حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
فكرة المدنية في المجال الإسلامي الحديث
عند النظر في فكرة المدنية وعلاقتها بالإسلام والفكر الإسلامي في المجال العربي، يمكن القول إن هذه الفكرة قد تبلورت وتحددت ونضجت خلال الفترة ما بين منتصف القرن التاسع عشر وعشرينات القرن العشرين، وهي الفترة التي يصفها الدارسون العرب المعاصرون بعصر النهضة، أو بمرحلة الفكر الإسلامي الحديث.
ولو بحثنا عن النصوص والمواقف والكتابات التي أشارت إلى هذه الفكرة لوجدنا أنها تنتمي كماً وكيفاً إلى تلك الفترة المحددة، وهناك كانت البدايات الفعلية التي تؤرخ لهذه الفكرة، ومنها أخذت طريقها في التطور والتراكم الممتد والمتعاقب زمناً وتاريخاً.
وحين تتبع الدكتور نصر محمد عارف في كتابه (الحضارة، الثقافة، المدنية) بدايات وسير مفهوم التمدن بعد التعرف عليه في النطاق العربي، وجد أن الفهم الذي تحدد حول هذا المفهوم استمر طوال القرن التاسع عشر وحتى أوائل القرن العشرين، وظلت اللفظة العربية المقابلة له هي المدنية.
وحين أراد الدكتور فهمي جدعان تحديد متى ظهرت إشكالية التمدن في المجال الفكري العربي، فإنه حددها في نطاق تلك الفترة، وحسب قوله إن الهجمة الغربية على الإسلام من حيث هو تمدن، أو من حيث هي ديانة مضادة للتمدن، قد شحنت الجو الفكري الإسلامي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بحمى الجدل الإسلامي ـ الغربي، أو الإسلامي ـ المسيحي، لما أضافه النقاد الغربيون من أمثال رينان وكوزان وكرومر وهانوتو من القول أن المسيحية هي المولدة الحقيقية للتمدن، وأن الإسلام مضاد له لا يتفق معه.
وإذا تأملنا النصوص والمواقف والكتابات التي تنتمي إلى تلك الفترة، يمكن القول إن فكرة المدنية وعلاقتها بالدين والفكر الإسلامي قد تحددت في ثلاثة أزمنة أساسية، شهدت فيها هذه الفكرة تطورات متعاقبة، ومسارات واتجاهات متغيرة ومتبدلة، متأثرة بما كانت تفرضه الوقائع من مقتضيات ومنافع موضوعية، أو من جدليات وإشكاليات فكرية.
وفي هذه الأزمنة الثلاثة ارتبطت فكرة المدنية بنماذج من الأشخاص المعروفين والمؤثرين، وبنمط من الكتابات اللافتة والمميزة، وبنسق من الأفكار اللامعة والجذابة.
ففي الزمن الأول ارتبطت هذه الفكرة، من جهة الأشخاص برجلين معروفين هما الشيخ الأزهري رفاعة الطهطاوي (1801ـ1873م)، والوزير خير الدين التونسي (1822ـ1889م)، ومن جهة الكتابات ارتبطت بكتابين هما كتاب (مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية) للطهطاوي الصادر سنة 1869م، وكتاب (أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك) للتونسي الصادر سنة 1867م، ومن جهة الأفكار تحددت في التأكيد على أن الشرع الإسلامي لا يمنع ولا يقف عقبة أمام الاقتباس والاستفادة من منجزات المدنيات الأخرى، في إطار ما أطلق عليه طهطاوي بالمنافع العمومية، أو في إطار ما أطلق عليه التونسي بالتنظيمات الدنيوية.
وفي الزمن الثاني، ارتبطت فكرة المدنية، من جهة الأشخاص بشكل أساسي بالشيخ محمد عبده (1849ـ1905م)، ومن جهة الكتابات بكتابة اللامع (الإسلام دين العلم والمدنية)، ومن جهة الأفكار تحددت في التأكيد على نفي التعارض بين الدين والمدنية.
وفي الزمن الثالث، ارتبطت هذه الفكرة، من جهة الأشخاص ببعض المتأثرين بالشيخ محمد عبده مثل محمد فريد وجدي (1875ـ1954م) في مصر، والشيخ مصطفى الغلاييني (1886ـ1945م) في لبنان، ومن جهة الكتابات اتصلت بكتاب (المدنية والإسلام) لمحمد فريد وجدي الصادر سنة 1898م، وكتاب (الإسلام روح المدنية) لمصطفى الغلاييني الصادر سنة 1908م، ومن جهة الأفكار تحددت في التأكيد على التلاقي بين الدين والمدنية، وأن مصير تطور المدنية هو الالتقاء بالإسلام بوصفه يمثل ذروة المدنية.
وتتصل بالزمن الثالث أيضاً كتابات أخرى، مثل كتاب (بيان في التمدن وأسباب العمران) للكاتب السوري رفيق العظم الصادر سنة 1877م، وكتاب (مدنية الإسلام.. روح التمدن) للشيخ العراقي احمد الشاهرودي الصادر سنة 1346هـ، سنة 1925م تقريباً1.
- 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الخميس / 26 أغسطس 2010م، العدد 16070.