطلاق بالثلاث إذا استجمع الشروط لا يقع إلا طلاقاً واحداً.. الخ.
والثاني: أن السلطان زار قبر أمير المؤمنين عليه السلام ورأى مناماً في النجف، فدفعه ذلك الى البحث عن مذهب التشيع، فأعجبه وانتمى إليه.
والأمر الثالث: أن السلطان غازان خان محمود كان سنة 702 في بغداد، فاتفق أن سيداً علوياً صلى الجمعة مع السنة، ثم صلى الظهر منفرداً فقتلوه! فشكا ذووه إلى السلطان، فتألم له وغضب من قتل رجل من أولاد الرسول صلى الله عليه و آله، لمجرد أنه إعادة صلاته! فأخذ يبحث عن المذاهب وكان في أمرائه جماعة متشيعون منهم الأمير طرمطار بن مانجو بخشي، وكان في خدمة السلطان من صغره وله وجه عنده فرغَّبه بمذهب التشيع فدخل فيه واهتم بالسادة وعمارة مشاهد الأئمة عليهم السلام وأسس دار السيادة في إصفهان وكاشان وسيواس روم، وأوقف عليها أملاكاً كثيرة، وكذا في مشهد أمير المؤمنين عليه السلام وقد بقيت بعض آثاره الى الآن. وأنه بعد أن توفي سنة 703 خلفه أخوه وأعلن تبنيه لمذهب الشيعي.
ومصدر هذه الروايات الثلاثة كتاب (ذيل جامع التواريخ) للمؤرخ الحافظ آبرو الخوافي، وبعضهم نقلها عن مخطوط (اللئالي المنتظمة) 1.
قال في الذريعة: 10 / 49: (ذيل جامع التواريخ رشيدي) الذي ألفه الوزير رشيد الدين فضل الله الطبيب وزير غازان، ثم شاه خدابنده، إلى أن قتل. (717)، وانتهى تاريخه إلى وفاة غازان في (703) فذيَّله المؤرخ الشهير حافظ أبرو، شهاب الدين عبد الله بن لطف الله بن عبد الرشيد الخوافي الخراساني المولود حدود (763) كان مع الأمير تيمور في حروبه في (788) بأمر شاهرُخّ كاتب (تاريخ شاهرخي في 819). وفي820 أمره السلطان شاهرُخّ بتأليف هذا الذيل فألحق بتاريخ الرشيدي من (703) إلى (795) وتوفي حافظ أبرو (834) وطبع الذيل مع مقدمة وتعليقات للدكتور خان بابا البياني في (1317ونسخة من الذيل مع أصله كتابتها حدود (1000) في (الرضوية) على ظهرها تواريخ (1105) وما بعدها ذكر في خطبة الذيل الصلاة والسلام على رسوله وخير خلقه محمد وآله أجمعين. وذكر في أثنائه: أن أول من تشيع من المغول السلطان غازان ومنشؤه قتل العلوي ببغداد في (702) لأجل صلاة الجمعة. قال: وكان شيعياً إلى أن توفي. وكذا ذكر سبب تشيع أخيه السلطان خدابنده وأتباعهما). انتهى.
أقول: الظاهر أن تشيع السلطان خدابنده رحمه الله كان قبل ذلك، وأنه وأخاه قازان وأباهما وجدهم هولاكو تعرفوا على المذهب وأحبوه، وهذا يؤيد نص الشيخ البهائي وغيره. وعليه فمجالس المناظرة التي كانت تجري بحضور السلطان، أو كان يعقدها ويدعو إليها العلامة رحمه الله وفقهاء المذاهب الأربعة، كانت عملاً مقصوداً لتكون مبرراً علمياً لإعلان تشيعه وإصدار المرسوم السلطاني بذلك.
***
وقد ذكرت الروايات عدة مناظرات لها علاقة بإعلان السلطان لتشيعه، شارك فيها من الشيعة العلامة الحلي والعالم تاج الدين الآوي، وقاضي القضاة نظام الدين عبد الملك المراغي الشافعي وله تآليف في المعقول، وابن صدر جهان الحنفي البخاري وقطب الدين الشيرازي، وعمر الكاتبي القزويني، وأحمد بن محمد الكيشي، وركن الدين الموصلي. وذكروا أن ابن العلامة فخر المحققين كان شاباً في العشرينات من عمره وحضر مع والده، وقد يكون شارك فيها.
