حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
- الصحابة - ارتداد الصحابة - كفر الصحابة - الصحابة بعد النبي - الامام علي - النبي محمد - المنافقون - الشيعة
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
هل يعز الاسلام على يد الكفرة والمنافقين ؟!
نص الشبهة:
يزعم الشيعة أن الخلفاء الراشدين كانوا كفاراً ، فكيف أيدهم الله وفتح على أيديهم البلاد؟! وكان الإسلام عزيزاً مرهوبَ الجانب في عهدهم، حيث لم ير المسلمون عهداً أعز الله فيه الإسلام أكثر من عهدهم. فهل يتوافق هذا مع سنن الله القاضية بخذلان الكفرة والمنافقين؟! وفي المقابل: رأينا أنه في عهد المعصوم الذي جعل الله ولايته رحمة للناس ـ كما تقولون ـ تفرقت الأمة وتقاتلت، حتى طمع الأعداء بالإسلام وأهله، فأي رحمة حصلت للأمة من ولاية المعصوم؟! إن كنتم تعقلون . .؟!
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فإننا نجيب بما يلي:
أولاً: قلنا ولا زلنا نقول: إن الشيعة لا يحكمون بارتداد الصحابة عن الإسلام إلى الكفر والشرك، بل يقولون: إنهم ارتدوا عن الطاعة والبيعة..
ثانياً: إن القرآن هو الذي ذكر انقلاب الصحابة على أعقابهم القهقري، ورسول الله «صلى الله عليه وآله» ذكر ذلك، وأنه لم يبق منهم إلا مثل همل النعم، فلوموا أنفسكم ولا تلوموا الشيعة.. لأن الشيعة فسروا الآية والأحاديث بما ذكرناه، ولم يرضوا بنسبة الإرتداد عن الإسلام والكفر إلى أحد من الصحابة.. وأنتم نسبتم الإرتداد إلى بعض الصحابة، كمالك بن نويرة، وجوزتم قتله، و.. و.. الخ..
ثالثاً: إن فتح البلاد قد يحصل على يد أي كان من الناس، ولا سيما إذا كان قائداً قوياً، وصارماً وحازماً، وتوفرت شروط أخرى.
وهذه أمريكا تسيطر الآن على معظم بلدان العالم، وقبلها كانت بريطانيا هي المسيطرة إلى حد أن الشمس لم تكن تغيب عن مستعمراتها. فهل يصح اعتبارها محقة انطلاقاً من ذلك؟!
رابعاً: إن الحكام بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله» هم الذين استفادوا من عزة الإسلام، ووظفوها لصالحهم، فإنهم قد تسلموا زمام الأمور في أمة منتصرة قوية طموحة، وشعب مسلم مستعد للبذل والتضحية إلى أقصى الحدود..
فلا تمنّوا على الإسلام بالفتوحات، بل لله المنة عليكم في ذلك، وقد قال تعالى في سياق يشبه هذا السياق: ﴿ ... قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ ... ﴾ 1.
وقال: ﴿ ... وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ 2.
خامساً: لم يدَّعِ الشيعة كفر الصحابة، ليقال: إن السنة قاضية بخذلان الكفرة والمنافقين.
سادساً: إن الجيوش التي قامت بالفتوحات كانت تدين بالإسلام، وقد انبعثت من شعور ديني وإيماني، وتملك الإرادة والعزم على كسر شوكة أعداء الله، فلماذا لا يؤيدها الله بنصره؟! حتى لو كان في ضمن تلك الجيوش من لم يكن في خط الإستقامة، مثل قزمان الذي قتل في حرب أحد، وكان «صلى الله عليه وآله» قد قال عنه: إنه من أهل النار، وبعد أن قتل سبعة أو ثمانية من المشركين جرح، فقال له بعضهم: أبشر.
فقال: بماذا أبشر؟! فوالله ما قاتلت إلا عن الأحساب..
ويقال: إنه لما اشتدت جراحته قتل نفسه..
وفيه قال «صلى الله عليه وآله» ما معناه: إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر 3.
سابعاً: هل نفهم من كلام السائل: أن أبا بكر وعمر وعثمان كانوا أفضل من رسول الله «صلى الله عليه وآله»، لأن البلاد فتحت في عهدهم، لا في عهده؟! ولأن الله أيدهم، ولأن الإسلام كان مرهوب الجانب في عهدهم؟! بل لم ير المسلمون عهداً أعز الله فيه الإسلام أكثر من عهدهم..
