وفي آخر لحظة من حياته الشريفة طلبَ الاِمام عليّاً (عليه السلام) قائلاً: «أُدعوا لي أخي». فعرف الجميع بأنَّه يريد عليّاً (عليه السلام) فدعَوا له عليّاً، فقال له: «أُدن منّي فدنا منه، فاستند إليه فلم يزل مستنداً إليه يكلّمه». وسأل رجل ابن عباس: هل توفّي رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في حِجر أحد؟ قال: توفّي وهو مستند إلى صدر علىٍّ،وهو الذي غسَّله وأخي الفضلُ بن عباس.
لا بد من دراسة تجربة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بناء المجتمع الإسلامي الأول دراسة دقيقة ومتأنية حتى نستفيد منها كيف نبني مجتمعاتنا على أساس هذا الدين العظيم المليء بالمعاني السامية التي تحقق إنسانية الإنسان بكل أبعادها المادية والمعنوية والروحية، لعل ذلك يكون الخطوة السليمة لإنقاذ البشرية وإخراجها من الظلمات إلى النور.
جمعت شخصية الإمام الحسن بن علي أكمل الصفات وأفضل الخصال، فهو بحر في العلم والمعرفة، وقمّة في الأخلاق والفضيلة، وأنموذج في العبادة والتهجّد، قد شمل الناس بسخائه وكرمه، وخاصّة الفقراء والمحتاجين.
واجه الإمام الحسن الزكي في حياته الكثير من المعاناة والألم والمحن، وتحمل من صنوف الأذى النفسي والعنف المعنوي الشيء الكثير، حتى من بعض أصحابه الذين لاقوه بالنقد الشديد لإبرامه الصلح مع معاوية مع علمهم باضطراره لذلك...وهذه هي المحنة الأولى والأصعب على الإمام ؛ إذ أن بعض أقرب الناس إليه لم يستوعبوا ما قام به الإمام الحسن من صلح مع معاوية، وعاتبوه بل وتلفظوا عليه بما لا يليق!
بعث عبيد الله بسبعين فارس مع محمّد بن الأشعث ، فأحاطوا بمسلم من كلّ جانب. فقاتلهم مسلم وحده مقاتلة الشجعان ، وكافحهم مكافحة الأبطال حتّى أكثر فيهم القتل ، واستنجدوا بعبيد الله أن يبعث إليهم بالخيل والرجال فأنجدهم ، وأخذوا يرمونه بالنار والحجارة من فوق الدور وعمدوا إلى مكيدة ؛ فحفروا له حفيرة ووضعوا عليها الحطب والتراب ، وبينما هو يهجم عليهم وهم يفرون من بين يديه إذ سقط مسلم (عليه السّلام) في تلك الحفيرة.
قرر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بهدف الحيلولة دون انحراف مسألة الخلافة عن محورها الاَصلي، والحيلولة دون ظهور الاختلاف و الافتراق، أن يعزز مكانة علي (عليه السلام) ويدعم إمارته وخلافته، و أهل بيته، بإثبات ذلك في وثيقة خالدة تضمن بقاء الخلافة في خطها الصحيح.
لمّا وصلت أنباء إعلان الإمام الحسين ثورته على الحكم الاُموي إلى كوادر الحزب الاُموي ، كانت ردود الفعل مختلفة بحسب وجهات نظر أعضاء الكوادر الحزبية الاُمويّة ، وهي في اتّجاهين : الاتّجاه الأوّل : وهو الذي يمثل جانب اللين والفتور لأنّ بعض الكوادر الحزبية الاُمويّة كانت تمثّل الجانب المعتدل في الحزب ، لأنّها تعلم في قرارة نفسها أنّ يزيد لا يستحق الخلافة وغير جدير بها...
وهو أوّل بيان للحسين (عليه السّلام) للثورة على يزيد بن معاوية ، وذلك عندما طلب منه والي يزيد على المدينة ـ الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ـ مبايعة يزيد بالخلافة بعد هلاك معاوية ، فقال له الحسين (عليه السّلام) : «أيّها الأمير ، إنّا أهل بيت النبوّة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، بنا فتح الله وبنا ختم. ويزيد رجل فاسق ، شارب للخمر ، قاتل النفس المحترمة ، معلن للفسق ، ومثلي لا يبايع مثله ...
اهتم الإمام السجاد كثيراً بمسألة تربية العبيد على القيم الدينية والأخلاقية، وتعليمهم أهم مسائل وأحكام الإسلام، ثم عتقهم بعد ذلك. وقد دفع هذا الأمر بهؤلاء العبيد إلى الولاء للإمام السجاد والبقاء على ولائهم وخطهم العقائدي لأهل البيت ، والوفاء للإمام بالدفاع عنه، ورفض التعرض له بأي سوء.
