حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
تكليف من لم تتمّ عليهم الحجّة في الدنيا
إنّ الذين لم تتمّ عليهم الحجّة في الدنيا، ولم يتحقّق تكليفهم فيها، فإنّ تكليفهم سيكون في الآخرة. وبذلك التكليف يتمّ تحديد مصيرهم:
فإن فازوا في ذلك التكليف الإلهي فمصيرهم الجنة. وإن خسروا في ذلك التكليف الإلهي فمصيرهم النار.
أحاديث شريفة واردة في هذا المجال :
1 ـ قال الإمام محمّد بن على الباقر(عليه السلام): "إذا كان يوم القيامة احتجّ اللّه عزّ وجلّ على خمسة:
على الطفل، والذي مات بين النبيين، والذي أدرك النبي وهو لا يعقل، والأبله ، والمجنون الذي لا يعقل، والأصم والأبكم. فكلّ واحد منهم يحتجّ على اللّه عزّ وجلّ.
قال: فيبعث اللّه إليهم رسولا فيؤجّج لهم ناراً فيقول لهم: ربّكم يأمركم أن تثبوا فيها. فمن وثب فيها كانت عليه برداً وسلاماً. ومن عصى سيق إلى النار"1.
2 ـ قال الإمام محمّد بن علي الباقر(عليه السلام):
" ... إذا كان يوم القيامة اُتِيَ: بالأطفال والشيخ الكبير الذي قد أدرك السنّ 2 ولم يعقل من الكبر والخرف والذي مات في الفترة بين النبيين والمجنون والأبله الذي لا يعقل فكلّ واحد [ منهم ] يحتجّ على اللّه عزّ وجلّ فيبعث اللّه تعالى إليهم ملكاً من الملائكة فيؤجّج ناراً فيقول: إنّ ربّكم يأمركم أن تثبوا فيها فمن وثب فيها كانت عليه برداً وسلاماً ومن عصاه سيق إلى النار"3.
تنبيهات :
1 ـ قال الشيخ الصدوق: "إنّ قوماً من أصحاب الكلام ينكرون ذلك ويقولون:
إنّه لا يجوز أن يكون في دار الجزاء تكليف ودار الجزاء للمؤمنين إنّما هي الجنة ودار الجزاء للكافرين إنّما هي النار.
وإنّما يكون هذا التكليف من اللّه عزّ وجلّ في غير الجنة والنار، فلا يكون كلّفهم في دار الجزاء، ثمّ يصيّرهم إلى الدار التي يستحقونها بطاعتهم أو معصيتهم.
فلا وجه لإنكار ذلك"4.
2 ـ قال الشيخ الصدوق حول الأحاديث الشريفة المبيّنة بأنّ أولاد المشركين والكفار مع آبائهم في النار :
" ... أطفال المشركين والكفار مع آبائهم في النار لا يصيبهم من حرّها لتكون الحجّة أوكد عليهم متى أمروا يوم القيامة بدخول نار تؤجّج لهم مع ضمان السلامة متى لم يثقوا به ولم يصدّقوا وعده في شيء قد شاهدوا مثله"5.
3 ـ قال العلاّمة الحلّي: "ذهب بعض الحشوية 6 إلى أنّ اللّه تعالى يعذّب أطفال المشركين ، ويلزم الأشاعرة تجويزه ، والعدلية كافة على منعه، والدليل عليه أنّه قبيح عقلا، فلا يصدر منه تعالى"7.
4 ـ إنّ قوله تعالى:﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ... ﴾ 8 لا تدل على إلحاق مطلق الذرية بآبائهم المؤمنين، بل تدل على إلحاق الذرية المؤمنة بآبائهم المؤمنين .
والذرية التي لم ينكشف إيمانها في الدنيا، فإنّ الاختبار الإلهي لها في الآخرة يبيّن إيمانها وعدم إيمانها .
