حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
هل تعتقد الشيعة بتحريف القرآن الكريم ؟!
نص الشبهة:
نسب إلى الشيعة القول بتحريف القرآن بإسقاط كلمات وآيات الخ .
الجواب:
فأقول : نعوذ بالله من هذا القول ، ونبرأ إلى الله تعالى من هذا الجهل ، وكل من نسب هذا الرأي الينا جاهل بمذهبنا أو مفتري علينا ، فان القرآن العظيم ، والذكر الحكيم متواتر من طرقنا بجميع آياته وكلماته ، وسائر حروفه وحركاته وسكناته ، تواترا قطعيا عن أئمة الهدى من اهل البيت عليهم السلام ، لا يرتاب في ذلك الا معتوه ، وأئمة اهل البيت كلهم اجمعون رفعوه إلى جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله عن الله تعالى ، وهذا ايضا مما لا ريب فيه ، وظواهر القرآن الحكيم ـ فضلا عن نصوصه ـ ابلغ حجج الله تعالى ، وأقوى ادلة اهل الحق بحكم الضرورة الاولية من مذهب الامامية ، وصحاحهم في ذلك متواترة من طريق العترة الطاهرة ، ولذلك تراهم يضربون بظواهر الصحاح المخالفة للقرآن عرض الجدار ، ولا يأبهون بها عملا بأوامر أئمتهم عليهم السلام .
وكان القرآن مجموعا ايام النبي صلى الله عليه وآله على ما هو عليه الآن من الترتيب والتنسيق في آياته وسوره ، وسائر كلماته وحروفه بلا زيادة ولا نقصان ، ولا تقديم ولا تأخير ، ولا تبديل ولا تغيير وصلاة الامامية بمجردها دليل على ذلك ، لانهم يوجبون بعد فاتحة الكتاب ـ في كل من الركعة الاولى والركعة الثانية من الفرائض الخمس ـ سورة واحدة تامة غير الفاتحة من سائر السور 1 ولا يجوز عندهم التبعيض فيها ، ولا القران بين سورتين على الاحوط ، وفقههم صريح بذلك ، فلولا ان سور القرآن باجمعها كانت زمن النبي صلى الله عليه وآله على ما هي الآن عليه من الكيفية والكمية ما تسنى لهم هذا القول ، ولا امكن ان يقوم لهم عليه دليل .
اجل ان القرآن عندنا كان مجموعا على عهد الوحي والنبوة مؤلفا على ما هو عليه الآن ، وقد عرضه الصحابة على النبي صلى الله عليه وآله وتلوه عليه من اوله إلى آخره ، وكان جبرائيل عليه السلام يعارضه صلى الله عليه وآله بالقرآن في كل عام مرة ، وقد عارضه به عام وفاته مرتين ، وهذا كله من الامور الضرورية لدى المحققين من علماء الامامية ، ولا عبرة ببعض الجامدين منهم ، كما لا عبرة بالحشوية من اهل السنة القائلين بتحريف القرآن والعياذ بالله فانهم لا يفقهون ، نعم لا تخلو كتب الشيعة وكتب السنة من احاديث ظاهرة بنقص القرآن ، غير انها مما لا وزن لها عند الاعلام من علمائنا اجمع ، لضعف سندها ومعارضتها بما هو اقوى منها سندا ، واكثر عددا ، واوضح دلالة ، على انها من اخبار الآحاد ، وخبر الواحد انما يكون حجة إذا اقتضى عملا ، وهذه لا تقتضي ذلك ، فلا يرجع بها عن المعلوم المقطوع به ، فليضرب بظواهرها عرض الحائط ، ولا سيما بعد معارضتها لقوله تعالى ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ 2 ومن عرف النبي صلى الله عليه وآله في حكمته البالغة ونبوته الخاتمة ، ونصحه لله ولكتابه ولعباده ، وعرف مبلغ نظره في العواقب ، واحتياطه على امته في مستقبلها ، ير ان من المحال عليه ان يترك القرآن منثووا مبثوثا ، حاشا هممه وعزائمه ، وحكمه المعجزة من ذلك ، وقد كان القرآن زمن النبي صلى الله عليه وآله يطلق عليه الكتاب قال الله تعالى : ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ 3 .
