كثيرة هي المعارك والثورات والنهضات، التي اندثر تأثيرها مع الزمن، إلا معركة وثورة ونهضة الإمام الحسين ، حيث أن الزمن يزيد من إشراقها وضيائها.. ففي كل عام يجدد المؤمنون إحياء هذه النهضة، ويستلهم الملايين منها الدروس والعبر.. والذي يتابع حرارة إحياء هذه المناسبة العظيمة، يدرك بعمق أن الزمن وتداعياته، لم يمنع الناس من إحياء هذه المناسبة.
ثمة دروس أساسية تطلقها ثورة الإمام الحسين عبر الأجيال والتاريخ. ولعل من أهم هذه الدروس، هو ضرورة العمل على صيانة الكرامة الإنسانية، ورفض كل محاولات امتهانها ومسخها. فعاشوراء الحسين ، تربطنا ارتباطا جوهريا بقيمة الكرامة. وتعلمنا أن الإنسان أو المجتمع الذي تمتهن كرامته وتهدر حقوقه الإنسانية، عليه العمل والسعي لإزالة الذل وصيانة الكرامة الإنسانية والمحافظة على حقوق الإنسان.
على المستوى الإنساني والاجتماعي، ثمّة حقائق ثابتة وشاخصة لا يمكن النظر إلى الواقع الإنساني بدونها.. ولعل من أبرزها هي حقيقة الاختلاف والتنوّع الثقافي الموجودة في الحياة الإنسانية. ونظرة واحدة إلى الأطلس الأنثروبولوجي، نكتشف فيه أن التنوّع الثقافي والديني والقومي والإثني من الحقائق التي لا يمكن تجاوزها أو التغافل عنها..
على المستوى المنهجي والمعياري، ثمة نظريات وأفكار عديدة حول آليات التجديد في الفكر الديني وطرق وصل الدين بوصفه منهج حياة بالعصر.. ولكن جميع هذه الأفكار والنظريات تتفق أن ثمة حاجة ذاتية وموضوعية لوصل الدين بالعصر، والعصر بالدين..
إن الطفولة بوصفها مرحلة يعيشها الإنسان، لها أبعادها وتأثيراتها المتعددة في بناء شخصية الإنسان وغرس الصفات الخيرة فيه. فالتعامل الحسن مع هذه المرحلة العمرية، يفضي إلى خلق عنصر فاعل ومنتج على المستويين الخاص والعام..
ثمة علاقة عميقة تربط بين مفهوم الهوية وحقيقة التنوع الإنساني. ولا يمكن إدراك هذه الحقيقة الإنسانية بدون تظهير قيمة التنوع الثقافي. فالإنسان لا يمكن فهم ذاته بدون فهم وادراك الآخر. لذلك ثمة ضرورة لفهم قيمة الهوية بوصفها شاملة لكل الخصائص الثقافية والاجتماعية والنفسية المتوفرة لدى كل الجماعات البشرية.
إن الإنسان المسلم اليوم، لا يستطيع أن يمارس خصوصيته بكل جوانبها وأبعادها بدون حريته. فشرط ممارسة الخصوصية، هو أن ينال الإنسان المسلم حريته حتى يستطيع أن يوظف كل إمكاناته وقدراته، نحو العمران والتطوير.
فالمطلوب أن ينال الإنسان المسلم حريته، وهي لا توهب، وإنما هي بحاجة إلى جهد وجهاد، سعي وكفاح، تدرج وتواصل، حتى تتراكم تقاليد وآداب الحرية في المحيطين الفردي والجماعي. فقوة العرب والمسلمين في حريتهم، لأنها بوابة الوحدة والإجماع، كما هي الوعاء الذي يستوعب جميع الطاقات والقدرات.
وفق الرؤية الإسلامية التوحيدية، فإن ماهية الإنسان وطبيعته، قد تحددت في العلم الإلهي قبل الوجود الإنساني العيني.. إذ يقول تبارك وتعالى ﴿ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾1.
إن للإسلام اختيارات وتطلعات كبرى «كالحرية والمساواة والعدالة والسلام»، لا يمكن أن تتحقق في الواقع الإنساني، بدون وجود سلطة سياسية نموذجية، تدافع عن الإنسان وتطلعاته، وتكافح لتحقيق تطلعات الإسلام الكبرى في الواقع الخارجي. وتأسيسا على هذا، فان العملية السياسية الإسلامية ليست منفصلة عن مفهوم العبادة العام.
تستهدف الحوارات الثقافية والفكرية، خلق التراكم المعرفي، والمشاركة في الرأي والفكرة، والتواصل الإيجابي بين المهتمين بشئون الثقافة والأدب، وصولا لبلورة الأفكار وإنضاجها، وتقليبها على أوجهها المختلفة لتكاملها. وإن من أعمق المشكلات التي نواجهها كأمة، هي المشكلة الثقافية، التي تلقي بظلها على تفاصيل حياتنا، والتي نرى جذورها في طريقة تفكير إنسان مجتمعنا وأمتنا، وطبيعة شخصيته، ونوعية طموحاته، وعلاقته بالزمن.