أما مواد هذه المناظرات فلم تذكر الروايات إلا القليل منها:
من ذلك: أن العلامة رحمه الله دخل إلى مجلس السلطان وتعمد أن يأخذ حذاءه بيده ويجلس عند السلطان، فقال الفقهاء للسلطان: ألم نقل لك إنهم ضعفاء العقول؟! فقال الملك: سلوه ما فعل؟ فقالوا له: لأي شئ أخذت نعلك معك وهذا مما لا يليق؟! قال: خفت أن يسرقه الحنفية كما سرق أبو حنيفة نعل رسول الله صلى الله عليه و آله فصاحت الحنفية: متى كان أبو حنيفة في زمن رسول الله، بل كان تولده بعد المائة من وفاة رسول صلى الله عليه و آله! فقال: نسيت لعله كان السارق الشافعي! فصاحت الشافعية وقالوا: كان تولد الشافعي في يوم وفاة أبي حنيفة، وكان نشوؤه في المائتين من وفاة رسول الله صلى الله عليه و آله فقال: لعله كان مالك! فقالت المالكية بمثل ما قالته الحنفية. فقال: لعله كان أحمد بن حنبل! فقالوا بمثل ما قالته الشافعية.
فتوجه العلامة إلى الملك فقال: أيها الملك علمت أن رؤساء المذاهب الأربعة لم يكن أحدهم في زمن رسول الله صلى الله عليه و آله ولا في زمن الصحابة! فهذه إحدى بدعهم أنهم اختاروا من مجتهديهم هؤلاء الأربعة، ولو كان منهم من كان أفضل منهم بمراتب لا يجوِّزون أن يجتهد بخلاف ما أفتاه واحد منهم.
فقال الملك: ما كان واحد منهم في زمن رسول الله والصحابة؟ فقال الجميع: لا. فقال: ونحن معاشر الشيعة تابعون لأمير المؤمنين عليه السلام نفس رسول الله صلى الله عليه و آله وأخيه وابن عمه ووصيه عليه السلام. وعلى أي حال فالطلاق الذي أوقعه الملك باطل لأنه لم تتحقق شروطه ومنها العدلان فهل قال الملك بمحضرهما؟قال: لا. وشرع في البحث).
ومن ذلك: أن العلامة خطب بعد انتصاره في المناظرة، فصلى على النبي صلى الله عليه و آله وعلى الأئمة الإثني عشر عليهم السلام فاعترض السيد ركن الدين الموصلي وقال: ما الدليل على جواز الصلاة على غير الأنبياء؟ فقرأ العلامة في جوابه مباشرةً قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ 2. فقال: أي مصيبة أصابت علياً وأولاده ليستوجبوا بها الصلاة؟ فذكر له العلامة مصائبهم المشهورة وقال: وأي مصيبة أعظم عليهم وأشنع أن حصل من ذراريهم مثل الذي يرجح المنافقين الجهال المستوجبين اللعنة والنكال عليهم! فتعجب الحاضرون من قوة جواب العلامة وضحكوا على الموصلي. ونظم بعض الحضار الشعراء في ذلك المجلس هذين البيتين في شأن هذا السيد:
إذا العـلويُّ تابعنا صـبياً *** لمذهبهما هو مـن أبيهِ
وكان الكلب خيراً منه حقاً *** لأن الكلب طبعُ أبيه فيه!
ومن ذلك: أن أحدهم سأل في المجلس عن جواز نكاح البنت المتولدة من الزنا على مذهب الشافعي فقرره القاضي وقال: هو معارض بمسألة نكاح الأخت والأم في مذهب الحنفية، فأنكر ابن صدر جهان ذلك، فقرأ القاضي من منظومة أبي حنيفة:
وليس في لواطة من حدِّ *** ولا بوطئ الأخت بعد عقدِ.
فأفحموا وسكتوا.
ومن ذلك: أنه كان مع العلامة رجل ظريف يدعى الملا محسن الكاشاني، فلما تشيع السلطان قال له الملا محسن: أريد أن أصلي ركعتين على مذهب الفقهاء الأربعة وركعتين على المذهب الجعفري، وأجعل السلطان حكماً بصحة أي الصلاتين! ثم قال: أبو حنيفة مع أحد الفقهاء الأربعة يجوِّز الوضوء بالنبيذ، ويقول إن الجلد يطهر بالدباغة، وإنه يجوز بدل قراءة الحمد وسورة قراءة آية واحدة حتى إذا كانت بالترجمة، ويجوِّز السجود على نجاسة الكلب، ويجوِّز بدل السلام بعد التشهد إخراج الريح! وقد روى الذهبي وغيره أن أبا المعالي الجويني أقنع السلطان خوارزم شاه التركي ببطلان مذهب أبي حنيفة، بهذه الفتاوى له في الوضوء!
وقد اعتمد السيد رضا الصدر رحمه الله في مقدمته لطبعة نهج الصدق، على رواية تقول إن السلطان خدابنده أصيب بصدمة من تناقضات المذاهب وبعض فتاويها، فبقي متحيراً في اختيار المذهب ثلاث سنوات فاقترح عليه أحد أمرائه المسمى طي مطاز اختيار مذهب الشيعة لأن الملك غازان كان أعقل أهل زمانه وأكملهم وقد اختار مذهب الشيعة، فلم يعجب الشاه كلامه وطلب من العلامة أن يؤلف له كتاباً في التشيع فكتب له (نهج الحق وكشف الصدق) و (منهاج الكرامة) وزاره في عاصمته السلطانية وأهداهما له، وجرت هناك مناظراته مع علماء المذاهب.
