حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
اولو الامر في القرآن
اکتسبت مسألة أولي الأمر أو صاحب الأمر أهميتها الفائقة لدي الصحابة ربّّّما انطلاقا ً من هذه الآية الکريمة في قوله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ 1
وتدور محاور الطاعة في هذه الآية حول ثلاثة:
- الله عزوجل: و طاعته حکم عقلي و وجداني. فالعقل يؤيّد وجوب الإستجابة لله عزوجل دون قيد أو شرط؛ لإنّه خالق الوجود و مالک الموجودات، وکلّّ شيء في قبضته، و أوامره نافذة.
ولأن أحکامه -سبحانه - من أوامر ونواهٍ لا تصل البشر مباشرة بل بواسطة يبلغون الشريعة کما أنزلها الله عزوجل، فالنبي لا يبدع بل يبلّغ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ﴾ 2.
- الرسول: و طاعته واجبة لأنّ الله قرن طاعته بطاعة النبي الذي بعثه. و من هنا يستشف أنّ رسول الله (صلی الله عليه و آله و سلم) له قراراته و أحکامه الخاصة به. فإن له إضافة الي مهمته في تبليغ الرسالة مهمة اخري تتعلّق في تطبيق شرع الله في أرضه و بين عباده، و هو مسؤول عن إقرار النظام و إرساء قواعد العدل و قيادة المجتمع في طريق الخير و الحقّ و إعلاء کلمة الإسلام، و هي مهمّة الهية لا يمکن القيام بها إلّا من خلال تشکيل جهاز حکومي متکامل يستوعب کلّّ شؤون الحيا ة الإنسانية.
ومن هنا فإن الرسول (صلی الله عليه و آله و سلم) يتحرّك في هذا الإطار بعنوان حاکم و قائد و رئيس؛ حيث يتمتع بناءً علی ذلك بأحکام خاصة تدعي أحکام الرئاسة، فهو يتّخذ القرارات المناسبة التي تنسجم و مصالح المسلمين ومنافع المجتمع الإسلامي؛ ولهذا کانت طاعته و اجبة. قال تعالى:
-﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ 3
_﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ 4
-﴿ ... وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ... ﴾ 5
-﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ... ﴾ 6
-﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ... ﴾ 7
-﴿ النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ... ﴾ 8
وکان بعضهم يعترض
يمثّل سيّدنا محّمد (صلی الله عليه و آله و سلم) قمّة الهرم في التشکيل الحکومي الإسلامي حيث ينقاد له المسلمون طائعين. علی أنّ التأمل في الحوادث و الآيات الکريمة يکشف لنا أن بعض المسلمين يشکّکون أو يعترضون حول امتياز النبي في وجوب طاعته أوّلا و أخيراً. لنتأمل في هذه الأية الکريمة من قوله تعالى: ﴿ ... وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا ... ﴾ 9.
معرکة أحد
لکي نستکشف معاني الآية الکريمة من الضروري ان نعرف أسباب نزولها وطبيعتة الحادثة التي رافقتها أو سبقتها.
أحيط النبي علماً بتحرکات قريش و زحفها باتجاه المدينة، فاجتمع سيّدنا محّمد (صلی الله عليه و آله و سلم) بالمسلمين و أطلعهم علی آخر الأنباء وکان رأي رسول الله (صلی الله عليه و آله و سلم) التحصن بالمدينة.
وتظاهر المنافق عبد الله بن أبي سلول بتأييد النبي، و لکن الشباب المتحمسين؛ خاصه أولئك الذين لم يشارکوا في معرکة بدر، وجدوا هذه المناسبة فرصة للاندفاع و رفض فکرة التحصن في المدينة، و أيّدهم في ذلک سعدبن معاذ، و سيطر شعار"النصر أو الشهادة إحدى الحسنيين"علی أجواء الجدل، و کان علی النبي (صلی الله عليه و آله و سلم) أن يحسم الموقف فدخل الى منزله و خرج و هو يسوي لأمة القتال.
وهنا شعر المتحمسون إنّهم قد فرضوا رأيهم علی النبي (صلی الله عليه و آله وسلم) فشعروا بالندم قائلين: استکرهنا رسول الله (صلی الله عليه و آله و سلم) ثم اعتذروا و قالوا: اصنع ما شئت با نييّ الله. فقال النبي (صلی الله عليه و آله و سلم) لاينبغي لنبي أن يلبس لأمته فيضعها حتى يقاتل. وأصدر أمره بالتحرّك لمواجهة العدوان.
