يبدو أن التحسر في يوم القيامة لا يختص بالمسيئ بل تكون الحسرة عامة فالمحسن أيضاً له نصيب من الحسرة لكن من نوع آخر . قال الفيض الكاشاني في تفسيره : يوم يتحسّر النّاس المسيء على إساءته و المُحسن على قلّة إحسانه. و كلام الفيض الكاشاني يذكرنا بما رُوِيَ في قصة ذي القرنين...
سُئِلَ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: كَيْفَ يُحَاسِبُ اللَّهُ الْخَلْقَ عَلَى كَثْرَتِهِمْ؟ فَقَالَ عليه السلام: " كَمَا يَرْزُقُهُمْ عَلَى كَثْرَتِهِمْ". فَقِيلَ: كَيْفَ يُحَاسِبُهُمْ وَ لَا يَرَوْنَهُ؟ فَقَالَ: "كَمَا يَرْزُقُهُمْ وَ لَا يَرَوْنَهُ" 1.
أولاً : إنّ مَن يتكلّم بالصواب في الآية الأُولى هم الملائكة أو المؤمنون ، والكلام الصواب هنا هي الشفاعة بالحقّ على ما ذَكَره المفسّرون ، وفي الحديث عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) وقد سُئل عن هذه الآية قال : ( نحن واللّه المأذون لهم يوم القيامة ، والقائلون صواباً : نُمجّد ربّنا ونُصلّي على نبيّنا ونَشفع لشيعتنا ) 1 . وثانياً : مواطن القيامة متفاوتة ومواقفها متنوّعة ، فقوله ﴿ ... لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ ... ﴾ 2 خطاب إلى الكَفّار العنيد وقرينه الشيطان الذي أغواه ، حيث يقول الشيطان : ﴿ ... رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴾ 3 ، ويحاول الكافر أنْ يَجعل اللّوم على الّذي أغواه ، فكان النهي موجّهاً إليهم : لا تختصموا لديَّ بل اجعلوا بأسَكم بينكم فليس منعاً عن التخاصم على الإطلاق .