من الثابت تاريخياً أن الدولة الإسلامية قد انحرفت مبكراً في التاريخ الإسلامي، وعلى ضوء ذلك هناك معادلة غير محلولة، لدى الكثيرين، وهي كيف يمكن التوفيق بين هذا الانحراف المبكر، وابتعاد الدولة عن قيم الشورى والحرية في علاقة الحاكم بالمحكوم، وبين ازدهار الحضارة الإسلامية واتساع رقعتها الجغرافية والشعبية.
رعاية الوقف الإسلامي وتطوير سبل إدارته ومشاركته في التنمية والتطوير يقف على رأس أولويات مشروع التعبئة الشاملة. فالدولة الإسلامية التاريخية، حينما تخلت عن مسؤوليتها الحضارية والعلمية، تصدت الأمة لهذه المسؤوليات والمهام، مدعومة بالوقف الإسلامي، الذي أسس المؤسسات، وبنى المعاهد العلمية والدعوية، ورعى الدعاة والمجاهدين، واحتضن الفقراء والضعفاء من الأمة، وسد نقاط الضعف التي أبانت من جراء انسحاب الدولة وانحرافها عن مهامها ومسؤولياتها الرسالية والحضارية.
على الصعيد اللغوي، يعرف الوقف بالحبس، يقال وقفت الدابة إذا حبستها على مكانها. أما على الصعيد الاصطلاحي، فقد تعددت التعريفات لمفهوم الوقف، بتعدد المذاهب الفقهية، مع تسالمهم واشتراكهم في أغلب شروط وأركان الوقف.
فقد عرف الشيعة الإمامية الوقف بأنه «عقد ثمرته تحبيس الأصل وإطلاق المنفعة». أما الحنفية فيعرفون الوقف بأنه «حبس العين على حكم ملك الواقف والتصدق بالمنافع على الفقراء مع بقاء العين».
لا ريب أن ظاهرة العنف بكل مستوياتها، نتاج عوامل وأسباب عديدة.. ولا يمكن إدانة العنف لإنهاءها، إلا بإعطاء تفسير علمي واجتماعي دقيق وواقعي، لطبيعة العوامل والأسباب التي تشكل بشكل مباشر ظاهرة العنف بكل مستوياتها..
في زمن الفتن والاصطفافات الطائفية والهوياتية، تتضاءل فرص الاعتدال السياسي، وتزداد أشكال التشدد الديني والسياسي..
ولعل نظرة واحدة للعالم العربي اليوم، نكتشف أن من ضحايا الظروف الراهنة في المنطقة، هو تراجع الاعتدال السياسي، وبروز كل أشكال التطرّف والتشدد.. بحيث أصبح المعتدل في موقع الضعف والاهتراء.. وأصبح التشدد هو عنوان اللحظة الراهنة على كل المستويات..
وهذا بطبيعة الحال، يزيد من الاحتقانات والتوترات، ويعلي من شأن كل العصبيات..
على المستوى المجتمعي ثمة خلط جوهري بين الدين بوصفه مجموعة من القيم والمبادئ المتعالية على الأزمنة والأمكنة، وبين أنماط التدين وهي مجموع الجهود التي يبذلها الإنسان فردا وجماعة لتجسيد قيم الدين العليا. فكل محاولة إنسانية لتجسيد قيم الدين أو الالتزام العملي بها، تتحول هذه المحاولة الإنسانية إلى نمط من أنماط التدين، قد يقترب هذا النمط من معايير الدين العليا وقد يبتعد.
من المؤكد أن مدرسة عاشورا، تعتبر من أهم المدارس الإسلامية والإنسانية، التي تقدم لمختلف الأجيال دروس وعبر لبناء حياة نموذجية. صحيح أن مقاومة الظلم والاستبداد قد تؤدي إلى القتل، ولكن حين الحديث عن مالات الحياة. نجد أن دروس عاشوراء تفضي إلى مالات أقرب إلى العدالة والمساواة. لذلك ثمة حاجة دائمة لإحياء عاشوراء وأخذ الدروس والعبر منها.
ونود في هذا الإطار أن نتحدث عن أهداف عاشوراء، فما هي أهداف عاشوراء، وماهي الغايات الكبرى التي سعت ثورة الإمام الحسين لتحقيقها في الواقع الخارجي.
الإنسان حينما يضحي بحياته من أجل مبادئه، فهو في حقيقة الأمر يدافع عن وجوده النوعي بفعل عوامل احتقان أو غضب ليس للأيدلوجيا أي دخل بها. فالإنسان حينما تغضبه السياسة أو الأوضاع الاقتصادية أو أي شيء آخر فهو يضحي بنفسه بوصف أن هذه التضحية هي التي ستحرر المجتمع الذي أنتمي إليه من كل القيود والأغلال التي تفرضها الأوضاع والظروف السياسية أو الاقتصادية.