عبأ النبي قوّاته للإشتباك، و أمر خمسين من أمهر الرماة بالتمرکز فوق سفوح جبل "عينين" لحماية ظهر الجيش الإسلامي من حرکة التفاف يقوم بها العدوّ. وقال لابن جبير قائد الرماة:
- انضحوا الخليل بالنبل لا يأتونا من خلفنا.
- و التفت الي جموع الرماة مؤکدا:
- احموا لنا ظهورنا. لا يأتونا من خلفنا. وارشقوهم بالنبل فإن الخيل لا تقدّم علی النبل، انّا لا نزال غالبين ما لبثتم مکانکم.. اللّهم إني أشهدك عليهم. وللمرّة الأخيرة أوصاهم النبي (صلی الله عليه و آله و سلم):
-إن رأيتمونا تتخطفنا الطير فلا تبرحوا مکانکم حتي أرسل اليکم، و ان رأيتمونا ظهرنا علی القوم و أوطأناهم فلا تبرحوا مکانکم حتي أرسل اليکم و إن رأيتمونا غنمنا فلا تشرکونا، و إن رأيتمونا نُقتل فلا تغيثونا ولا تدافعوا عنا.
وعند ما اشتعلت المعرکة کان النصر للمسلمين أوّلاً حيث ولّي المشرکون الأدبار، و في تلك اللحظات الحساسة ترك الرماة مواقعهم رغم تحذير القائد الذي کان مرابطا ًمع اثني عشر ملتزمين بأوامر النبي (صلی الله عليه و آله و سلم).
وهنا انتهز سلاح الفرسان بقيادة خالد بن الوليد الفرصة و شنّ هجوماً کاسحا ً في حرکة التفاف سريعة، و فاجأ بذلك مؤخرة الجيش الإسلامي، فحدثت الفوضي في صفوف القوات الإسلامية و تغير الموقف لصالح المشرکين الذين راحوا يطاردون المسلمين.
ولولا صمود المخلصين و في طليعتهم الإمام علي بن أبي طالب لبقي الرسول (صلی الله عليه و آله و سلم) وحيداً و لتعرضت حياتة للخطر.
وفي تلك اللحظات أدرک المسلمون عواقب مخالفتهم لرسول الله (صلی الله عليه و آله و سلم).
وبرزت تساؤلات حول قيادة الرسول (صلی الله عليه و آله و سلم) المطلقة وهل أن للمسلمين في ذلک رأيا ً.فجاء الوحي الإلهي ليجيب:﴿ ... قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ... ﴾ 9
وقال فريق من المسلمين:﴿ ... يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا ... ﴾ 9
فجاء الجواب الإلهي:﴿ ... قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ ... ﴾ 9 "قل لو کنتم في بيوتکم لبرز الذين کتب عليهم القتل الي مضاجعهم ".
ثم جاء تفسير الهزيمة في احد في قوله سبحإنه:﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ ... ﴾ 10
وأدرک المسلمون موقع الرسول في القيادة من خلال قوله تعالي:﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ 11. مع التأکيد علی أهمية الشوري و بقاء القرار النهائي بيد النبي (صلی الله عليه و آله وسلم):﴿ ... وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ... ﴾ 12
ومن هنا نفهم سيرة النبي (صلی الله عليه و آله و سلم) فهو قائد إضافة الي دوره في تبليغ الشريعة و الوحي، و يبقي مساره في أوامره و قراراته ضمن دائرة القانون الإلهي و الشريعة السماوية13.
- 1. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 59، الصفحة: 87.
- 2. القران الكريم: سورة النجم (53)، الآية: 3 و 4، الصفحة: 526.
- 3. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 132، الصفحة: 66.
- 4. القران الكريم: سورة التغابن (64)، الآية: 12، الصفحة: 557.
- 5. القران الكريم: سورة المجادلة (58)، الآية: 13، الصفحة: 544.
- 6. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 80، الصفحة: 91.
- 7. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 64، الصفحة: 88.
- 8. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 6، الصفحة: 418.
- 9. a. b. c. d. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 154، الصفحة: 70.
- 10. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 152، الصفحة: 69.
- 11. القران الكريم: سورة الجاثية (45)، الآية: 18، الصفحة: 500.
- 12. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 159، الصفحة: 71.
- 13. من کتاب دراسة عامة في الامامة.