نشر قبل 8 سنوات
مجموع الأصوات: 66
القراءات: 7105

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

لتركت القاضي يأكلك!

نموذج آخر مِن السُّخرية بالأشخاص المُصابين ببعض العيوب الظاهريَّة، نجده في قِصَّة القاضي المصري، رشيد بن الزبير، فقد كان مِن القُضاة الماهرين والكتَّاب العِظام في عصره، وكان ذا خُبرة كافية في علوم الفِقه، والمنطق، والنحو، والتاريخ... عاش في القَرن السادس الهِجري، وقد كان ذا قامة قصيرة، أسود اللون، ذا شفتين غليظتين، وأنفٍ كبيرٍ، ومَنظرٍ قبيحٍ جِدَّاً، كان يعيش في شبابه في القاهرة، ويسكن مع عبد العزيز الإدريسي، وسليمان الديلمي في بيتٍ واحد.
فخرج يوماً وتأخَّر في العودة إلى منزله، وعندما عاد سأله زُملاؤه عن سبب تأخُّره، فأبى أنْ يُجيبهم حتَّى ألحوا عليه، فقال: كنت أعبر مِن المحلِّ الفلاني، فصادفت امرأة ذكيَّةً، كانت تنظر إليَّ بعين الإعجاب، فذهلت مِن شِدَّة الفرح وبتُّ أرقب سَيرها، فأشارت إليَّ بطرف عينها؛ فتبعتها في السِّكَك الواحدة بعد الأُخرى، حتَّى انتهينا إلى دار، ففتحت الباب ودخلت، وأشارت إليَّ بالدخول فدخلت، فكشفت النقاب عن وجهها، وإذا به قِطعة مِن القمر... لم تمضِ فترة طويلة، حتَّى صفقت بيدها، ونادت باسم فتاة، فإذا بطفلة في غاية الجمال نزلت مِن الطاق العُلوي، فخاطبتها المرأة قائلة: لو تبوَّلت في فِراشك هذه المَرَّة؛ فسأُعطيك إلى هذا القاضي ليأكلك؛ فبلغ الخوف والهَلع مِن الطفلة مبلغه، وبلغ الارتباك والاضطراب مِنِّي مبلغه أيضاً. ثمَّ التفتت إليَّ قائلة: لا أعدمني الله إحسانه بفضل سيِّدنا القاضي أدام الله عِزَّه... فخرجتُ مِن الدار مُطأطئاً رأسي خَجلاً؛ ولفَرط ما أصابني مِن خَجلٍ وذهولٍ؛ ولشِدَّة تأثري تِهتُ الطريق إلى البيت، وبقيت أجوب الأزقَّة... ولهذا تأخَّرت في العَودة 1.
 

  • 1. القَصص التربويَّة عند الشيخ محمَّد تقي فلسفي، للطيف الراشدي، دار الكتاب الاسلامي، الطبعة الاولى 2004 م ..