ثامناً: إن كسرى وقيصر قد حكما البلاد والعباد، واتسع ملكهما، وظهر عزهما، فهل كانا أفضل من رسول الله «صلى الله عليه وآله»، حيث لم يصل الأمر في عهده إلى ما وصل إليه في عهدهما؟! بل إن رقعة الإسلام في عهد الرشيد كانت أوسع منها في عهد الرسول «صلى الله عليه وآله»، ثم في عهد أبي بكر وعمر، وعثمان.. فهل كان الرشيد أفضل منهم؟!
تاسعاً: بالنسبة للحروب التي شهدها عهد علي «عليه السلام»، وتفرق الأمة، نقول:
ألف: إن سياسات الخلفاء قبل علي «عليه السلام»، ولا سيما سياساتهم في العطاء، وكذلك ما فعله عمر بن الخطاب من إطماع طلحة والزبير، وسواهما بالحكم والخلافة، بعد ان كانا لا يحلمان بها، وسياسات عثمان التي جرأت الناس عليه، وعلى كل خليفة بعده، حيث قتلوه بتلك الطريقة التي لم تكن في قاموس التعامل مع الخلفاء، وكذلك نقض بيعة يوم الغدير، وإزاحة من نصبه النبي «صلى الله عليه وآله» إماماً وخليفة..
واتهام النبي «صلى الله عليه وآله» بأنه يهجر أو غلبه الوجع، وعدم الإنقياد لأمره بتجهيز جيش أسامة.. وغير ذلك كثير جداً.
إن ذلك كله وسواه من سياسات أبعدت الناس عن الضوابط والمنطلقات الدينية، قد أعطت ذريعة للبغاة، وجرأتهم على البغي والخروج على إمامهم، ونكث بيعته، والسعي في سفك دمهما.
ب: إنه «عليه السلام» قد أحسن صنعاً بالتصدي لهم، لأنه امتثل أمر الله تعالى بوجوب ردع الباغي، وحقق الإنجاز الكبير بقتل وقتال الناكثين، ثم القاسطين، ثم المارقين، حسبما وعد رسول الله «صلى الله عليه وآله»..
وكان ذلك من أهم إنجازاته، ومن أجل فضائله، حيث كان هو الذي قاتل على تأويل القرآن كما قاتل على تنزيله، وأعاد بذلك للإسلام رونقه، وللقرآن معناه، فصان الله تعالى به هذا الدين عوداً كما صانه به بدأً..
وتجلت الرحمة الإلهية للأمة بولايته، وهو الإمام المعصوم، إن كنتم تعقلون..
ولذلك تجد رسول الله «صلى الله عليه وآله» يمدح أمير المؤمنين «عليه السلام» على قتاله الناكثين والقاسطين، والمارقين..
وها أنت أيها السائل تذمه بذلك، فشتان ما بينكما، ولإن خالفت رسول الله «صلى الله عليه وآله» في الدنيا، لتخالفنه في الآخرة، فحذار أن يكون ذلك منك، ثم حذار..
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله.. 4.
- 1. القران الكريم: سورة الحجرات (49)، الآية: 17، الصفحة: 517.
- 2. القران الكريم: سورة المنافقون (63)، الآية: 8، الصفحة: 555.
- 3. راجع فيما تقدم: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص260 وإمتاع الأسماع ج13 ص267 و268 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص531 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص209 وتاريخ الخميس ج1 ص438 والمغازي للواقدي ج1 ص224 و263 و14 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص93 و94 والسيرة الحلبية ج2 ص239 والكامل في التاريخ ج2 ص162 وتاريخ الإسلام للذهبي ج 2 ص 204 والبداية والنهاية ( ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص41 و 42 وعمدة القاري ج14 ص181 وراجع ص307 و ج23 ص152 وراجع: نيل الأوطار ج7 ص202 ومسند أحمد ج2 ص309 وصحيح البخاري (ط دار الفكر) ج4 ص34 و ج5 ص74 و75 و ج7 ص212 وصحيح مسلم (ط دار الفكر) ج1 ص73 والمصنف للصنعاني ج 5 ص 269 وصحيح ابن حبان ج10 ص378 والسنن الكبرى للبيهقي ج8 ص197 و مجمع الزوائد ج7 ص213 وعمدة القاري ج14 ص307 و ج23 ص152 والديباج على مسلم ج1 ص126 والمعجم الكبير ج19 ص83.
- 4. ميزان الحق (شبهات.. و ردود)، السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، سنة 1431 هـ ـ 2010 م، الجزء الأول، السؤال رقم (20).