ولا يمكن الأخذ بهذه الرواية لأن السلطان خدابنده وأسرته كانوا من قديم يعرفون التشيع وعلماء الشيعة والعلامة الحلي رحمه الله جيداً.
وذكر السيد الأمين في أعيان الشيعة: 5 / 399، أنه توجد مؤشرات على أن المناظرة جرت في بغداد وقال: (قال في الروضات: وتقدم العلامة عند هذا السلطان على سائر علماء حضرته، مثل القاضي ناصر الدين البيضاوي، والقاضي عضد الدين الإيجي، ومحمد بن محمود الآملي صاحب كتاب نفائس الفنون وشرح المختصر وغيره، والشيخ نظام الدين عبد الملك المراغي من أفاضل الشافعية، والمولى بدر الدين الشوشتري، والمولى عز الدين الإيجي، والسيد برهان الدين العبري، وغيرهم، وكان في القرب والمنزلة عند السلطان المذكور بحيث كان لا يرضى أن يفارقه في حضر ولا سفر، بل نقل أنه أمر له ولتلاميذه بمدرسة سيارة من الخيام المعمولة من الكرباس الغليظ تنتقل بانتقاله أينما سافر معه، يدل على ذلك ما وجد في آخر بعض مؤلفاته أنه وقع الفراغ منه في المدرسة السيارة السلطانية في كرمانشاهان).
وأضاف السيد الأمين: (وفي مدة إقامته في صحبة السلطان المذكور ألف له عدة كتب مثل كتاب منهاج الكرامة، وكتاب كشف الحق، ورسالة نفي الجبر ورسالة حكمة وقوع النسخ، التي سأله عنها السلطان. وأكمل هناك الألف الأول من كتاب الألفين. قال في مقدمة كشف الحق: وامتثلت فيه مرسوم سلطان وجه الأرض الباقية دولته إلى يوم النشر والعرض، سلطان السلاطين، خاقان الخواقين، مالك رقاب العباد وحاكمهم، وحافظ أهل البلاد وراحمهم، المظفر على جميع الأعداء، المنصور من إله السماء، المؤيد بالنفس القدسية والرياسة الملكية، الواصل بفكره العالي إلى أسنى مراتب المعالي، البالغ بحدسه الصائب إلى معرفة الشهب الثواقب، غياث الحق والدين الجايتو خربندا محمد، خلد الله ملكه إلى يوم الدين، وقرن دولته بالبقاء والنصر والتمكين، وجعلت ثواب هذا الكتاب واصلاً إليه، أعاد الله بركاته عليه بمحمد وآله الطاهرين، صلوات الله عليهم أجمعين. وقال في أول منهاج الكرامة: فهذه رسالة شريفة ومقالة لطيفة، إلى أن قال: خدمت بها خزانة السلطان الأعظم...الخ. ثم قال السيد الأمين: في آخر الموجود من كتاب الألفين: فهذا آخر ما أردنا إيراده في هذا الكتاب وذلك في غرة رمضان المبارك سنة 712، وكتب حسن بن مطهر ببلدة جرجان في صحبة السلطان الأعظم غياث الدين محمد أولجايتو خلد الله ملكه... وصنف في سفره ذلك الرسالة السعدية، ولعله ألف في سفره ذلك الرسالة التي في جواب سؤالين سأل عنهما الخواجة رشيد الدين فضل الله الطبيب الهمذاني وزير غازان، الذي اجتمع به في ذلك السفر الآتي ذكرها في مؤلفاته. قال في مقدمتها كما في النسخة التي رأيناها في طهران في مكتبة الشيخ علي المدرس ما لفظه: يقول العبد الفقير إلى الله تعالى حسن بن يوسف بن المطهر: إنني لما أمرت بالحضور بين يدي الدركاه المعظمة الممجدة الإيلخانية، أيد الله سلطانها وشيد أركانها...الخ.) 3.
- 1. راجع في الموضوع: خاتمة المستدرك: 2 / 403، ولؤلؤة البحرين / 224، ومجالس المؤمنين: 2 / 571. ومقدمة طبعة قواعد الأحكام وإرشاد الأذهان، وشرح تبصرة المتعلمين.
- 2. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 156 و 157، الصفحة: 24.
- 3. كيف رد الشيعة غزو المغول (دراسة لدور المرجعين نصير الدين طوسي و العلامة الحلي في رد الغزو المغولي)، العلامة الشيخ علي الكوراني العاملي، مركز الثقافي للعلامة الحلي رحمه الله، الطبعة الأولى، سنة 1426، ص 197 ـ 203.