نشر قبل 8 سنوات
مجموع الأصوات: 72
القراءات: 9241

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

يعتقد الشيعة عقيدة البداء ، ثم يدعون ان ائمتهم يعلمون الغيب ! فهل الائمة اعظم من الله ؟

نص الشبهة: 

يعتقد الشيعة عقيدة البداء ، ثمّ يدّعون أنّ أئمّتهم يعلمون الغيب ! فهل الأئمّة أعظم من الله ؟

الجواب: 

ولنترك هذا وننتقل إلى المطلبين اللّذين ذكرهما ، والظاهر أنّه لا علاقة بينهما ، فذكر أنّ :
1 ـ الشيعة يعتقدون بالبداء .
2 ـ أئمّة الشيعة يعلمون الغيب .
وخرج إلى نتيجة وهي : أنّ أئمّة الشيعة أعظم من الله ( نعوذ بالله ) !
وهنا نوضح كلا النقطتين :

.1 . أما البداء

فمعناه أنّه ليس للإنسان مصير قطعي لا يتبدّل ولا يتغيّر ، بل أنّ مصيره يتبدّل بصالح الأعمال وطالحها ، فرب إنسان كتب عليه ـ حسب أعماله ـ أنّه من أهل النار لكنه يستطيع أن يغيّر مصيره بالأعمال الصالحة ويكتب عليه أنّه من أهل الجنة ، وهكذا العكس ، ويدل عليه قوله سبحانه : ﴿ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ 1.
وحاصل البداء تغيير مصير الإنسان في شؤونات مختلفة بأعماله الحسنة والسيئة ، وهذا أمر اتفق عليه عامّة المسلمين ، روى جلال الدِّين السيوطي في كتابه « الدر المنثور» روايات عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تتحدّث عن تبدّل قسم من التقدير الإلهي بسبب الأعمال الحسنة للإنسان ، أمثال برّ الوالدين والصدقة وصِلة الرحم وغيرها ، والحديث المعروف « الصدقة تدفع البلاء » يشير إلى هذا المعنى 2 .
و« البداء » بهذا المعنى هو مورد قبول جميع المسلمين ، ويستحيل أن يكون سبباً في وصف الله بالجهل ( حاشا لله ) ، وكنموذج للتوضيح : فإنّ قوم يونس ( عليه السلام ) بسبب عدم إيمانهم استحقّوا العذاب ، وكان نبيّهم « يونس » قد اطّلع على نزول العذاب عليهم ، فخرج عنهم وتركهم ، إلاّ أنّ قومه لما رأوا طلائع العذاب خرجوا إلى الصحراء متضرّعين ومبتهلين بالدعاء والبكاء معلنين توبتهم إلى الله تعالى ، فقبل الله توبتهم وكشف عنهم العذاب ، قال تعالى : ﴿ فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ ﴾ 3.
وقد كان نزول العذاب على قوم يونس مقرّراً ولكن وقع « البداء» أي « بدا لله أن لا يعذّبهم » وهذا تعبير مجازي بكلّ تأكيد ، يعني أنّ الناس العاديّين الذين لا يعلمون الماضي والمستقبل يعتقدون أنّ الله تراجع في رأيه وبدّل إرادته ، والحال أنّه لم يقع تبديل ، وفي الحقيقة أبدى للناس ما أخفاه وكشف السِّتار عن الحقيقة ، فليس « بداء » وإنّما هو « إبداء » وإظهار لشيء كان مختفياً عن الآخرين ، لكنّه كان معلوماً عند الله من الأزل بأنّ هؤلاء القوم سوف يتوبون ويرتفع عنهم العذاب .
وأمّا أنّهم لماذا يقولون « بدا لله » ؟
فالجواب : أنّه بسبب الاقتداء بالنبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي استعمل كلمة « بدا لله » في هذا المورد ، وهو ما نقله البخاري في صحيحه في حديث طويل نكتفي بنقل صدره فقط :
عن أبي هريرة أنّه سمع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : « إنّ ثلاثة من بني إسرائيل ; أبرص وأقرع وأعمى بدا لله أن يبتليهم فبعث إليهم ملكاً . . . » 4 .
ويقرب من هذا الحديث ما ذكروه في باب التوسّل بالعمل الصالح ، حيث ينقلون عن النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) أنّه دخل ثلاثة أشخاص إلى غار فراراً من المطر ، وفجأةً أتى حجر كبير وأغلق باب الغار ، فقالوا لبعضهم البعض : والله لن ينجو منّا أحد إلاّ إذا توسّل بعمل صالح عمله ، فكلّ من عنده عمل صالح فليتوسّل به إلى الله تعالى حتّى يُنجيه من الموت . . .
إلى هنا ظهر أنّ الاعتقاد بـ « البداء » ليس معناه نسبة الجهل إلى الله تعالى ، فالله عالم مطلق ، لا طريق للجهل إلى ساحته المقدّسة ، إلاّ أنّ أغلب الناس الذين ينظرون إلى ظاهر القضايا دون باطنها ، وإذا فوجئوا بخلاف ما كانوا يترقبّون يقولون « بدا لله » وهذا نوع من الاستعمال المجازي من وجهة نظر الإنسان ، أمّا من جهة الله تعالى وهو العالم بالظاهر وما سيقع في المستقبل فهو بالنسبة إليه إبداء أي إظهار للناس خلاف ما كانوا يترقبونه ، الذي أجرى الحوادث على هذا النحو بحيث تكون خافية على الناس في أوّل الأمر ثمّ يطلعهم عليها لاحقاً .