أشرنا في موضوع الإسلام والخلافة أهم الصفات التي يجب أن يتحلّى بها الخليفة الإسلامي ، فأين (يزيد) منها؟ وهل فيه من هذه الصفات التي ذُكرت وقد أجمع معاصروه ومَن بعدهم على خلوّه منها ، وأنّه ليست له هذه الأهلية ، لأنّه متّصف بجميع الصفات القبيحة ، كشرب الخمر ، ولعب القمار ، وضرب الملاهي ، واللعب بالكلاب الهراش ، وإلى ما هنالك من صفات منافية؟ فلنستمع إلى ما يذكره المؤرّخون عنه :
ورد في السيرة النبوية أنّه بعد ولادة الإمام الحسين (عليه السلام) جاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بيت ابنته سيدة نساء العالمين (عليها السلام) ونظر إلى المولود الجديد، ثمّ أخذه بين يديه وقبَّله في نحره، فاسترعى هذا التصرّف انتباه الأم الفرحة، وما كان منها إلّا أن سألت أباها عن مغزى ذلك الفعل، فيأتيها الجواب الذي لا ينطق عن الهوى بأنّ "الحسين (عليه السلام)" يُقتَل عطشاناً مظلوماً مذبوحاً على يد الفئة الباغية.
اهتم الإسلام بالخلافة اهتماماً كبيراً ، لأنّ عليها يقوم بنيانه ويبني مجتمعه ، وإنّها القاعدة الأساسية لحفظ شريعته ، وصيانة مجتمعه من الانهيار والتشتت والتفرّق ، وبدونها لا تقوم للإسلام قائمة ، «فهي ضرورة من ضروريات الحياة الإسلاميّة لا يمكن الاستغناء عنها ؛ فبها يُقام ما اعوجّ من نظام الدين ، وبها تتحقّق العدالة الكبرى التي ينشدها الله في الأرض».
حقيقة النهضة الحسينية أضحت الوجه الباطني للإسلام، وكما أن النبوة تجسدت في الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله فإن الولاية التي هي باطنها تجسدت في سيد الشهداء عليه السلام ولقد أعطى هذا الحديث النبوي الشريف تصويراً فريداً لهذه الحقيقة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "حسين مني وأنا من حسين".
عندما نتأمل في التاريخ الإسلامي بعد واقعة كربلاء الأليمة نجد أن العديد من الثورات ضد الحكم الأموي وبعدها ضد الحكم العباسي قد انطلقت بشعار: يا لثارات الحسين عليه السلام. وبغض النظر عن تقييم تلك الثورات، ينتابني سؤال مهم: هل كان الإمام الحسين عليه السلام ثائراً؟
لقد عزم الإمام الحسين على رفض الصلح بكل مستوياته؛ لأنّ المرحلة التي كان يتحرك فيها، لا تستجيب لأية مصلحة إسلامية في الصلح، خلافاً للمرحلة السابقة التي عاشها مع أخيه الإمام الحسن في حربه مع معاوية، وهذا مما يجعل من مسألة النتائج الخطرة أمراً طبيعياً جداً.
كربلاء ليست مدرسة للبطولة الثورية فقط، وانما هي أيضاً مدرسة لبطولة الانسان حينما يخرج من ذاته، من شح نفسه من حدوده الضيقة ليملأ الدنيا شجاعة وبطولة .. كربلاء مدرسة الوفاء، مدرسة التبتل والضراع، مدرسة الحب والتضحية، مدرسة العلم والتقوى، بالإضافة الى أنها مدرسة الجهاد والاستشهاد.
لقد كان القرآن حاضراً مع الحسين في عاشوراء، فهو لم يرفع السيف في وجه الطغاة والجائرين إلا دفاعاً عن رسالة الله وكتابه. لم يكن الإمام الحسين عليه السلام طالباً لسلطة أو جاه، بل إنما نهض ضد الضلال والإنحراف لإعادة الروح إلى الدين وتذكير الأمة بالقرآن.
المناسبة التي سقنا الحديث عن الثقلين من أجلها هي ذكرى “يوم الغدير” الذي تضمن حدثاً جليلاً وهو تأسيس خط الولاية لأئمة أهل البيت “عليهم السلام” الذين ناب عنهم في حمل راية الولاية على الأمة في ذلك اليوم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب “عليه السلام”.