حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
مفهوم الآخر.. بين المعنى السلبي والمعنى الإيجابي
يعد مفهوم الآخر أحد أكثر المفاهيم حضوراً وتداولاً في عالمنا اليوم، ويجري الحديث عنه في مختلف المجتمعات والثقافات والحضارات، وبات يتصل بالعديد من المجالات والميادين ويتلون بها، ففي المجال السياسي هناك حديث عن الآخر السياسي، وفي المجال الديني هناك حديث عن الآخر الديني، وفي المجال الفلسفي هناك حديث عن الآخر الفلسفي، وهكذا في المجال الثقافي والاجتماعي والاقتصادي وغيرها.
كما يرتبط هذا المفهوم ويتداخل بالعديد من الحقول المعرفية كالفلسفة، والدراسات الثقافية، والنقد الثقافي والأدبي، والتحليل النفسي وغيرها، ويدرس ويعتنى به في هذه الحقول، ودخل حديثاً في المعاجم الثقافية والأدبية والفلسفية، بوصفه مفهوماً ومصطلحاً له ملامحه وبنيته المفهومية والدلالية والتاريخية.
وعقدت حول هذا المفهوم وما تزال تعقد العديد من الندوات والمؤتمرات والحلقات، وعلى النطاقات كافة، الوطنية والعربية والإسلامية والدولية، ففي سنة 2005م كان هذا المفهوم موضوع اللقاء الفكري للحوار الوطني الخامس الذي نظمه في مدينة أبها مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، كما نشرت حول هذا المفهوم وما تزال تنشر العديد من الكتابات والدراسات والمؤلفات بصور ومقاربات مختلفة، وبلغات العالم المختلفة.
ولا شك أن العولمة والتطورات المذهلة في ثورة المعلومات وشبكات الإعلام وتقنيات الاتصال، أسهمت بفاعلية كبيرة في إثارة هذا المفهوم، وتحريكه ولفت الأنظار إليه بين مختلف المجتمعات والثقافات، وذلك لكونه شديد الصلة بمسألة الهوية التي تفجر الحديث عنها مع انبعاث تيار العولمة، وأصبح هناك تلازم في الحديث بين العولمة والهوية.
وفي ظل الانطباعات التي تصور أن العالم بات شديد التداخل والترابط بين أجزائه المتباعدة، وتحول إلى ما يشبه القرية العالمية المتصاغرة مع مرور الوقت، الوضع الذي غير جذرياً منظورات الرؤية لمفهوم الآخر، فلم يعد الآخر خارج الأسوار المحصنة، أو ذاك الذي تفصلنا عنه تلك المسافات البعيدة، أو ذاك الذي تحول بيننا وبينه البحار والمحيطات الممتدة على مدى البصر، أو الذي تحول بيننا وبينه الوديان والجبال الشاهقة، أو الفلول والصحاري الشاسعة، فقد بات الاحتكاك بهذا الآخر يحدث في كل لحظة، وفي كل مكان، وبكثير من الوسائط المباشرة وغير المباشرة، السمعية والبصرية، الشفهية والمكتوبة، وبلغات مختلفة.
من هنا كانت الضرورة للتوقف عند هذا المفهوم وفحصه، لمعرفة حده وحدوده، وكشف هويته وماهيته، وتحديد علائقه وتداخلاته.
وأول ما يستوقف الانتباه، التساؤل التالي: هل مفهوم الآخر هو تسمية سلبية أم إيجابية؟ وهل يستبطن هذا المفهوم قدحاً وذماً واستنقاصاً أم لا؟ وهل يحدث فصلاً وتباعداً وقطيعة أم لا؟ وهل يتضمن إلغاء ونفياً واستبعاداً أم لا؟
في الانطباع العام قد يوحي مفهوم الآخر بالطابع السلبي، وقد يشير إلى تلك الدلالات السلبية أو بعضها، وأشار إلى هذا المنحى ما جاء من تعريف لمفهوم الآخر في كتاب (دليل الناقد الأدبي)، فبعد تتبع لاستعمالات هذا المفهوم في دراسات بعض المفكرين الفرنسيين المعاصرين مثل سارتر وفوكو وجاك لاكان، الذين شاع عندهم هذا المفهوم أكثر من غيرهم، ينتهي الكتاب بالقول: يرى المعنيون بأمر هذا المصطلح، أن الآخر في أكثر معانيه شيوعاً يعني شخصاً آخر، أو مجموعة مغايرة من البشر ذات هوية موحدة، وبالمقارنة مع ذاك الشخص أو المجموعة يتحدد الاختلاف معه أو معها، وفي مثل هذه الضدية ينطوي هذا التحديد على التقليل من قيمة الآخر، وإعلاء قيمة الذات أو الهوية، ويشيع مثل هذا الطرح في تقابل الثقافات خاصة.
قد يكون هذا المعنى هو السائد في مقالات الأوروبيين المعاصرين، لكن ليس بالضرورة هو المعنى الثابت والمتفق عليه في تحديد ماهية هذا المفهوم.
ومن جهتي فقد وجدت أن هذا المفهوم يحتمل كلا الوجهين السلبي والإيجابي، فالجانب السلبي بات واضحاً ومعروفاً، أما الجانب الإيجابي فيتحدد في النظر إلى الطرف المغاير بعيداً عن التسميات والتوصيفات والكنى والألقاب غير المفضلة وغير المستحسنة، والتي لا يرتضيها هذا الطرف، ولا يقبل بها، وقد يرى فيها قدحاً أو ذماً أو تنابزاً بالألقاب. فبدل وصف الطرف المختلف أو المغاير بأوصاف وتسميات مثل العلماني أو الماركسي أو الكافر أو الملحد أو المشرك أو الحداثي أو الوجودي أو غيرها من التسميات والتوصيفات الأخرى، بدل كل ذلك يأتي وصف الآخر بقصد التجرد والتعالي والتنزه عن إطلاق مثل هذه التسميات والتوصيفات وغيرها1.
- 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ، العدد 15580.