وهذا يشعر بانه كان مجموعا ومكتوبا ، فان الفاظ القرآن إذا كانت محفوظة ولم تكن مكتوبة لا تسمى كتابا ، وانما تسمى بذلك بعد الكتابة كما لا يخفى ، وكيف كان فان رأي المحققين من علمائنا ان القرآن العظيم انما هو ما بين الدفتين الموجود في ايدي الناس ، والباحثون من اهل السنة يعلمون منا ذلك ، والمنصفون منهم يصرحون به ، وحسبك ممن صرح بهذا امام اهل البحث والتتبع الشيخ رحمة الله الهندي فانه نقل كلام كثير من عظماء علماء الامامية في هذا الموضوع بعين الفاظهم فراجع ص 89 من النصف الثاني من سفره الجليل – اظهار الحق ـ فان هناك كلام المعروفين من متقدمي علماء الامامية ومتأخريهم منقولا عن كتبهم المشهورة المنشورة التي يمكنكم بعد مراجعة اظهار الحق ان تراجعوها ايضا بانفسكم لتزدادوا بصيرة فيما نقول ، وسترون هذا الشيخ الجليل بعد نقله كلام علماء الشيعة حول هذا لموضوع قد علق عليه كلمة تبين كنه مذهبهم فيه ، حيث قال ما هذا لفظه : " فظهر ان المذهب المحقق عند علماء الفرقة الامامية الاثني عشرية ان القرآن الذي انزله الله على نبيه هو ما بين الدفتين وهو ما في ايدي الناس ليس بأكثر من ذلك ، وانه كان مجموعا مؤلفا في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وحفظه ونقله الوف من الصحابة ، وجماعة من الصحابة كعبد الله بن مسعود ، وابي بن كعب ، وغيرهما ختموا القرآن على النبي عدة ختمات ، ويظهر القرآن ويشهر بهذا الترتيب عند ظهور الامام الثاني عشر رضي الله عنه.
(قال): والشرذمة القليلة منهم التي قالت بوقوع التغيير فقولهم مردود عندهم ولا اعتداد به فيما بينهم.
(قال): وبعض الاخبار الضعيفة التي رويت في مذهبهم لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته.
(قال): وهو حق لان خبر الواحد إذا اقتضى علما ولم يوجد في الادلة القاطعة ما يدل عليه وجب رده على ما صرح به ابن المطهر الحلي في كتابه المسمى بمبادئ الوصول إلى علم الاصول وقد قال الله تعالى ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ 4.
(قال): ففي تفسير الصراط المستقيم الذي هو تفسير معتبر عند علماء الشيعة اي انا لحافظون له من التحريف والتبديل والزيادة والنقصان " انتهى كلامه بعين لفظه. ونحن تعرضنا للبحث عن هذا الموضوع في الفصل 11 من فصولنا المهمة وفاتنا ثمة النقل عن كتاب كشف الغطاء وهو من اجل الكتب الفقهية المشهورة المنشورة لمؤلفه امام المتبحرين وعيلم علوم المتقدمين والمتأخرين شيخنا الاكبر الشيخ جعفر رضي الله عنه فراجع منه كتاب القرآن تجده يقول في المبحث السابع من مباحثه: لا زيادة في القرآن من سورة ولا آية من بسملة وغيرها ولا كلمة ولا حرف، وجميع ما بين الدفتين مما يتلى كلام الله بالضرورة من المذهب بل الدين واجماع المسلمين واخبار النبي صلى الله عليه وآله والائمة الطاهرين عليهم السلام. وقال في المبحث الثامن: لا ريب في ان القرآن محفوظ من النقصان بحفظ الملك الديان كما دل عليه صريح الفرقان واجماع العلماء في جميع الازمان.