.2 . علم الأئمة بالغيب

إذا قلنا إنّ الأئمّة يعلمون الغيب فليس معناه أنّهم أعلم من الله تعالى ـ حاشا لله ـ لأنّ الاعتقاد بـ « البداء » غير مستلزم لنسبة الجهل إلى الله ، حتّى نتصوّر تلك الأفضليّة ، ولنترك هذا ، فعلم الإمام بالغيب غير قابل للمقارنة والمقايسة أصلاً بعلم الله تعالى ; فعلم الله بالغيب علمٌ مطلق ، أمّا علم الإمام فمحدود ، وأيضاً فإنّ علم الله بالغيب هو أمرٌ ذاتيّ ( لا ينفكّ عنه بحال من الأحوال ) ، أمّا علم الإمام فهو علمٌ اكتسابي من الله تعالى .
إلى غير ذلك من الفروق بين العلمين ، وفي الحقيقة علمهم بالغيب عبارة أُخرى عن تعلّمهم من ذي علم ، كما صرح بذلك الإمام ( عليه السلام ) في بعض خطبه 5 6 .

  • 1. القران الكريم: سورة الرعد (13)، الآية: 39، الصفحة: 254.
  • 2. الدرّ المنثور : 6 / 661 .
  • 3. القران الكريم: سورة يونس (10)، الآية: 98، الصفحة: 220.
  • 4. صحيح البخاري : 4 / 172 ، كتاب أحاديث الأنبياء ، الحديث 3465 ; وكتاب البيوع ، الحديث 2215 .
  • 5. عندما أخبر ( عليه السلام ) عن الملاحم بالبصرة ، قال بعض أصحابه : لقد أُعطيتَ يا أمير المؤمنين علم الغيب فأجابه قائلاً : يَا أَخَا كَلْب ، لَيْسَ هُوَ بِعِلْمِ غَيْب ، وَإِنَّمَا هُوَ تَعَلُّمٌ مِنْ ذِي عِلْم . نهج البلاغة : الخطبة 128 .
  • 6. هذه الإجابة نُشرت على الموقع الالكتروني الرسمي لسماحة آية الله العظمى الشيخ جعفر السبحاني دامت بركاته ، السؤال 102 .