حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
اصول الفقه والعلوم الاجتماعية والمنهج.. جانب الرؤية
من التطورات الحديثة التي حصلت في حقل الدراسات الأصولية والمتصلة بمسألة المنهج، ذلك التطور الذي فتح مجال العلاقة بين أصول الفقه والعلوم الاجتماعية، من جهة تقريب منهج أصول الفقه إلى ساحة العلوم الاجتماعية، وتقريب منهج العلوم الاجتماعية إلى ساحة أصول الفقه.
وفي هذا النطاق، يمكن الإشارة إلى رأيين متقاربين في الوجهة العامة من الناحيتين المنهجية والمعرفية، وهذين الرأيين هما:
الرأي الأول: أشار إليه الدكتور طه جابر العلواني، وتطرق له في مقدمة الطبعة الثانية من كتابه (أصول الفقه الإسلامي.. منهج بحث ومعرفة)، التي حاول فيها أن يلفت النظر إلى أمرين هما:
الأمر الأول: له علاقة بمسألة المنهج، ومن هذه الجهة يرى الدكتور العلواني أن هذا الكتاب حين أعد كان يمثل مقدمة لبحث موسع، أو لعدة بحوث ودراسات تعالج أزمة أو إشكالية المنهج الراهنة، أو تقدم منهجا بديلا عن مناهج البحث المأزومة، توظف فيها الخبرة الفكرية الإسلامية، والتراث الإسلامي بشكل مناسب، خاصة أن أصول الفقه باعتباره منهج بحث ومعرفة مختص بالظاهرة الفقهية، وهي إنسانية أو اجتماعية على أية حال، ولكنها تحمل خصوصية لا يمكن تجاهلها من حيث إنه يتناول هذه الظاهرة في إطار البحث عن حكم فقهي لها مستمد من الأدلة الشرعية التفصيلية، فهو منهج استنباطي يعتمد على بعض المناهج الوسيطة، كالمنهج اللغوي، والتاريخي بشكل ما.
ومن هنا يرى الدكتور العلواني، أن أصول الفقه بقراءة إسلامية واعية، مستلهمة توجهات منهجية القرآن المعرفية، يستطيع أن يقدم مؤشرات هامة على طريق معالجة إشكالية المنهج.
الأمر الثاني: له علاقة بمسألة طبيعة العلاقة بين أصول الفقه والعلوم الاجتماعية، ومن هذه الجهة يرى الدكتور العلواني أن دراسة أصول الفقه، وتحليل جوانبه المختلفة، وعناصره الأساسية التي يتألف منها، مفيدة جداً لمناهج دراسة الظواهر الاجتماعية، والكشف عن العلاقة بين الاثنين هام ومفيد جدا، وأن موضوع العلاقة بين أصول الفقه وبين العلوم الاجتماعية أمر لم يكتب فيه، ولم يميز إلا مؤخراً، وجاء في إطار محاولات بعض المعرفيين المسلمين إيجاد بدائل إسلامية، خاصة في إطار العلوم والمناهج التي تعاني من إشكاليات كبرى، لطالما تنادى العلماء والمتخصصون إلى البحث فيها، دون أن يأتوا بحلول لتلك الإشكاليات.
الرأي الثاني: أشار إليه الدكتور جمال الدين عطية الذي قدم سيمنارا حول علم أصول الفقه والعلوم الاجتماعية، في كلية الشريعة جامعة قطر سنة 1988م، ونقل ملخصا له الشيخ علي جمعة في دراسة له حول ( قضية تجديد أصول الفقه).
وعند النظر في ما طرحه الدكتور عطية، يمكن ضبطه وتحديده في أمرين أساسيين، هما:
الأمر الأول: تساءل الدكتور عطية عن: ماذا يمكن أن يقدم علم أصول الفقه إلى مناهج العلوم الاجتماعية؟
أمام هذا التساؤل، وجد الدكتور عطية أن هناك مواقف وصفها بالمتطرفة، بين من يرفض تماماً منهج أصول الفقه، وبين من يطالب بضرورة تطبيقه في ساحة العلوم الاجتماعية.
الموقف الأول عبر عنه بعض من ينتمون إلى حقل العلوم الاجتماعية، الذين يرون أن ازدهار العلوم الاجتماعية لا يمكن أن يستمر إذا قيدناه بالضوابط الحديدية لعلم أصول الفقه، وذلك لأن هناك في نظر هؤلاء اختلافا في الطبيعة بين المجالين، فعلم أصول الفقه وضع لغرض معين جعله يختلف في طبيعته عن العلوم الاجتماعية التي جاءت لغرض آخر، الأمر الذي يعني أن أصول الفقه لا يمكن أن يكون حاكما على مناهج العلوم الاجتماعية.
والموقف الثاني عبر عنه بعض من ينتمون إلى حقل العلوم الشرعية، الذين يرون في هذه العلوم الاجتماعية الحديثة فروعا جديدة من الفقه، الأمر الذي يتوجب عليها أن تنضبط بمقاييس وضوابط علم أصول الفقه.
الأمر الثاني: ميز الدكتور عطية بين الجانب الموضوعي والجانب القيمي أو المعياري في العلوم الاجتماعية، في الجانب الموضوعي يرى الدكتور عطية ضرورة اعتماد الوحي مصدراً للمعرفة.
أما في الجانب القيمي أو المعياري، فيرى الدكتور عطية أنه لا بد من اعتبار الوحي مصدرا للتوجيه، بل مصدر تأسيسي، لأن ما فيه من قيم وأحكام تكليفية هي الضابط لهذا الجانب من العلوم، وتطبيق منهج علم أصول الفقه في هذا المجال يعد أمرا واردا، ولا يظن الدكتور عطية أن هناك إشكالا له قيمته في هذا الشأن1.
- 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الجمعة / 20 أبريل 2012م، العدد 16673.