فإن اتّبعت هذه الذرية آباءها في الإيمان، فإنّها ستلحق بآبائها .
وإن لم تتبع هذه الذرية آباءها في الإيمان ، فإنّها لا تلحق بآبائها.
بعبارة أُخرى :
تبيّن هذه الآية بأنّ الذرية إذا اتّبعت آباءها بالإيمان ولكنها لم تبلغ درجة الآباء في الإيمان ، فإنّ اللّه تعالى سيلحق هذه الذرية بالآباء ، وذلك لتقرّ عين الآباء باجتماعهم معهم في الجنة 9.
"فإن قيل: كيف يلحقون بهم في الثواب ولم يستحقوه.
فالجواب: إنّهم يلحقون بهم في الجمع لا في الثواب والمرتبة"10.
تتمة :
تكليف ولد الزنا :
إنّ ولد الزنا غير مقصّر أبداً، ولا يمكن التنقيص منه نتيجة سوء فعل أبويه .
قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) : "إنّ ولد الزنا يستعمل ، إن عمل خيراً جُزي به ، وإن عمل شراً جُزي به"11.
قال العلاّمة المجلسي بعد ذكره لهذا الحديث الشريف:
"هذا الخبر موافق لما هو المشهور بين الإمامية من أنّ ولد الزنا كسائر الناس مكلّف بأصول الدين وفروعه، ويجري عليه أحكام المسلمين من إظهار الإسلام ، ويثاب على الطاعات ويعاقب على المعاصي"12.
تنبيه :
لا يمكن الأخذ ببعض الأحاديث الدالة على أنّ في ولد الزنا منقصة تنافي الاختيار، لأنّ هذه الأحاديث معارضة للآيات القرآنية الدالة على أنّه تعالى ليس بظلاّم للعبيد 13 14.
- 1. الخصال ، الشيخ الصدوق: باب الخمسة، ح31، ص283. الفصول المهمة، الشيخ الحرّ العاملي: ج1، باب 56، ح8 [ 311 ]، ص282. بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي: ج5، باب 13، ح2، ص289 ـ 290.
- 2. وردت عبارة "أدرك النبي" بدل "أدرك السن" في : الفصول المهمة ، الشيخ الحرّ العاملي: ج1، باب 56، ح1 [ 304 ]، ص278. بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي: ج5، باب 13، ح3، ص290.
- 3. معاني الأخبار ، الشيخ الصدوق: نوادر الأخبار ، ح86 ، ص408.
- 4. الخصال ، الشيخ الصدوق: باب الخمسة، ذيل ح31، ص283.
- 5. من لا يحضره الفقيه ، الشيخ الصدوق : ج3 ، أبواب القضايا والأحكام ، ب 151 ، ذيل ح 4 [ 1546 ] ، ص318.
- 6. للتعرّف على الحشوية راجع: بحوث في الملل والنحل ، جعفر سبحاني: ج1، ص124 والفصل الخامس.
- 7. كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث ، الفصل الثالث ، المسألة العاشرة، ص436.
- 8. القران الكريم: سورة الطور (52)، الآية: 21، الصفحة: 524.
- 9. قال الإمام الصادق(عليه السلام) في تفسير هذه الآية: "قصرت الأبناء عن عمل الآباء فألحق اللّه عزّ وجلّ الأبناء بالآباء لتقرّ بذلك أعينهم". التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 61، ح7، ص383 .
- 10. مجمع البيان، الشيخ الطبرسي: ج9، تفسير آية 21 من سورة الطور .
- 11. بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي: ج5، كتاب العدل والمعاد ، باب 12، ح14، ص287 .
- 12. المصدر السابق: ص 287 ـ 288 .
- 13. للمزيد راجع: صراط الحقّ، محمّد آصف المحسني: ج2، المقصد 5، القاعدة 12، ص403 ـ 411.
- 14. المصدر: كتاب العـدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) لـشيخ علاء الحسّون.