(قال): ولا عبرة بالنادر وما ورد من اخبار النقيصة تمنع البديهة من العمل بظاهرها، إلى آخر كلامه، زاد الله في شرف مقامه. هذا رأي علماء الشيعة في القرآن، من الصدر الاول إلى الآن، اخذوه - وهو عين الصواب - عن أئمتهم - وعن اعدال الكتاب - وقد شذ بعض الجامدين من الشيعة فقالوا بنقصان القرآن، محتجين بظواهر بعض الاحاديث التي لم يفقهوا معناها، وهي بين ضعيف ومرجل ومأول كما شذ من قال بهذا القول من اهل السنة محتجين بما اخرجه البخاري 5 وغيره عن عمر بن الخطاب إذ قال: ان الله بعث محمدا بالحق وانزل عليه الكتاب فكان مما انزل آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها. رجم رسول الله صلى الله عليه وآله ورجمنا بعده فأخشى ان طال بالناس زمان ان يقول قائل: ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضل بترك فريضة انزلها الله، إلى ان قال: ثم انا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله أن لا ترغبوا عن آبائكم فانه كفر بكم ان ترغبوا عن آبائكم أو ان كفرا بكم ان ترغبوا عن آبائكم الحديث، وهو صحيح عندهم صريح في نقصان آية الرجم وآية الرغبة عن الآباء. واخرج مسلم 6 وغيره عن ابي الاسود عن ابيه قال: بعث أبو موسى الاشعري إلى قراء اهل البصرة فدخل عليه ثلاث مئة رجل قد قرأوا القرآن فقال: انتم خيار اهل البصرة وقراؤهم فاتلوه ولا يطولن عليكم الامد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم، وانا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فانسيتها غير اني قد حفظت منها لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا، ولا يملا جوف ابن آدم الا التراب، وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها باحدى المسبحات فانسيتها غير اني حفظت منها يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في اعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة. انتهى بلفظه. والحديث صحيح عندهم صريح في نقصان سورتين طويلتين كما لا يخفى. واخرج الامام الطبري في تفسير قوله تعالى ﴿ ... فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ... ﴾ 7 من اوائل الجزء الخامس من تفسيره الكبير بالاسناد إلى كل من ابي بن كعب، وابن عباس، وسعيد بن جبير، والسدي، انهم كانوا يقرأونها فما استمتعتم به منهن إلى اجل مسمى فآتوهن اجورهن. وارسل الزمخشري في كشافه هذه القراءة عن ابن عباس ارسال المسلمات، وذكر الرازي في تفسير الآية انه روى عن ابي بن كعب انه كان يقرأ فما استمتعتم به منهن إلى اجل مسمى فآتوهن أجورهن (قال): وهذا ايضا هو قراءة ابن عباس (قال): والائمة ما انكروا عليهما في هذه القراءة (قال: فكان ذلك اجماعا من الامة على صحة هذه القراءة. قلت: هذا كلامه بعين لفظه فراجعه في ص 201 من الجزء 3 من تفسيره الكبير، ونقل القاضي عياض عن المازري - كما في اول باب نكاح المتعة من شرح صحيح مسلم للعلامة النووي -: ان ابن مسعود قرأ فما استمتعتم به منهن إلى اجل، والسنن في ذلك كثيرة وهي صحيحة صريحة في النقصان، واخرج البخاري 8 من طريقين عن الاعمش عن ابراهيم قال: قدم اصحاب عبد الله - ابن مسعود - على ابي الدرداء - وهو في الشام - فطلبهم فوجدهم فقال: ايكم يقرأ على قراءة عبد الله، قالوا: كلنا قال: فأيكم يحفظ، فاشاروا إلى علقمة، قال كيف سمعته يقرأ والليل إذا يغشى ؟ قال علقمة: فقرأت والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والانثى، قال اشهد اني سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقرأ هكذا، وهؤلاء يريدوني على ان اقرأ وما خلق الذكر والانثى، والله لا اتابعهم، اه. وهذا حديث صحيح صريح في الزيادة لا في النقصان والسنن في ذلك من طريق اهل السنة اكثر من ان تحصى في هذه العجالة، أو تستقصى في هذا الاملاء، فما يقوله اهل السنة في الجواب عنها هو بعينه الجواب عما هو في كتبنا. وما ادري والله ما يقولون فيما نقله عنهم في هذا الباب غير واحد من سلفهم الاعلام كالامام ابي محمد بن حزم إذ نسب إلى الامام ابي الحسن الاشعري في ص 207 من الجزء الرابع من الفصل انه كان يقول: ان القرآن المعجز انما هو الذي لم يفارق الله عزوجل قط، ولم يزل غير مخلوق ولا سمعناه قط، ولا سمعه جبرائيل ولا محمد عليهما السلام قط، وان الذي نقرأ في المصاحف ونسمعه ليس معجزا بل مقدور على مثله، إلى آخر ما نقله عن الامام الاشعري واصحابه - وهم جميع اهل السنة - حتى قال في ص 211 ما هذا لفظه: وقالوا كلهم ان القرآن لم ينزل به قط جبرائيل على قلب محمد عليه الصلاة والسلام، وانما نزل عليه بشئ آخر، هو العبارة عن كلام الله، وان القرآن ليس عندنا البتة الا على هذا المجاز، وان الذي نرى في المصاحف ونسمع من القرآن ونقرأ في الصلاة ونحفظ في الصدور ليس هو القرآن البتة، ولا شئ منه كلام الله البتة، بل شئ آخر، وان كلام الله تعالى لا يفارق ذات الله عزوجل، ثم استرسل في كلامه عن الاشاعرة حتى قال في ص 212: ولقد اخبرني علي بن حمزة المراوي الصقلي انه رأى بعض الاشعرية يبطح المصحف برجله، قال: فاكبرت ذلك وقلت له: ويحك هكذا تصنع بالمصحف وفيه كلام الله تعالى، فقال لي: ويلك والله ما فيه الا السخام والسواد، واما كلام الله فلا - قال ابن حزم - وكتب الي أبو المرحي بن رزوار المصري ان بعض ثقات اهل مصر من طلاب السنن اخبره ان رجلا من الاشعرية قال له مشافهة: على من يقول: ان الله قال: قل هو الله احد الله الصمد الف لعنة، إلى آخر ما نقله عنهم فراجعه من ص 204 إلى ص 226 من الجزء الرابع من الفصل. ثم قل لي كيف تحتمل الامة منكم هذا المحال، وكيف تقوى لكم على حمل ما لا تقله الجبال، ثم يضعف ذرعها ويضيق وسعها عن هدي آل محمد المتمثل في صحاح شيعتهم بأجلى المظاهر - ما هكذا تورد يا سعد الابل - عفا الله عنك يا موسى، ولا حول ولا قوة الا بالله9 .
للمزيد راجع كتاب اجوبة مسائل جار الله
- 1. ولا يجوز في ضيق الوقت قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال ، كما لا يجوز قراءة احدى سور العزائم الاربع لاستلزامها زيادة سجدة في الصلاة أو المخالفة بترك سجود التلاوة ، والاقوى اتحاد سورتي الضحى وألم نشرح وكذا الفيل وقريش عندنا .
- 2. القران الكريم : سورة الحجر ( 15 ) ، الآية : 9 ، الصفحة : 262 .
- 3. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 2 ، الصفحة : 2 .
- 4. القران الكريم: سورة الحجر (15)، الآية: 9، الصفحة: 262.
- 5. في باب رجم الحبلى من الزنى إذا احصنت وهو في كتاب الحدود والمحاربين من اهل الكفر والردة ص 119 من الجزء الرابع من صحيحه فراجع.
- 6. في باب لو ان لابن آدم واديين لابتغى ثالثا من كتاب الزكاة اول ص 386 من الجزء الاول من صحيحه.
- 7. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 24، الصفحة: 82.
- 8. في ص 143 من الجزء الثالث من صحيحه في تفسير سورة الليل من كتاب تفسير القرآن فراجع.
- 9. أجوبة مسائل جار الله ، بقلم سماحة آية الله السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي (المسألة الرابعة) ، الطبعة الثانية 1373 ه مطبعة العرفان ـ صيدا . 1953 م ، ص 34 ـ 45 .